الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

كتاب : ميتا القصيدة العربية


ميتا القصيدة العربية
دراسات في القصيدة العربية القديمة

داود سلمان الشويلي


2003

المحتويات:
1 - مقدمة .
2 - قراءات في قصائد عربية قديمة.
3 - النسبية في الشعر العربي.
4 - رحلة القصيدة العربية القديمة - دراسة في معاناة كتابة الشعر.
5 - تبدلات القافية وترادف الألفاظ.
6 - الدادائية والسريالية في الشعر العربي القديم.
7 - الصناعة اللفظية في قصيدة " الفضول الاربعة " لدعبل الخزاعي.
8 - الثقل الابداعي للقصيدة.




مقدمة :

انصبت قراءاتي في السنوات الخمس الأخيرة على الشعر العربي القديم ، ابتداء من الشعر الجاهلي وانتهاء بشعر الفترة الأخيرة من العصر العباسي .. وقد كنت في تلك القراءات على درجة من الانتباه والدقة وذلك لترميم حافظتي الذهنية بما فاتني من معرفة تامة بذلك الشعر ، اذ كنت في سنوات حياتي الأدبية الأولى عازفاً عن قراءة ذلك الشعر ، وكانت حافظتي فارغة الى حد ما منه، سوى ما علق بها من دراستي في مرحلتي المتوسطة والاعدادية وبعض قراءاتي التي لاشك كانت غير دقيقة وغير مدركة .. حتى أنني ، عندما بدأت أدرك ما للشعر العربي القديم من دور كبير في بناء ثقافتنا العربية الأصيلة ، وجدت إن مكتبتي الخاصة تشكو من فقر كبير لهذا النوع من الشعر ، سوى بعض الكتب التي كانت تتحدث عن موضوعات متفرقة ومتنوعة تناولها ذلك الشعر ، وتلك الكتب هي مجموعة من الاطاريح الجامعية ، أو من المحاضرات التي كان يعدها بعض الأساتذة لطلاب الدراسات العليا ، ثم تجمع في كتاب مستقبل ..
وعندما وجدتني اعد لكتابة أطروحتي عن موضوع (( الطبيعة في شعر أبي تمام )) وهو موضوع حرصت جداً على اختياره لانني وجدت لذائقتي النقدية ميلاً الى التقرب من ذلك الشعر ، كان من المحزن ان لا اجد ديوان هذا الشاعر في مكتبتي الخاصة ، ويمكن القول ان ديوان هذا الشاعر بشرح الصولي هو أول ديوان شعر عربي قديم دخل مكتبتي الخاصة ، فضلاً عن حصولي على قرص ليزري يضم نصوص شعراء العربية من العصر الجاهلي حتى العصر الحديث.
وهكذا راحت قراءاتي الأخيرة تنصب على ذلك الشعر ، ورحت أدون بعض الملاحظات ، لاستكشف بعد ذلك جوانب كثيرة مما يفيض بها هذا الشعر ، فكانت حصيلة تلك القراءات ، هذه الدراسات التي ضمها كتابي الأخير والتي انصبت على تقديم ظواهر شعرية قد غاب بعضها عن كتابات نقادنا القدامى والمحدثين .
ان عنوان الكتاب ( ميتا القصيدة ) لم يأت بسبب جماليته ، او انه من باب الترف المصطلحي ( اذا صحت التسمية ) وانما كان عنوانا مختاراً بدقة عبرت فيه عما في هذه الدراسات من محتوىً ، اذ ان موضوعات هذه الدراسات لا تتحدث عن الشعر ، او القصيدة ، من حيث المضمون او الشكل ، وانما عما تفيض به من ظواهر وقضايا هي من خارج عالمها ، أي الموضوعات التي تتداعى فيها ذاكرة القاريء بعد الانتهاء من قراءة القصيدة ، أي موضوعات ما بعد الموضوع الاساس للقصيدة .. ولو راجعنا ما كتب عن ذلك الشعر لو جودناه منصباً على دراسة الجوانب الفنية له ، اما ما يحيط به من فيض فليس له مكاناً في تلك الكتابات .
في دراسات هذا الكتاب ، لم اكن معنياً بالشاعر ذاته ، انما بما قاله ، وهذه هي الفكرة الاساس التي بنيت عليها كل ما كتبته من دراسات نقدية سابقة ، وهذا لا يعني استيراداً من خارج ثقافتنا وتراثنا الثقافي - على الرغم من ان جل اتجاهات النقد عندنا هي مستوردة من الخارج - اوتاكيداً لما جاء به بارت من نظرية في ( موت المؤلف ) و إنما تأكيداً لما للنص من استقلالية ، وأيضا ، فأن جل نقادنا القدامى كانوا يفعلون ذلك ، خاصة من أصحاب مدرسة النقد الفني كالجرجاني ، والجاحظ وقدامه بن جعفر ، وغيرهم ، على خلاف ما كان للبعض من اولئك النقاد من توجه نقدي في دراسة الشعر العربي دراسة اخلاقية ، كالأصمعي وابن طباطبا ومسكويه والباقلاني وغيرهم ممن يندرجون تحت لافتة المدرسة الاخلاقية في نقد الشعر .
وهذا القول ، ليس فيه تعارضاً مع ما جاء في دراستي عن قصيدة ( الفضول الأربعة ) لدعبل الخزاعي ، عندما تحدثت قليلأً عن بعض جوانب حياة هذا الشاعر ، لان ما ابرزته الدراسة من بعض سلوكيات واخلاق هذا الشاعر لم تكن لها أي تأثير على نصه المدروس او على جل نصوصه الشعرية الاخرى ، وانما حاولت من خلال ذلك التأكيد على ان مثل هذه السلوكيات وهذه الأخلاق التي كان يتصف بها ليست لها تأثير يذكر على هذا النص المدروس .
واخيراً أرجو ان أكون قد وفقت في دراسة كل موضوع من موضوعات هذا الكتاب .. ومن الله التوفيق .

داود سلمان الشويلــــــــي
العراق / ذي قار /آذار /2004




قراءات في قصائد عربية قديمة(*)


(( ابيت ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم ))

هذا ما قاله الشاعر العربي العظيم ( المتنبي ) عن شعره ... ويمكن ان يقال عن الكثير من قصائد الشعراء العرب .
ان سهر ( الخلق ) واختصامهم في شعر المتنبي ، يمكن ان يتعداه الى شعر غيره ، لا للاختصام فيه ، او لنقده ، او معرفة محموده من مذمومه ، وانما لما تطرحه بعض القصائد من ( ظلال ) تجعل هذا (الخلق ) في ذلك الزمان ، وفي أي زمان يحتكم الى نفسه اوالى غيره لـ ( جلاء ) تلك (الظلال ) ، و( الظلال ) هذه يمكن ان نطلق عليها مصطلح ( ميتا القصيدة ) او ما بعد القصيدة .
في هذه السطور سنتناول بعض ما قاله ( بعض )الشعراء في قصائد تترك عندالسامع ( ظلالا ) تجعله ( يسهر جراها ) ولا اقول ( يختصم ) معها او مع الاخرين ، بل هو يختصم مع نفسه وهو يسلط الاضواء ليجلو ما في القصيدة من امور خفية .

*** ***

1- الاعشى وتعالق الحب

كيف يكون حب المحبين ، هل هو حب ( توازي ) ام حب ( توالي ) ؟ وعذرا من علم الكهرباء ... هل هو بالاصالة ، ام هو حب بالانابة ؟ وعذرا من رجال القانون ... هل هو حب من طرف واحد ام هو حب الطرف الى الطرف الاخر انجذابا كانجذاب قطبي المغناطيس ؟ وعذرا من علم المغناطيسية .
اسئلة كثيرة تقف امام قاريء معلقة ( الاعشى ميمون ) التي يبدأها بقوله :

ودع هريرة ان الركب مرتحل وهل تطيق وداعا ايها الرجل

ان قاريء هذا البيت وقلبه ممتليء بالحب ، سيجيب – حتما – بالنفي . اذ كيف يطيق – مثل هذا المحب او ذاك – وداع حبيبته ؟ الا ان القصيدة تقول غير ذلك ، ذلك لان الراوي ( = الشاعر = المحب ) لم يكن حبه كاملا ، ولم تكن له حبيبة تبادله الحب ، وانما كان حبه بالنيابة ، أي لم يكن حبا بالاصالة ، ولكي لا نجني على احد شعراء المعلقات العشر ( او السبع ) بعد اكثر من 1600 عاما مضت ، نرجيء الاجابة القاطعة بعد قراء تنا لبعض ابيات معلقة ( الاعشى ) ، والتي يصف فيها تعلق قلبه بمن (يحب ) :

علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق اخرى غيرها الرجل
وعـلقته فـتاة مــــا يحاولها ومن بني عـمها ميت بــها وهــل
وعلقتني اخيرى ما تلائمني فاجتمع الحب حب كــله تبــــــل

قبل ان نقول شيئا ، نذكر ان ( ام جليد ) هي نفسها (( هريرة )) التي يزعم الشاعر انه يحبها ، فودعها في بداية معلقته ، فهل كانت حقا حبيبته ، أي هل كانت تبادله الحب ، واي حب هذا ؟
ارى ان خير اجابه على هذا التساؤل ، هو ان نضع مخططا لهذا الحب المتداخل ، المتوالي ، المتوازي ... الخ .( انظر المخطط – 1 - )
اين موقع الشاعر ( المحب ) من هريرة التي يحبها ويصد عن ( الأ ُخيرى ) فيما( هريرة ) لاتحبه ، وانما تحب رجلا آخر ؟
ان الرجل الاخر الذي تحبه ( هريرة ) كان هو الاخر غير معني بحبها ، وانما يحب فتاة ( آخرى ) وبنفس الوقت ، كانت هناك ( فتاة ) تحبه دون ان يعير أهمية لحبها ... اما تلك( الفتاة ) فقد تعلق قلب ابن عمها بحبها دون ان تبادله هذا الحب .
اذا ، من هو المعشوق بين كل هؤلاء ؟ هل هي هريرة ، ام الشاعر ؟
ان الترسيمة السابقة تبين لنا انه لا الشاعر ولا هريرة هما المعشوقان بين كل هؤلاء ، وانما هو الرجل الذي لا نعرف عنه شيئا ، ان نصيبه من الحب ( المشتبك ) هذا نقطتين ، فهريرة تحبه ، والفتاة الاخرى ، التي تعلق قلبها به .
اما هريرة ، والشاعر نفسه ، فقد حصل كل واحد منهما على نقطة واحدة .
ان الاعشى قد بين في قصيدته هذه انواعا من علاقات الحب .
النوع الاول هو حب الرجل للمرأة ، مثل حب الشاعر لهريرة وحب الرجل للــ ( اخرى ) وحب ابن العم للفتاة .
والنوع الثاني حب الــــ ( اخيرى ) للشاعر ، كحب هريرة للرجل ، وحب الفتاة للرجل .
اما النوع الثالث ، فهو علاقة الحب الموهوم ، وهو حب الرجل لــ ( الاخرى ) التي لا تعرف عن هذا الحب شيئا ، فظلت بعيدة عن جميع هذا العلاقات . لكنها تبقى في النهاية الفائزة الاولى في شبكة علاقات الحب هذه ، لان جميع ( سيول ) الحب التي تصب في مجرى ( الرجل ) تعطيه زخماً قوياً لكي يحب هذه الــ ( اخرى ) ،اما الخاسر الوحيد في كل هذا هو ابن عم الفتاة ذلك الــ ( ميت بها وهل ) اذ انه اعطى من حبه لأبنة عمه دون ان تعطيه هي او أي فتاة أخرى شيئاً من الحب .
فاي علاقات حب هذه ؟ أي مكسب سيجنيه القلب ، أو الروح من كل هذه العلاقات ؟
هل كان لوم الشاعر لـــ ( هريرة ) عندما صدته لوما ( في مكانه ) كما يقال ؟
ترى هذه السطور ، ان الإجابة هي بالنفي ، لان هريرة ليست الفتاة الوحيدة من بين فتيات هذه الشبكة التي صدت من تحب . اذ ان الجميع كانوا يصدون ( بوعي او بدونه) من يحب ... وتبقى هذه ( الأخرى ) مرفوعة الرأس ، وأنفها شامخ بتكبر وإصرار ... وليذهب الجميع إلى الجحيم .
*** ***
ليست خارج السياق :
واستطرادا مع حديث التعالق ، يذكر الجاحظ في ( المحاسن والاضداد ) : (( قيل : ولما استوثق امر العراق لعبد الله بن الزبير ، وجه مصعب اليه وفداً ، فلما قدموا عليه ، قال لهم : وددت ان لي بكل خمسة منكم رجلاً من اهل الشام . فقال رجل من اهل العراق : يا امير المؤمنين علقناك ، وعلقت بأهل الشام ، وعلق اهل الشام بآل مروان ، فما اعرف لنا مثلاً الا قول الاعشى :
علقتها عرضاً وعلقت رجلاً غيري وعلق اخرى غيرها الرجل
فما وجدنا جواباً احسن من هذا )) .(1)
وذكروا ان الاخطل كانت عنده امرأة ، وكان بها معجباً ، فطلقها وتزوج بمطلقة رجل من بني تغلب ، وكانت بالتغلبي معجبة فبينا هي ذات يوم جالسة مع الاخطل ، اذ ذكرت زوجها الاول ، فتنفست الصعداء ، ثم ذرفت دموعها ، فعرف الاخطل ما بها ، فذكر امرأته الاولى ، وانشأ يقول : ( 2 )

كــلانا عـــلى وجــــد يبيت كـــــأنما بجنبيه من مس الفراش قروح
على زوجها الماضي تنوح وزوجها عــلى الطلة الاولـى كذاك ينوح

اما ليلى الاخيلية ، فأنها تقول لصاحبها توبة الحميري :

وذي حاجةٍ قلنا له لا تبح بــها فليس الـــــيها ما حييت سبيل
لنا صاحبٌ لا ينبغي ان نخونه وانت لاخرى صاحب وخـــليل ( 3 )

ويوجز المنخل اليشكري هذه العلاقة كما هي بينه وبين محبوبته او بين بعيره وناقتها قائلاً :
واحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري

الا ان عروة بن حزام العذري ، يجد تعارضا ً بين وجهته وبين وجهة ناقته لتعارض مكان محبوب كل واحد منهما . فبينما كان هو يغذ راحته بأتجاه محبوبته ، يجد ان ( هوى) راحلته قد ابتعد كلما تقدمت به هذه الراحلة الى محبوبته .
يقول :
هـوى ناقتي خلفي وقدّامي الهوى وانــــــــي واياها لمختلفان
فأن تحملي شوقي وشوقك تفدحي وما بك بالحمل الثقيل يدان (4 )


***
2 - ابو نواس والكرم الحاتمي:
صحيح ان ( الاحتكار ) كمصطلح وكمفهوم يعود الى علم الاقتصاد ، وهو ظاهرة اقتصادية مذمومة ان لم نقل انها تعتبر جريمة اقتصادية يعاقب عليهاالقانون . الا ان ( ابو نواس ) الشاعر المعروف بقصائده الغزلية وخمريتاته ، قد جعل من نفسه محتكرا في الحب.
يقول ابن حزم الاندلسي في احتكار الحب :

وددت بــأن القلب شـــــق بمدية وادخلت فيه ثم اطبق في صدري
فاصبحت فيه لا تحلين غـــــــيره الى منقضى يوم القيامة والحشر
تعيشين فيه ما حييت ، فان أمت سكنت شغاف القلب في ظلم القبر ( 5 )

من اين اتت للشاعر هذه الطبيعة الجشعة التي يمتاز بها بلا فخر بعض تجارنا ... وكيف يكون المحب بهذه الدرجة من الاحتكار الموصلة الى الهلاك ؟ هل كان ابن حزم قد جرب الحب حقيقة ؟ ام انه كتب دون تجربة ؟
لا اريد ان اجيب عن هذا السؤال ، لان ( ابي نواس ) كان هو الاخر محتكرا في حبه ، على الرغم من هذا التساهل الذي ابداه ، ودون ان نعرف مصدره ، فهل هو الخوف على قلب ( المحب )ام انه الخوف على من يحب ، ام الخوف من الله؟ ام هو كرم بخيل ليس الا؟
وتذكر الاخبار ان ابا نواس قد احب ( جنان ) وهي جارية عمّارة بنت عبد الوهاب الثقفي ، وقد وصفها مرة (( وقد ذهبت الى عرس فكان جمالها سبباً في انصراف الحضور عن العروس اليها )) . ( 6 )
شهدت جـــلوة العروس جنانٌ فأستمالت بحسنها الـــنظارة
حسبوها العروس حين رأوها فأليها دون العروس الاشارة
قال اهل العروس حين رأوها مـــــا دهانا بها سوى عمارة

لنقرأ ما قاله عن حبه لجاريته ( جنان ) :
جنان حصلت قــلبي فـما ان فيه من باق
لها الثلثان من قلبي وثلثا ثلثه الباقـــــي
وثلثا ثلث ما يبقــى وثلث الثلث للساقي
فيبقى اسهم ســــت تـجـزأ بـين عــشاق

قبل ان نقول شيئا ، علينا تقديم ايات الشكر والتقدير لهذا الكرم ( الحاتمي ) الذي ابداه الشاعر لعشاق ( جنان ) ولكن من اين نعرف القيمة الحقيقية لهذه الاسهم الست ، لكي نشكر ابو نواس على كرمه ( الحاتمي ) هذا؟
واين يمكن تصريف هذه الاسهم ؟ هل تصرف في مصرف الاستثمار ، ام في مصرف الائتمان ، ام في مصرف الرشيد ، ام الرافدين ، ام في سوق الاوراق المالية في بغداد ؟
ستسعفنا الحاسبات الالكترونية لحل هذا اللغز ، ولنتعرف على هذه القيمة التي ( تفضّل ) بها ابو نواس على عشاق ( جنان ) ( المساكين ) :

أ - / لنفترض ان قلب ابو نواس = س ، وقد قسمة هكذا :
1- لها الثلثان من قلبي = 2 / 3س

2- وثلثا ثلثه الباقي = 2/ 3 × 1/ 3س
اذن ، المجموع يكون = 2/ 3+ ( 2/ 3 ×1/ 3 ) = 2/ 3 + 2/ 9=8 / 9

3- فماذا بقي من قلب ابي نواس :
الجواب : 1- 8 /9 = ( 9- 8 ) / 9 = 1 / 9
فهل يكتفي ابو نواس بذلك ، ام انه ما زال بخيلا ، محتكرا .

ب – وثلثا ثلث ما يبقى =
1- ان ثلث ما يبقى = 1/ 3× 1 / 9= 1/ 27
2- فماذا يريد به ؟
انه يريد ثلثي هذا الباقي = 2/ 3 × 1 / 27 = 2 / 81

جـ – ماهي حصة جنان من قلب ابي نواس ؟
8/9 + 2/81 = (72 + 2 )/ 81 = 74 / 81 هذه هي حصة جنان .

د – اما حصة الساقي الذي لم ينسه ابو نواس فهي = ثلث الثلث وتساوي
1 / 3 × ( 1 / 3 × 1 / 9 ) = 1 / 81

هـ - ان حصة جنان وحصة الساقي = 74 / 81 + 1/ 81 = 75 / 81

و – اما حصة العشاق ، فهي =
1 – 75 / 81 = ( 81 – 75 ) / 81 = 6 / 81 = 74 0.0 من قلب ابو نواس لا غير .
كم هو كريم هذا الشاعر ؟ وكم كان العشاق قانعين بهذه القسمة .

*** ***
ليست خارج السياق :
ويصور لنا النابغة الذبياني في قصيدة له ذكاء فتاة الحي ( وقيل انها زرقاء اليمامة ) فيقول :
فأحكم كحكم فتاة الحــــي اذ نظرت الــــــى حــمام شراعٍ وارد الثمدِ
يحـــفه جــــانباً نـــــــــــيقٍ ويتبعه مثل الزجاجة لم تكحل من الرمـد
قالت : الا ليتما هــذا الحـــــمام لنا الــــــــتى حـمامتنا او نصفه فـقد
فكملت مـــــائة ً فــــــــيها حمامتها واسرعت حِـسبة ً في ذلك العـدد

ولو حولنا هذا القول الى مسألة جبرية فأن حساب فتاة الحي سنجده صحيحاً :
الحل :
نفرض ان مجموع الحمام الذي رأته الفتاة = س


1
اذن : 1.. = س + ------- س +1
2


س
1.. = س +---- + 1
2


2س + س + 2 3س + 2
1.. =------------------ = -----------
2 2

اذن 1.. X 2 = 3س + 2
2.. – 2 = 3س
198 = 3س

198
اذن س = ------- = 66
3
وهو مجموع الحمام الذي رأته الفتاة . ونصفه = 33 ، فيكون المجموع = 99 وتضيف هي حمامتها ، فيصبح المجموع = 1.. .
اما العباس بن الاحنف ، فقد وزع قلبه بين حبيباته ، فقال :

انـني ودعــت قلباً طائــــــــــعاً بين " سحرٍ" و"ضياءٍ" و خُنُث"
يتنازعن الهوى عن ذي هـوى آمنات عــــــــــــــــــــــــدهُ لا ينتكث
واذا "سحر" اتت زائـــرةً كشفت رؤيةُ "سـحر" كل بث
وا بنفسي من حبيبٍ زائـــرٍ غير مملول عـلى طول اللبث ( 7 )

***
3 - جميل بثينة ونظرية الانعكاس الضوئي:
من اجمل قصص الحب ، قصة حب جميل لابنة عمه ( بثينة ) ، واذ هي لا تخرج عن الاطار العام لقصص الحب العذري الاخرى ، كقصة المجنون وليلى ، الا ان ما رافقها من شعر صوّر هذه العلاقة في صور شتى جعلها من اندر قصص الحب العذري.
في هذه السطور سنقف وقفة سريعة على بعض ما احاط شعر جميل الذي قاله عن حبه لمحبوبته ( بثينة ) من ( ظلال ).
نظرية الانعكاس :
لا نقصد بهذه النظرية ، النظرية الماركسية حول كون الادب ، هو انعكاس للتحولات الاجتماعية ، أي انعكاس للواقع ، وانما نقصد : نظرية الانعكاس الضوئي الفيزيائية ، والتي تقول : ان الانعكاس هو ( ظاهرة ارتداد الضوء الساقط على جسم الى الوسط نفسه الذي قدم منه ) .

قال الشاعر جميل ، وهو يقف وحيدا في الصحراء ، وربما في داره او في أي مكان اخر ، وهو يرنو الى صفحة السماء ، علّ نظره يلتقي نظر ( بثينة ) على صفحة السماء :

اقلب طرفي في السماء لعله يوافق طرفي طرفها حين ينظر

هنا يفترض جميل ان ( بثينة ) نفسها تقوم بالعمل نفسه في الوقت ذاته ، او في اقل تقدير ( طرفها ) الذي :

فما سرت من ميل ولا سرت ليلة من الدهر ، الا اعتادني منك طائف

ولنفترض ان ( بثينة ) كانت تقف في المكان ( أ ) ويقف جميل في المكان ( ب ) فان انعكاس شعاع نظريهما ( طرفيهما ) على صفحة السماء سيجعله – حتما –يلتقي بـ ( طرفها ) ومن ثم ( طيفها ) . ( انظر الشكل – 2 - )
ولا نريد هنا ان نقول كيف تسنى لجميل ان يهتدي لنظرية الانعكاس الضوئي ... لكن تجربة ( الحب ) والحب العذري خاصة ، وتجربة جميل مع ( بثينة ) على وجه الخصوص ، قد جعلته يهتدي ( شعريا ووجدانيا ) الى هذه النظرية / الظاهرة .. ليطبقها على نفسه وعلى حبيبته ، والحاجة ام الاختراع .
الحب العذري :
لنفترض ان الاثنين كانا في الوقت نفسه ينظران الى السماء ، وكان الوقت ليلا ( وقت المحبين المفترقين ) وانهما قد نظرا الى نقطة محددة فيها ، ولتكن نجمة ما ، فيلتقي فيها (طرفيهما )، أي انهما يلتقيان في المطلق اللانهائي ، ذلك لان حب جميل لـ ( بثينة ) ليس حبا بشريا ، وانما هو حب الهي ، كان قبل ان يولدا ، وسيبقى بعد مماتهما ، فها هو يخاطب من لامه على حبها قائلا :

فقلت له : فيما قضى الله ما ترى علي ، وهل فيما قضى الله من رد ؟
فأن يك رشدا حبها او غوايــــــة فقد جنته ، ما كان مني على عمد
فقد جد ميثاق الا لــــــــــه بحبها ومـــا للـذي لا يتقي الله من عــهد
تعـلق روحي روحها قبل خـلـقـنا ومن بعــد ما كنا نطافا وفي المهد
فــــزاد كما زدنا، فـــاصبح ناميا وليس اذا مـتنا بمـنـتـقـض العـهد
ولكنه بـــــــاق عــلى كل حـــالة وزائــرنا فـي ظـلمة القبر واللـحد

هل كان جميل يحب فتاة بشرية ؟ اقصد هل كان جميل يرى في ( بثينة ) صورة المرأة / الانثى / المحبوبة ؟ ام انه يرى فيها صورة اخرى ؟
يقول في قصيدة اخرى :

يكاد فضيض الماء يخدش جلدها اذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد

هل هذا الوصف ينطبق على مخلوق ارضي ( بشري ) ام انه ينطبق على مخلوق سماوي ؟ فهو لا يلتقي مع محبوبته الا على صفحة السماء ، ولم تتعلق روحيهما على اديم الارض ، وانما تعلقا قبل ان يخلقا ... فاين كانت روحيهما ؟ ((يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا )). (الاسراء /85 ) .
واذا كان حبهما قد بدأ قبل ان تخلق ارواحهما ، فهل ينتهي حبهما بموتهما ؟
يجيب جميل عن هذا التساؤل قائلا :

بهواك ، ما عشت والفؤاد فأن امت يتبع صداي صداك بين القبر

ان زمن حبهما ، زمن غير متناه ، فاذا كان الحب هذا ، ولنقل انه الهوى ، لشفافية الكلمة ، قد بدء قبل الخلق ، وسيبقى بعد المماة ، فان الـ ( هوى ) هذا ، هوى غير مادي ، غير محسوس ، انه حب سماوي ، الهي .
***
ليست خارج السياق :
يقول النابغة الذبياني في احدى قصائده :

اقولُ والنجمُ قــــــــــد مالتْ أواخره الــــــى المغيبِ تثبت نظرة ً حار ِ
المحة ٌمن سنا برق ٍ رأى بصري ام وجه ُ نعم ٍ بدا لي ام سنا نار
بل وجه ُ نعم ٍ بـــــدا والليلُ معتكرٌ فلاحَ مــــــــن بين اثوابٍ واستار


المراجع والمصادر :
1 - موجز المحاسن والاضداد – الجاحظ – كتاب الهلال – ‘ / 298 – ب.ت .
2 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – د. مصطفى الشكعة – دار العلم للملايين – بيروت – ط2 – 1975 .
3 – طوق الحمامة في الالفة والالاف – ابن حزم الاندلسي – تح : صلاح الدين القاسمي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1986 .
4 – النظام في شعر المتنبي وابي تمام – ابو البركات شرف الدين المبارك المعروف بـابن المستوفي – ج6 – تح : د. خلف رشيد نعمان – سلسلة خزانة التراث – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1995 .
5 – الابيات الشعرية التي لم تثبت لها مصادر مأخوذة من القرص الليزري الشعر ديوان العرب – الاصدار 2.0 – الاشراف العام : محمد احمد السويدي – ابو ظبي – الامارات العربية المتحدة – 1997 – 2001 .
الهوامش:
1 – موجز المحاسن والاضداد – 27 .
2 – المصدر السابق – 136 .
3 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 455 .
4 – النظام في شرح شعر المتنبي وابي تمام –
5 – طوق الحمامة – 139 .
6 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 279 .
7 – المصدر السابق – 356 .
(*) نشرت هذه الدراسات في جريدة الناصرية في اعدادها : 12/2/2000 ، 20/2/2000 ، 27 / 2 /2000 .







النسبية في الشعر العربي

لم تكن النظرة النسبية للاشياء ، او العلاقة النسبية بينها(منتبها) اليها قبل انشتاين (1905م) ،خاصة بما يتعلق بالزمن والحركة ،اذ كان نظر الناس (علماء وعامة) الى الزمن العام على انه عبارة عن تتابع في الاحداث ووقت حدوثها نتيجة لحركة الارض حول نفسها بالنسبة الى ظاهرتي الليل والنهار ، او حركة الارض حول الشمس بالنسبة الى ظاهرة الفصول الاربعة ،اما بالنسبة الى نظرتهم الى زمنهم الخاص – أي نظرة الشخص الى زمنه – فقد كانت بصورة متوالية عددية تبدأمن الميلاد وتنتهي بالموت ، اما الحركة فهي بالنسبة اليهم الانتقال في المكان .
ان علاقة الانتقال في المكان والزمان ، او ما يمكن تن نسميه بالسرعة ،فقد كان الناس - على مستوى العامة على اقل تقدير – منتبهين اليها في رحلاتهم دون ان يشغلوا تفكيرهم بحسابها ،الا ان الشعراء – ويمكن عدهم من مثقفي أي مجتمع دون ان نطلق عليهم صفة العلماء – قد كانوا اكثر انتباها من بقية الناس الى هذه الموضوعات ، وهذا ما ستناقشه هذه الدراسة.
ان النظرتين- العلمية والعامة – تنطلقان من ميدأ اساسي هو : ان الزمن يسير بخط مستقيم ، دون ان تكون هناك اية علاقة بين الازمان العديدة بعدد البشر ، لان كل العلاقات التأثيرية – ايجابا وسلبا – والتي لها علاقة بأستمرارية الزمن الخطية لا تغير شيئا من خطية الزمن الخاص لاي شيء في الوجود ، اذ ان التوازي هو الحاكم بينها ، حتى اذا جاء انشتاين ، قلبت كل الموازين على المستوى العام عند الناس ، او على مستوى العلم ، اذ نبه الناس الى ان العلاقة التي تربط بين الاشياء – على مستوى الزمان والمكان خاصة – ام تكن علاقة مطلقة ، بل هي علاقة نسبية . هذه النتيجة العامة التي كانت جزءا بسيطا من نظريتي النسبية لانشتاين ( الخاصة عام 1905 ، والعامة عام 1915) نبهت الناس كثبرا الى هذه العلاقة والتي على اساسها تغير مفهوم الزمن ، اذ لم يكن مفهوم الزمن كما كان سابقا يسير بخط مستقيم ، أي كان عبارة عن تتابع خطي في الوقت ( تتابع في حدوث الامور) ، فضلا عن ذلك ، فقد اضافت هذه النظرية فكرة جديدة الى علاقة الزمان بالمكان ، اذ كان النظر اليهما على انهما غير مرتبطين ، وايضا على انهما قيمتان ثابتتان .
ان فكرة ترابط الزمان بالمكان يمكن الحصول عليها من خلال فكرة الحركة ، أي الانتقال من مكان الى اخر – اذ ان هذا الانتقال لم يكن على المستوى المكاني حسب ، بل هو على المستوى الزماني ايضا ، ولكن كيق للمرء ان يحس بحالة الانتقال هذه ما لم ينظر اليها نسبة الى شيء اخر ؟
ومن الامثلة البسيطة التي ترد دائما عند مقدمات الحديث عن النظرية النسبية ، هو مثال الراكب في السيارة ، او القطار ، والذي مفاده: ان الراكب لا يحس بحركة القطار ما لم ينظر الى ما في الخارج من الاشياء الثابتة ، كأعمدة الكهرباء او الاشجار ، عندها يرى ان هذه الاعمدة وتلك الاشجار هي التي تتحرك ، فيما هو ثابت ، والصحيح ان الراكب هو الذي يتحرك بأطراد.
هذا المثال ، يؤكد نسبية الحركة ، أي ان الراكب قد قاس حركته – أي حركة القطار – نسبة الى ثبوت الاعمدة والاشجار في مكانها .
لنتساءل : هل كان العرب – وكل البشرية منذ آدم – ينظرون الى الزمان والمكان والعلاقة بينهما (أي الحركة) هذه النظرة التي بسطناها في السطور السابقة ؟
ارى ان الاجابة بالنفي – او على اقل تقدير – انهم كانوا يعون – بدرجة ما – مثل هذا ، الا انهم لم يكونوا قد قعدوه ضمن قواعد ومفاهيم ، مهما كانت درجة دقتها ، اذ لا ننكر ، ان الانسان ، كان يعرف انه يقوم بحركة ما عندما ينتقل من مكان الى اخر ، وكذلك يعرف ان انتقاله ذاك يستغرق زمنا ، كما انه كان واعيا الى ان الزمن يسير دون توقف مهما ثبت الشخص في مكان ما ، الا انه لم يكن قد (فلسف) هذا الوعي بسير الزمن دون التنقل بين الاماكن ،ومن هذا الوعي ، كانت ابيات قصيدة كعب بن زهير ، التي مطلعها (1)
ما برح الرسم الذي بين حنجر وذلفة حتى قيل هل هو نازح
يقول ابن زهير في الابيات (من 12 الى 18 ) :
فلما قضينا من منى كــــــــل حاجة ومسح ركن البيت من هو مـــــاسح
وشدت على حدب المهاري رحالها ولا ينظر الغادي الذي هو رائــــــح
قفلنا على الهوج المراسيل وارتمت بهن الصحاي والصماد الصحاصح(2)
نزعنا بأطراف الاحـــــــاديث بيننا وسالت (3) بأعناق المطي الاباطح
وطرت الى قوداء قـــــــــــاد تليلها مناكبها واشتد منها الجـــــــــــــوانح
كأني كسوت الرحل جــونا رباعيا تضمنه وادي الرجــــــــــــا فالافايح

ان ما يعنينا من هذه القصيدة ، ، البيت (15) ، وخاصة عجزه ، لا لانه اصبح مشهورا في كت الدارسين منذ اكثر من الف عام ، مما جعله عرضة للتغيير ، وانما لما له علاقة بنسبية الحرك .
ومن ضمن التغييرات التي حدثت عليه ، تبديل لفظة (سالت) بـ (مالت) ، وعلى الرغم من ان حروف اللفظتين هي نفسها ، سوى تبديل الحرف الاول ، الا ان المعنى تغير على الرغم من ان اللفظتين – على مستوى البيت الشعري – يحملان من معاني المجاز الكثير . وكذلك القول بالنسبة لحرف الجرفي البيت (16) ، اذ انه لا يستقيم المعنى الا بعد ان نغيره من (الى) الى (على) .
ان هذه الدراسة نرى ان المعنى الاعجازي لهذا البيت لا يستقيم مع لفظة (مالت) وانما مع لفظة (سالت) ، لاسباب ، من اهمها ان لفظة (سالت) ذات دلالة لها علاقة بجري الراحلة التي يتحدث عنها البيت الشعري – منظرا اليها نسبة الى عنق الراحلة - ، فضلا عن الدلالة التي يعطيِها هذا البيت والمتمثلة بالحركة ببعديها الزماني والمكاني .
تخبرنا ابيات القصيدة ، ان الشخصية المركزية فيها ، أي المتحدث – الراوي – الشاعر ، ومن خلال ضمير المتكلم للجماعة : انه وبعد ان انتهوا من مناسك الحج ،وبعد ان شُدت- بصيغة البناء للمجهول – الرحال على ظهور (المهاري) في جو غيبت فيه المراقبة بين الحضور ، وكما قال الله سبحانه وتعالى : ((يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى )) (الحج :2) خرجوا راكبين على (الهوج المراسيل = السريعة ، والقوادة = طويلة العنق) التي (ارتمت) في الصحاري المستوية الرملية الجرداء او الصلبة .

تحليل النص:
لنعود الى النص (شطر البيت) محور هذه الدراسة ، والذي يقول :
................ وسالت بأعناق المطي الاباطح
1- ان راوي النص (= الشاعر ) مفصول عن عالم القصيدة ، مهما ذكرت القصيدة من الفاظ او افكار – كضمير المتكلم- الا ان القاريء يحس بأنفصال شديد لهذا الراوي وكأنه ينقل ما يراه دون مشاركة في كل ما يرى ، اذ ان نص الدراسة يشي بذلك وكأن الامر لا يعني الراوي بشيء .
2- توقف اكثر من دارس حوله ،وقد عده اغلبهم من افضل امثلة المجاز الشعري ، كالجرجاني الذي قال عنه :
(( انه لم يعرف جعل المطي في سرعة سيرها وسهولته كالماء يجري في الابطح فإن هذا شبه معروف ظاهر ولكن الدقة واللطف في خصوصية افادها بأن جعل سال فعلا للاباطح ثم عداه بالباء ثم بأن ادخل الاعناق في البيت فقال بأعناق المطي ولم يقل بالمطي ولو قال (سالت ) المطي في الاباطح لم يكن شيئا وكذلك الغرابة في البيت الاخر ليس في مطلق معنى سال ولكن في تعديته بـ (على) والباء (...) ولولا هذه الامور كلها لم يكن هذا الحسن وهذا موضع يدق الكلام فيه وهذه اشياء من هذا الفن )). (4)
ويقول في مكان اخر : (( وسالت باعناق المطي الاباطح ، غير السيل ، واعلم ان الذي ذكرت لك في المجاز هناك من ان من شأنه ان يفخم عليه المعنى وتحدث فيه النباهة قائم لك مثله ها هنا)) . (5)
كان ذهن الجرجاني منصبا على التشبيه في هذا البيت ، أي تشبيه سرعة حركة الراحلة بسرعة سيل الماء في الاباطح ، وله العذر في ذلك ، لان همه هو توضيح اعجاز هذا البيت من خلال المجاز واستخدام المعجم اللغوي شعريا .
3 – لقد نبهنا الجرجاني الى نقطة مهمة هي استخدام الشاعر لـ (اعناق المطي ) دون ان يقول (المطي) ، ومن هنا يمكن القول ان الشاعر قد قاس حركته نسبة الى ارض الاباطح من خلال حركة اعناق المطي وثبوت الارض وما فيها من تضاريس ، أي كانت عينا الشاعر كالكاميرة السينمائية في لقطة (نظرة الطائر) اذ تصور المشهد من فوق رأس عنق المطي فيظهر من تحت ذلك العنق الازض وهي تجري عكس جريان العنق ، أي ان عيني الشاعر كانتا هما المراقب لما يحدث ، أي للعلاقة بين العنق والارض ، فماذا وجد؟
4 – ان ما رآه الشاعر هو ثبوت الاعناق في مكانها – وكذلك هو – فيما الاباطح هي التي ( تسيل = تتحرك بسرعة) . وهذه الفكرة تذكرنا براكب القطار الذي يرى اعمدة الكهرباء او الاشجار متحركة بسرعة . لقد كان لانثيالات ذاكرة الراوي دور كبير في استجلاب صورة (الماء) الذي يسيل فيها / او عليها .
5 – ان المحاور المرجعية للراوي خي ( اعناق المطي ) ، لهذا فأن قياس الحركة كان معتمدا عليها ، فكان السكون من حصة الاعناق ، فيما الحركة للاباطح . ولو كان هناك شخص اخر له مراجع محورية غير التي عند الراوي – كأن يكون واقفا في / او على الاباطح – فأنه سيرى العكس .
مما تقدم ، يمكن القول ان الشاعر كعب بن زهير قد كان اكثر وعيا من مجايليه – الشعراء والعامة – وكذلك الذين جاؤوا بعده – خاصة الفلاسفة والعلماء – في ان علاقات الاشياء لم تكن ساكنة ، محايدة ، وانما هي علاقة نسبية ، مما يجعل من ها الشاعر ، فضلا عن شعراء اخرين كالمتنبي ، وابو العبر ، وابو نؤاس ، والاعشى ، من الشعراء الاذكياء ودقيقي الملاحظة للوجود وما يشتمل عليه من اشياء وعلاقات تربط بينها .

المصادر:
اعتمدت الدراس المصادر المذكورة في الاقراص الليزرية ادناه :
1 – القرص الليزري ( الموسوعة الشعرية – الشعر ديوان العرب) الذي يضم : أ – شعر كعب بن زهير .
ب – دلائل الاعجاز في علم المعاني – الامام عبد القاهر الجرحاني .
ج – الشعر والشعراء – ابن قتيبة .
2 – القرص الليزري ( مكتبة الادب) الذي يحتوي على كتاب : خزانة الادب – عبد القادر بن عمر البغدادي .
6 / 5 / 2004
الهوامش :

1- الموسوعة الشعرية – شعر كعب بن زهير .
2 – الهوج: طوسل وبه تسرع وحمق . والهوجاء : الناقة التي كأن بها هوجا من سرعتها .
المراسيل : جمع مرسال ، وهي السريعة السير .
الصحاصح : والصحصح والصحصاح والصحصحان : كل ما استوى من الارض وجرد والجمع الصحاصح .
قوداء :الاقود الطويل العنق والظهر من الابل والناس والدواب . وفرس اقود : بيّن القود وناقة قوداء .
((انظر تاج العروس))
3 – اعتمدت في تثبيت هذا البيت على المشهور من روايته. انظر دلائل الاعجاز – ج 1 / 72 . و الشعر والشعراء – ص1. يروي هذا البيت هكذا :
اخذنا بأطراف الاحـــــــاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الاباطح
اما مؤلف كتاب خزانة الادب – ج1 / 424 ، فيذكره بالنص ، الا انه ينسبه الى كثير عزة .
4- دلائل الاعجاز- ج 1 / 72 .
5 – المصدر نفسه – ج1 / 227 .
الصماد : عقاص القارورة .





رحلة القصيدة العربية القديمة
دراسة في معاناة كتابة الشعر


(( وانما الشعر عقل المرء يعرضه
على الانام فأن كيساً وان حمقا
وان اشعر بيتٍ انت قــــــــــــــائله
بيتٌ يـــقال اذا أنشدته صــــَدَقا ))
حسان بن ثابت

*** ***
وقال بعضهم :
الشعر مــا قومت ربع صدوره و شددت بالتهذيب اس مــــــــتونه و رأيت بالاطـناب شـــعب صــــــــــــدوعــه و فتحت بالايـــــــجاز عـــــــــــــــــور عـيونه
و جمعت بيــن قريبه و بعيــده و جمعت بين محمه و معينه و اذا مدحت به جوادا ماجدا و قضيته بالشكر حق ديونه اصفيته بتفتش و رضــيته و خصصته بحظيره و ثمينه فيكون جزلا في مساق صنوفه و يكون سهلا في اتفاق فنونه و اذا بكيت به الديار و اهلها اجريت للمحزون ماء شؤونه و اذا اردت كناية عــن ريبـة باينت بين ظهوره وبطونه فجعلت سامعه يشوب شــــــــــــــــــــــكوكه بثبوتـــــــــه و ظــــــــــــــنونه بيقينه (1 )



1 – مقدمة :
من المعروف ، ان الشعر في ايامنا ، لا يقال او ينشد ارتجالاً – الا ما ندر - ، وانما يكتب على الورق ، الا ان القصيدة تحتاج الى اعادة النظر فيها ، مرة واخرى ، واجراء التعديلات عليها من خلال الحذف والاضافة ، وتغيير او تبديل عناصر بعض صورها ، والكثير من الفاظها ، حتى يجد الشاعر قصيدته – حسب ظنه – في احسن صورة لها ، عندها يخرجها الى الناس ، مكتوبة او منشدة ، مما جعل كتابة الشعر ، عملاً معقداً ، يحتاج قائله ، فضلاً عن الموهبة ، الدربة والمهارة . وهذه العملية ، عدها احد الباحثين المعاصرين : (( مرحلة واعية للقصيدة ، ينقد فيها الشاعر نفسه من كل النواحي ، انها مرحلة مهمة للشاعر والقصيدة معاً )) . (2 )
وقد تنبه الشعراء العرب القدامى الى هذا الامر ، فنجد الحطيئة قد صرخ ملء فيه بهذه الحقيقة قائلا ً : (3)
فالشعر صعب وطويل سلمه اذا ارتـقى فـيه الذي لا يعـلـمه
زلت به الى الحضيض قدمه والشعر لا يسطيعه من يظلمه
يريد ان يعربه فيعجمه
ما جعل من انشاء القصيدة ، ومن ثم الشعر ، صنعة دفعت بالكثير من نقاد الشعر العربي القدامى الى القول ، بأنـه : (( صناعة وثقافة يعرضها اهل العلم كسائر اصناف العلم والصناعات ، منها ما تثقفه العين ، ومنها ما تثقفه اليد ، ومنها ما يثقفه اللسان )) . (4 )
وقد انتبه الدارسون والنقاد الى هذه العملية ، وقاموا بدراسات ذات طابع نفسي ، لمعرفة الدوافع والاسباب لعملية الابداع الادبي ، قبل واثناء كتابة القصيدة ، وما يرافق ذلك من تعديلات اثناء اعادة القراءة والفحص والتمحيص . (5)
وتنبه الشعراء الى ان كتابة القصيدة تحتاج الى جهد عقلي وفكري ونفسي لا طائل لعامة الناس به ، فضلاً عن الوقت الطويل في كتابة البعض منها وما يرافق ذلك من تعديلات .
وهذا ما دفع الشاعر البحتري الى ان يقول : (6)

والشعر ظهر طريق انت راكبه فمنه منشعب او غـــــــير منشعب
وربما ضم بين الركب منهجه والصق الطنب العالي على الطنب

اما نقادنا القدامى ، فقد درسوا هذه العملية عندما وجدوا ان بعض الشعراء يجرون على قصائدهم بعض التعديلات ، كالحذف والاضافة وتبديل في الالفاظ ، او المعاني ، قبل اعلان تلك القصائد او انشادها ، ووجدوا كذلك ، ان البعض الآخر من الشعراء اما ان يرتجلوا الشعر مباشرة ، او انهم يعلنون ما كتبوه دون ادنى تغيير . وقد اطلق النقاد على العملية التي يقوم بها هذا النفر من الشعراء بـ (( التثقيف )) ( 7 ) او التهذيب ، او التنقيح ، مما يجعل القصيدة حبيسة ادراج الشاعر لفترة زمنية قد تصل الى العام الواحد في اغلب الاحيان ، واسموا هذه القصائد بـ (( الحوليات )) . ويُذكر ان صانع ديوان الشريف الرضي ، ابا حكيم الخبري ( المتوفي سنة 476 هـ ) : (( قد افاد القراء فائدة جليلة حقاً حين تعقب مسودات الرضي واستخرج منها الابيات التي كان قيدها فيها ، لأنه بذلك دلنا على طريقته في انشاء القصيدة ، ومن راجع تلك الابيات وجد ان الشريف كان مولعاً بشيئين :
الاول : تقرير المطلع قبل كل شيء والاحتفاظ به ثم اضافة الاجزاء الاخرى من القصيدة اليه. فكثير من الابيات التي جمعها الخبري مطالع مصرعة .
الثاني : صوغ ابيات تحمل معاني يهتدي اليها او يؤثرها ثم يدرجها في القصيدة حيث يجد لها مكاناً ملائماً ... وفي هذا النوع الثاني نلمح الابتكار في الصورة )) . (8)
ان عملية التثقيف والتنقيح والتشذيب ، قـد اخذت من نقادنا القدامى الكثير من الجهد ، فأمتلأت كتبهم بدراستها ، فقال عنها الجاحظ : (( ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كريتاً ، وزمناً طويلاً ، يردد فيها نظره ، ويجيل فيها عقله ، زماماً على رأيه ، ورأيه عِياراً على شعره ، اشفاقاً على ادبه واحرازاً لما خوله الله تعالى من نعمته ، وكانوا يسمون تلك القصائد : الحوليات ، والمقلدات ، والمنقحات ، و المحكمات ، ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً وشاعراً مغلقاً )) . (9 )
ويقول الشاعر الحطيئة عن هـــــذا النوع من القصائد : (( خير الشعر الحولي المنقح )) . (10 )
فيما يقول الشاعر ابن ميادة : (11)

فإن اهلك فقد ابقيت بعدي قـــــوافيَ تعجب المـتمثلينا
لذيذات المطالع محكمات لو ان الشعر يُلبس لإرتدينا

ويجد ابو هلال العسكري ، بعد ان يقدم نصحه الى الشعراء المبتدئين ، ان الشعراء الحذاق الذين سبقوهم ، قد فعلوا ذلك ، اذ : (( كان هذا دأب جماعة من حذاق الشعراء من المحدثين والقدماء منهم زهير ، كان يعمل القصيدة في ستة اشهر ويهذبها في ستة اشهر ثم يظهرها فتسمى الحوليات لذلك ، وقال بعضهم : خير الشعرالحولي الــــــــمنقح )) . (12 )
ويتابع العسكري اعلانه هذا ، مدرجاً امثلة مصداقاً لقوله ، فيذكر اسماء الشعراء الذين يقومون بذلك ، فيقول : (( وكان الحطيئة يعمل القصيدة في ستة اشهر وينظر فيها ثلاثة اشهر ثم يبرزها .
وكان ابو نواس يعمل القصيدة ويتركها ليلة ثم ينظر فيها فيلقي اكثرها ويقتصر على العيون منها فلهذا قصر اكثر قصائده .
وكان البحتري يلقي من كل قصيدة يعملها جميع ما يرتاب بـــــــه فخرج شعره مهذباً )).(13)
اما الشعراء الذين لا يفعلون ذلك ، فمنهم كما يذكر العسكري ابا تمام الذي : (( كان يرضى بأول خاطر فنعي عليه عيب كثير )) . (14 )
الا ان ناقداً حديثاً ، يقول عكس ذلك عن ابي تمام ، فيذكر د . مصطفى الشكعة ، ان ابا تمام : ((( اول شاعر – فيما نعلم – يسهر في قول الشعر الذي يموج بين خواطره وتتدافع قوافيه نافرة متزاحمة حتى ظن انها سوف تقتتل بين يديه )) (15) وقد اعتمد الشكعة في حكمه هذا على بيت الشاعر الذي يقول فيه :

تغايرَ الشعرُ فيهِ إذ سهرت لهُ حتى ظننت قوافيه ستقتتل

مع العلم ان لأبي تمام ابياتاً كثيرة تصور معاناته في كتابة القصيدة ، وما كان يجريه عليها من تثقيف وتنقيح ، سنذكرها لاحقاً .
ويؤكد الجاحظ مرة اخرى على هذه العملية ، اذ يشبه عمل الشاعر كعمل الصائغ ، فيقول : (( وكانوا مع ذلك اذا احتاجوا الى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الامور ، ميثوه في صدورهم ، وقيدوه على انفسهم ، فأذا قوه الثقاف وادخل الكير ، وقام على الخلاص ، ابرزوه محككاً منقحاً ، ومصفى من الادناس مهذباً )) . ( 16)
ومن طريف ما يذكر عن اسباب تثقيف وتنقيح الشعر ، والسهر على تجويده ، ما ذكره ناقد معاصر ، وهو يتحدث عن الشاعر مروان بن ابي حفصة ، وما كان يقوم به من تثقيف لشعره ، وخاصة قصائد المديح ، فيقول : (( وقد يكون بخله وحرصه على المال هما السبب الرئيسي في انه لم يكن يذيع القصيدة بمجرد الانتهاء من انشائها وانما كان على حد قوله يقولها في اربعة اشهر وينتحلها في اربعة اشهر ويعرضها في اربعة اشهر )) . (17)
وقد تنبه الشاعر بكر بن النطاح الى مسألة مهمة ، هي العلاقة بين الشاعر والاخر ، وهذا الآخر اما ان يكون ممدوحاً ، وهو الاعم ، او متغزلاً به ، او موصوفا : (18)

ارانا معشر الشعراء قوماً بألــسننا تنعمت القـلوب
اذا انبعثت قرائــــحنا اتينا بألفاظ تُشَقُّ لها الجيوبُ

فضلاً عن ذلك ، فأن الشعراء انفسهم كانوا يقايضون شعرهم بالمال ، ويذكرون ذلك في قصائدهم .
فالبحتري ، الشاعر القدير ، يصف نفسه بالتاجر الذي يجد ان قصائده التي هي ( ثمينات المكارم والمجد ) قد كسد سوقهن على الرغم من ان ( داود ) لو سمعهن ، لتغنى بهن : (19)

ايذهب هذا الدهر لم ير موضعي ولم يدر ما مقدار حلي ولا عقدي
ويكسد مثلي وهو تاجر ســــؤدد يبيع ثمينات المكارم والـــــــحمد
سوائر شعر جامع بدد الــــــعلى تعلقن من قبلي واتعبن من بعدي
يقدر فــــــــيها صانع مــــــتعمل لاحكامها تقدير داود في الــــسرد

ويطالب البحتري في قصيدة اخرى ممدوحه الى ان يحسن بشعره ، فيقول : (20)

أحسن ابا حسن بالشعر اذ جعلت عليك انجمه بالـــــمدح تنتثر
فقد اتتك الـــــــــقوافي غب فائدة كما تَفَتّحَ غِبَّ الوابل الزهــر

ويطالب في قصيدة ثالثة ممدوحه ان يكون منصفاً معه في الهبة ، فيقول : (21)

تالله يسهر في مديحك ليــــــلة متململاً وتنام دون ثــــوابه
يقظان ينتحل الكلام كــــــــأنه جيش لديه يريد ان يلقى به
فأتى به كالسيف رقرقَ صيقل ما بين قائم سنخه وذبـــابه

اما الشاعر مهيار الديلمي ، فيطالب ممدوحه بأن يراعي شاعريته في هذه القصيدة التي يتنافس الملوك للاستماع اليها ، وان يمنحه هبة تعادل هذه الشاعرية ، فيقول : (22 )

فأسمع اقــــرّطك شنوفاً دُرّها لــــــــــــــــغير أذانكم لا يثقبُ
مِن المصوغات التي تعنست خلفَ الخدور وهي بكر تُخطب
تنافس المـــلوك فـي مهورها واقــترعوا في حبها واحتربوا
عندهم الرغـــــــبة والودُ لها وعــــــــــندها المَلالُ والتَجنب
وزادها نزاهــــــــــــةً وورعاً مني ابٌ عــــــلى البناتِ حَدِب

وقد ندم الشاعر حُميد بن ثور ، وهو في جنات الخلود ، كما يذكر المعري في( رسالة الغفران ) (23) على ما بذله من جهد في سبيل كتابة قصيدة مقبولة من قبل مادحه ، فيقول : (( ...ولقد كان الرجل منا يعمل فكره السنة او الاشهر في الرجل قد اتاه الله الشرف والمال ، فربما رجع بالخيبة ، وان اعطى فعطاء زهيد ، ولكن النظم فضيلة العرب )) .
ويجد باحث معاصر ، ان من اسباب وجود اكثر من رواية واحدة لبعض ابيات قصيدة شاعر ما ، هو هذه العملية ، فيقول : (( واذا كان التنقيح هو محاولة تحسين لنوع الشعر ، فأنه في العصر الاموي يراعى فيه ذوق السامع )) . (24)
والنقاد يصنفون هذه العملية الى صنفين :
الاول : يقع على الالفاظ .
والثاني : يقع على المعاني .
وتنقل لنا كتب نقادنا القدامى امثلة على ذلك ، فيذكر ابن الاثير حكاية تطيّر عبد الملك بن مروان من المعنى الذي فهمه من قصيدة الاخطل التي يقول في مطلعها :

خف القطين ، فراحوا منك ، او بكروا وازعجتهم نوى، في صرفنا غيرُ

فقال له : لا ، بل منك . (( فغيرها ذو الرمة وقال : خف القطين فراحوا اليوم او بكروا )) (25)
فيما صحح صاحب التنبيهات (( رواية بيت النابغة الجعدي :

تضيء كمثل سراج الذُبال لم يجعل الله فيه نحاسا

أي دخان . وانما الرواية : كمثل سراج السليط وهو دهن الخل الذي يقال له الشيرج ، ولا وجه للذبال ، لان الذبال جمع ذبالة وهي الفتيلة وفي كل سراج فتيلة )) . (26)
ويذكر الجرجاني في وساطته عن اختيار ابي تمام للمعاني ، ان : (( من جنايات هذا الاختيار وجار على عادته يختلجه الطبع الحضري ، فيعدل به متسهلاً ، ويرمي بالبيت الخنث ، فأذا انشد في خلال القصيدة ، وُجد قلقاً بينها نافراً عنها ، واذا اضيف الى ما وراءه وامامه تضاعفت سهولته ، فصارت ركاكة ...)) . (27)
وكان مما يزعج الشعراء انفسهم ، الرواة غير المخولين برواية شعرهم ، اذ ان الكثير من هؤلاء قد اساؤا الى الشعر ، فغيروا فيه وابدلوا بعض الفاظه ، واخرجوا معانيه مما كانت تهدف اليه ، لذا نجد الشاعر مروان بن ابي حفصة ، ينكر على هؤلاء فعلهم المشين ، فيقول : ( 28 )

زَواملُ للاشعار لا عـِلمَ عــندهُم بجَيّدِها إلا كعلمِ الاباعـــــــــــر
لعمرُك َ مايدري البعير اذا غدا بأوساقهِ اوراح ما في الغرائرِ
*** ***

2 – وصايا النقاد العرب القدامى للشعراء المبتدئين :
كان لنقادنا القدامى دور كبير في دفع الشعراء الى الاعتناء بشعرهم وتجويده من خلال تقديم النصح لهم وضرب الامثلة من الشعراء الفحول الذين اجادوا في كتابة الشعر ليخرج بالصورة التي وضعوا لها اوصافاً شتى ، من مثل : براعة في النسج ، والصنعة الخفية ، والانسجام بين اللفظ والمعنى ، او سلامة الالفاظ وجودة المعاني ، وسلامة الصدور والاعجاز ، وتناسق الكلام ، ورقة الاسلوب ، ، وسماحة اللفظ ، وصحة المباني ، ودفء العاطفة ، وان يكون من السهل الممتنع ، وذو ديباجة حسنة ، ومستوفٍ للمعاني .
فهذا الناقد العسكري يوصي في كتابه ( الصناعتين ) الشعراء المبتدئين بأجراء عملية التثقيف والتهذيب لقصائدهم ، فيقول : (( فإذا عملت القصيدة فهذبها ونقحها بإلقاء ما غث من ابياتها ورث ورذل والاقتصار على ما حسن وفخم بإبدال حرف منها بآخر اجود منه حتى تستوي اجزاؤها وتتضارع هواديها واعجازها )) . (29)
ويتخذ صاحب كتاب العمدة ، من زهير بن ابي سلمى مثلاً يحتذى بالتثقيف والتنقيح ، يقدمه للشعراء المبتدئين ، فيقول : (( ... حتى صنع زهير الحوليات على وجه التنقيح و التثقيف يصنع القصيدة ، ثم يكرر نظره فيها خوفاً من التعقب بعد ان يكون قد فرغ من عملها في ساعة او ليلة ، وربما رصد اوقات نشاطه فتباطأ عمله لذلك ، والعرب لا تنظر في اعطاف شعرها بأن تجنس او تطابق او تقابل ، فتترك لفظة للفظة او معنى لمعنى كما يفعل المحدثون ، ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته وبسط المعنى وابرازه ، واتقان بنية الشعر ، واحكام عقدة القوافي ، وتلاحم الكلام بعضه ببعض حتى عدوا من فضل صنعة الحطيئة حسن نسقه الكلام بعضه على بعض )) . (30 )
وذكر ابن جني في الخصائص : (( ... انه ليس جميع الشعر القديم مرتجلاً ، بل قد كان يعرض لهم فيه من الصبر عليه ، والملاحظة له ، والتلوّم على رياضته ، واحكام صنعته نحوٌ مما يعرض لكثير من المولدين ، الا ترى الى ما يروى عن زهير : من انه عمل سبع قصائد في سبع سنين ، فكانت تسمى حوليات زهير ، لأنه كان يحوك القصيدة في سنة )) . (31)
لهذا نجد ان النقاد القدامى قد لقبوا زهيراً والحطيئة بعبيد الشعر ، فقال الاصمعي : (( زهير والحطيئة واشباههما ، عبيد الشعر ، لانهم نقحوه ولم يذهبوا فيه مذهب المطبوعين وكان الحطيئة يقول : خير الشعر الحولي المنقح الممحك ، وكان زهير يسمي كبرى قصائده الحوليات )) . (32) . وهذا ما اكده الاصمعي كذلك ، كما يذكر الجاحظ ، ويتابع قائلاً : (( لولا ان الشعر كان استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى ادخلهم في باب التكلف واصحاب الصنعة ، ومن يلتمس قهر الكلام ، واغتصاب الالفاظ ، لذهبوا مذهب المطبوعين ، الذين تأتيهم المعاني سهواً ورهواً ، وتنثال عليهم الالفاظ انثيالاً ، وانما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي ورؤبة )) .( 33 )
اذن ، فإن مصطلح عبيد الشعر ، يطلق على الشعراء الذين كدوا في تثقيف شعرهم ، وجودوا فيه ، ووقفوا عند كل بيت منه ، حتى تخرج القصيدة بالجودة المطلوبة .
اما بشر بن المعتمر ، فإنه يوصي الشعراء المبتدئين بوصايا لا تختلف عما اوصى به العسكري ، الا انه يقيد الشاعر بأوقات وازمان معينة ، فيقول : (( فإن ابتليت بان تتكلف القول ، وتتعاطى الصنعة ، ولم تسمح لك الطباع في اول وهلة ، وتعاصى عليك بعد اجالة الفكرة ، فلا تعجل ولا تضجر ، ودعه بياض يومك وسواد ليلتك ، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك ، فانك لا تعدم الاجابة والمواتاة ، ان كانت هناك طبيعة ، او جريت من الصناعة على عرق )) . (34 )
ويتابع ابن المعتمر ، فيوصي من لم تكن عنده القدرة على فعل ذلك ، أي مجاهدة كتابة الشعر ، عليه ترك قوله ، والبحث عن عمل آخر ، فيقول : (( فأن تمنع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل عرض ، ومن غير طول اهمال ، فالمنزلة الثالثة ان تتحول عن هذه الصناعة الى اشهى الصناعات اليك ، واخفها عليك ، فأنك لم تشتهه ولم تنازع اليه ، الا وبينكما نسب ، والشيء لا يحن الا الى ما يشاكله ، وان كانت المشاكلة قد تكون في طبقات ، لأن النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة ، ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة ، كما تجود به مع الشهوة والمحبة )) . (35)
قلنا ، لم تكن عملية كتابة الشعر ، بالعملية السهلة اليسيرة ، بل تكتنفها الصعوبات ، كصعوبات جمع اشتات الفكر ، واللغة ، والقافية ...الخ ، لهذا نجد الناقد العربي ابن طباطبا في كتابه ( عيار الشعر ) يقدم مجموعة من التوجيهات لمن يريد ان يركب هذا الطريق الصعب ، فيقول : (( فاذا اراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثراً ، واعد له ما يلبسه اياه من الالفاظ التي تطابقه والقوافي التي توافقه والوزن الذي يسلس له القول عليه ، فاذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه اثبته ، واعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه ، بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه ، على تفاوت ما بينه وبين ما قبله ، فاذا كملت له المعاني وكثرت الابيات وفّق بينها بابيات تكون نظاماً لها ومسلكاً جامعاً لما تشتت منها ، ثم يتأمل ما قد اداه اليه طبعه ونتجته فكرته ، فيستقصى انتقاده ويرم ما وهى منه ، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية ، وان اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني ، واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الاول وكانت تلك القافية اوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الاول نقلها الى المختار الذي هو احسن وابطل ذلك او نقص بعضه ، وطلب لمعناه ما فيه تشاكله ، ويكون كالنساج الحاذق ... وكالنقاش الرقيق .. وكناظم الجوهر ... وكذلك الشاعر )) . (36 )
ان الوصايا التي قدمها ابن طباطبا في اعلاه ، يمكن عدها مجموعة من الخطوات التي على الشعراء اتباعها لانجاز كتابة قصيدة محكمة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، لهذا نرى ان نقادنا القدامى قد اولوا هذا الامر اهتماماً كبيراً ، لأن عملية الابداع شاقة ومتعبة ، مما دعى الشاعر الفرزدق الى ان ينعتها بأشد من عملية قلع الضرس ، فيقول : (( انا اشعر تميم عند تميم ، وربما اتت علي ّ ساعة ونزع ضرس اسهل عليّ من قول بيت )) . (37)
وكان لابن خلدون دور في تقديم التوصيات لمن يرغب ان يكون شاعراً ، فيقول : (( ... فان استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه الى وقت آخر ولا يُكرِه نفسه عليه وليكن بناء البيت على القافية من اول صوغه ونسجه بعضها ويبني الكلام عليها الى آخره لانه ان غفل عن بناء البيت على القافية صَعُب عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة واذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه الى موضعه الاليق به فأن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق الا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولا يضن به على الترك اذا لم يبلغ الاجادة فان الانسان مفتون بشعره اذ هو نبات فكره واختراع قريحته ولا يستعمل فيه من الكلام الا الافصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فأنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة وقد حظر ائمة اللسان المولد من ارتكاب الضرورة اذ هو في سعة منها بالعدول عنها الى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب ايضاً المعقد من التراكيب جهده وانما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق الفاظه الى الفهم وكذلك كثرة المعاني في البيت الواحد فان فيه نوعَ تعقيدٍ على الفهم وانما كان حشواً واستعمل الذهن بالغموض عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركهِ من البلاغة ولا يكون الشعر سهلاً الا اذا كانت معانيه تسابق الفاظه الى الذهن ولهذا كان شيوخنا رحمهم الله يعيبون شعر ابي بكر بن خفاجة شاعر الاندلس لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر المتنبي والمعري بعدم النسج على الاساليب العربية كما مر فكان شعرهما كلاماً منظوماً نازلاً عن طبقة الشعر والحاكم بذلك هو الذوق وليتجنب الشاعر ايضاً الحوشي من الالفاظ والمقصّر وكذلك السوقي المبتذل بالتداول بالاستعمال فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة ايضاً فيصير مبتذلاً ويقرب من عدم الافادة كقولهم النار حارة والسماء فوقنا وبمقدار ما يقرب من طبقة عدم الافادة يبعد عن رتبة البلاغة اذ هما طرفان ولهذا كان الشعر في الربانيات والنبويات قليل الاجادة في الغالب ولا يحذق فيه الا الفحول وفي القليل على العشر لان معانيها متداولة بين الجمهور فتصير مبتذلة لذلك واذا تعذر الشعر بعد هذا كله فليراوضه ويعاوده فان القريحة مثل الضرع يدر بالامتراء ويجف بالترك والاهمال وبالجملة فهذه الصناعة وتعلمُها مستوفي في كتاب العمدة لابـــــن رشيق )) . (38)

والشعر صنعة فالشعر يحتسب الـ لا تمتهنه في كل سوقٍ فقد انظر الى مَن وفي مدائح مَن اختر ولوداً للفهم منجية غال به واستم المهور الثقيـ .

له اذا لم يُصَن على الشاعر تربحُ حيناً وبيعك الخاسر انت – وقد بات نائماً – ساهر فأكثر الفهم مُحمِقٌ عاقر ـلات وصاهر اكفاءها صاهـر . ومن الشعراء الذين حددوا لهم منهجاً في كتابة الشعر ، الشاعر مهيار الديلمي ، الذي رسمه في قصيدة له ، يقول فيها : (39)

ويذكر الاصفهاني ، ان ابا العتاهية ، سأل الشاعر محمد بن مناذر : (( كيف انت في الشعر قال اقول في الليلة اذا سنح القول لي واتسعت القوافي عشرة ابيات الى خمسة عشر فقال له ابو العتاهية لكني لو شئت ان اقول مثل قولك "الا يا عُتبة الساعة اموت الساعة َ الساعةَ " قلت ولكنني لا اعود نفسي مثل هذا الكلام الساقط ولا اسمح لها به فخجل ابو العتاهية وقام يجر رجله )) . ( 40)
وينعي كعب بن زهير الشعر بعد موته ، لأنه كان – كوالده – من عبيد الشعر ، فيقول : (41)

فمن للقوافي شأنها مَن يحوكــها اذا ما توى كعب وفوَّز جــرول
يقول فلا يعيا بشيء يقولـــــــــه ومن قائليها مَن يسيء ويعمل
يقوِّمها حتى تـــــــــقومَ مــتونها فيقصر عــــــــنها كل ما يتمثل
كفيتك لا تلقي من الناس شاعراً تَنَخَّلَ مــــــــــنها مثل ما اتنخَّل

اما التنوخي ، فيصف قصيدة اعجبته ، فيقول : ( 42 )

وقصيدة الفـــــــــــاظلـها في النظم كـــالدر النثير
جاءت الـــــــيّ كأنها الـ توفيق فــــي كل الامور
بارق من الشكوى واحـ سن من حياة في سـرور
لو قابلت اعـــمى لاضـ حى وهو ذو طرف بصير
فكانها امـــــــــــل تحقـ ق بعد ياس في الصــدور
او كالفقيد اذا اتـــــــت بقدومه بشرى الــــبشير
او كالــــــــمنام لساهر او كالامـــــــان لمستجير
او كالشفاء لـــــمدنف او كالغنى عـــــند الفقير
وكانما هي من وصــا ل او شـــــباب او نشور
لفظ كأسر معـــــــــاند او مثل اطلاق الاســـــير
وكانه اذ لاح مــــــــن فوق المهارق والسـطور
ورد الخدود اذا انتقـلـ ت به على در الثــــغـور
غرر غدت وكــــــانها من طلعة الظبي الــغرير
من كل معنى كالسـلا مة او كتيسير العــــسير
كتبت بحبر كـــالنوى او كفر نعمى من كـــفور
في مثل ايام الــــــتوا صل او كاعتاب الدهــور
اهديتها يا خير مــــن يختار في كرم وخــــــير

وذكر ابن طباطبا في ( عيار الشعر ) المراحل التي تمر بها القصيدة قبل ان تذاع ، وهي : ( 43)
1- مرحلة التفكير في نظمها .
2- مرحلة الانتاج .
3- مرحلة الترتيب والتنسيق .
4- مرحلة التثقيف والتهذيب والتنقيح ، وهي المرحلة التي تعنينا في هذه الدراسة .
*** ***

3 – الشاعر والقصيدة :

آ – الشعراء وتثقيف شعرهم :
اذا كان النقاد القدامى قد اولوا اهتماماً كبيراً لمعاناة بعض الشعراء في كتابة قصائدهم ، لما يقومون به من تثقيف وتنقيح لها والقاء (( ما غث من ابياتها ورث ورذل والاقتصاد على ما حسن وفخم بإبدال حرف منها بآخر اجود منه حتى تستوي اجزاؤها وتتضارع هواديها واعجازها )) على حد قول العسكري ( 44 ) فأننا نجدهم قد صنفوا الشعراء تبعاً لهذه العملية الى صنفين ، هما : الشاعر المتكلف ، والشاعر المطبوع .
ويعرف ابن قتيبة ، الشاعر المتكلف ، بانه ، هو : (( الذي قوم شعره بالثقاف ونقحه بطول التفتيش واعاد فيه النظر بعد النظر كزهير والحطيئة )) . (45)
اما الشاعر المطبوع ، فهو كما يقول ابن قتيبة : (( من سمع بالشعر واقتدر على القوافي واراك في صدر بيته عجزه ومن فاتحته قافيته وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة واذا امتحن لم يتلعثم ولم يتزحزح )) . (46) وعرفهم الجاحظ بقوله : (( الذين تأتيهم المعاني سهواً رهواً ، وتنثال عليهم الالفاظ انثيالاً )) (47) وكان رؤبة الشاعر خير مثال لمثل هؤلاء ، اذ كان يضع الاراجيز حسب ما يسأل عنه في اللغة .
اما ابن الاثير ، فقد اوضح الفرق بين الصنفين ، فقال : (( اما المتكلف فهو الذي يأتي بالفكرة والروية ، وذلك ان يُنضي الخاطر في طلبه ، ويبعث على تتبعه ، واقتصاص اثره ، وغير المتكلف يأتي مستريحاً من ذلك كله ، وهو ان يكون الشاعر في نظم قصيدته ، او الخطيب او الكاتب في انشاء خطبته او كتابته ، فبينا هو كذلك اذ سنح له نوع من هذه الانواع بالاتفاق لا بالسعي والطلب)) (48 )
فيما يصنف ابن رشيق الشعراء ، الى شاعر راوية ، وشاعر مطبوع ، ويفاضل بين الصنفين ، فيقول : (( فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين يفضل اصحابه برواية الشعر ، ومعرفة الاخبار والتلمذة بمن فوقه من الشعراء ، فيقولون : فلان ، شاعر راوية ، يريدون انه اذا كان راوية عرف المقاصد وسهل مآخذ الكلام ولم يضق به المذهب واذا كان مطبوعاً لا علم له ولا راوية ضل واهتدى من حيث لا يعلم ، وربما طلب المعنى فلم يصل اليه وهو ماثل بين يديه ، لضعف آلته )) . (49 )
والشعرعنده على صنفين ، فيقول : (( ومن الشعر مطبوع ومصنوع ، فالمطبوع هو الاصل الذي وضع عليه هذا الاسم فليس متكلفاً تكلف اشعار المولدين ، ولكن وقع منه هذا النوع الذي سموه صنعة من غير قصد ولا تعمل ، لكن بطباع القوم عفواً فأستحسنوه ومالوا اليه بعض الميل بعد ان عرفوا وجه اختياره على غيره حتى صنع زهير الحوليات على وجه التنقيح والتثقيف ، يصنع القصيدة ثم يكرر نظره فيها خوفاً من التعقب من ان يكون قد فرغ من عملها في ساعة او ليلة ، وربما رصد اوقات نشاطه فتباطأ عمله لذلك ... الخ)).(50)
ويفرق المرزوقي بين الاثنين ، فيقول : (( والفرق بينهما ان الدواعي اذا قامت في النفوس ، وحركت القرائح ، اعملت القلوب ، واذا جاشت القلوب بمكنون ودائعها ، وتظاهرت مكتسبات العلوم وضرورياتها نبعت المعاني ودرّت اخلافها ، وافتقرت خفيات الخواطر الى جليات الالفاظ ، فمتى رُفِضَ التكلف والتعمل ، وخُلِّي الطبع المهذب بالرواية ، المدرّب في الدراسة لأختياره فأسترسل غير محمول عليه ولا ممنوع مما يميل اليه ، ادى من لطافة المعنى وحلاوة اللفظ ما يكون صفواً بلا كدر ، وعفواً بلا جهد ، وذلك هو الذي يسمى " المطبوع " . ومتى جعل زمام الاختيار بيد التعمل والتكلف ، عاد الطبع مستخدماً متملكاً ، واقبلت الافكار تستحمله اثقالها ، وتردده في قبول ما يؤديه اليها ، مطالبة له بالاغراب في الصنعة ، وتجاوز المألوف الى البدعة ، فجاء مؤداه واثرُ التكلف يلوح على صفحاته ، وذلك هو " المصنوع " . )) . (51)
ومن خلال عبارة ابن رشيق – اعلاه – يمكن القول ، ان صنعة زهير ، كانت تعتمد على ترك القصيدة غير معلنة لفترة زمنية ، لاعادة النظر فيها ، ولتثقيفها وتنقيحها ، وتجويدها .
اما صنعة المتأخرين من الشعراء ، فأنها عندهم تنفد وتنفذ اثناء كتابة القصيدة .
وذكر ابن جني ، امثلة للشعراء المطبوعين ، الذين كانوا يكتبون القصيدة في الآن نفسه الذي يطلب منهم قول الشعر ، كالمتنبي مثلاً ، فيقول : (( ان من المحدثين ايضاً من يسرع العمل ولا يعتاقه بُطء ، ولا يستوقف فكره ، ولا يتعتع خاطره . فمن ذلك ما حدثني به من شاهد المتنبي وقد حضر عند ابي علي الاوارحي ، وقد وصف له طرداً كان فيه واراده على وصفه ، فأخذ الكاغد والدواة واستند على جانب المجلس – وابو علي يكتب كتاباً – فسبقه المتنبي في كَتْبِه الكتاب فقطعه عليه ثم انشد :
ومنزل ليس لنا بمنزل )) .(52)
ولو تتبعنا تاريخ الشعر العربي ورواته ، لوجدنا ان اكثر الشعراء المجيدين كانوا رواة لشعراء سبقوهم ، ويمكن وضع قائمة بذلك :
- كان امرؤ القيس راوية ابي دؤاد الايادي .
- وكان زهير راوية اوس بن حجر .
- وكان الاعشى راوية المسيب بن علس . (53)
- وكان ابو ذوئيب راوية ساعدة . (54)
- وكان الحطيئة راوية زهير .
- وكان هدبة راوية الحطيئة .
- وكان جميل راوية هدبة . (55)
- وكان كثير راوية جميل . (56)
وعلى الضفة الاخرى من هذه الاخبار ، يقف الشعراء انفسهم – وهم اصحاب الكأس المعلى في تحمل تلك المعاناة – ذاكرين ذلك في قصائدهم ، اعلاناً عما كانوا يعانونه ، ودفعاً للمقابل – الممدوح مثلاً – لزيادة العطايا . فهذا ابن ابي حفصة ، يقول : (( كنت اعمل القصيدة في اربعة اشهر ، واحككها في اربعة اشهر ، واعرضها في اربعة اشهر ، ثم اخرج بها الى الناس ، فقيل لي : فهذا هو الحولي المنقح )) . (57)
وقيل عن ذي الرمة ، انه قال : (( لما قال :

بيضاء في نعج صفراء في بَرَح

اجبل حولاً لا يدري ما يقول ، الى ان مرت به صينية فضةٍ قد اشربت ذهباً ، فقال :
كأنها فضة ٌ قد مسها ذهب )) .(58)
ويحكى عن الكميت ، وقد افتتح قصيدته التي اولها :

(( الا حُييت عنا يا مدينا

ثم اقام برهة لا يدري بماذا يعجِّز على هذا الصدر ، الى ان دخل حماماً وسمع انساناً دخله ، فسلم على آخر فيه ، فأنكر ذلك عليه ، فأنتصر بعض الحاضرين له فقال : وهل بأس يقول المسلمين ، فأهتبلها الكميت فقال :

وهل بأس يقول مسلمينا )) . (59)
ويقف الشاعر سويد بن كراع ، بأبواب القوافي ، ليختار منها ما يجعل شعره اكثر جودة واحكم قولاً ، فيقول : (60)

ابيت بـــــــابواب القوافي كانما اصادي بها سربا من الوحش نزعا
اكالئها حـــــــــتى اعرس بعدما يكون سحير او بعيد فـــــــــــاهجعا
عواصي الا مـــــا جعلت امامها عصا مربد تغشى نحورا واذرعــــا
اهبت بغر الابدات فـــــــراجعت طريقا املته القصائد مــــــــــــهيعا
بعيدة شاو لا يكاد يـــــــــــردها لها طالب حـــــــــــــتى يكل ويظلعا
اذا خفت ان تروى علي رددتها وراء التراقي خشية ان تــــــــطلعا
وجشمني خوف ابن عفان ردها فثقفتها حولا حريدا ومـــــــــــربعا

اما الشاعر عدي بن الرقاع ، فقد ذكر معاناته في هذين البيتين ، مشبهاً هذه العملية ، بعملية تثقيف قناة الرمح ، فيقول : (61)

وقصيدة قد بت اجـــمع بينها حتى اقوِّم ميلها وسنادها
نَظَرَ المثقفِ فـي كعوبِ قناته حــــتى يقيمَ ثِقافُه مُنآدها

فيما ينآى ذو الرمة بشعره عن كل عيب وفساد ، فيظهر خالياً من أي اختلاف حركة ما قبل الروي "أي السناد " ، فيقول : (62)

وشعر قد ارقت ُله ٌ غريبٍ اجنبهُ المساند والمحــالا
فبتَّ اقيمهُ واقــــــــــــدُّ منهُ قـــوافي لا أعِدَّ لها مثالا

ان عملية التثقيف ، حسب مفهوم الشعراء انفسهم ، عملية صعبة جداً ، لا يقدر عليها كل الشعراء . فها هو الشاعر ابو حية النميري يقول : ان قصائده غير منتحلة ، وعلى الرغم من ذلك ، فأنه يرتاد السبل الصعبة ليأتي بما هو جدير بأن يكون شاعراً : (63)

ان القصائد قد عـــــــــلمت بأنني صنع اللسان بـهن لا اتنحل
واذا ابتدأت عروض نسج ريض جعلت تذل لمـا اريد وتسهل
حتى تطاوعني ولـــــو يرتاضها غيري لحاول صعبة لا تقبل

اما الشاعر تميمبن ابي بن مقبل ، فأنه يخاطب ممدوحه ، بأن موته – أي موت الشاعر – سيقفل قول الشعر امام ممدوحه : (64)

اذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى لـــــها قائــلاً مثلي اطب واشعرا
واكثر بيتا ماردا ضربت لــــــــــه حــزون جبال الشعر حتى تيسرا
اغر غريبا يمسح الناس وجـــهه كما تمسح الايدي الاغر المشهرا

اما كعب بن زهير ، فيقول : (65)

فمن للقوافي شانــها من يحوكها اذا ما ثوى كعب وفـــوز جرول
يقول فــــــلا يعـــيا بشيء يقوله ومن قائليها مــن يسيء ويعمل
يقومها حـــــــــــتى تقوم متونها فيقصر عنها كــل مـــــــا يتمثل
كفيتك لا تلقى مــن الناس شاعرا تنخل منها مــــــــــثل ما اتنخل

ومنهم من يرى في كتابة الشعر حرباً ضروساً ، قال احدهم : (66 )

اعددت للحرب التي أُعنى بها قوافياً لم اعـــــــــــــــــيَ بأجتلابها
حتى اذا اذللتُ مـــــن صعابها واستوسقت لي صحتُ في اعقابها

اما امرؤ القيس ، فيقول : (67)

اذود القوافي عني ذيادا ذيـــــاد غلامٍ جـريْ جرادا
فلما كثرن وعــــــــنينه تـــخير منهن شـتى جيادا
فأعـزِلُ مرجانها جــانباً وآخُذٌ من دُرّها المستجادا

ويقوا ابو تمام : (68)

تغاير الشعر فيه اذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل

ويعقب شارح ديوانه ( الصولي ) بالقول : ان (( هذا من قول كثير :

اذا ما شئت في غير ابن ليلى عروضَ قصيدة بعض الشباب
ابت ان تستقل فــــــــلم يبعث كما تأتي المعلقة ُ الجـــوابي
ونازعني الى مدح ابــن ليلى قوافيها منازعة الـــــــطـِراب )) (69)







ب – الشعراء يصفون شعرهم :
وقد ذهب الكثير من الشعراء الى وصف شعرهم ( قصائد ، او ابيات ، او قوافي ) بشتى الصفات التي من شأنها ان تجعل الشاعر والسامع على السواء "وهو الممدوح غالباً " يفتخران به.
فها هو البحتري ، يصف قصائده بأنها منقوشة كنقش الدنانير ، بعد ان انتقى لها اللفظ كما ينتقى
الذهب الذي تصنع منه الدنانير ، فيقول : ( 70)


بمنقوشة نقش الدنانير ينتقى لها اللفظ مختارا كـما ينتقى الــتبر
تبيت امام الريح مـــنها طليعة وغـــــدوتها شهر وروحتها شهر
توفى ديون المنعمين ويـقتنى لهم مــن بواقي ما اعاضتهم فـخر

وفي قصيدة اخرى ، يشبهها بالانجم التي تقود انجماً بعدها، وهي تنشد امام الممدوح ، فيقول:
(71)

الست الموالي فيك نظم قصائد هي الانجم اقتادت مع الليل انجما
ثناء كان الروض منه مـــنورا ضحى وكــــان الوشي فيه مسهما

وفي قصيدة ثالثة ، يصفها بالاشراق ، وانها مزينة بالبهاء ، ولا تقال سوى لممدوحه : (72)

اليك القوافي نازعات قواصــدا يُسيّر ضاحي وشيها وينمنم
ومشرقة في النظم غراً يزيدها بــــهاءً وحسناً انها لك تنظم

وربما كان البحتري ، من الشعراء المكثرين في مدح قصائدهم ، كأبي تمام وغيره ، فها هو البحتري يصف مستمعيه بالبقر ، لأن قوة ونفاذ قوله هو الذي يخرجهم من حالتهم هذه ، كضربة السيف ، اما الذي لا يفهم شعره ، فيبقى كالبقر : (73)

اهز بالشعر اقواما ذوي وســـن في الجهل لو ضربوا بالسيف ما شعروا
علي نحت القوافي من مقاطعها ومــــــــــــــــــــا علي لهم ان تفهم البقر

ونجد الاعشى ، يفتخر بنفسه ، لأنه انشد قصيدة محكمة : (74)

وغريبة تاتي الملوك حكيمة قد قلتها ليقال من ذا قالها

اما الشاعرة الخنساء ، فأنها تصف قافيتها بحد السنان ، وهي تبقى خالدة بعد موت قائلها : (75)

وقافية مثل حد السنا ن تبقى ويذهب من قالها

اما جرير ، فأن قافيته تلتهب التهاباً ، فيقول : (76)

ستطلع من ذرى شعبى قواف على الكندي تلتهب التهابا

فيما يصف الشريف الرضي قصائده بأنها كالقنا منتصبات ، ليس فيها عيب وهي محكمة بين اللفظ والمعنى وهي خالدة : (77)

ومستهلات كصوب الـــــحيا تبقى واقوال الفــــتى تفنى
منتصبات كالقنا لا نـــــــرى عـــــيا من القــــول ولا افنا
قد حرم الناظر مـن حسنــها قائلها مـــــــــــا رزق الادنا
لا يفضل المعنى عــلى لفظه شيئا ولا اللفظ على المعنى

اما قصائده ، فأن غرتها من الكلم الجني ، فهي كالصبية التي حجولها مصنوعة ببراعة واتقان ، وهي صافية ، لانها تنبع من خاطره لتسقي الظمآن : (78)

قُدها فغرَّتها من الكلم الجــــني وحجولها من صنعةٍ ومعاني
هي نطفةٌ رقرقتٌها من خاطري بيضاء تنقعُ غــــــُلةَ الظمآن

وهي كذلك : (79)

ومحوكة كالدرع احكم سردها صنع فافصح في الزمان الاعجم

وقصائده تذكر سامعها بشعر البحتري ، وابو نواس : (80)

فجاءت غضة الاطراف بكراً تخيّرَ جيدها نــــــظم الجمان
كأن ابا عبادةَ شقَّ فــــــــاها وقبّلَ ثغرها الحَسَنُ بنُ هاني

اما قوافي جرير ، فهي : ( 81)

وعاو عوى من غـير شيء رميته بقارعة انفاذها تقطر الدمــــــا
وانـــــــــــــــــي لقوال لكل غريبة ورود اذا الساري بليل ترنــما
خروج بافـــــــــــواه الرواة كانها قرى هندواني اذا هز صمــما
غرائب الافا اذا حــــــــان وردهــا اخذن طريقا للقصائد معـلــــما

وان وصف بعض الشعراء لقصائدهم ، يصل الى حد الغلو ، فها هو مهيار الديلمي ، يصف قصيدته ، قائلاً : (82)

وسائرات بالثناء لا يـــــــرى مستعفيا مـن داب سيارهـا
لا تخلق الظلماء في بسطـتها قبضا كان ليــــلها نهارهـا
تطوي الفيافي لا خفارات لـها الا الذي تضمنه اسطارهــا
تشتاقها الارض وبعد لم تصل لانها تسبقها اخـــــــبارهــا
يخالها النادي اذا اجتازت بــه لطيمة مر بها عطـــــارهــا
تحمل آثاماً بمدح غيركـــــــم حتى تُحَط بكمُ اوزارهـــــــا
تهدي لك الاعيادُ منها طُرفــاً جواهراً تحت فمي بحارهــا
مما توحدتُ به لــــــم تُفترع لاعوانها قبلُ ولا ابكارهـــا
ودت تميمٌ وفحولٌ وائــــــــلً من قبلها لة انها اشعارهــا

الاان قوافي ابي تمام منزهة عن السرق والتكرار ، فيقول : (83)

اليك بعثت ابكار المعانــــــــي يليها سائق عجل وحــــادي
جوائر عن ذنابى القوم حيرى هوادي للجماجم والــهوادي
شداد الاسر سالمة النواحـــي من الاقواء فيها والســـــناد
يذللها بذكرك قرن فـــــــــــــكر اذا حزنت فتسلس فـي القياد
لها في الهاجس القدح المعلى وفي نظم القوافي والعــــماد
منزهة عن السرق الــــمورى مكرمة عن المعنى المــــعاد
تنصل ربها من غير جـــــــرم اليك سوى النصيحة والوداد

وقصائده عملاقة جديدة ، بحيث تبدو قصائد الاخرين ازاءها رخيصة مبتذلة .
يقول مادحاً قصائده عند مدحه لابي المغيث : (84)

هذي القوافي قد اتينك نـــزعا تتجشم التهجير والتغلـــــــــيسا
من كل شاردة تغادر بعدهـــــا حظ الرجال من القصيد خسيسا
وجديدة المعنى اذا معنى التي تشقى بها الاسماع كان لبيــسا
تلهو بعاجل حسنها وتعدهــــا علقا لاعجاز الزمان نفيـــــــسا
من دوحة الكلم التي لم تنفكك يمسي عليك رصينها محبوسـا
كالنجم ان سافرت كان مواكبا واذا حططت الرحل كان جليسا
انا بعثنا الشعر نحوك مـــفردا واذا اذنت لنا بعثنا العيســـــــا

وقصائده ، كما يقول عنها: (85)

جاءتك من نظم اللسان قـــــــلادة سمطان فيها اللؤلؤ المـــــكـنون
حذيت حذاء الحضرمية ارهــفت واجادها التخصير والتلـــــــسين
انسية وحشية كثرت بــــــــــــها حركات اهل الارض وهي سكون
ينبوعها خضل وحلي قريــضــها حلي الهدي ونسجها موضـــون
اما المعاني فهي ابــــــــــكار اذا نصت ولكن القوافي عـــــــــــون
أحذاكها صَنَعُ الضمير يَـــــــمدُّه جَفراذا نضبَ الكلامُ معـــــــــــين
ويسيء بالاحسان ظناً لا كـــمن هو بأبنه وبشعره مفــــــــــــتون

وفي قصيدة عتاب لأبي سعيد ، يقول : (86 )

فأين قصائدٌ لي فيكَ تأبـــــــى وتأنفُ أهـــــــــان وان اذلا
من السحر الحلال لمــــجتنيه ولـــم ار قبلها سحرا حلالا

وعندما يمدح خالد بن يزيد ، يصف ابياته بالجوهر المنظوم كالقلادة : (87 )

ان القوافي والمساعي لـم تــزل مثل النظام اذا اصاب فـــــــريدا
هي جوهر نثر فـــــــــــان الفته بالشعر صار قلائدا وعــــــقودا
في كل معترك وكل مقامــــــــة ياخذن منه ذمة وعـــــــــهودا
فاذا القصائد لم تكــن خفراءهـا لم ترض منها مشهدا مشهودا
من اجل ذلك كانت العرب الالى يدعون هذا سؤددا محـــــدودا
وتند عندهم العلى الا عــــــــلى جعلت لها مرر القصيد قـــيودا

وقصائده ، حسب وصفه ، كقلادة من در ومرجان في جيد فتاة شابة ناعمة ، وهي تحمل الحكمة والبلاغة : (88)

واذا اراد الله نــــــــشر فــــــــضيلة طويت اتاح لها لسان حـــــسود
لـــولا اشتعال النار فـــــيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف الـعود
لـــولا التخوف للعواقب لــم تـــــزل للحاسد النعمى على المـــحسود
خـــذها مثقفة الـــــقوافي ربـــــــها لسوابغ النعماء غير كـــــــــنود
حذاء تملا كــــــــل اذن حكـــــــــمة وبلاغة وتدر كـل وريـــــــــــــد
كالطعنة النجـــلاء مـــــن يــد ثائـــر باخيه او كالـضربة الاخـــــــدود
كالدر والمرجـــان الـــــف نظــــــمه بالشذر في عنق الفتاة الــــــرود
كشقيقة الـــــــبرد المنمنم وشـــــيه فــــي ارض مهرة او بلاد تــزيد
يعطي بها البشرى الكريم ويحتبي بردائها فـــــي المحفل المشهود
بشرى الغني ابــــي البنات تتابعــت بشراؤه بالـــــــفارس المـــولود
كرقى الاساود والاراقــم طالـــــــما نزعت حمات ســــــخائم وحـقود

ولابن التعاويذي ، ابيات يصف فيها شعره ، يقول : (89)

اماط عني الاذى شعر بعثت به منقحا كل بيت مــنه مصنوع
شعر يعلم نظم الشعر سامـــعه فيه طباق وتجنيس وترصيع

ويقول كذلك : (90)

جاءتك حاليةً ترائبها من التـ جنيس والتطبيق والترصيع

وكذلك : (91)

شعرُ ولكن اذا احققته حكمٌ نظمٌ ولكن اذا اقومته دُرَرُ
وكذلك: (92)

فأليك رائعة المعاني جزلَةَ الـ الفاظ تُسهِلُ في عُلاكَ وتُجبِـلُ
اما المتنبي ، فأنه لا يختار الا القوافي ( العويصة ) ، لانه قادر على التمكن منها : (93)

اراكض معوصات الشعر قسرا فاقتلها وغيري في الطراد





ج – الشعراء يفتخرون بشعرهم :

اذا كان الفخر ، باب مهم من ابواب الشعر العربي القديم ، ان كان ذلك الفخر ، بالقبيلة ، اوالنسب ، او الاهل ، فأن الفخر بالشعر تأكيد على جودة القصيدة ، ومن ثم جودة الشاعر ، وعلى المستمع ( الممدوح خاصة ) ان ينتبه لذلك ، لهذا نجد ان اغلب الشعراء المجيدين يفتخرون بشعرهم امام ممدوحيهم ، وهم بأفتخارهم هذا يستجدون مواهب الممدوح .
ومن صور مدح الشعر ، هو انه شعر اصيل ، غير منتحل ، وهذا ما يريد قوله الاعشى في هذا البيت ، لان في انتحال الشعر ، عيب وعار ، خاصة في عمر كعمر الشاعر ، وقد وخط الشيب رأسه ، فيقول : (94)


فما انا ام ما انتحالي القوا في بعد المشيب كفى ذاك عارا

اما ابو الطيب المتنبي ، فأنه يخاطب ممدوحه قائلاً له : ان شعره هو الذي دفع المادحين الى مدحه ، أي كان فاتحة لهذا الباب امام الشعراء الاخرين ، الا ان صوته ، يبقى هو الصوت الاعلى بينهم ، لان تلك الاصوات هي صدى لصوته : (95)


وما الدهر الا من رواة قلائــــدي اذا قلت شعرا اصبح الدهر منـشدا
فسار به من لا يسير مشـــــــمرا وغنى به من لا يغني مـــــــــغـردا
اجزني اذا انشدت شعرا فــــأنما بشعري اتاك المادحون مـــــــرددا
ودع كل صوت غير صوتي فانني انا الصائح المحكي والاخر الصدى

ويفتخر ابن هرمة بقصائده الطوال ( العميمة ) وانه قد بهر بها الاعداء لاصابته مفاصل المعاني : (96)

وعميمة قد سقت فيها عائرا غفلا ومنها عـــــــــائر موسوم
طبقتُ مِفصلها بغير حـديدةًً فرأى الـــعدوّ غنايَ حيث اقوم

وكان (( كان المسور بن عبد الملك المخزومي يعيب شعر ابن هرمة وكان المسور هذا عالما بالشعر والنسب فقال ابن هرمة فيه :

إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعملهُ كفايَ لكن لساني صائغٌ الكلم
إن الأديمَ الـــذي أمسيت تقرظهُ جهلا لــذو نَغَـلٍ بادٍ وذو حلمِ)) (97 )

اما الشريف الرضي ، فانه يفتخر بقصائده امام ممدوحه ، لانها قصائد جميلة ، حلوة ، كما النجوم عندما تحلي الليل وتضيئه : (98)

تجمجم بالاشعار كـــــــل قــبيلة وفي القول محفوظ عليها وضائع
وكل فتى بالشعر تجلو هــمومه ويكتب مــا تملي عــــليه المطامع
وشعري تختص القـوب بحفظه وتحظى بـه دون العيون المسـامع
واولى به من كان مـثلك حـازما يذبب عن اطــــــــــــرافه ويـقارع
ستظفر من نظمي بكــل قـصيدة كما حلت الليل النــــجوم الــطوالع
تضيء قوافيها وراء بـــــيوتها طراقا كما يتلو النصـــول القبائع
اذا هزها السمار طار لها الكرى وهزت جنوب النائمين المضاجع
وغيرك يعمى عن معان مضيئة كما تقبض اللحظ البروق اللوامع
وما كل ممدوح يــــــــلذ بمدحه الا بعض اطواق الرقاب جوامـــع

وله مفتخراً بقصائده : (99)

وعندي قواف ان تلقين بالاذى نزعن بمر القول نزع المواتح
تُعَدِّدُ نبرات الاســـــــودِ نباهةً وتنسى انابيحَ الكلابِ النوابحِ

وقصائده ، كالسهام في دقة اصابتها ، ويفوح منها الطيب : (100)

تصغي لها الاسماع والقلوب مثل السهام كــلها مصيب
لطيمة نــــــــــم عليها الطيب تودعها الاردان والجيوب

ويظل الشريف الرضي مفتخراً بشعره الذي يطعن به فيدمي ويحطم النصال ، ولولا الحياء لاصبحت اشعارالوليد ومسلم هجينة امامه : (101)

شعرا اثير به العجاج بسالة كالطعن يدمي والقنا يتحطم
وفصاحة لولا الحياء لهجنت اعلام ما قال الولــيد ومسلم

ويرى كذلك ، ان شعره قد بز شعر زهير ، فيقول مفتخراً : (102)

بز زهيرا شعري وها انا ذا لم ارض في المجد انه هرم

وكذلك يقول : (103)

انا زهير فمن لي في زمانك ذا ببعض ما اقترفت عنه يدا هرم

اما مهيار الديلمي ، فيفاخر بشعره شعراء اخرين ، كعمر بن كلثوم ( ابن وائل ) والتميميين ، الفرزدق وجرير ، فيقول : (104)

خرائد فكري بها عن سواك ابي وفكري بها عاضل
غرائب كل معان لـــــــــــهن منتحل وانـــــــا الناحل
يباهل فحلا تميم بـــــــــــــها وتوقرها لابنها وائــــل

ويقول في قصيدة اخرى : (105)

يقول الشعر اء حضروا وغبنا فدى الغياب ما قال الحضور
يكرر غابـــــــــر ما قال ماض وقد ما اخلق المعنى الكـرور
تطبعت القرائــــــــح واطمانت فلم يتكفؤونك يا صــــــــبور
بهذا الحكم حــــــــين تحالباها نقائض حاز زبدتها جـــــرير

ومن خلال افتخاره بقصائده ، يفتخر مهيارا بشعره ، وشاعريته ، فيقول : (106)

متى تكن سلول او باهــــــلة اباء شعر فابوهـــــــا دارم
سوائر مع النجوم ترتـــــمي بها نجود الارض والتهائم
تود اكباد العدا ان صغتــــها اسورة لو انها مــــــعاصم
تدويهم غيظا وتشفيهم بــما تفصح فهي المس والتمائم
يحبى بها يقظان منكم حاضر وغائب عن البلاد حــــــالم
ضاجعكم طيفي بها فــــاولت صــــــــادقة وقد يغر النائم
يشهد لي مفتاحها وخــــتمها بــــــــانني للشعراء خـــاتم

اما ابو تمام ، فأنه يفتخر بقصائده ذات الشهرة الواسعة في الآفاق ، والتي تذهب الى ابعد ما يذهب اليه البرق ، اذ هي مؤنسة لكل غريب ، لرقتها ، ولأنها ذات حسب ، فيقول : (107)

احفظ وسائـل شعر فــــيك مــا ذهبت خواطـــف البرق الا دون ما ذهبا
يغدون مغتربات في الـــــــــــبلاد فما يزلــــن يؤنسن في الافاق مغتربا
فلا تضعها فما في الارض احسن من نظم القوافي اذا ما صادفت حسبا
وقصائده بنات افكار مهذبة ، وهي بكر : (108)

يا خاطبا مدحــــــــــــي اليه بجوده ولقد خطبت قـــــــليلة الخطاب
خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى والليل اسود رقــــــعة الجلباب
بكرا تورث في الحـــــــــياة وتنثني في السلم وهي كثيرة الاسلاب
ويزيدها مر الليالي جـــــــــــــــــدة وتقادم الايام حســـــــن شباب

وكذلك ، يراها السامع من خلال سمعه ، فيقول : (109)

كشفت قناع الشعر عن حر وجهه وطيرته عن وكـــــــــره وهو واقع
بغر يراهــــــــــا من يراها بسمعه فيدنو اليها ذو الحجى وهو شاسع
يود ودادا ان اعـــــــــضاء جسمه اذا انشدت شوقا اليـــــــها مسامع

اليس من حق ابي تمام ان يفتخر بشعره ؟ ذلك الشعر الذي يتجه مباشرة الى العقول ، وكالسحائب ، الواحدة تعقب الاخرى ، وهو صاحب مدرسة الفكر في الشعر العربي : (110)

اليك ارحنا عازب الشعر بـــــعدمـا تمهل في روض المعاني العجائب
غرائب لاقت في فنائك انســــــــها من المجد فهي الان غير غــرائب
ولو كان يفنى الشعر افناه ما قرت حياضك منه في العصور الذواهب
ولكنه صوب العقول اذا انجـــــلت سحائب منه اعقبت بســــــــحائب

ويفتخر البحتري بشعره ، فيقول : (111)

هذي نوافلك التي خـــــــــولتها رجعت غرائبها اليك قصائدا
تعطيك شهرتها النجوم طوالعا وتريك انفسها الجبال خوالدا
متعسفات ماتزال رواتـــــــــها تابى عليها ان تسير قواصدا
وهي القوافي ما تقر ثوابـــــتا لممدح حتى تعير شـــــواردا
علل لانواء الذخائر كلـــــــــما جُلبت على ملكٍ اباح التـــالدا
والبحر لولا ان تسير ســـفينه بالريح ما برحت عليه رواكدا

اما المسيب بن علس ، فيقول : (112)

فلاهدين مع الرياح قصيدة منـــي مغلغلة الى القعقاع
ترد المياه فما تزال غريبة في القوم بين تمثل وسماع

وقصيدته غريبة عن الشعراء الاخرين ، فتأخذ بها الريح لتذيعها ، لجودتها .
وهذا جندل بن المثنى الطهوي ، يمدح شعره ، نافياً عنه الاقواء والاسناد ، فيقول : (113)

لم اقو فيهن ولم اساند

ويفتخر شاعر آخر بقوافيه ، فيقول : (114)

فان اهلك فقد ابقيت بعدي قوافـــــي تعجب المتمثلينا
لذيذات المقاطع محكمات لو ان الشعر يلبس لارتدينا

ويقول ابن ابي حفصة مادحاً شعره : (115)

نظمت لك الدر الذي ليس مثـــله وانت الذي ما في الملوك لـــه مثل
بلوت القوافي عند من لو بلــوته بغير القوافي لابتهجن بمــــــا تبلو
ولما تخيرت المديح او الــــكرى حلا في فمي مثل الرقاد الذي يحلو
وكادت قوافي الشعر لما دعوتها اليك توافي قبل ان وافت الـــــرسل

واذا كان للمتنبي شعراً يكثر فيه اعتداده بنفسه ، فأن هذا الاعتداد هو اعتداد بشعره ، فيقول : (116)

لا تجسر الفصحاء تنشد ههنا بيتا ولكني الهزبـــــــــر الباسل
ما نال اهل الجاهلية كــــــلهم شعري ولا سمعت بسحري بابل
واذا اتتك مذمتي من ناقـــص فهي الشهادة لي بانـــــــي كامل

ويفتخر قائلاً : (117)

دعاني اليك العلم والحلم والحجى وهذا الكلام النظم والنــائل النثر
وما قلت من شعر تـــــــكاد بيوته اذا كتبت يبيض من نورها الحبر
كان المعاني في فصاحـــــة لفظها نجوم الثريا او خلائقك الـــــزهر

وكذلك يقول : (118)

انا الذي نظر الاعمى الى ادبي واسمعت كلماتي مـن به صمم
انام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم

وكذلك قوله : ( 119)

وتعذلني فيك القوافي وهمـــــتي كاني بمدح قبل مدحــــك مذنب
ولكنه طال الطريق ولــــــــم ازل افتش عن هذا الكـــــلام وينهب
فشرق حتى ليس للشرق مشرق وغرب حتى ليس للغرب مغرب
اذا قلته لم يمتنع مــــــن وصوله جـــــــدار معلى او خباء مطنب

وقوله كذلك : (120)

وما الدهر الا من رواة قصائــدي اذا قلت شعرا اصبح الدهر منشدا
فسار به من لا يسير مشـــــــمرا وغنى به من لا يغني مــــــــــغردا
اجزني اذا انشدت شعرا فانـــــما بشعري اتاك المادحون مـــــــرددا
ودع كل صوت غير صوتي فانني انا الصائح المحكي والاخر الصدى

وقوله : ( 121)

وعندي لك الشرد السائرات لا يختصصن من الارض دارا
قواف اذا سرن عـــن مقولي وثبن الجبال وخضن البحارا
ولي فيك ما لم يقل قــــــــائل ومــا لم يسر قمر حيث سارا

4 – تفاضل الشعراء فيما بينهم :
زخرت كتب النقد القديمة بقصائد يتفاخر الشعراء بها امام اقرانهم والاخرين ، من حيث جودته ، وحسن نظمه ، ودقة معانيه ، واشتهاره بين الناس ...الخ ، وكذلك من حيث كيفية انشائه ، وانشاده . وقد ذكر لنا الجاحظ اقوالاً كثيرة في ذلك ، فها هو الشاعر عمر بن لجأ ، يفاخر بشعره امام احدهم ، فيقول : (( انا اشعر منك )) وعندما يسأله محاوره السبب ، يجيبه قائلاً : (( لاني اقول البيت واخاه ، وانت تقول البيت وابن عمه )) .(122)
ان ابن لجأ ، قد لخص عملية كتابة الشعر المضنية بهذا القول .
الاان احد الشعراء ممن ينشؤون القصائد في كل ساعة ، أي من اصحاب الطبع ، والسرعة في الانجاز ، كان يفاخر بعمله هذا امام شاعر آخر من اصحاب " الشعر الحولي "،وكانت له اسبابه في ذلك .
(( قال بعض الشعراء لرجل : انا اقول في كل ساعة قصيدة ، وانت تقرضها في كل شهر ، فلم ذلك ؟ قال : لانــــــــي لا اقبل من شيطاني مثل الذي تقبل من شيطانك )).(123)
ان كتابة الشعر ، طريق وعر ، محفوف بالمخاطر ، والمخاطر انواع واشكال . وقد لخص ابن المقفع هذه المخاطر بقوله : (( الذي ارضاه لا يجيئني ، والذي يجيئني لا ارضاه )) . (124)
وقد اقيمت جلسات شعرية منذ العصر الجاهلي ، للتحكيم بين الشعراء ، والمفاضلة بينهم ، وايهم الافضل من بين الآخرين ، وعلى الرغم من ان لكل محكّم ذائقته النقدية "وغالباً ما كانوا شعراء او متذوقين للشعر " لتقييم شعر الآخرين ، وكذلك لكل عصر رؤاه الخاصة ، الا ان بحثنا هذا سوف يحتفظ برأيه الخاص عن كل حادثة تحكم ، لان همه تثبيت تلك الحادثة فقط .
والتفاضل ، كما يذكر صاحب اللسان هو : (( التمازي في الفضل ، وفضّله :مزّه . التفاضل بين القوم : ان يكون بعضهم افضل من بعض )) .( 125)
ويذهب ابن الاثير الى تصنيف المفاضلة ، فمنها المفاضلة التي تقع بين شاعرين او اكثر ، ومنها بين قصيدتين او اكثر ، او بين المعاني .
فيقول عن المفاضلة بين الشعراء ، ان : (( الاختلاف فيها كثير ، وكل يذهب مذهباً يدعوه اليه نظره )) .(126)
اما المفاضلة بين المعاني ، فيقول عنها : (( والاكثر يرى الا مفاضلة إلا بين المعاني المتفقة ، ويقولون : كيف يمكن المفاضلة بين المعاني المختلفة ، ويضربون لذلك امثلة )) . (127)
فيما تكون المفاضلة الاخرى بين القصائد ، فيقول : (( وهي ان تنظر الى قصيدتين لشاعرين وتختار جيد هذه وجيد هذه ، فمن كان جيده اكثر بالنسبة الى رديئه حكم له بالفضيلة، او ان تنظر في ديوان هذا وديوان هذا ، ويجري الامر على ما تقدم في قصيدتيهما )) .(128)
الا ان للقرطاجني رأي آخر، فهو يجعل الاساس النسبي ، هو القاعدة في هذه المفاضلة ، فقول : (( ان المفاضلة بين الشعراء الذين احاطوا بقوانين الصناعة ، وعرفوا مذاهبها ، لا يمكن تحقيقها ، ولكن انما يفاضل بينهم على سبيل التقريب وترجيح الظنون . ويكون حكم كل انسان في ذلك بحسب ما يلائمه ويميل اليه طبعه ، اذ الشعر يختلف في نفسه بحساب اختلاف انماطه وطرقه ، ويختلف بحسب اختلاف الازمان وما يوجد فيها مما شأن القول الشعري ان يتعلق به ، ويختلف بحسب اختلاف الامكنة وما يوجد فيها مما شأنه ان يوصف ، ويختلف بحسب الاحوال ، وما تصلح له ، وما يليق بها ، وما تحمل عليه ، ويختلف بحسب ما تختص به كل امة من اللغة المتعارفة عندها ، الجارية على السنتها )) .(129)
اما الموازنة ، فقد اخذت مساحة كبيرة من كتب الاقدمين ، فكانت هناك الموازنة بين شعر ابي تمام والبحتري للآمدي ، او ان تكون هذه الموازنة بين قصيدتين لشاعرين ، كما اقامها القاضي الرجرجاني في "الوساطة " بين قصيدتين في وصف الحمى ، احداهما للشاعر المتنبي والثانية للشاعر عبد الصمد بن المعذل . (130)
واغلب النقاد القدامى لا يرى فرقاً بين المفاضلة والموازنة ، فهذا ابن الاثير يسمي( الموازنة ) مفاضلة . (131)
ان ما يهدف اليه بحثنا هذا ، هو المفاضلة بين الشعراء ، لكي نتعرف على معاناتهم اثناء كتابتهم لشعرهم .
والمفاضلة اما ان تكون بحضور الشعراء انفسهم ، او ان تكون بغيابهم ، وهذه على نوعين ، اما ان تكون بحياة الشعراء ، او ان تكون بعد مماتهم ، وسنعطي امثلة لكل ذلك .
وربما كانت المحاكمة الاولى في تاريخ الشعر العربي ، هي الواقعة بين علقمة بن العبد ، وامرىء القيس ... وقد اختار الشاعر علقمة ، ام جندب ، زوجة القيس ، لتكون هي المحكمة بينهما .
(( ...فقالت: قولا شعرا تصفان فيه الخيل على روي واحد وقافية واحدة فقال امرؤالقيس:

خليلي مرا بي على ام جندب لنقضي حاجات الفؤاد المعذب

وقال علقمة:

ذهبت من الهجران في كل مذهب ولم يك حقا كل هذا التجنب

ثم انشداها جميعا فقالت لامرىء القيس: علقمة اشعر منك فقال: وكيف ذاك قالت:
لانك قلت:

فللسوط الهوب وللساق درة وللزجر منه وقع اخرج مهذب

فجهدت فرسك بسوطك ومريته بساقك وقال علقمة:

فادركهن ثانيا من عنانه يمر كمر الرائح المتحلب

فادرك طريدته وهو ثان من عنان فرسه لم يضربه بسوط ولا مراه بساق ولا زجره)) .(132)
ويذكر صاحب ( الموشح ) ان السيدة سكينة بنت الحسين ، كانت محكمة بين الشعراء ، وان جرير والفرزدق وكثير عزة والنصيب ، قد استأذنوها : (( فدخلوا فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ، واخرجت اليهم جارية لها وضيئة وقد روت الاشعار والاحاديث ، فقالت : ايكم الفرزدق ؟ فقال الفرزدق : ها انذا . فقالت : انت القائل :

هما دلتاني من ثمانين قامة كما انقض باز اقتم الريش كاسره

قال : نعم ، انا قلته . فقالت : ما دعاك الى افشاء سرك وسرها ، افلا سترت على نفسك وعليها ؟ ثم دخلت وخرجت فقالت : ايكم جرير ؟ قال : ها انذا . قالت : أنت القائل :

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي بسلام

قال جرير : انا قلته . قالت : افلا اخذت بيدها ورحبت بها . وقلت : فأدخلي بسلام . انت رجل عفيف )) (133)
وقيل ان السيدة عقيلة بنت عقيل بن ابي طالب (( كانت "تجلس للناس " فبينما هي جالسة اذ قيل لها : العذري بالباب . فقالت : ائذنوا له ، فدخل ، فقالت له: انت القائل :
ولو تركت عقلي معي ما طلبتها ولكن طلابيها لما فات من عقلي

انما تطلبها عند ذهاب عقلك . لولا ابيات بلغتني عنك ما اذنت لك وهي :

علقت الهوى منها وليداً فلم يزل الى اليوم ينمي حبها ويزيد
فلا انا مردود بما جئت طــــــالبا ولا حبها فـــــــيما يبيد يبيد
يموت الهوى مني اذا ما لقيتها ويحيا ، اذا فـــارقتها فيعود

ثم قيل : هذا كثير عزة والاحوص بالباب ، فقالت: ائذنوا لهما . ثم اقبلت على كثير ، فقالت : اما انت يا كثير فألأم العرب عهداً في قولك :

اريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل

ولم تريد ان تنسى ذكرها ؟ اما تطلبها الا اذا مثلت لك ؟ اما والله لولا بيتان قلتهما ما التفت اليك ، وهما قولك :

فيا حبها زدني جوى كــــــل ليلة ويا سلوة الايام موعدك الحشر
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

ثم اقبلت على الاحوص ، فقالت : واما انت يا احوص ، فأقل العرب وفاء في قولك :

من عاشقين تراسلا فتواعدا ليــــــــلا اذا نجم الثريا حلقا
بعثا امامهما مخافة رقـــــبة عبدا فـفرق عنهما ما اشفقا
باتا بانعم عيشة والذهــــــا حتى اذا وضح الصباح تفرقا

الا قلت : تعانقا . اما والله لولا بيت قلته ما اذنت لك ، وهو :

كم من دني لها قد صرت اتبعه ولو صحا القلب عنها صار لي تبعا)).(134)

وتأتي بعض الاحيان ، المفاضلة بين شاعر وآخر ، من خلال نقد احدهما لبيت الثاني ، مما يؤكد اجادة الشاعر الناقد . وهذا ما حدث بين النابغة وحسان بن ثابت ، عندما طعن النابغة في قول حسان :

(( لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى واسيافنا يقطرن من نجدة دما

و ذلك لانهم يرون موضع الطعن على حسان في قوله "الغر" وكان ممكنا ان يقول البيض ، لأن الغرة بياض قليل في لون اخر غيره ، وقالوا : فلو قال " البيض " لكان اكثر من الغرة ، وفي قوله : " يلمعن بالضحى " ولو قال " بالدجى " لكان احسن ، وفي قوله " واسيافنا يقطرن من نجدة دما " قالوا : ولو قال " يجرين " لكان احسن ، اذ كان الجري اكثر من القطر )) .(135)
وفي احيان كثيرة ، تقع المفاضلة بين شاعرين ، احدهما حاضر والاخر غائب ، كما حدث بين الكميت بن زيد ونصيب عندما انشده بعض شعره ، فراح نصيب يفاضل بينه وبين ذي الرمة .
انشد الكميت نصيباً قائلاً :

وقد راينا بها حورا منعمة بيضا تكامل فيها الدل والشنب

(( فثنى نُصيب خنصره ، فقال له الكميت : ما تصنع ؟ فقال : احصي خطأك ، تباعَدت في قولك : " تكامل فيها الدل والشنب "
هلا قلت كما قال ذو الرمة :

لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثات وفي انيابها شنب

ثم انشده في اخرى :

كان الغطامط من غليها اراجيز اسلم تهجوا غفارا

فقال له نصيب : ما هَجَتْ اسلمٌ غِفاراً قط ، فأستحيا الكميت فسكت .
قال ابو العباس : والذي عابه نصيب من قوله " تكامل فيها الدل والشنب " قبيح جداً ، وذلك ان الكلام لم يجر على نظمٍ ، ولا وقع الى جانب الكلمة ما يشاكلها . واول ما يحتاج اليه القول ان ينظم على نسق ، وان يوضع على رسم المشاكلة )) .(136)
ويمكن ان تقع المفاضلة بين شاعر حي ، وآخر ميت ، ويقوم بالمفاضلة شخص ثالث ، كما تروي الاخبار عن قيام عبد الملك بن مروان بذلك بين شعر كثير وشعر الاعشى ، اذ عندما انشد كثير قائلاً :

على ابن ابي العاصي دلاص حصينة اجـــــاد المرىءُ نسجها واذالها
يود ضعيف القوم حـــــــــــمل قتيرها ويستضلع القرم الاشم احتمالها

(( فقال له عبد الملك : قول الاعشى لقيس بن معدي كرب احسن من قولك حيث يقول له :

واذا تجيء كتيبة ملمومـــة خرساء تغشي من يذود نهالها
كنت المقدم غير لابس جنة بالسيف تضرب معلما ابطالها

فقال : يا امير المؤمنين وصفتك بالحزم ووصف الاعشى صاحبه بالخرف )) .(137)
ويعلق ابن جعفر على نقد عبد الملك ، ورد كثير ، قائلاً : (( والذي عندي في ذلك ان عبد الملك اصح نظراً من كثير ، الا ان يكون كثير غلط واعتذر بما يعتقد خلافه ، لانه قد تقدم من قولنا في ان المبالغة احسن من الاقتصار على الامر بما هو فيه كفاية ، والاعشى بالغ في وصف الشجاعة ، حيث جعل الشجاع شديد الاقدام ، بغير جنة على انه وان كان لبس الجنة اولى بالحزم واحق بالصواب ، ففي وصف الاعشى دليل قوي على شدة شجاعة صاحبه لان الصواب له ، ولا لغيره ، الا لبس الجنة ، وقول كثير تقصير في الوصف )) .(138)
وفي اغلب الاحيان ، تكون المفاضلة بين الشعراء تحدث في غيابهما . اذ تتصدر مجالس السمر الاحاديث والروايات عن بعض الشعراء ، فتكون المفاضلة ، فينقل لنا صاحب الامالي ، مفاضلة جرت في مجلس ابن ابي عتيق بين الشاعرين الحارث بن خالد وعمر بن عبد الله بن ابي ربيعة ، وكان في المجلس رجل من ولد خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة : (( وقال صاحبنا : الحارث اشعرهما ، فقال ابن ابي عتيق : بعضَ قولك يابن اخي ، فلشعر ابن ابي ربيعة لوطةٌ بالقلب وعلقٌ بالنفس ودرك للحاجة ليس لشعر وما عصى الله بشعر اكثر مما عصي بشعر بن ابي ربيعة فخذ عني ما اصف لك: اشعر قريش: من رق معناه ولطف مدخله وسهل مخرجه ومتن حشوه وتعطفت حواشيه وانارت معانيه واعرب عن صاحبه فقال: الذي من ولد خالد بن العاص: صاحبنا الذي يقول:

اني وما نحروا غداة منى عـند الجمار تؤدها الـعقل
لو بدلت اعلى مساكنــــها سفلا واصبح سفلها يعلو
فيكاد يعرفها الخبير بـــها فيرده الاقواء والمـــــحل
لعرفت مغناه لمااحــتملت مـني الضلوع لاهلها قـبل

فقال ابن ابي عتيق: با بن اخي استر على صاحبك ولا تشاهد المحاضر بمثل هذا اما
تطير الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله الا ان يسال الله حجارة من
سجيل ابن ابي ربيعة كان احسن صحبة للربع من صاحبك واجمل مخاطبة حين يقول:

سائلا الربع بالبلى وقــــــولا هجت شوقاً لي الغداة طويلا
اين حي حلوك اذ انت مســر وربهم اهل اراك جـــــــميلا
قال ساروا فامعنوا فاستقلوا وبكرهي لو استطعت سـبيلا
سئمونا وما سئمنا مـــــقاما واستحثوا دماثة وســـــهولا )) .(139)

ويسأل الخليفة عبد الملك بن مروان ولده وبعض اهل بيته وخاصته عن احسن ما قيل في الشعر وليفضل من رأى تفضيله (( فانشدوا وفضلوا فقال بعضهم: امرؤ القيس وقال بعضهم: النابغة وقال بعضهم: الاعشى فلما فرغوا قال: اشعر والله من هؤلاء جميعاعندي الذي يقول:

وذي رحم قلمت اظــــــــــفار ضغنه بحلمي عــــنه وهو ليس لـــــه حلم
يحاول رغمي لا يحاول غـــــــــــيره وكـــالموت عندي ان يحل به الرغم
فان اعف عنه اغض عينا على قذى وليس له بالصفح عن ذنبه علم )) ( 140)

اما النقاد القدامى ، فقد اختلفت اراءهم حول أي الشعراء افضل من صاحبه ، بصورة عامة او حول قصيدة واحدة ، او بيت واحد اواكثر . وهذه المسألة ذات شأن ، اذا اخذنا بنظر الاعتبار المناهل التي ينهل كل واحد منهم ، فمنهم من يعتمد المبدأ الاخلاقي ، ومنهم من يعتمد الدين الاسلامي وقيمه ومبادئه اساساً في التفضيل ، ومنهم من يرى في اللفظ ، او اللفظ والمعنى اساساً لتلك المفاضلة ، لهذا نجد ان (( المفضل الضبي يقدم الفرزدق على جرير ، وابو عمرو بن العلاء يقدم الاخطل ثم جرير ثم الفرزدق ، وان علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس بن حجر واهل الكوفة كانوا يقدمون الاعشى ، وان اهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيراً والنابغة )) .(141)
ويذكر الصولي في ( اخبار ابي تمام ) عن مفاضلة جرت بين شعر دعبل وشعر ابي تمام ، بحضور دعبل ، وفي مجلسه . فقال دعبل عن ابي تمام : (( كان يتتبع معانيَّ فيأخذها ، فقال له رجل في مجلسه : ما من ذاك اعزك الله ؟ قال ، قلت :

وان امرأً اسدى الــــــي بشافع اليه ويرجو الشكر منـــي لاحمق
شفيعك فاشكر في الحوائج انه يصونك عن مكروهها وهو يخلق

فقال له الرجل : فكيف قال ابو تمام ؟ قال، قال:

فلقيت بين يديك حلو عـــطائه ولقيت بين يدي مرَّ سؤاله
واذا امرؤ اسدى اليك صنيعةً من جاهه فكأنها من مـــاله

فقال الرجل : احسن والله ، فقال : كذبت قبحك الله ، فقال : والله لئن كان اخذ هذا المعنى وتبعته فما احسنت ، وان كان اخذه منك لقد اجاد فصار اولى به منك ، فغضب دعبل وقام )).(142)
ويقف كثير عزة محكماً بين عمر بن ابي ربيعة ، والاحوص ونصيب ، فيخاطب ابن ابي ربيعة قائلاً : (( يا اخا قريش ، والله لقد قلت فأحسنت في كثير من شعرك ، ولكن خبرني عن قولك :

قالت لـــــــها اختها تعاتبها لا تفسدن الطواف في عمـر
قومي تصــدي له ليبصرنا ثم اغمزيه يا اخت في خَــفر
قالت لها : قد غمزته فأبى ثم استبطرت تشتد في اثري

والله لو قد قلت هذا في هرة اهلك ما عدا . اردت ان تنسبَ بها فنَسَبت بنفسك ، اهكذا يقال للمرأة ! انما توصف بالخفر، وانها مطلوبة ممتنعة ، هلا قلت كما قال هذا ؟ وضرب بيده على كتف الاحوص :

ادورُ ولـــو لا ان ارى ام جعفرٍ بأبياتكم ما درتُ حيثُ ادورُ
وما كنت زوارا ولكن ذا الهوى اذا لم يزر لا بــد ان سيزور
لـــــقد منعت معروفها ام جعفر واني الــــى معروفها لفقير

قال : فأمتلأ الاحوص سروراً ، ثم اقبل عليه فقال : يا احوص خبرني عن قولك :

فان تصلي اصلك وان تبيني بصرمك قبل وصلك لا ابالي

اما والله لو كنت من فحول الشعراء لباليت ، هلا قلت مثل ما قال هذا ؟ وضرب بيده على جنب نصيب :

بزينب المم قبلَ ان يظعن الركبُ وقل إن تملينا فما مَلَّكِ القلبُ

قال : فأنتفخ نصيب ، ثم اقبل عليه فقال له : ولكن اخبرني عن قولك يا اسود :

اهيم بدعدٍ ما حييت وان امت فوا حَزَني مَن ذا يهيمُ بها بعدي

كأنك اغتممت ألا يُفعل بها بعدك ، ولا يكنى ، فقال بعضهم لبعض : قوموا فقد استوت القِرقة . وهي لعبة على خطوط ، فأستواؤها انقضاؤها )) .(143)
ويأتي آخر ليقول شعراً يحكم فيه بأنه اشعر من قول شاعر آخر . فها هو احدهم يدعي ان بيته اشعر من بيت حسان الذي يقول فيه :

يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسالون عن السواد المقبل

وقلت :

يغشون حتى ما تهر كلابهم ابداً ولا يسالون من ذا المقبل

فقيل هو بيت حسان ولكنك قد افسدته )) .(144)
وتذكر كتب نقادنا القدامى بالكثير من القصائد والابيات الشعرية المفضلة ، فتحدثوا عن افضل قصيدة ، وافضل بيت في المدح وآخر في الرثاء ، وثالث في الوصف ، وهكذا ... فضلاً عن ان الذائقة الشعرية والنقدية ليست هي واحدة في كل عصر وزمان .
فمن مفضلات مسلم بن الوليد في المدح والرثاء والهجاء ، الابيات الآتية التي فضلها السابقون . (145)

ففي المديح ، قوله :

تجود بالنفس اذ ضن البخيل بها والجود بالنفس اقصى غاية الجود

وفي الرثاء قوله :

ارادوا ليخفوا قبره عن عدوه فطيبُ تراب القبر دلَّ على القبر

وفي الهجاء ، قوله :

قَبُحَتْ مناظِرهُ فحين حَبَرته حَسُنَتْ مناظِرُهُ لِقُبحِ المخبرِ

وقد تكون المفاضلة على اساس اغراض الشعر ، كما قلنا ، بين الشعراء . وسوف نذكر امثلة عن ذلك ، ابتداء من المتأخرين نزولاً الى الاقدمين ... لان الشخص الذي يختار الافضليات – ان كان ناقداً او شاعراً ، او متذوقا ً- من المتأخرين قد اطلع على اغلب ، ان لم نقل جميع ما قيل من شعر منذ العصر الجاهلي حتى ايام حياته هو .
يذكر الحاتمي ( ت/ 388 ) في (حلية المحاضرة ) ، ان : (146)
آ – اشعر بيت قالته العرب ، هو قول دريد بن الصمة :

قليلُ التشكي للمصيبات ذاكر من اليوم اعقاب الاحاديث في غدٍ

ب – ان احسن بيت قالته العرب ، قول المرقش :

ومَن يلقِ خيراً يحمدُ الناسَ امرهُ ومَن يغو لا يَعدم على الغي لا ئما

ج – ان افخر بيت قالته العرب ، قول الفرزدق :

ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا وان نحن اومأنا الى الناس وقفوا

د – ان اهجى بيت قالته العرب ، هو قول الاعشى:

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم وجاراتكم جوعى يبتن خمائصا

اما القالي ، فيذكر في الامالي ( ولد في 28. ): (147)
(( ...قال سعيد بن سَلم : مدحني اعرابي ببيتين لم اسمع احسن منهما :

ايا سارياً بالليل لا تخشى ضِلةً سعيد بن سلم ضوء كلِّ بلاد
لنا مُقرم اربى على كـــل مُقرم جـوادٌ حَثا في وجهِ كلِّ جواد

فأغفلت صلته فهجاني ببيتين لم اسمع اهجى منهما ، وهما قوله :

لكلِّ اخي مدحٍ ثـــــــوابٌ عَلمته وليس لمدح الباهلي ثوابُ
مدحتُ ابن سليمٍ والمديحُ مهزةٌ فكان كصفوانٍ عليه تُراب ))

ويذكر كذلك ، اهجى بيت قالته العرب : (148)

وقد عَلِمَت عِرساك انك آئبٌ تخبرهم عن جيشهم كل مَربَع

اما ابن قتيبة (ت/276)، فيذكر ،انه : (149)
(( لم يقل بيت ابدع من قول الشاعر في بعض امية :

يغضي حياء ويغضى من مهابته فما يكلم الا حين يبتسم))(150 )

وفي ( طبقات الشعراء ) لدعبل الخزاعي( ت/246) يذكر ، ان : (151)
آ- افخر بيت ، هو قول كعب بن مالك :

وببئر بدر اذ يرد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد

ب – امدح بيت ، قول ابي الطمحان :

اضاءت لهم احسابهم ووجوههم دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

وكذلك قول النابغة :

فانك شمس والملوك كواكب اذا طلعت لم يبد منهن كوكب

اما الاصمعي (ت/ 216) قيقول عن اشعر الناس : (( من يأتي الى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيراً او الى الكبير فيجعله بلفظه خسيساً او ينقضي كلامه قبل القافية ، فاذا احتاج اليها افاد بها معنى ، قال : قلت نحو ذلك ؟ قال : نحو ذي الرمة حيث يقول :

قف العيس في اطلال مية فأسال رسوما كاخلاق الرداء المسلسل

فتم كلامه قبل المسلسل ثم قال المسلسل فزاد شيئاً ثم قال :

اظن الذي يجدي عليك سؤالها دموعا كتبذير الجُمان المفصل

فتم كلامه ثم احتاج الى القافية فقال " المفصل " فزاد شيئاً ، قال قلت : ونحو من ؟ قال : الاعشى حيث يقول :

كناطح صخرة يوما ليفلقها فلم يضرها واوهى قرنه الوعل

فتم مثله الى قوله "قرنه " ثم احتاج الى القافية فقال " الوعل " مفضلاً على كل ما ينطح ، قال : كيف ؟ قال : لانه ينحت من قلة الجبل على قرنه فلا يضره )) .(152)
ان الحديث عن أي الشعراء هو الاشعر ، وايهما الافضل ، حديث طويل ، الا ان الامثلة السابقة قد قربت الينا الصورة التي نرغب ان نكمل بها حديثنا عن معاناة كتابة القصيدة ، ومن ثم تثقيفها وتنقيحها ، اما بعد ذلك ، بعد انتشارها ، تصبح ملكاً للجميع ، ومن حقهم ان يختاروا ما يشاؤون ، او ان يفضلوا هذا الشاعر ام ذاك ، اعتماداً على الذوق الخاص ، وبتأثير – في اغلب الاحيان – بالجو العام ، والعرف السائد اجتماعياً في ذلك العصر ، وعلى الرغم من ذلك فأن الكثير من الكتاب القدامى والنقاد والمتذوقين حاولوا اجراء تغيير هنا اوهناك في هذه القصيدة ام تلك ، وقد اشرنا الى ذلك في السطور السابقة ، الاان هذا الموضوع يحتاج الى دراسة مطولة ومعمقة .
اما الكتب التي خصصت لتفضيل شاعر من بين شعراء العربية في وقت ما ، ولفترة زمنية محددة ، فقد يمكن ادراج ثلاثة منها ، هي : (153)
آ – تفضيل ابي نواس على ابي تمام – لعلي بن محمد الشمشاطي .
ب – الانتصار المنبي عن فضائل المتنبي – لابي الحسين بن محمد بن احمد بن محمد المغربي .
ج – تفضيل شعر امرىء القيس على الجاهليين – للامدي .

*** ***




ليست بخاتمة :
بعد هذه الرحلة الطويلة عن علاقة الشاعر بمنجزه الشعري ، قبل واثناء وبعد كتابة القصيدة ، وما رافق ذلك من معاناة تحمل وزرها الشعراء انفسهم جراء اجراء عملية التثقيف والتنقيح والتشذيب ، فضلاً عما قدمه النقاد العرب القدامى من انجازات سبرو فيها اغوار تلك العملية ، والنصائح التي قدموها للشعراء المبتدئين ، يمكن القول ، ان عملية كتابة الشعر ، أي العملية الابداعية في مجال الشعر ، كما قال عنها الفرزدق : هي اهون من قلع ضرس ، واصعب من صعود جبل ، كما اشار احدهم .
واذا كانت خواتم الدراسات تخصص للنتائج التي تتوصل اليها ، وغيرها من الامور التي لا تخرج عما جاء في الدراسة ، الا ان خاتمة هذه الدراسة سنخصصها لرحلتنا مع معاناة بعض شعراء العربية المعاصرين " شعراء القرن العشرين " تواصلاً مع اسلافهم الذين تعرفنا عليهم وعلى معاناتهم في السطور السابقة ، وذلك لنتعرف – ايضاً – على معاناتهم في هذا الجانب .
سودت ملايين الصفحات ، وعقدت المؤتمرات ، في سبيل معرفة منابع هذا الفن ، وطرق انشائه ، وعوامل انتشاره .
لقد تحملت الورقة البيضاء ثقل افرازات قلم الشاعر ، فحول لونها من البياض الى السواد ، فقال ابن القارح عن عملية الكتابة : (( ... وكتب بسواد الليل على بياض النهار )) .(154)
ولو طالبنا أي شاعر مجيد ، ان يرينا مسودات قصائده – والتسمية ذات دلالة كبيرة – ودرسنا تلك المسودات ، كما فعل الخبري مع مسودات الشريف الرضي قبل اكثر من الف سنة ، والدكتور مصطفي سويف في القرن العشرين ، وغيرهما ، لهالتنا تلك المعاناة ، كما ذكرنا طرفاً منها في السطور السابقة ، بالنسبة للشاعر وللورقة على السواء .
في هذه السطور ، سنلقي بعض الضوء على معاناة بعض شعراء القرن العشرين ، من خلال استعراض مسوداتهم .
ففي دراسة د . سويف ، درست مجموعة من المسودات الخاصة ببعض الشعراء الذين شملهم ( الاستخبار ) .
وكذلك فعل الشاعر نزار قباني ، عند ما ثبت بعض مسوداته في كتابه ( قصتي مع الشعر ) .
اما الشاعر محمد صالح عبد الرضا ، فقد جمع بعض مسودات الشاعر السياب وضمنها كتابه ( 27 قصيدة للسياب بخط يده ) .
فيما قام صاحب هذه الدراسة ، بجمع قسماً من مسودات الشاعر رشيد مجيد .
وما يهمنا في هذه السطور ، ليس ما قدمه الشعراء من اجابات عن اسئلة اريد منها ان تلقي الضوء على كيفية كتابة القصيدة ، أي لحظة الابداع ، وانما ما يهمنا هو تلك المسودات ، لاننا على ثقة من انها ستلقى ضوءساطعاً وقوياً ينير ما غمض من العملية التي يجريها الشاعر على قصيدته بعد كتابتها .
ان اهم ما نراه في تلك المسودات ، هو كثرة الشطب والحك ، والاضافات ، والاسهم ، والدوائر ، والخطوط ... وهي رموز ذات دلالة كبيرة على اتمام تلك العملية ، ونحن على يقين ان شعراءنا القدامى كانوا يفعلون الشيء نفسه ، مع علمنا بندرة ادوات الكتابة وبدائيتها ، لهذا كان مجهودهم – كما ترى هذه الدراسة – مضاعفاً ، ومعاناتهم جد كبيرة .
ولو استعرضنا اقوال بعض الشعراء ، فأننا نخرج بنتيجة مهمة مفادها : عظمة تلك المعاناة وقسوتها ، وانها معاناة واحدة عند الشعراء المجيدين ان كانوا في ايامنا هذه او كانوا من شعراء عصور الادب العربي السابقة .
ان الذي يقرأ رسائل السياب ، سيرى الكثير من الاشارات عن قيامه بعملية التثقيف لشعره . (155)
يقول الشاعر نزار قباني عن بعض قصائده والتي تبقى فترة طويلة في ذهنه قبل تقييدها في الورقة : (( طبعاً ، انا افكر فيها ، ولكن التفكير فيها لا يقدم ولا يؤخر في زمان حضورها . هناك قصائد – كقصيدة حبلى – ظللت افكر فيها عشر سنوات ،ولم تحضر الا في السنة الحاديةعشرة)). (156 )
اما الشاعر حميد سعيد ، فيقول : (( ان القصيدة تعيش معي واتعايش معها ، قبل الكتابة واثناءها ، فاذا انتهيت منها ، استمر الحوار بأنتظار الآتي )) .(157)
وقصيدة الشاعر صلاح عبد الصبور ، تمر بمراحل ، تكون المرحلة الثالثة هي قمة المعاناة بالنسبة له ، أي مرحلة العودة الى القصيدة بعد كتابتها ، و : (( عودة الشاعر الى حاله العادية قبل ورود الوارد اليه ، وقبل خوضه رحلة التلوين والتمكين، اذ ان الشاعر عندئذيقطع الحوار ليبدأ المحاكمة ، فتتجلى عندئذ حاسته النقدية حين يعيد قراءة قصيدته ليتلمس ما أخطأ من نفسه وما اصاب .
فالذات الاولى تنظر بوعيها الكامل فيما استطاعت ان تستلب من طرفي الحوار ، وهي عندئذ قد تثبت وتمحو ، وتقدم وتؤخر ، وتغير لفظاً بلفظ ، وتستبدل بسطر سطراً ، لكي يتم التشكيل النهائي للقصيدة ، الذي هو سرها الفني )) .(158)
اما الشاعر رشيد مجيد ، فيقول عن معاناته في كتابة القصيدة : (( الاشياء تتداعى ساعة النظم ، حيث ان القصيدة هي التي تدفعها ، والرؤى التي تتداعى امامي ، تذكرني برؤى اخرى تالية لها ... انها تظهر فجأة دون سابق انذار .. وان القصيدة تنضج اثناء كتابتها ، واحياناً ارجع لها في وقت آخر ، حيث بعد قراءتها تبدأ تداعيات جديدة )) . (159)
وعما يجري بعد انجاز كامل القصيدة ، يقول الشاعر رشيد مجيد : (( اشعر ان في القصيدة بعض المفردات او الابيات التي ربما لا تفي بالغرض من ناحية المعنى او المضمون ، او ان تفي بالمضمون ، انها ليست مفردات شعرية ، مفردات فقدت موسيقاها ، او ربما لم تؤد الغرض من الناحية الفنية ، فأكون ملزماً بتغييرها بمفردة اخرى تعطي نفس المضمون ولكن بشكل آخر يعطي القصيدة جمالها وشكلها الذي تنتهي اليه )) .(160 )
ستستمر – حتماً – معاناة الشعراء ما داموا – وشيطان الخلق والابداع في رأسهم - يكتبون الشعر ... وامل ان لا يصل بهم الحال الى ان يقولوا مع من قال : (161 )

لعن الله صنعة الشعر مـــــــاذا من صنوف الجهال منه لقينا
يؤثرون الغريب منه على مــا كـــــــان سهلا للسامعين مبينا
و يـرون المحال معنى صحيحا و خسيس الــــكلام شيئا ثمينا
يجهلون الصواب مــنه و لا يد رون للــــجهل انـــهم يجهلونا
فهم عند من سوانا يــــــــلامو ن و في الحق عـــندنا يعذرونا
انما الشعر ما يناسب في النظم وان كان في الصـــــفات فنونا
فأتى بعضه يشاكل بــــــــعضاً واقامت له الصـــــدور المتونا
كل معنى اتاك منه على مــــــا تتمنى و لم يكن ان يــــــــكونا
فتناهى من البيان الــــــــى ان كــــــــــاد حسنا يبين للناظرينا
فكان الالفاظ منه وجـــــــــوه و المعانــــي ركبن فيها عيونا
انما في المرام حسب الامـاني و يتحلى بـــــحسنه المنشدونا
فاذا مدحت بالشعر حــــــــــرا رمت فيه مذاهـــــب المشتهينا
فجعلت النسيب سهلا قــــريبا و جعلت الــمديح صــدقا مبينا
و تنكبت ما يهجن فـي السمع و ان كان لفظه مـــوزونـــــــا
و اذا ما عرضته بــــــــهجاء عبت فيه مـــذاهب الـــمرقبينا
فجعلت التصريح مـــنه دواء و جعلت التعريــض داء دفــينا
و اذا ما بكيت فيه عـــلى العا دين يومــا للبيـن و الظاعــنينا
حلت دون الاسى و ذللت ما كا ن من الدمع في العيون مصونا
ثم ان كنت عاتبا جــــــــــــئت بالوعد وعيدا و بالصعوبة بينا
فتركت الذي عتبت عـــــــــليه حذرا امنا عــــــــــزيـــزا مهينا
واصح القريض ما قارب النظم و ان كان واضــــحا مــــستبينا
فاذا قيل اطمع الناس طــــــــرا و اذا ريـــم اعـــجز المعجزيـنا

الهوامش :
1 – مقدمة ابن خلدون .
2- بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث – 81 .
3- شعر الحطيئة – اعتمدنا في هذه الدراسة على المصادر الليزرية ، أي الكتب المثبتة في اقراص ليزرية ، وسوف لا نذكر ارقام الصفحات بالنسبة للشعر لعدم ذكرها في الاقراص ،وكذلك الكتب الاخرى لان اغلبها لا يطابق ما موجود على الكتاب الورقي.
4 – طبقات فحول الشعراء .
5 – خير مثال على ذلك دراسة د. مصطفى سويف .
6 – دراسات بلاغية ونقدية – 206 . لم اجد هذين البيتين في شعر البحتري المثبت على القرص الليزري .
7 – والتثقيف : من ثَقُف الرجل من باب ظرف صار حاذقاً خفيفاً فهو ( ثَقْفٌ) مثل ضَخم ومنه ( المثاقفة ) و ( ثَقِفَ) من باب طَرِبَ لغة فيه فهو ( ثَقِفٌ) و ( ثقف) كعَضُدَ و ( الثقاف ) ما تسوىبه الرماح و ( تثقيفها ) تسويتها . مختار الصحاح – 84 .
8 – الشريف الرضي ، دراسات في ذكراه الالفية – 217 .
الا ان د. عناد غزوان يرى ان قول د. احسان عباس المذكور في كتابه ( الشريف الرضي – دار بيروت –1959 ) حول جمع الخبري لمسودات الرضي : (( يتناقض مع قول الشريف الرضي نفسه الذي لم يلتفت الى مثل هذه الطريقة في انشاء القصيدة . وقد صرح الشريف الرضي موضحاً ميلاد القصيدة عنده او محدداً بعبارة نقدية معاصرة لحظة الالهام الشعري حين اعتذر الى الصابي قائلاً : " ... لان خاطري جنح بي الى هذا الضرب من الشعر ومن عادتي ان اجري مع بديهته كيف جرى واعشو الى اول ايماضة والا ارد عنانه اذا انطلق ، ولا اسد ينبوعه اذا تدفق ولا احمله على اسلوب ولا اعدل به عن طريق طلباً لا سماحة بعفوه ، وتجنباً لاستكراهه على غير صنعة " ... )) . المصدر السابق – 217 .
والباحث لا يرى أي تناقض بين قول الرضي وعباس ، لان كلام الشاعر يمكن ان يرمي الى هدفين :
الاول : ربما كان قوله معني بضرب من ضروب الشعر ، وليس الى شعره كله .
الثاني : ربما كان يقصد الى ترك العنان لانطلاقة القصيدة حتى تكتمل اثناء لحظة كتابتها ، او لحظة كتابة تلك الايماضة ، او الفكرة التي شغلت خاطره ، كأن تكون تلك الايماضة قد صيرها الشاعر بما عناه الخبري بمطالع القصائد ، او جزء من اجزاء القصائد .
9– البيان والتبيين – 2/9 .
10 – المصدر السابق – 1/ 204 .
11 – شعر ابن ميادة .
12 – نصوص النظرية النقدية – 59 .
13 – المصدر السابق – 59 .
14 – المصدر السابق – 59 .
15 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 643 .
16 – البيان والتبيين – 2/14 .
17 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 31 - 32 0
18 – شعر بكر بن النطاح .
19 – شعر البحتري .
20 – المصدر السابق .
21 – المصدر السابق .
22 – شعر مهيار الديلمي .
23 – رسالة الغفران – 267 .
24 – الرواية الثانية – 77 .
25 – المثل السائر .
26 – الرواية الثانية - 83 .
27 – الوساطة – 22 – 23 .
28 – شعر مروان بن ابي حفصة .
29 – نصوص النظرية النقدية – 59 .
30 – العمدة – 1/ 83 –84 . مأخوذ من الشعر الجاهلي – 220 – 221 .
31 – الخصائص – 1/325 .
32 – الشعر والشعراء .
33 – البيان والتبيين – 2/ 13 .
34 – المصدر السابق – 1/ 138 .
35 – المصدر السابق – 1 / 138 .
36 – الشريف الرضي – 218 .
37 – الشعر والشعراء .
38 – مقدمة ابن خلدون – 574 – 575 .
39 – شعر مهيار الديلمي .
40 – الاغاني .
41 – شعر كعب بن زهير .
42 – يتيمة الدهر .
43 – دراسات بلاغية ونقدية – 381 . وانظر عيار الشعر – 5 .
44 – نصوص النظرية النقدية – 59 .
45 – الشعر والشعراء .
46 – نصوص النظرية النقدية – 122 .
47 – البيان والتبيين – 2/ 13 .
48 – المثل السائر .
49 – العمدة – 1 / 197 . مأخوذ من الرواية الثانية – 54 – 55 .
50 – المصدر السابق – 1/ 83 . مأخوذ من الشعر الجاهلي . وانظر الهامش –29 اعلاه .
51 – معجم النقد العربي القديم – 3.. .
52 – الخصائص – 1/328 .
53 – الرواية الثانية – 26 . والشعر الجاهلي – 32 – 33 .
54 – المصدر السابق – 26 .
55 – الادب العربي – 83 .
56 – الرواية الثانية – 27 .
57 – الخصائص – 1/ 325 .
58 – المصدر السابق – 1/ 326 . وفي ديوانه يقول :
بيضاء صفراء قد تنازعها لونان من فضةٍ ومن ذهب
59 – المصدر السابق – 1/ 327 .
60 – شعر سويد بن كراع .
61 – دلائل الاعجاز – 392 .
62 – شعر ذو الرمة .
63 – شعر ابو حية النميري .
64 – شعر تميم بن ابي بن مقبل .
65 – شعر كعب بن زهير .
66 – الخصائص – 1/ 327 .
67 – الرواية الثانية – 111 .
68 – شرح الصولي لديوان ابي تمام – 2/ 178 .
69 – المصدر السابق – 2/ 178 – 179 .
70 – شعر البحتري .
71 – المصدر السابق .
72 - المصدر السابق .
73 - – المصدر السابق .
74 – شعر الاعشى .
75 – شعر الخنساء .
76 – شعر جرير .
77 – شعر الشريف الرضي .
78 - – المصدر السابق .
79 - – المصدر السابق .
80 -– المصدر السابق .
81 – شعر جرير .
82 – شعر مهيار الديلمي .
83 – شرح الصولي لديوان ابي تمام – 1/381 .
84 - – المصدر السابق – 1/585 .
85 -– المصدر السابق – 3/43 .
86 - – المصدر السابق – 3/ 532 .
87 – المصدر السابق – 1/ 4.9 . 41. .
88– المصدر السابق – 1/ 396 – 397 .
89 – شعر سبط بن التعاويذي .
90– المصدر السابق .
91 – المصدر السابق .
92 – المصدر السابق .
93 – شعر المتنبي .
94 – شعر الاعشى .
95 – شعر المتنبي .
96 – شعر ابن هرمة .
97 – الاغاني .
98 – شعر الشريف الرضي .
99 – المصدر السابق .
100 – المصدر السابق .
101 – المصدر السابق .
102 – المصدر السابق .
103 – المصدر السابق .
104 – شعر مهيار الديلمي .
105 – المصدر السابق .
106 – المصدر السابق .
107 – شرح الصولي لديوان ابي تمام – 1 /299 .
108 – المصدر السابق –1/9. .
109 – المصدر السابق – 3/637 .
110 – المصدر السابق – 1/285 – 186 .
111 – شعر البحتري .
112 – الرواية الثانية – 21 .
113 – البيان والتبيين – 1/139 .
114 – شعر ابن ميادة .
115 – شعر ابن ابي حفصة .
116 – شعر المتنبي .
117 – المصدر السابق .
118 – المصدر السابق .
119 – المصدر السابق .
120 – المصدر السابق .
121 – المصدر السابق .
122- البيان والتبيين – 1/206 .
123 – المصدر السابق – 1/207 .
124 – المصدر السابق – 1/208 .
125 – اللسان – مادة فضل .
126 – معجم النقد العربي القديم – 331 – 332 .
127 – المصدر السابق – 332 .
128 – المصدر السابق – 332 .
129 – المصدر السابق – 377 .
130 – المصدر السابق – 375 .
131 – المصدر السابق –375 .
132 – الشعر والشعراء .
133 – الثابت والمتحول – 329 . الهامش – 89 .
134 – المصدر السابق – 170 – 171 . هذه الدراسة غير معنية بمناقشة دوافع النقاد ، ونظرتهم الى الشعر ، ان كانت تلك الدوافع ادبية – فنية بحت ، ام كانت اخلاقية ، او تربوية ، اوقيمية .
135 – نقد الشعر – 92 .
136 – الكامل – 2/ 159 – 160 .
137 – نقد الشعر – 99 – 100 .
138 – المصدر السابق – 100 .
139 – الامالي .
140 – المصدر السابق .
141 – الرواية الثانية – 17 .
142 – اخبار ابي تمام – 63 –64 .
143 – الكامل – 2/ 156 – 157 .
144 – دلائل الاعجاز – 373 .
145 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 231- 232 .
146 – الرواية الثانية – 49. –491 .
147 – الامالي – 2/ 223 .
148 – المصدر السابق – 2/142 .
149 – الرواية الثانية – 139 .
150 – البيت للفرزدق يمدح به الامام زين العابدين (ع) .
151 – مجلة المورد – 113 .
152 – نقد الشعر – 169 – 170 .
153 – معجم الادباء .
154 – رسالة الغفران – 62 .
155 – انظررسائل السياب .
156 – قصتي مع الشعر – 187 .
157 – الكشف عن اسرار القصيدة – 135 .
158 – حياتي في الشعر – 18 .
159 – اجابة الشاعر لكاتب الدراسة بتاريخ 10 / 5 / 1992 .
160 – المصدر السابق .
161 – مقدمة ابن خلدون .


المراجع والمصادر :
آ – الكتب :
1 – اخبار ابي تمام – ابي بكر محمد بن يحيى الصولي – تح : محمد عبده عزام وآخرون – دار الآفاق الجديدة – بيروت – ط3 / 1980 .
2 – الادب العربي – د. ايهم عباس القيسي واخرون – مطبعة الميناء – بغداد – 2002 .
3 – الاسس النفسية للابداع الفني في الشعر خاصة – د. مصطفى سويف – دار المعارف – مصر – ط3 / 1970 .
4 – الامالي – ابي على اسماعيل بن القاسم القالي – دار الفكر – د . ت .
5 – بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث – د. يوسف حسن بكار – دار الاندلس للطباعة والنشر – بيروت – 1982 .
6 – البيان والتبيين – الجاحظ – تح : عبد السلام محمد هارون – مؤسسة الخانجي بالقاهرة – ط3 / د.ت.
7 – الثابت والمتحول ، الاصول – ادونيس – دار العودة – بيروت ط1 / 1974 .
8 – حياتي في الشعر – صلاح عبد الصبور – دار العودة – بيروت – ط1 / 1969
9 – الخصائص – ابي الفتح عثمان بن جني – تح : محمد علي النجار – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 199. .
10 – دراسات بلاغية ونقدية – د. احمد مطلوب – دار الرشيد للنشر – بغداد – 1980 .
11 – دلائل الاعجاز – الامام عبد القاهر الجرجاني – تصحيح وتعليق : السيد محمد رشيد رضا – دار المعرفة – بيروت – 1978 .
12 – رسائل السياب – جمع وتقديم : ماجد السامرائي – دار الطليعة – بيروت – ط1/ 1975 .
13 – رسالة الغفران – تح: د. عائشة عبد الرحمن – دار المعارف – مصر – ط3 / 1963 .
14 – الرواية الثانية ، دراسة تحقيق النصوص في مصادرها الثانوية – عبد العزيز ابراهيم – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1998 .
15 - 27 قصيدة للسياب بخط يده – محمد صالح عبد الرضا – جامعة البصرة – 1990 .
16 – شرح الصولي لديوان ابي تمام – دراسة وتحقيق : د. خلف رشيد نعمان – وزارة الثقافة والفنون – بغداد - ج1 / 1977 . ج2 /1978- وزارة الثقافة والفنون – بغداد ودار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت . ج3 / 1982 – وزارة الثقافة والاعلام – بغداد .
17 – الشريف الرضي ، دراسات في ذكراه الالفية – مجموعة كتاب – آفاق عربية – بغداد – 1985 .
18 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – د. مصطفى الشكعة – دار العلم للملايين – بيروت – ط2 / 1975 .
19 – الشعر الجاهلي – د. سيد حنفي حسنين – المطبعة الثقافية – مصر- 1971 .
20 – قصتي مع الشعر – نزار قباني – منشورات نزار قباني – بيروت – ط6 / 1982 .
21 – الكامل – ابو عباس محمد بن يزيد المبرد – مج2 – تح : محمد ابو الفضل ابراهيم – دار الفكر العربي – القاهرة – د.ت.
22 – الكشف عن اسرار القصيدة – حميد سعيد – منشورات مكتبة النهضة – بغداد – ط1/ 1988.
23 – معجم النقد العربي القديم – ج2 – د. احمد مطلوب – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1989 .
24 – مقدمة ابن خلدون – دار الكشاف – بيروت – د. ت.
25 – مختار الصحاح – محمد بن ابي بكر الرازي – دار الكتاب العربي – بيروت – د.ت.
26 – نصوص النظرية النقدية في القرنين الثالث والرابع للهجرة – جمع وتبويب : د. جميل سنان و د. داود سلوم – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – د.ت.
27 – نقد الشعر – ابو فرج قدامة بن جعفر – تح : د. محمد عبد المنعم خفاجي – دار الكتب العلمية – بيروت – د. ت.
28 – الوساطة بين المتنبي وخصومه – للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني – تح: محمد ابو الفضل ابراهيم- مطبعة عيسى البابي – مصر – 1966 .


ب – المجلات :
1 – مجلة المورد – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – ع/4 / مج /6 / 1977 .

ج – الاقراص الليزرية :
1- الشعر ديوان العرب – الاصدار . ,2 لعام 2000 . الاشراف العام : محمد احمد السويدي – ابو ظبي .
وضم القرص المصادر التالية :
- طبقات فحول الشعراء .
- الشعر والشعراء .
- الاغاني .
- يتيمة الدهر .
- لسان العرب .
- الامالي .
ملاحظة : لم ترد اية معلومات عن هذه المصادر في القرص .

2 – مكتبة الادب العربي – الاصدار الاول – 1999 – الاشراف العلمي : مركز التراث لابحاث الحاسوب الآلي – الاردن



تبدلات القافية وترادف الألفاظ

مدخل :
تشتهر اللغة العربية بكثرة المترادفات ، ولذلك اسباب عديدة ، على الرغم من كونها لغة جزرية ، الا ان توزع القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية ذات البيئة الصحراوية ، وابتعاد القبائل القاطنة على ارضها فيما بينها ، وغيرها من الأسباب التي سنأ تي على ذكرها ، قد جعلت من هذه اللغة ان تضم مجموعة من المترادفات اللغوية ، كونها قد تشظت الى مجموعة من اللهجات ، وخاصة عند قبائل عربية كبيرة ظلت لغتها جزء لا يتجزأ من اللغة العربية الفصحى التي انزل بها القرآن الكريم ، كلهجة قريش وتميم واسد وهذيل وكنانة ...الخ ، وعندما جاء الاسلام ، نبه الرسول الكريم ( ص ) الى هذه الحقيقة فـــــــقال : (( انزل القرآن على سبعة احرف كلها شاف كافٍ )) .
وقد اصطلح على اللهجة التي انزل فيها القرآن الكريم بلغة قريش، ذلك لأن هذه اللهجة (( افصح اللغات العربية واصرحها لبعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم ثم من اكتنفهم من ثقيف وهذيل وخزاعة وبني كنانة وغطفان وبني اسد وبني تميم واما من بَعُد عنهم من ربيعة ولخم وجذام وغسان واياد وقضاعة وعرب اليمن المجاورين لأمم الفرس والروم فلم تكن لغتهم تامة الملكة بمخالطة الاعاجم )) . (1)
واللغة العربية ، هي اللغة الام الاولى – كما تؤكد الدراسات – لكل لغات الاقوام الجزرية (2) التي خرجت من جزيرة العرب وسكنت الهلال الخصيب ، وبعد ان استوطنت تلك الاقوام المهاجرة في اراضيها الجديدة ، وابان تكون حضاراتها(( تطورت اللغة الاصلية بتطور لهجات الاقوام الناطقة بها في مستوطناتها الجديدة حتى اصبحت هذه اللهجات مغايرة لاصلها ، ولكنها مهما تباعدت بألفاضها وتشعبت تراكيبها فأنها بقيت محتفظة بالخصائص التي تتميز بها لانها ترجع الى اصل واحد مشترك )) . ( 3 )
الا ان اللغة العربية التي احتفظت بها القبائل العربية في الجزيرة ، أي القبائل التي لم تهاجر الى خارج الجزيرة ، هذه اللغة قد احتفظت بكيانها ( نحوا وصرفا ) وكذلك ما اشتملت عليه من الفاظ بصورة عامة ، لهذا اصبحت ذات قدسية عند المتكلمين بها ، أي بين عرب الجاهلية (( كما يفسر لنا اجماع علماءالنحو المقارن للغات السامية ، من امثال بروكلمان وويلم رايت وادوارد دورم ودافيد يلين ، على ان اللغة العربية الفصحى هي بلا منازع اقدم صورة حية من اللغة السامية الام ، واقرب الى تلك اللغة التي تفرعت منها بقية اللغات السامية )) . (4 )
من خلال هذا المدخل القصير ، يمكن القول ، ان اللغة العربية التي تكلم بها العرب قبل الاسلام ، واستمرت الى يومنا هذا – رغم ما اعتورها من تطور – وكذلك التي كتب بها الشعر العربي ، هي اللغة الام لكل اللغات التي عرفت بـ ( السامية ، او العربية ، او الجزرية ) ، وهي لغة غنية ، ثرية بالالفاظ ، تنمو بصورة طبيعية ، وتأخذ من الغير وتعطي له ... أي انها لغة حية ، ومن صفاتها كثرة المترادفات فيها .
والترادف لغة ، كما يفهم من معناه في مختار الصحاح ( 5 ) : انه التتابع والتتبع .
اما اصطلاحا ً ، فهو : (( دلالة عدة كلمات مختلفة ومنفردة على المسمى الواحد او المعنى الواحد دلالة واحدة )) . ( 6 )
وان (المترادف ) ، كما قال عنه الجرجاني : (( ما كان معناه واحداً واسماؤه كثيرة وهو ضد المشترك )) . (7)
و ( الترادف ) : (( امر معروف في اللغات كلها الا انه في العربية اكثر من غيرها لذلك عده بعضهم من خصائصها البارزة )) . (8 )
وان لهذه الظاهرة في اللغة العربية اسباباً يمكن اجمالها فيما يأتي : ( 9 )
1 . ان يكون من واضعين ، وهو الاكثر ، وذلك بأن تضع احدى القبيلتين احد الاسمين ، وتضع الاخرى الاسم الاخر للمسمى الواحد من غير ان تشعر احداهما بالاخرى ثم يشتهر الوضعان ، ويخفى الواضعون ، ومن هذا القبيل ما يكون من الترادف .
2 . ان يكون للشيءالواحد في الاصل اسم واحد ، ثم يوصف بصفات مختلفة بأختلاف خصائص ذلك الشيء ، واذا بتلك الصفات تستخدم في يوم ما استخدام الشيء ، وينسى ما فيها من الوصف ، او يتناساه المتحدث في اللغة .
3 . التطور اللغوي في اللفظة الواحدة كان سبباً من اسباب كثرة المترادفات في مؤلفات القدامى من اللغويين . فقد تطور بعض اصوات الكلمة الواحدة على السنة الناس فتنشأ صورة اخرى للكلمة ، وعندئذ يعدها اللغويون مترادفات لمسمى واحد . وقد يكون التطور في معنى الكلمة ودلالتها .
4 . الاستعارة ، او الاقتراض من اللغات الاخرى التي كانت تجاور العربية في عصر ما قبل الاسلام ، وصدر الاسلام ، وبين الكلمات المترادفة التي رويت لنا الكثير من تلك الالفاظ المستعارة او المقترضة من تلك اللغات .
ان الاستعارة – الاقتراض – كانت احدى اسباب اثراءاللغة بالمترادفات اللغوية اثراء كبيراً .
وهذا الاخير ما يطلق عليه مصطلح الدخيل او المعرب .
ويمكن ان نضيف سبباً خامساً ، وهو ( المجاز ) ، اذ انه : (( بنوعيه طريق واسع من طرق التطور الدلالي ، وهو من اهم السبل التي يتم بها انتقال مجال الدلالة ، حيث ينتقل معنى الكلمة من محيط الى اخر بطرق ابرزها الاستعارة أي المجاز القائم على علاقة المشابهة )) . ( 10 )
اما السبب السادس ، الذي تراه هذه الدراسة ، فهو : ان العرب كانوا دقيقين في موضعة الالفاظ للمعنى الواحد ، أي ان الشيء – مادياً او معنوياً – له تدرجات في الاحوال والهيئات ، ولكل درجة لفظة خاصة بها ، الا انه ، وبعد مرور الزمن تستخدم تلك الالفاظ بالمعنى العام للشيء ذاته والمجرد من تلك الاحوال والهيئات ، او يحدث العكس . وقد درس نقادنا القدامى هذه الظاهرة في محورين ، هما تخصيص العام ، وتعويم الخاص .
وتذكر تفاسير القرآن الكريم ، ان لفظة المطر تأتي بموضع يعني الانتقام ، فيما مرادفها ( الغيث ) يأتي في موضع يعني الخير ، الا ان لفظة المطر ، هي التي شاعت لتعطي المعنيين سوية .
وقد افاد الشعراء كثيراً من هذه الظاهرة ، ليس فقط في استخدام الفاظ دون اخرى ، لتعطي المعنى نفسه ، قياساً الى الوزن المختار للقصيدة فحسب ، بل ايضاً في اختيار القافية وتناسب اللفظة التي تحمل تلك القافية مع وزن وفكرة البيت الشعري ، والقصيدة اجمع .
ومن الدارسين الذين اهتموا كثيرا بموضوعة القافية ، وما يتبعها من موضوعة الترادف اللغوي ، الشاعر والناقد العربي ابو العلاء المعري في اغلب كتبه ، ومن يقرأ كتاب ( لزوم ما لا يلزم ) ورسائله ، يجد مصداق ذلك ، اذ ناقش فيها قضية القافية ، واهتم بالحديث عن بعض حروف المعجم ، وملاء متها لأن تكون رويا ً في قوافي القصيدة ، وعلاقتها بموسيقى البيت من حيث تأثيرها في اذن السامع .
وفي ( رسالة الغفران ) ، يتحدث المعري عن قوافي بعض الشعراء من حيث درجة الاجادة في الاختيار والاستخدام ، فتحدث مثلاً عن بعض قوافي ابـــــــــي تمام ،( كالـــــــبائيات - ص485 ) و ( الثائيات ) و( الداليات ) و ( الرائيات ) (ص486 ) .
ومن هذا الاهتمام ، نجد المعري يتابع محاولة سبق ان ذكرها القالي في كتابه ( الامالي ) قام بها ( خلف الاحمر ) ، وهي محاولة تغيير آخر لفظة من ابيات الشاعر ( النمر بن تولب العُكلي ) وما يستتبع ذلك من تغيير في القافية .
ولما كان الاحمر ، قد قدم افتراضاً واحدا في تلك المحاولة ، الا ان المعري قدم اكثر من اربعين افتراضاً ، وحسب حروف المعجم .
ولما كانت هذه المحاولة غير مسبوقة ، وجديدة في الشعرية العربية ، وربما في الشعرية العالمية ، الا ان ما رافقها من تغيير في الالفاظ وما تبعه من تغيير في المعنى والدلالة ، قد جعل قاريء هذه المحاولة يحصل على ثروة لغوية واسعة من خلال ما حملته هذه المحاولة من مترادفات لغوية عديدة .
في حديثه – أي المعري – عن انهار العسل في الجنة ، يستذكر المعري بيتي الشاعر( النمر بن تولب العُكلي ) فيقول : (( فليت شعري عن " النمر بن تولب العُكلي " هل يُقدَر له ان يذوق ذلك الآري ، فيعلم ان شهد الفانية اذا قيس اليه وُجدَ يشاكِهُ الشَّري ، وهو لما وصف ام حِصنٍ ، وما رُزِقته في الدعة والامن ، ذكر حواري بسَمن ، وعسلاً مصفى : في رحمة الخالق متوفي ، فقد كان اسلم وروى حديثاً منفرداً ، وحسبنا به للكلم مِسَرِّداً . قال المسكين " النمر" :

الــم بصحبي وهــــــــــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ حـــصن
لها ما تشتهي : عــــــسلاً مصفى اذا شاء ت وحُوَّاري بسـَمن )) . (11 )

عندها يتذكر المعري حكاية ( خلف الاحمر ) مع اصحابه والحوار الذي دار بينهم عن هذين البيتين كما ذكرهما القالي في الامالي . (12 )
تبدأ الحكاية بأقتراح الاحمر على اصحابه بتبديل الفاظ جاء ت في ابيات للنابغة الجعدي ، والنمر بن تولب ، وكانت اجابة اصحابه بـ : ( لا نعلم ) . فيقوم المعري بتطويرهذه المحاولة ، و( يفرّع ) عليها من خلال استبداله لفظة ( ام حصن ) بألفاظ اخرى , ويتساء ل عن احتمال تبديل قافية البيت الثاني ، وتتوالى الاحتمالات وما يتلوها من الفاظ وقواف ، حتى يأتي على آخر حروف المعجم .
وقد قمنا بوضع جداول لهذه الاحتمالات ، ومن ثم قدمنا تحليلاً لها .
*** ***


الابيات بعد تغيير الالفاظ :

1 . الــم بصحبي وهــــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـــــن امِّ جـــزءٍ
لها ما تشتهي : عــسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بــكــشء
او: اذا شاءت وحُوَّاري بــــــوزء
او: اذا شاءت وحُوَّاري بنــــسء
او: اذا شاءت وحُوَّاري بلـــــــزء

التعليق :
عندما تغيرت اللفظة من ( ام حصن ) الى ( ام جزء ) تغير حرف الروي من حرف ( النون ) الى حرف ( الهمزة ) مما يستدعي تغيير كل الفاظ القافية باخرى تنتهي بحرف ( الهمزة ) ، لهذا فأن الخيارات امام ( ام جزء ) فيما تشتهيه في الاكل مع العسل المصفى والخبز ( الحواري ) اما ان يكون اللحم المشوي ، او اللبن الكثير الماء ، او الخمر ، او ان يؤخر الاكل لما بعد ، او ان تتناول اكلها ببطء ، او ان خبزها سيكون من النوع الطازج ليبقي لفترة طويلة محتفظاَ بطراوته .

2 . الــم بصحبي وهــــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ حــرب
لها ما تشتهي : عــسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بصرب
او : اذا شاءت وحـواري بــأرب
او : اذا شاءت وحواري بكـشب

التعليق :
وهذا يعني ، ان السيدة ( ام حرب ) مخيرة في ان تشرب اللبن الحامض مع ( الحواري ) الخبز ، او القديد المشوي .

3 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ من امِّ صمــت
لها ما تشتهي : عــسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بكــمـت
او : اذا شاءت وحواري بحـمـت

التعليق :
أي ان تأكل السيدة ( ام صمت ) الخبز مع التمر ، او التمر الشديد الحلاوة .

4 . الــم بصحبي وهـــــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ شث
لها ما تشتهي : عــسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري ببثٍ

التعليق :
هنا للسيدة ( ام شث ) خيارا واحداً هو ان تأكل خبزها مع التمر المفرق .

5 . الــم بصحبي وهـــــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ لــج
لها ما تشتهي : عــسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بـدج

التعليق :
ان الخيار امام السيدة ( ام لج ) هو ان تأكل خبزها مع لحم الفروج ، وهو خيار جيد .

6 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ شــح
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بمـحٍ
او : اذا شاءت وحواري ببــح
او : اذا شاءت وحواري بـرح
او : اذا شاءت وحواري بسح
او : اذا شاءت وحـواري بجح

التعليق :
في هذا التغيير ، امام السيدة ( ام شح ) خمسة اختيارات ، الاول : ان تأكل خبزها مع مح البيض ، والثاني : ان تأكله مع الدسم ، والثالث : مع عطر القداح ، لانها سيدة من عائلة غنية س( ارستقراطية ) ، والرابع : مع لحم البقر الوحشي ، والخامس : مع صغار التمر اليابس ، وهو اختيار غير موفق لمثل هذه السيدة ، الا ان الشاعر عالج هذه المسألة بأضافة اختيار آخر ، هو البطيخ غير الناضج ، وعليها ان تختار .

7 .الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خــيالٌ طارقٌ من امِّ دُخ
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بمخٍ

التعليق :
اختيار واحد امام السيدة ( ام دخ ) هو ان تأكل الخبز مع المخ ، وهي اكلة لا بأس بها .

8 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ سعد
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُـوَّراي بثعدٍ

التعليق :
لا خيار امام السيدة ( ام سعد ) سوى الرطب اللين .

9 .الــم بصحبي وهـــمُ هــــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ وقــــــذ
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُــــوَّاري بشقذ

التعليق :
هنا امام السيدة ( ام وقذ) الخبز ولحم فراخ الحجل طعاما لها .

10 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ عــمرو
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بتمـــــر

التعليق :
لا خيار امام السيدة ( ام عمرو ) كصاحبتيها سوى التمر فقط والخبز .

11 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ كُرز
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُواَّري بأرز

التعليق :
خيار واحد فقط امام السيدة ( ام كرز ) وهو الرز ، دون أي ايدام ، من مرق او سواه .

12 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ ضبس
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحـُوَّاري بدبس

التعليق :
للسيدة ( ام ضبس ) خيار واحد كذلك وهو ان تتناول خبزها مع الدبس .

13 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ قـــرش
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُــوَّاري بوَرش

التعليق :
على السيدة ( ام قرش ) ان تأكل خبزها مع الجبن فقط .

14 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ حفص
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بلمص

التعليق :
في هذا الخيار ، امام السيدة ( حفص ) ان تأكل خبزها مع الحلوى المصنوعة من
دقيق الحنطة ، وهو المادة نفسها التي صنع منها الخبز .

15 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ غرض
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُـوَّاري بفرض

التعليق :
على السيدة ( ام غرض ) ان تأكل خبزها مع التمر .

16 . الــم بصحبي وهـــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ لقــط
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بأقط

التعليق :
كصاحبتها ( ام غرض ) على السيدة ( ام لقط ) ان تأكل الخبز مع الجبن .

17 . الــم بصحبي وهـــمُ هـــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ حظ
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بكظ

التعليق :
رغم ان هذه السيدة قد كناها الشاعر بـ ( ام حظ ) الا ان حظها مع الاكل كان سيئاً ، اذ عليها بعد اكل خبزها ان يكظها الشبع .

18 /آ. الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـــن امِّ طــلع
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُــوَّاري بخلع

التعليق :
وجدت السيدة (ام طلع ) وعاء فيه لحم مطبوخ ، فعليها ان تأكله مع خبزها .

18 / ب . الــم بصحبي وهـــمُ هــــجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ فــــــرع
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُـــوَّاري بضرعٍ

التعليق :
كصاحبتها ( ام طلع ) وجدت السيدة ( ام فرع ) ضرعاً مطبوخاً فعليها اكله مع خبزها .

19 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ مُـــــبغ
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُـــوَّاري بصبغ

التعليق :
هذه السيدة ( ام مبغ ) وجدت امامها ثلاثة اصناف من الغموس ، وعليها ان تختار بين المرق ، او الزيت او الخل .

20 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ نخـــف
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُـوَّـري برخف

التعليق:
اكلة لا بأس بها بالنسبة للسيدة ( ام نخف ) وهو الزبد الرقيق .

21 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ فــرق
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُـوَّاري بعَرق

التعليق :
وجدت السيدة ( ام فرق ) مع خبزها عظمة عليها بعض اللحم المشوي .

22 . الــم بصحبي وهــــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ سـبك
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُـوَّاري بربك
او : اذا شاءت وحواري بــلبك

التعليق :
في الحلتين ، على السيدة ( ام سبك ) ان تخلط خبزها مع العسل الذي كان معها .

23 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ نخـــل
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بــرَحل

التعليق :
على السيدة ( ام نخل ) ان تأكل خبزها مع لحم الضأن .

24 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ صِرم
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بـطرم


التعليق :
لا بأس بالنسبة للسيدة ( ام صرم ) فأن ادامها هو العسل ، او السمن .

25 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مــن امِّ حصن
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بسمـن

التعليق :
كصاحبتها السيدة ( ام صرم ) فأن السيدة ( ام حصن ) عليها ان تغمس خبزها بالسمن .

26 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خــيالٌ طارقٌ مـن امِّ دَو
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بحَو

التعليق :
على السيدة ( ام دو ) ان تأكل خبزها مع لحم الجدي .

27 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ كُــره
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بـوُره

التعليق :
على الرغم من ان اسم السيدة ( ام كره ) الا ان حظها مع الاكل جيداً ، اذ امامها لحم كبش سمين ، على عكس صاحبتها ( ام حظ ) التي كان حظها مع الاكل سيئاً، اذ ظولبت بأن يكظها الشبع بعد ان تأكل خبزها .

28 . الــم بصحبي وهـــــمُ هـجــوعٌ خيالٌ طارقٌ مـن امِّ شري
لها ما تشتهي : عسلاً مصفى اذا شاءت وحُوَّاري بـآري

التعليق :
اختيار غير موفق من الشاعر ، عندما اختار لهذه السيدة كنية ( ام شري ) ، والشري هو كل شيء مر .
*** ***

ملاحظات المعري على القوافي استناداً الى حروف المعجم :

كما ورد في الجدول (1) ذكر المعري ثلاث ملاحظات لها علاقة بأستخدام حروف المعجم المستخدمة بقوافي البيت الاخير، والتي تتناسب ومعنى الطعام ، وهذه الملاحظات هي :
1 . بالنسبة لقافية حرف الزاي ، يذكر المعري ان في ( ارز ) ستة لغات ، هي :
2 . اما قافية ( الظاء ) فأن المعري ينبه القاريء الى قلة الاطعمة التي تنتهي بهذا الحرف (ص162 ) .
3 . وكذلك بالنسبة لقافية حرف ( اللام ) فأن في ( رخل ) ستة لغات ، هي :

اما قراءتنا لهذا الجدول فتبين ما يلي :
1 . ان لقافية ( الهمزة ) اربعة الفاظ يمكن استخدامها ، وكلها تعطي دلالة الطعام .
2 . بالنسبة لقافية ( الباء ) فأن عدد الالفاظ المستخدمة ثلاثة .
3 . وفيقافية ( الحاء) ، مجموع الالفاظ المستخدمة هي خمسة الفاظ .
4 . وفي قافية ( العين ) وضع المعري لفظتين لقافية البيت الاول ، مما استتبع ذلك ان تكون في البيت الثاني لفظتان ايضاً .
5 . وفي قافية حرف ( الكاف ) استخدم المعري لفظتين فقط .













الجدول –1- استخدام الالفاظ حسب حروف المعجم

ت
الحرف
قافية البيت الاول
قافية البيت الثاني
المعنى
1
الهمزة
ام جزء
كشء
كشأت اللحم اذا شويته حتى ييبس ، ويقال : كشأ الشواء اذا اكله . ( ص155 )



وزء
وزأت اللحم اذا شويته . (ص)



نسء
آ- من نسأ الله في اجله ، أي لها خبز مع طول حياة .
ب – او: وهذا احسن من ات يحمل على ان النسء اللبن الكثير الماء .
ج – او : وقد قيل : ان النسء الخمر .
د – او : يحملان على : اللبن والخمر . (ص)



لزء
من قولهم : لَزَأَ اذا اكل لما بَعُدَ وتكون الباء في ( بلزء ) بمعنى في . (ص)
2
الباء
ام حرب
صرب
اللبن الحامض . (ص)



أرب
عضو من شواء او قديد . (ص)



كشب
اكل الشواء . (ص)
3
التاء
ام صمت
كحمت
جمع تمرة كُمَيت ، وذلك من صفات التمر . (ص)



حمت
من قولهم : تمر حَمت ، أي شديد الحلاوة . (ص)
4
الثاء
ام شث
بث
وهو تمر لم يُجد كنزه ، فهو متفرق . (ص)
5
الجيم
ام لج
دُج
الفروج . (ص)
6
الحاء
ام شُح
مح
مح البيضة . (ص)



بح
آ- جمع ابحّ، من قولهم : كِسر ابح ، أي كثير الدسم .
ب- ويجوز ان يعني بالبح ، القداح ، أي هذه المرأة اهلها ايسار . (ص)



رح
جمع ارح ، وهو من صفات بقر الوحش ، أي يصاد لهده المرأة . (ص )



سح
تمر صغار يابس . (ص)



جح
صغار البطيخ قبل ان ينضج . (ص)
7
الخاء
ام دُخ
مخ
المخ المعروف.
8
الدال
ام سعد
بثعد
الرطب الذي لان كله . (ص)
9
الذال
ام وقذ
شقذ
وهو فراخ الحجل . (ص)
10
الراء
ام عمرو
تمر

11
الزاي
ام كرز
ارز

12
السين
ام ضبس
دبس

13
الشين
ام قرش
ورش
ضرب من الجبن . (ص)
14
الصاد
ام حفص
لمص
الفالوذ ، وهو نوع من الحلوى يسوى من لب الحنطة،
فارسي معرب . (ص)
15
الضاد
ام غرض
فرض
ضرب من التمر . (ص)
16
الطاء
ام لقط
اقط
الجبن . (ص)
17
الظاء
ام حظ
كظ
أي يكظها السبع . (ص)
18
العين
آ-ام طلع

ب- ام فرع
خَلع

ضرع
وهو اللحم الذي يطبح ويحمل في القروف ، وهي اوعية من أدم . (ص)
لأن الضروع تطبخ ، وربما تطرب الى اكلها الملوك . (ص)
19
الغين
ام مبغ
صبغ
ما تغمس فيه اللقمة من مرق او زيت او خل . (ص)
2.
الفاء
ام نخف
رخف
وهو زبد رقيق ، والواحدة رخفة . (ص)
21
القاف
ام فرق
عرق
وهو عظم عليه لحم من شواء او قديد . (ص)
22
الكاف
ام سبك
آ-ربك
ب-لبك
من قولهم : ربكت الطعام او لبكته ، اذا خلطته . وكان ذلك مما فيه رطوبة ، مثل ان يخالطه لبن او سمن ، او نحو ذلك ، و لا يقال : اربكت الشعير بالحنطة ، الا ان يستعار . (ص)
23
اللام
ام نخل
رخل
يريد الانثى من اولاد الضآن ، وفيه اربع لغات : رَخِل ، ورَخل ، ورِخل ،ورِخِل . (ص)
24
الميم
ام صرم
طرم
والطرم : العسل ، وقد يسمى السمن طِرماً . (ص)
25
النون
ام حصن
سمن

26
الواو
ام دَو
حَو
وهو الجدي . (ص)
27
الهاء
ام كُره
وُره
يريد جمع اوره ، من قولهم : كبش اوره ، أي سمين . (ص)
28
الياء
ام شري
أري
العسل . (ص)

تحليل الجدول –2 –

من خلال قراءة متأنية للجدول اعلاه يمكن توزيع محتوياته الى الفقرات التالية :
1 . الحلويات :
وشملت المواد التالية :
آ – الفالوذج .
ب – الدبس .
ج – الطرم = العسل .
د – الاري = العسل .

2 . المأكولات :
وشملت المواد التالية :
آ – السمن .
ب – الطرم = السمن .
ج – الأقط = الجبن .
د – الورش = ضرب من الجبن .
هـ – الأرب = عضو من شواء او قديد .
و – الخلع = اللحم الذييطبخ ويحمل في القروف .
ز – الضرع .
ح – العَرق = عظم عليه لحم من شواء او قديد .
ط – الرخف = زبد رقيق .
ي – الصبغ = ما تغمس فيه اللقمة من مرق او زيت او خل .
ك – الحواري = الخبز .


3 . المشروبات :
وشملت المواد التالية :
آ – النسء = اللبن كثير الماء .
= او الخمر .
ب – الصرب = اللبن الحامض .

4 . الفاكهة والاثمار والخضروات :
وشملت المواد التالية :
آ – الحمت = تمر شديد الحلاوة .
ب – البث = تمر لم يجد كنزه فهو متفرق .
ج – السح = تمر صغير يابس .
د – الكمت = جمع كميت وهو اصلب التمر واطيبه ولونه احمر الى السواد .
هـ – الثعد = الرطب الذي لان كله .
و – الجح = صغار البطيخ قبل ان ينضج .
ز – الفرض = ضرب من التمر .

5 . الحبوب :
وشملت الرز فقط .

6 . الحيوانات والطيور وما تنتجه :
وشملت المواد التالية :
آ – الدج = الفروج .
ب – الشقذ = فراخ الحجل .
ج – الرخل = الانثى من اولاد الضأن .
د – الحو = الجدي .
هـ – المح = صفار البيض .
و – المخ = المخ المعروف .

7 . الصفات :
وشملت على ما يلي :
آ – النسء = طول الحياة .
ب – البح = كثير الدسم .
ج – الرح = من صفات بقر الوحش .
د – الوره = السمين .

8 . الافعال :
وشملت الاتي :
آ – اللزء = الاكل مع الشبع والامتلاء .
ب – الكشب = شواء حتى الاشتداد ، اوشدة اكل اللحم .
ج – الكظ = الامساك من الشبع .

9 . عمليات الطبخ :
وشملت العمليات الاتية :
آ – كشء = شواء اللحم ، وكشأ : اكل اللحم .
ب – الوزء = عملية شواء اللحم .
ج – الربك واللبك = الخلط .

*** ***

جدول – 2- المترادفات :
من خلال التحليل اعلاه للجدول – 2 – امكننا التوصل الى تسع فقرات لها علاقة بالمأكولات ومشتقاتها وافعالها وصفاتها ، وتضم هذه الفقرات مجموعة من الالفاظ المترادفة التي استخدمت في القافية :

ت
الفقرات
المترادفات
المعنى
1
الحلويات
آ - آلطِرم ، الأري
ب - الطرم ، سمن
العسل
السمن
2
المأكولات
آ – ورش ، اقط
ب – صبغ
ج – رخف
جبن
المرق او الزيت او الخل
الزبد
3
الفاكهة والاثمار والخضروات
كحت ، حمت ، بث ، سح ، ثعد ، فرض
كلها بمعنى التمر
4
عمليات الطبخ
آ – كشء ، وزء
ب – ربك لبك
شواء اللحم
خلط

من خلال الجدول اعلاه يمكن التوصل الى ما يأتي :
1 . من الناحية الاقتصادية / الاجتماعية :
تبين لنا تبدلات الالفاظ( الدال ) ، ان الحالة الاقتصادية للفاعل ( = الشخصية التي تقوم بفعل الاكل ) متنوعة ، وقد تنبه المعري الى ذلك مرتين ، عندما تغير ( الدال) الى :
آ – بح = والذييعني القداح ، فقال : (( ايهذه المرأة اهلها ايسار )) . (ص)
ب – ضرع = جعل من هذه الاكلة ( اكلة ملوكية ) عندما قال : ((تطرب لها الملوك )).(ص )
ان تبدلات الالفاظ وعلى الرغم من ان عملية التبدل تبقى مقيدة ، بسبب قيود القافية ، الا انها قد جعلت من المدلولات تفيض بحالات اقتصادية / اجتماعية عديدة ، لان الطعام صورة من الصور التي ترمز لكل حالة من هذه الحالات ، أي ارتباط اللغة بالثقافة . (13)
2 . من الناحية اللغوية :
تبين لنا هذه التبدلات ، ان الالفاظ اما ان تكون الفاظ ترادف ، مثل ( العسل = الاري = الطرم ) او ان تكون الفاظ تنوع ، مثل ( خمرة ، لحم ) واخرى تمر ، وثالثة لبن ، ورابعة ...الخ ، وفي كلتا الحالتين نجد ان تبدلات الدال والمدلول يستقرءان حالة الربط بين اللغة والثقافة ، ومن ثم بين الشعر والثقافة .
3 . ان المعري ، وهو يعيد محاولة خلف الاحمر ، فأنه ينطلق من نظرية ( النظم ) التي صاغها الجرجاني ، اعتمادا على اللفظ ، لا المعنى ، لهذا نجده لا يهتم كثيراًبالمعنى ، على الرغم من ان تبدلات الدال تستدعي تبدلات المدلول ، وهذا ما توصلنا اليه في هذه الدراسة ، وربما كان سبب عدم انتباه المعري لذلك ، هو عدم وجود دراسات في هذا المجال في ذلك الزمان ، ومن هذا المنطلق جاءت اجابة محاوري خلف الاحمر بـ ( لا نعلم ) .
*** ***


شواهد شعرية اخرى :

وفي استطراده لحكاية خلف الاحمر ، استخدم المعري مجموعة من الشواهد الشعرية التي اوردها للتدليل على صحة ما استخدمه من الفاظ بديلة ، ومن هذه الشواهد :
1 . قول عروة بن الورد العبسي واستخدامه لفظة ( نسء ) : (14)

سقوني النسء ثم تكنفوني عُراةُ الله من كذبٍ وزور

وتعددت التفاسير عن ( النسء ) ، فمن قائل انهم سقوه اللبن الكثير الماء، ومن قائل انهم سقوه الخمر ، ومما يقوي هذا القول ، رواية سيبويه للبيت ، اذ رواه : (( سقوني الخمر ثم تكنفوني)) (15 )

2 . آ – استخدام الاسود بن يعفر لفظة ( كميت ) ، قائلاً : (16)

وكنت اذا ما قُربَ الزاد مُولعاً بكلّ كُميتٍ جَلدةٍ لم تَوَسَّفِ

ب – وقال آخر : (17 )

ولست ابالي بعدمااكَمتَّ مِربَدي من التمر ، ان لا يمطر الارض كوكبُ

3 . آ – استخدام احدهم لفظة ( ابح ) ، فقال : (18 )

وعاذلةٍ هبت عليَّ تلومني وفي كفها كِسرٌ أبَحِّ رَذومُ

ب – استخدام الشاعر خفاف بن ندبة السلمي لفظة ( بح ) قائلاً : (19 )

قروا اضيافهم رَبَحاً ببُحِّ يعيش بفضلهن الحي، سُمرِ

4 . استخدام الشاعر الاعشى لفظة ( رح ) في قوله : (20 )

ورُحٌ بالزماع مردفات بها تنضو الوغى وبها ترود

5 . استخدم احد الشعراءلفظة ( رخف ) فيقوله : ( 21 )

لنا غنم يرضى النزيل حليبها ورَخف يغاديه لها وذبيح

6 . استخدام الشاعر ابو زبيدة الطائي لفظة ( الدبس ) في قوله : (22 )

فنهزة ُ من لقوا حسبتهم اشهى اليه من بارد الدبس

7 . استخدم رجل من عمان لفظة ( فرض ) في قوله : (23 )

اذا اكلت لبناً وفرضاً ذهبت طولاً وذهبت عرضا

8 . استخدم احدهم لفظة ( خلع ) في قوله : (24 )

كلي اللحم الغريض فان زادي لَمِن خَلعٍ تضمنه القروف
*** ***

الخاتمة :
بعد هذه الرحلة الطويلة مع المعري ، والشاعر النمر بن تولب العكلي ، فما الذي نخرج به منها ؟
ولكي اكون منصفاً ، اقول لقد خرجت بالكثير ، ومما خرجت به :
1 . سعة وغنى وثراء لغتنا العربية ، واحتوائها على الفاظ عديدة لمسمى واحد ، او ما يصطلح عليه بـ ( المترادف ) ، وربما قاريء هذه الرحلة سيقول : لم تأت بجديد ، وهذا قول حق ، الا ان الفائدة التي جنيتها من هذه الرحلة ، هي معرفتي بهذا الكم الهائل من المترادفات .
2 . ربماهي المحاولة الاولى والوحيدة ، بل والفريدة ، التي يقوم بها ناقد عربي قديم لما قام به من متغيرات في هذين البيتين / وربما يتسال البعض ، ويقول : ماالذي سيفيدنا المعري من محاولته هذه ؟ نقول لنعد قراءة الفقرة (أ) فهي الجواب الشافي ، فضلاً عن ان هذه المحاولة هي دفاع – ارجو ان لا يكون متأخراً – عن القافية ودورها في القصيدة / امام ادعاء بعض الشعراء / وخاصة الشباب / ممن يجدون صعوبة في كتابة الشعر العمودي / على الرغم من ان أي تحفظات حول بحور الفراهيدي الشعرية ، وما قام به من تقعيد ارثدوكسي للشعر العربي القديم ، مع دفع الشاعر ابا العتاهية الى ان يصرخ بانه اكبر من العروض . اقول ، لو لم يقم هذا العبقري بما قام به من تقعيد ، لتفتحت قرائح الشعراء العرب عن قصائد لم تكتب على تلك الاوزان التي عرفها /وتعرف عليها الفراهيدي ، أي لاضيفت اوزاناً اخرى كما فعل الاخفش عندما اكتشف بحر المتدارك (25) وكذلك (فقد رويت جملة من النماذج الشعرية عدها العروضيون شاذة ووصفوها بالاضطراب وهي مما لا يدخل في نظام الخليل ولم يعتدبها ومنهم من عدها بقايا لاوزان لم * *********)
وربما اكتفى الشعراء العرب بالوزن لضبط ايقاع قصائدهم دون وجود القافية بلا تحرج ، ولما شتم شعراء التفعيلة (اصحاب الشعر الحر ) منذ اكثر من خمسين عاماً ولاى يومنا هذا من قبل البعض من شعرائنا الذين يجاهدون للمحافظة على التقعيدات التي جاء بها الفراهيدي .
ولكي لانجعل من هذا الامر جريمة ، علينا ان نؤكد ان هدف العمل الريادي والعبقري للفراهيدي لم يكن كذلك ، بل ان هدفه الاساس هو القيام باجراء عمل وصفي ، الا ان من جاء من بعده ، وخاصة المهتمين بالشعر ، وليس الشعراء ، هم الذين اساؤا لهذا العمل ، فجعلوا من الشعراء تبعا لهذا التقعيد ، بدلاً من ان يكون التقعيد هو التابع ؟
يقول الدكتور شوقي ضيف : (( ان شيوع مجالس اللهو والطرب والغناء في العصر العباسي الاول كان من اهم الدوافع الى ظهور اوزان وانغام جديدة كالمقتضب والمضارع اللذين سجلهما الخليل وليس لهما اصلاً في الشعر القديم)) .





الهوامش :
1- المقدمة – ص555 .
2- علمياً ، ترى هذه الدراسة ، ان لفظة (السامية ) كمصطلح غير دقيق على مدلوله ، والصحيح – كما يرى الكثير من العلماء والدارسين – هو استخدام الدال (الجزري) ( انظر ص53 من حضارة العرب ) ذلك لان اجماع العلماء قد تم على : (( ان شبه جزيرة العرب هي مهد الحضارات البشرية ووطن الساميين الاوائل (...) ومن الثابت ايضاً ان سكان شبه جزيرة العرب هم الذين نقلوا هذه الحضارة الى العالم باسره اثر هجراتهم المتتابعة الى الهلال الخصيب قبل الاف السنين في اعقاب الدورة الجليدية الاخيرة والرابعة بعد الجفاف الذي حل بالبلاد في الفترة الدفيئة التي يجتازها العالم اليوم )) . ( ص25 )
- انظر ص 18 من حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور .
- اما الدكتور جواد علي فيصطلح بدلاً من (الساميين ) لفظة (العرب ) المصدر السابق (ص48).
3- حضارة العرب – ص 29 .
4- اعجب كل العجب لبعض الكتاب القدامى المختصين باللغة والمحدثين منه عند تعاملهم مع بعض الالفاظ ، فيرجعونها الى اصل غير عربي ، فيذكروا انها من اصل ارامي او كلداني او سرياني … الخ .
مع العلم ان هذه اللغات هي فروع من لغة ام هي اللغة العربية اذ ( يرجح عدد من الخبراء ان اللغة التي يتكلم بها بدو الجزيرة العربية حالياً هي اقرب جميع اللهجات الى اللغة العربية الاصلية التي كان يتكلم بها ابناء الجزيرة قبل ان تنفصل لهجاتهم في مستوطناتهم الجديدة وذلك على اساس ان هؤلاء بقوا منعزلين في صحرائهم دون ان يختلطوا بالاقوام الاخرى الغريبة في لغاتهم وقومياتهم ) – حضارة العرب – ص 30 .
5-مختار الصحاح – مادة : ردف – ص 240 .
6-التعريفات – ص210 . مأخوذ من الترادف في اللغة – ص 32 .
7-المصدر السابق - ص 210 . مأخوذ من الترادف في اللغة – ص 32.
8- كتب خلق الانسان – ص 101 .
9-المصدر السابق – ص 101 .
10-الترادف في اللغة – ص 100 .
11- رسالة الغفران – ص 153 – 154 .
12-الامالي – ج1 / ص157 .
13-هنا استخدم الثقافة بمعنى الذاكرة الجمعية بشقيها المعرفي والايديولوجي.
14- رسالة الغفران – ص 156 .
15-المصدر السابق – ص 156 – هامش / 1 .
16-المصدر السابق – ص 157 .
17-المصدر السابق – ص 157 ، واكمت هنا بمعنى امتلأ بالتمر .
18-المصدر السابق – ص159 .
19-المصدر السابق – ص159 .
20-المصدر السابق – ص159 .
21-المصدر السابق – ص163 .
22-المصدر السابق – ص161 .
23-المصدر السابق – ص161 .
24-المصدر السابق – ص162 .
25-في البنية الايقاعية – ص 45 .
26-المصدر السابق – ص137 .
والمراجع : المصادر
1- حضارة وادي الرافدين – د. احمد سوسة – دار الرشيد للنشر – بغداد – .1980
حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور – د. احمد سوسة – وزارة الاعلام – بغداد – 1979 .
2 - مختار الصحاح – محمد بن ابي بكر الرازي – دارالكتاب العربي – بيروت – د.ت .
3 - الترادف في اللغة – حاكم مالك لعيبي – دار الرشيد للنشر – بغداد – 1980 .
4 - كتب خلق الانسان – تح : د. نهاد حسوبي صالح – وزارةالثقافة والاعلام – بغداد 1989 .
5 - رسالة الغفران – ابو العلاء المعري – تح : د. بن الشاطي – دار المعارف – ط3 – 1963 .
6 - الامالي – ابو علي القالي – دار الفكر – ج1 / ج2 – بيروت – د.ت .
7 - في البنية الايقاعية للشعر العربي – د. كمال ابو ديب – دار الشؤون الثقافية العامة – ط3 – بغداد – 1977 .
9 - مقدمة ابن خلدون -

الدادائية والسريالية في الشعر العربي القديم
يموت رديُِ الشعرِمن قبلِ اهله
وجيده يحيا وان ماتَ قائله
دعبل الخزاعي

قيل لابي تمام : لما لا تقول ما يفهم ؟
فأجاب : وانت ، لم لا تفهم ما يقال ؟

مدخل :
1 . تطورت القصيدة العربية خلال مسيرتها الطويلة ، وكان لذلك التطور عوامل واسباب عديدة ، ربما اهمها ظهور الاسلام في حياة العربي البد وي القبلي ، وعلى الرغم من ان النقاد العرب القدامى قد جعلوا من هذا سبب سلب في تلك المسيرة ، الا انهم نسوا او تناسوا ، ان هذا الظهور قد مكّن الحياة العربية من الانتقال من حياة البداوة الى حياة المدنية ، بمختلف صور تلك الحياة واشكالها ومجالاتها ، وكان الشعر واحداً من ابداعات الحياة العربية التي هي الاخرى قد انتقلت من حال الى حال ، فظهر الشعر العذري ، اذ لم يكن له – قبل الاسلام – وجود مستقل ، ومن ثم راح الشعر ، خاصة في العصرالاموي المتأخر ، يتقد بأطراد ، خاصة على مستوى بناء القصيدة ، فتهيأة ذائقة شعرية جديدة ، جعلت من بعض شعراء العصر العباسي الى امتلاك تلك الذائقة التي نظرت لبناء القصيدة العربية نظرة جديدة ، كما ظهر ذلك في شعر مسلم بن الوليد وابي نواس ، اذ تحولت عندهم ( عمارة ) القصيدة العربية ذات الطوابق العديدة ، الى (عمارة ) جديدة ، فقدت بعض ( طوابقها ) ، وخاصة المقدمة الطللية ... حتى اذا اذا جاءابو تمام ، راحت الذائقة الشعرية تلك تعمل عنده مهيا’ الى توليد ما سمي بشعر الفكرة ، ثم راحت القصيدة العربية تسير بشعاب وطرق عديدة ومتنوعة ، فحملت بيت طيات ابياتها الافكار الفلسفية ، والحِكَم ، مع استقلال تام لاغراض الشعر ، فتولدت عند ذاك قصائد المديح والغزل والوصف ذات الاستقلالية التامة .
ان ما تريد ان تصل اليه السطور السابقة ، هو التأكيد على ان الذائقة الشعرية قد اصبحت حبلى بما هو مغاير لما كانت عليه .
ان عوامل كثيرة دفعت النفسية العربية – بصورة عامة – والنفسية الشعرية ومن ثم الذائقة الشعرية ، بصورة خاصة ، الى البحث عما هو مغاير لم ألفته تلك النفسية ، اذ رافقت الانسان العربي حالات من القلق والحيرة والشك بما هو عليه الواقع المعاش ، فدفعت بها الى حالة البحث عما هو جديد ، أي الى التغيير نحو الاحسن ، أي الثورة على ذلك الواقع المرفوض ، او الهروب الى ماهو مضاد ، ومن ثم النكوص . وكان عالم الشعر ، والذائقة الشعرية ، عند بعض الشعراء الاكثر تحسساً ، اول المبادرين للثورة على ذلك الواقع ،او الهروب منه ، على الرغم من ان اكثر اصحاب الثورة على الذائقة الشعرية القديمة ، هم الاكثر ارتباطأ بالقيمين على الحياة المعاشة ـ بكل صورها واشكالها ،وتنوعاتها ـ والتي وجهت الثورةاليها ، من خلال شعر المديح والرثاء خاصة .. أي بمعنى اخر ،ان الشاعر الثائر على الذائقة الشعرية القديمة ( المحافظة ) هو الشاعر نفسه الذي قدم المديح للخلفاء والامراء الذين كان من واجبهم المحافظة على حالة الحياة القديمة ، ومن ضمنها الشعر .. من مثل : مسلم وابي نواس وابي تمام والمتنبي …
واذا كنا لانريد في هذه السطور ان نستطرد في الحديث ،ونبحث عن الأسباب ،الاان سبباً واحداً يمكن ذكرة ، هو المال الذي يقف وراء ذلك، وهذا ماسنأتي على ذكره في السطور القادمه .
2ـ من المستحيل ان ندرج شاعر من شعراء العربية ولد قبل اكثر من الف سنة تحت لافتة الشعر الدادائي اوالسريالي ، ليس لأن هذا الشعر عربي المولد واللسان والثقافة ...الخ فحسب ، وانما لسبب بسيط ، هو اننا لا يمكننا احياءالموتى بعد هذه الفترة الطويلة لنتركهم يعيشون اجواءاوربا الحرب العالمية الاولى ، مع شعراء من مثل : تزارا ، واراغون ، وبريتون ، وسوبو ...الخ ، ليأخذوا باسباب حضارتهم وثقافتهم ، ويتأثرون – او يؤثرون – بما كتبو من شعر ينضوي تحت هذه المدرسة او تلك .
اذا كان هذا منطقاً سليماُ ، فما الذي يجعلنا ان نصنف بعضصور هذا الشاعر او ذاك ، بأنها صور دادائية ، او ان نقول ان هذا الشاعر او ذاك يندرج فيما يكتب تحت لواء السريالية ، كما لو كان هذا الشاعر تزارا الروماني ، او اراغون الفرنسي ! ؟
هذا ما ستجيب عنه السطور القادمة .
*** ***


الدادائية ودادائية ابي العبر:
الدادائية ، مدرسة ادبية / فنية ، ظهرت ابان وبعد الحرب العالمية الاولى فياوربا ، وحمل لواءها مجموعة من الادباء والفنانين ، وهي ذات منازع ومشارب متنوعة ومتعددة .
ولما كنا لا نريد – هنا – ان نؤرخ لهذه المدرسة ، الا اننا يمكن ان نعرّف بها ، فنقول : ان تسمية هذه المدرسة بـ ( الدادائية ) قد جاء مصادفة عام 1916 ، من خلال فتح معجم لاروس(1) اذ كلمة دادا قد ظهرت (( مطبوعة اول مرة في المقدمة التي كتبها " هيوكوبول " للعدد الاول من مجلة " كاباريه فولتير " الذي ظهر في حزيران 1916 . لقد استعملت هذه الكلمة في لغات متعددة لتعطي معاني مختلفة ومتعددة . فهي تعني " التأك المتحمس " باللغة السلافية ، وتعني " الاستغراق " بالفرنسية ، وتعني " الحصان الخشبي " بلغة الاطفال ، بذلك كانت احدى الكلمات المناسبة لأثارة غضب البرجوازية . لقد كانت هذه الكلمة " بياناً " بحد ذاته )) . (2 )
ويقول عنها احد اقطابها ، الشاعر ( تزارا ) الروماني ،انها ولدت من ((تمرد كان مشتركأ بين المراهقين ،تمرد كان يطالب الفرد بتبن كامل لضروريات طيعتة العميقة ، من دون اكتراث للعلوم السائدة من تاريخ ومنطق أو علم اخلاق . ان الشرف والوطن وعلم الأخلاق والعائلة والغن والدين والحرية والاخاء وما إلى ذلك من المفهومات التي تستجيب لضرورات انسانية ،لم يبق منها غير هيا كل تقليدية اخرغت من محتواها الجوهري )) (3)
انها دعوه لتحرير من كل قيد ،مهما كان منشآن ،ورفض للواقع ولما هو معيش ،لهذا نجد (جيد) يقول : (( اني افكر بتناسقات جديدة ،نجن كلمات اكثر دقة وحرامة ، من بلا بلاغه ولايجث عن برهنة شىْ (……)
آه من سيحرر ذهني من سلاسل المنطق الثقيلة ؟ آني أحس بزور اكثر انفعالات صراحة حالما يتاح لي التعبير عنه )) (4)
ومن خلال قراءة الفقرتين السابقتين وقراءة ادبيات هذة المدرسة يمكنه القول ان (الدادائية ) كانت موجة من التمرد والثورة ضد كل قيم الاخلاق والأعراف ، وابتعادأ عما توصلت الية البشرية ـ على مدى تاريخها الانسانى الطويل من قيم واخلاق ومفاهيم ، وتاريغ وعلوم …. الخ لان كل ذلك قد زلزلت بها الحرب الكويتة الاولى في نفوس البشرية ، وخاصة في نفوس اولئك الشياب الذين تبنوا مااسموة بعد ذلك بـــ (الدادائية )
تقول ((سوزان بيرنار )) : (( وقد أمكن القول ان حركة دادا حينما اتخذت اللغة هدفأ لها كانت تقصد النضام الاجتماعي في الوقت عينة )) (5) الاان الدادائية لم تعمر طويلأ ، اذا اكتسبتها السريالية ، كأ ي مدرسة أدبية اوفنية اخرى على مدى تاريغ الابداع الانساني .
ولو عدنا الى العصر العباسي ، الى زمن الخليفة ( المتوكل ) ، والى مدينة سر من رأى ، لالتقينا بشاعر كان له دور الريادة - بوعي او دون وعي – في كتابة قصيدة تمتثل لبعض شروط القصيدة الدادائية ، هذا الشاعر هو : ابو العباس بن محمد بن احمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، الذي ولد (( بعد خمس سنين خات من خلافة الرشيد )) ( 6) وقد لقب بحمدون الحامض ، وكني بأبي العباس ، وابي العبر ، وقد كان يزيد على هذه الكنية (( في كل سنة حرفا ً حتى مات ، وهي ابو العبر طرد طيل طليري بك بك بك )) .(7)
وبعد ان عرف في محيط مدينته شاعراً ، ترك (( الجد وعدل الى الحمق والشهرة به . وقد نيف على الخمسين ، ورأى ان شعره مع توسطه لا يتفق مع مشاهته ابا تمام والبحتري وابا السمط ابن ابي حفصة ، ونظراءهم )) . (8 ) وقد (( كسب بالحمق اضعاف ما كسبه كل شاعر كان في عصره بالجد )) .(9 )
وقد وصفه البعض على انه : (( ليس بجاهل وانما يتجاهل ، وان له لأدبا ً صالحا ً وشعرا ً طيبا ً )) . (10 )
ومن اخباره ، ان والده كان لا يكلمه . وعندما سئل عن ذلك ، قال : (( فضحني كما تعلمون بما يفعله بنفسه ثم لا يرضى بذلك حتى يهجنني ويؤذيني ويُضحك الناس مني ! فقالوا له : واي شيء من ذاك وبما هجنك ؟ قال : اجتاز علي منذ ايام ومعه سلم فقلت له : ولأي شيء هذا معك ؟ فقال : لا اقول لك فأخجلني واضحك بي كل من كان عندي . فلما ان كان بعد ايام اجتاز بي ومعه سمكة ، فقلت له : ايش تعمل بهذه ؟ فقال : اني... ، فحلفت لا اكلمه ابدا ً )) .(11)
ومن اخباره ايضا ً ، انه كان (( يجلس على سلم وبين يديه بلاعة فيها ماء وحمأة ، وقد سد مجراها ، وبين يديه قصبة طويلة وعلى رأسه خف ٌ وفي رجليه قلنسيتان ومستمليه في جوف بئر ، وحوله ثلاثة نفر يدقون بالهواوين حتى تكثر الجلبة ، ويقل السماع ويصيح مستمليه من جوف البئر : من يكتب عذبك الله ! ثم يملي عليهم فأن ضحك احد ممن حضر قاموا فصبوا على رأسه من ماء البلاعة ان كان وضيعا ً ، وان كان ذا مروءة رش عليه بالقصبة من مائها ن ثم يُحبس في الكنيف الى ان ينفض المجلس ، ولا يخرج منه حتى يغرم درهمين )) .(12 )
زقد استخدم ابو العبر الفاظ القاذورات كثيراً في ما وصلنا من شعره ، وارى انه سبق الكثير من الشعراء في هذا الجانب ، خاصة شعراء الفكاهة ، كالفضل بن هاشم البصري الذي عده محمد بن داود الجراح في كتابه ( الورقة ) اول من ذكر مثل تلك الالفاظ في الشعر . (13)
قال ابو العبر :
في أي سلح ٍ ترتَطم وبأيّ كفّ ٍ تلتطم
ادخلتَ رأسك في الرَّحـِم وعلمتَ انكَ تنهزم
وقال لاحدهم : (( اذا حدثك انسان بحيث لا تشتهي ان تسمعه فأشتغل عنه بنتف ابطك حتى يكون هو في عمل وانت في عمل )) .(14 )
*** ***

شعره:

قليلة هي القصائد التي وصلتنا من شعره ، اذ لا تعدعلى اصابع اليد الواحدة ، وهي من المقطوعات القصيرة جدا ً ، قالها الشاعر هاجيا ً او مستهزء بالاخرين ، اذ احجمت كتب نقادنا وكتابنا القدامى من ذكره او ذكر شعره خاصة وان الاغاني – وهو الكتاب الوحيد الذي ذكره على حد علمي – لا يذكر لنا ما كتبه الشاعر من قصائد غير هذه المقطوعات القليلة ، ان كان ذلك قبل ان يتحول من الجد الى الحمق او بعد ذلك .
عندما سئل عن سبب كتابته لمثل تلك الاشعار ، قال لسائله : (( ياكشخان اتريد ان اكسد انا ، وتنفق انت ، وايضا ً اتتكلم ؟ تركت العلم وصنعت في الرقاعة نيفا ً وثلاثين كتابا ً ، احب ان تخبرني لو نفق العقل اكنت تُقـدًّمُ على البحتري )) .(15)
ومن اشعاره : (16)

باضَ الحبُّ في قلبي فواويلي إذا فــــــــرّخْ
ومــــــا ينفعني حبي اذا لــــــم اكنس البربخ
وان لـم يطرح الاصـ ـعُ خَرجَيهِ على المطبخ

وقال هاجياً قاضيين : ( 17 )

رأيتُ مــــنَ العجائبِ قاضيين هما احدوثةٌ فــــي الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين فذا كما اقتسما قضاءَ الجانبين
هما فالُ الـــزمانِ بِهَلكِ يحيى اذا افتتح القضاء بأعورين
وتحسبُ منهما من هــزَّ رأسا لينظر في مواريثٍ وديــــن
كأنك قد جعلت عليه دنــــــــــاً فتحت بِزالهُ من فردِ عــين

*** ***
دادائية ابي العبر :

لم تذكر لنا المصادر قصائد هذا الشاعر ذات الاتجاه الدادائي ، وربما كان ذلك لنفرة الناس من مثل تلك القصائد ، خاصة وانه قد وصِف بالحمق ، ولما لسلوكه المشين من تأثير على ذلك .
وعندما سئلأ عن تلك الحلات التي كان يكتب فيها شعره ، قال : (( ابكر فأجلس على الجسر ومعي دواة ودرج ، فأكتب كل شيء اسمعه من كلام الذاهب والجائي والملاحين والمكارين ، حتى املأ الدرج من الوجهين ، ثم اقطعه عرضا ً وطولا ً والصقه مخالفا ً فيجيء منه كلام ليس في الدنيا احمق منه )) . (18 )
ولو تقدمن الف سنة الى امام ، أي الى زمن ولادة القصيدة الدادائية ، الى حيث نجد واحدة من قصائد الدادائيين ، وهي قصيدة (corset mystere) (( مؤلفة من قصاصات صحفية مأخوذة ومجمعة على نحو تعسفي والاستخدام " الشعري " الذي يزعم الدادائيون عمله من المواضيع المبتذلة والامثلة الجاهزة تصب في الاتجاه نفسه الذي سبق ان اشار اليه لوتريامون )) . (19)
كتب : تريستان تزارا " قصيدة (( القصيدة )) التي يقول فيها :

(( من اجل كتابة قصيدة دادائية ))
(( خذ صحيفة
خذ مقص
اختر من تلك الصحيفة مقالا ً له الطول الذي تنوي اعطاءه لقصيدتك
قطع المقال
ثم قطع بعناية كل واحدة من الكلمات التي تشكل هذا المقال وضعها في كيس
حرك بهدوء
ثم اخرج كل قصاصة الواحدة تلو الاخرى حسب النظام الذي خرجت فيه من الكيس
انقل بعناية
وسوف تشبهك القصيدة )) (20 )

لو لا قلة معلوماتنا عن قراءات " تزارا " للعربي العربي ، لقلنا ان هذا الشاعر قد نفذ تعليمات ابو العبر في كتابة القصيدة ، اذ ان الخطتين متطابقتان . (21 )
الم تكن كنية ابي العبر لوحدها قصيدة دادائية ؟ اذ بعد ان قام الشاعر بعملية انحلال للغة وتفكيك لها ، قال :

(( ابو العبر
طرد طيل
طليري
بك...بك...بك ))

فيما تقول احدى قصائد الدادائيين ، والتي اصطلحوا عليا تسمية (( قصائد صوتية )) : (22)

(( آ ، أو ، اويو يو يو
يو يو يو
دررر دررر دررر غ رررر غ ررر
قطع من مدة زمنية خضراء تحوم في غرفتي
أ أو أو أي أي أي أي أو آ او أي أي أي جوف ))

ويقول ابو العبر: (23)
ويأمــــــــر بي الملك فيطرحني فـــي البرك
ويصطادني بـــالشبك كأني مــــــــن السمك
ويضحك كك كك ككك ككك كك ككك كك ككك

ان الصوتية ، من اهم ما كتبه شعراء الدادائيةفي اوربا ، وانا على يقسين تام ان هنالك قصائد قد انشأها ابو العبر حسب مخططه في كتابة الشعر والذي هو شبيه لمخطط " تزارا " (( من اجل كتابة قصيدة دادائية )) والى ان نجد في كتب تراثنا العربي القديم مثل هذه القصائد يحق لنا ان نقول ان ابا العبر هو اول شاعر دادائي عربي ، ان لم يكن اول شاعر دادائي .
*** ***


السريالية :

اذا كنا في القسم الاول من هذه الدراسة ، قد قرأنا ما وصلنا من كتابات الشاعر العباسي ابو العبر ، على انه كتابات دادائية ، ان كان ذلك في الشكل او في المضمون ، في اللغة او في الافكار التي حملتها ، او وقفت خلفها ، فأننا في هذا القسم سنقرأ بعض قصائد شعرنا العربي القديم التي يمكن ان نضعها في خانة الشعر السريالي بالمفهوم العام للكلمة .
والسريالية (surrealism) (24 ) والتي يمكن ترجمتها بـ ( ما فوق الواقع ) . ومن هذا المعنى ، يمكن القول ، ان ما كتب تحت هذه اللافتة يعبر عن رفض للواقع او الهروب منه ، وان هذا الرفض ، وذاك الهروب يستدعي اللاعقلانية واللاوعي في التعامل مع الاشياء ، خاصة اذا عرفنا ان الشاعر ، كما يعبر عنه سقراط : (( ضوء ، شيء مجنح مقدس ، وهو لايبدع ما لم يلهم ويفقد وعيه ، ويبطل فيه عمل العقل )) . (25 )
يقول احد مؤسسي السريالية ، واهم اقطابها في فرنسا ، الشاعر بريتون ، بأن السريالية : (( اسم مؤنث ، آلية نفسية ذاتية خالصة تستهدف بواسطتها التعبير ، ان قولا ً ، وان كتابة ، وان بأية طريقة اخرى ، عن السير الحقيقي للفكر ، هي املاء من الذهن في غياب كل رقابة من العقل ، وخارج اهتمام جمالي او اخلاقي )) . (26)
وهذا لايعني الطلاق الكلي والنهائي من الواقع والعيش في عالم اللاوعي واللاعقل ، ذلك لأن السرياليين ، ومن قبلهم الدادائيين ، كانوا ك (( واقعيون في تفصيلاتهم ، لكنهم لا يجمعون صورهم ابدا ً في كل ٍ واقعي ، بل هم – كما الحال في احلامنا – يترجمون هواجس وتضمينات اللاوعي مشغوفين بالاعتباطية والرؤى المرعبة )) . (27)
ولم يكن الشعر العربي ، طيلة عمره المديد من الشعر الجاهلي حتى ىخر قصيدة كتبت في زمننا الحاضر ن شعرا ً عقليا ً ن ينبع من الوعي ، ويتحرك في حدود الواقع والمنطق ، بل طان وما يزال يأخذ من هذا ومن ذاك ، وما يزل اساسه المتين الذي ينبع منه - على الرغم من تحولاته وتبدلاته – هو وادي عبقر ، وجنياته ، ومن ثم الالهام ...الخ ، انه - أي الشعر العربي – خارج الواقع وخارج العقل ، وفي الوقت نفسه ، هو ينبع من داخلهما ويتحرك بين آثاثهما ، انه ليس ببعيد عنهما ، ولا هو بالقريب منهما .
يقول الفنان ( بول كلي ) : (( اعتدنا في الماضي ، ان نمثل الاشياء المرئية على الارض ، اشياء اما يستهوينا النظر اليها ، او تلك التي نرغب في ان نراها ، نحن اليوم نكشف عن الحقيقة الكامنة وراء الاشياء المرئية ، وبذا نبرهن على ان ما يُرى ان هو الا حالة منفصلة في علاقتها بالكون ، وان هناك حقائق اخرى مجهولة كثيرة )) .(28)
لم يكن هذا القول سوى ترديد لما جاء به الجرجاني قبل اكثر من الف سنة عن(( معنى المعنى ))
، وما يفيض به هذا المصطلح مما سودت له المقالات والكتب عن الايحاء ، وان الشعر لا يقرر وانمكا يوحي ، وهذا هو ما هدفت اليه الدادائية ومن بعدها السريالية ، اذ انها ركزت على (( الايحاءات النفسية اكثر من الاهتمام بخلق اعمال فنية )) . (29 )
وقد اشتغل اغلب فحول الشعراء العرب بما له علاقة بقضية التلقي ، وفي منطقة التأثير النفسي والذهني ، ولم يكن ذلك بعيداً عن مؤسسي الدادائية والسريالية بعد ان رفضوا الواقع ، وما كتب عنه ومنه من شعر ، لأن المهم بالنسبة اليهم (( لم يكن العمل الفني ذاته ، بل الهزة التي يستطيعون خلقها ، والارتباك الذي يسببونه في الذهن )) . (30 )
ولما كان الابداع ، فعل انساني لا يقف الزمان ولا المكان عائقا ً في طريقه ، فأن اشتغال شاعر عربي قبل اكثر من الف عام في منطقة اشتغل فيها شعراء آخرين وفي لغة ومن حضارة وثقافة مغايرة لما عند وحول ذلك الشاعر ، لم يكن من الامور العسيرة ، او من ( سابع المستحيلات ) – كما يقال – اذا اخذنا بنظر الاعتبار فحولة ذلك الشاعر ، حسب المفهوم السابق للفحولة ، وعبقريته وقوة ابداعه ، انه الشاعر المتنبي ، الذي قال عن شعره :

انام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم

وقال مفتخراً بشعره :

وما الدهر الا من رواة قصائدي اذا قلت شعراً اصبح الدهر منشدا

ويقول كذلك :

امط عنك تشبيهي بما وكأنه فما احد فوقي وما احد مثلي

وقال عنه الشاعر ادونيس : (31)

(( اتعجب ، لا بالريشة
يكتب، لا بيديه ،
بل بالكون ))

واذا كان هدف الدادائية ، هدم الواقع ورفضه رفضاً نهائياً ، فأن السريالية جاءت لتفصل الحياة عن ذلك الواقع ، و (( لجأت الى طريقة ايحائية في التعامل مع الواقع المرفوض ، كانت في البداية تعمل بغية التهرب من شروطه الى النقيض ، ثم صارت تعمل في النهاية كما تبلور ذلك في كتابات بروتون على اقامة معادلة حاذقة بين الواقع واللاواقع ، بين الوعي واللاوعي ، بين الحلم الفردي والحلم الجماعي ، لتصير وسيلة خلاص انسانية في المعنى الفعال )) . (32 )
*** ***

سريالية ابي الطيب المتنبي :

سوف تكون قراءتي لبعض ابيات المتنبي ذاتها القراءة التي قرأت من خلالها بعض شعر ابي العبر ، عندما وجدته قد اشتغل في منطقة قد اشتغل فيها وعليها شعراء الدادائية والسريالية .
وعندما قال المتنبي وهو يصف ركباً من الجمال يسير في الصحراء : (33)

نحن ركب ملجن فـــــي زي ناس فوق طير لها شخوص الجمال
من نبات الجديل تمشي بنا في الـ بيد مشي الايام فـــــــي الآجال

فأنه كان يعرف بحسه الابداعي ، انه ليس ناقلا ً لما يراه ، ولا ينبغي له ان يكون كذلك ، على الرغم مما قيل عن الشاعر بأنه رائيا ً ، او نبيا ً ، وانما عليه ان يكون كما قيل عن امثاله من فحول الشعراء ، هادما ً للواقع ومعيدا ً بنائه من جديد ، وهذا ما دعت اليه السريالية في ان (( تمر في شرطين لتأكيد نفسها : الهدم الكلي للواقع الراهن ، ثم اعادة ترتيب عناصره بالطريقة الاقرب الى تحريره في الداخل كما في الخارج )) .(34 )
الم تفيض قصائد المتنبي بما يحمل القاريء للتيقن بأن هذا الشاعر كان همه تدمير الواقع من خلال تدمير الانظمة المنطقية التي تحكمه ، فأي منطق يجعل من المشبه به مشبها ً ، وبالعكس ؟ واي منطق يجعل من ( الجـِمال ) مشخصة بالطيور ؟
لقد كان الشاعر في هذا البيت مدهشاً ، وهذا ما كان عليه الشعراء المجددين ، وهذا ما ارادت السريالية ان تصل اليه ، أي في قدرة الاثنين الشاعر المجدد ، والسريالية الى الوصول اليه من عملية الادهاش التي تأتي من تداخل الصور الشعرية ، وتفكيك العلاقات التي تربط عناصر النص ، وكذلم ، وهو الاهم تفكيك البنية اللغوية .
في هذا البيت ، يرسم المتنبي لوحة تشكياية واقعية ، وفي الآن نفسه تخييلية لموكب يضم راكبي الجـِمال وهو يسير في الصحراء .
فالموكب – كما هو في الصحراء – حدث واقعي ، حسي ، والراكبون يرتدون الزي العربي ، ويغطون اجسادهم بالعباءة العربية ، ووجوههم مغطاة باللثام ، الا ان المتنبي لا يرى ما هو مرأي من قبل الاخرين ، وانما كما يقول رامبوعنه ، انه يقوم بـ (( رؤية ملا يرى ، وسماع ما لا يسمع )) (35) وفي الوقت نفسه ، يعيننا على ان نرى تلك الرؤية التخييلية لذلك الموكب .
اذن ، فالشاعر يقوم بتحويل الواقع الى خيال ، والخيال الى واقع ، أي يحول الصورة الواقعية ، المنطقية ، الى صورة متخيلة ، غير واقعية ، يجمع بين عناصرها اللامنطق ، فيصبح ( الخداع البصري ) الذي تقوم به حواسه - و بالتفاعل مع المحيط - ، هو الفاعل الوحيد في تلك الرؤية ، فضلا ً عن دور المخيلة ،وما يضفيه جو الصحراء في النهار ، وما يضفيه السراب الخادع للعين من كسر للرؤية ، يدفع بالمخيلة الى ان ترى ما هو واقعي بلباس غير واقعي ، ذلك لأن الخيال (( بأعتباره الرباط الذي يصل عالم الانسان الداخلي النفسي بعالم الواقع الخارجي )) . (36 )
اما اذا كان مسير الركب ليلاً ، فأن اجواء ليل الصحراء يجعل المكان اكثر ( خرافية ) واسطورية ، بما يتجسد فيه – بفعل عامل التخيل – من رؤىشبحية ، لتصورات سابقة عن الجن والاشباح والطناطل ...الخ .
ومن الطريف ، ان ناقدا ً عربيا ً كالجاحظ ، قد انتبه لهذا الامر ، وسبق رامبو بألف عام عندما فسر هذه العملية بكل عقلانية وعلمية ، وجاء بالعبارة ذاتها التي استشهد بها رامبو في ان الشاعر يقوم بـ (( رؤية ولا يرى وسماع ما لايسمع )) . قال الجاحظ وهو يكذب ما اشيع حول شياطين الشعر : (( واذا استوحش الانسان تمثل له الشيء الصغير في صورة الكبير وارتاب وتفرق ذهنه وانتقصت اخلاطه فرأى ما لايرى وسمع ما لايسمعوتوهم على الشيء اليسير الحقير انه عظيم جليل )) . (37)
ان الصورة الواقعية للركب كما يمكنها ان تكون ، وفي مرلأى الانسان ، يمكن رسمها هكذا :

نحن ركب من الانس في زي جن فوق جمال لها شخوص الطير

هنا تلعب الاستعارة ، والتشبيه دوراً كبيراً في رسم هذه الصورة السريالية في بيت لبمتنبي الذي يشبه ناس الركب بالجن ، وفي الوقت نفسه يستعير للصورة الانسية ، الصورة ( الجنية ) ، اذ تحول العباءة المتطايرة في هواء المسير ، واللثام ، الانسي الى ( جني ) وفي الوقت نفسه يشبه المتنبي واسطة النقل ( الجـِمال ) بالطير في سرعة حركته وتقلبه في الهواء ، اذ تتراءى له ( الجـِمال ) وكأنها تطير في اجواء الصحراء لخفتها ، ولما يفعله المكان من تأثير على الرؤية .
لكن المتنبي ، هذا الشاعر العظيم الذي يرى ما لا يرى ، المجدد الدائم ، يستعير الخيال السريالي قبل السرياليين بألف عام ، ليقدم من خلاله ما يحس به وما يراه ، لأنه لا يرتضي بما تراه عيناه من صور ( واقعية ) ، وانما يجعل من مخيلته ( المعمل ) الابداعي لانتاج صور مغايرة للواقع دون ان تبتعد عنه .
ان السريالية كنزعة انسانية ، ما هي الا عملية (( تحطيم جميع الحواجز التي تحدد الفرد ، جاعلة منه غريبا ً عن ذاته . فالسريالية ترفض الموانع ، والتعارضات الثنائية ( عقل – جنون ، واقع – استيهام ، طفل – بالغ ، يقظة حلم ... ) انها تفترض اوليا ً انسانا ً استعاد وحدته ، في حالة ابتكار وخلق ٍ دائمين )) . (38 )
لنتساءل ، هل كان المتنبي قد زهد بالواقع فطلقه وطلق معه ما كان ينظمه العقل له ، وكذلك حالات الوعي التي كانت تنظم له شاعريته ؟ فراحت الرغبات الدفينة تفعل فعلها في نظم الشعر بعيدا ً عن الواقع والعقل والوعي ، وقريبا ً من عالم الاحلام ، وما هو خارق ، مع العلم ان من معاني السريالية هو (( الواقعية الخارقة )) . (39)
ان قلق المبدع الحقيقي لا يرتكن للخمول والسكينة والدعة ، واستقبال كل شيء بحيادية . وشاعر مثل المتنبي ، صاحب الروح القلقة ، والطموح الى شيء كان يريد الوصول اليه ، والكثير الاسفار ، والذي حاول ان يجعل من نفسه نبيا ًُ ، ان كان ذلك حقيقة ام كان من خلال تفسير شعره (40 ) مثل هذا الانسان المغامر ، انسان غير منسجم ن ليس مع محيطه فحسب ، بل ومع ذاته ايضا ً. مما يدفعه الى رؤية ما لا يرى وسماع ما لا يسمع ، ومن ثم قول ما لا يقال .
ان اول ما فعله المتنبي في بيته الشعري اعلاه ، هو انه نحت كلمة ( ملجن ) من حرف الجر ( من ) ومن الاسم المجرور ( جن ) ، فأضاف بذلك الى المعجم العربي لفظة جديدة ، اضافت غرابة فوق غرابة بناء عناصر هذا البيت ، فأعطى للصورة الشعرية بعداً سرياليا ً .
وثانيا ً ، عكس المتنبي المألوف الذي تعودنا عليه في التشبيه ، فجعل المشبه بدلا ً من المشبه به مع حذف اداة التشبيه .
وثالثا ً ، ان قاريء هذا البيت ، يفترض ان ما يصوره الشاعر ، هو موكب للجن ، وليس موكبا ً انسيا ً ، فعكس الواقع الى خيال ، والخيال الى واقع ، ومن هذا جاء دفاع السرياليين عن الخيال (IMAGINATION) وعن دوره في الذائقة الشعرية ، فـ (( بدأت السريالية بالدفاع عن استسلام الانسان للخيال من اجل غاية صريحة هي اكتشاف ابعاد جديدة لعقل الانسان وحساسيته وانفعالاته)) .(41 ) وان الخيال هو : (( الرباط الذي يصل عالم الانسان الداخلي النفسي بعالم الواقع الخارجي )) . (42 )
*** ***

صور سريالية اخرى :

رسم المتنبي صورة سريالية لتراقص النور النافذ من بين اوراق الاشجار ، والساقط على جسم الشاعر ، فيقول في قصيدة (( شعب بوان )) : (43 )

فسرت وقد حجبن الحر عني وجئن من الضياء بما كفاني
والقى الشرق منها في ثيابي دنانيراً تفر مـــــــــن البناني
لها ثمر تشير اليك مـــــــــنه بأشربة وقفن بـــــــــلا أوان

*** ***

صور سريالية لشعراء عرب :

قدم مهيار الديلمي وصفا ً سرياليا ً للناقة والصحراء وظواهرها الطبيعية ، وكأنه يشرح لنا بيت المتنبي السابق ، فيقول : ( 44 )

كأنها تحت الدجـــــى جنية راكبها في ظهرها نجمٌ هـــبطْ
لا تطأ الارض وان تسهلت لوطأة الدائس الا مـــــــا تخط
كأنما اربعُها مـــن خفة ٍ ‍‍! واحدة ٌ في السير حين تختلط
تجري فتدمي أُذنــها بيدها كأنــــــــــــما بسنبكيها تشترط

ويقول ذو الرمة ، راسما ً لوحة سريالية لراحل في سواد ليل الصحراء : (45 )

ولــــيل كأثناء الرويزي جبه بأربعة والشخصُ في العين واحدُ
احمُّ عـِلافيٌّ ، وابيض صارم واعيَسُ مهريُّ ، واشعث مـــاجد

فيما يرسم شاعر آخر ، صورة سريالية تفرضها عليه مخياته التي راحت تعمل بعيدا ً عن الواقع ( مائدة الطعام التي تضم الخبر واللبن والتمر والزبد )فكان عمل هذه المخيلة قد جعل عناصر هذه المائدة بصور شتى .
فقد جعل من الخبز المغموس باللبن ( الرائب ) رجالاً ، ومن البرني ( من اجود انواع التمور ) جيادا ً ، والزبد فرسانا ً يمتطون هذه الجلد . فأية صورة سريالية هذه التي رسمتها مخيلة هذا الشاعر !؟
يقول : ( 46 )

الا ليت خبزا ً قد تسربل رائبا ً وخيلا ً من البرني فرسانها الزُّبدُ

ويصور مسلم بن الوليد من خلال رحلته للممدوح ، ( الآل ) - السراب – وكأنه يركب على صهوات ( الجبال ) ، أي ان الجبال تشبه النوق التي سيقت الى النحر في يوم عيد . قال : (47)

كأن اعلا مها والآل يركبُها بُدنٌ توافى بها نذرٌ الى عيد

الهوامش :

1 - قصيدة النثر – 228 .
2 – الحداثة –1/ 286 –287 .
3 – قصيدة النثر – 228 .
4 – المصدر السابق – 227 .
5 – المصدر السابق – 231 .
6 – الاغاني – 2/ 224 .
7 - المصدر السابق – 227 .
8 - المصدر السابق – 224 .
9 - المصدر السابق – 224 .
10 - المصدر السابق – 225 .
11 - المصدر السابق – 228 .
12 - المصدر السابق – 227 . ويمكن متابعة ما سجل عن سلوكيات الدادائيين في تلك الفترة ، وما تناقلته اخبارهم من افعال لا تختلف عما قام به ابو العبر .
13 – موسوعة البصرة الحضارية – 382 .
14 – الاغاني – 20 / 231 .
15 - المصدر السابق – 225 .
16 - المصدر السابق – 227 .
17 - المصدر السابق – 23. – 231 .
18 - المصدر السابق – 228 .
19 – قصيدة النثر – 229 .
20 - المصدر السابق – 229 .
21 – من الجدير بالذكر ان الاديب عصام محفوظ مؤلف كتاب ( السوريالية وتفاعلاتها العربية ) قد قام بما قام به ابو العبر وتزارا من جمع لمقالات من كتب او صحف ، اذ تناول قصيدة لسمير صائغ في مجلة ( مواقف ) وطوى الصفحة الاولى على بعضها ليصير بأمكانه قراءة الصفحة المزدوجة 9 – 11 وهكذا مع روايات وقصص اخرى .
22 – قصيدة النثر – 230 .
23 – الاغاني – 228 .
24 – اول من استخدم هذا المصطلح الشاعر ابولينير عام 1917 . انظر الحداثة - 1 / 298 .
25 – عصر السريالية – 14 .
26 – بيانات السريالية – 41 .
27 – مئة عام من الرسم الحديث – 123 .
28 - المصدر السابق – 126 .
29 - المصدر السابق – 123 .
30 - المصدر السابق – 121 .
31 – امس المكان الان .
32 – السريالية وتفاعلاتها العربية – 13 – 14 .
33 – قال شاعر من الجن يدعى ( ابو هدرش ) :

وادلجُ الظلماءَ فـــي فتية ٍ مِلْجـِن فوقَ الماحل العَربَسيس
فــــي طاسم تعزفُ جنانهُ أقفَرَ إلا مـــــــــن عـفاريت لِيس
تحملنا في الجُنحِ خيلٌ لها اجنحةٌ ، ليست كخـــيل الا نيس
واينق تسبقُ ابصاركـــــم مخلوقةٌ بــــــــين نعامٍ وعيس

( رسالة الغفران – 299 )

34 – السريالية وتفاعلاتها... – 14 .
35 – ثورة الشعر الحديث – 1.6 .
36 – عصر السريالية – 284 .
37 – الحيوان – 6/ 164 .
38 – السريالية : نصوص ومناقشات – 9 . مأخوذ من الصوفية والسريالية .
39 – بيانات السريالية – 39 .
40 – وهو القائل :

ما مقامي بأرض نخلة الا كمقام المسيح بين اليهود\

وقيل انه اقنع بعض الناس في الشام بنبوته . ويقول المعري : وحُدثتُ انه كان اذا سئل عن حقيقة هذا اللقب ، قال : هو من النَّبْوَه، أي المرتفع من الارض . وكان قد طمع في شيء قد طمع فيه من هو دونه . وانما هي مقادير ، يديرها في العلو مير ، يظفر بها من وفق ، ولا يُراع بالمجتهد ان يخفق .
وقد دلت اشياء في ( ديوانه ) انه كان متألهاً ، ومثل غيره من الناس متدلَـِهاً ، فمن ذلك قوله :
ولا قابلا ً الا لخالقه حكما ً )) رسالة الغفران – 419 .
وقد جعل (اندريه بريتون ) من الشاعر نبيا ً . الحداثة – 1 / 299 .
41 - عصر السريالية – 292 .
42 - المصدر السابق – 284 .-
43 – شعر المتنبي .
44 – شعر مهيار الديلمي .
45 – شعر ذي الرمة –
احم : اسود ، يعني الرحل .
علافي : منسوب الى علاف حي من العرب يعملون الرحال .
الابيض : السيف .
الاعيس : الابيض ، يعني بعيره .
اشعث : يعني نفسه .
46 – البخلاء – 253 .
47 – شعر مسلم بن الوليد.
48 . الصوفية والشعر –

المصادر :

1 - قصيدة النثرمن بودلير الى ايامنا – سوزان بيرنار – ت : د. زهير مجيد مغامس – دار المأمون – 1993 بغداد - 1993 .
2 – الحداثة – مالكلم بري و جيمس ماكفارلن – ت : مؤيد حسن فوزي – دار المأمون – بغداد – 1987 .
3 – موسوعة البصرة الحضارية – مجموعة باحثين – جامعة البصرة – البصرة – ب .ت .
4 – السريالية وتفاعلاتها العربية – عصام محفوظ – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – ط1 –1987 .
5 – بيانات السريالية – اندريه بروتون – ت : صلاح برمدا – وزارة الثقافة والارشاد القومي – دمشق – 1978 .
6 – مئة عام من الرسم الحديث – جي . إي . مولر و فرانك ايلغر – ت : فخري خليل – دار المأمون – بغداد – 1988 .
7 – امس المكان الآن : مخطوطة تنسب الى المتنبي يحققها وينشرها ادونيس – بيروت / لندن – دار الساقي – 1995 .
8 – رسالة الغفران – ابو العلاء المعري – تح : د. عائشة عبد الرحمن – ط3 – دار المعارف – مصر – 1963 .
9 – ثورة الشعر الحديث – ج1 – د. عبد الغفار مكاوي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر – 1972 .
10 – عصر السريالية – والاس فاولي – ت : خالدة سعيد – منشورات نزار قباني – بيروت – 1967 .
11 - الحيوان – الجاحظ – القاهرة – 1938 .
12 – البخلاء – الجاحظ – دار صادر ودار بيروت – بيروت – 1963 .
13 – الصوفية والسريالية – ادونيس – دار الساقي – ط1 – 1992 .
14 - القرص الليزري : الشعر ديوان العرب – الاصدار 0 ,2 لعام 2000 . الاشراف العام : محمد احمد السويدي – ابو ظبي .
وضم القرص اضافة الى شعر الشعراء العرب كتاب الاغاني.
ملاحظة : لم ترد اية معلومات عن هذه المصادر في القرص .

الصناعة اللفظية في قصيدة " الفضول الاربعة "
لدعبل الخزاعي
مدخل:
هنالك سؤال مهم تثيره هذه الدراسة ، وهي تتصدى لقراءة احدى قصائد الشاعر العربي "دعبل الخزاعي " ( الفضول الاربعة ) على الرغم من قصرها ، الا انها تستجيب لدواعي عنوان هذا الكتاب ، وهو " ميتا القصيدة " ، فضلاً عن ان القصيدة والشاعر غير معنيين بالاجابة عنه ، ذلك هو :
- ماعلاقة الشعر بالتاريخ ؟
والتاريخ هنا ، بمعنى ارتباط الحادثة بالشخصية ، او بالعكس .
من المعروف مسبقاً ، ان الفن والتاريخ قد عاشا سوية منذ ازمان في علاقة ترابط وثيقة ، فضلاً عن اشتراكهما في مرتكزات ثلاث : الانسان ، الزمان ، والمكان .
واذا كان هم التاريخ ، كشف الحقيقة ، فأن هم الفن ، هو كشف دور الانسان في الوصول الى تلك الحقيقة ، أي دور صانع التاريخ . من هذا المنطلق ، ، يسهم الفن ، والفن الكتابي خاصة ، في التحفيز على كتابة التاريخ ، من خلال طرح الاسئلة برؤية مغايرة عن اسئلة مدون التاريخ ، و (( الايقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الاحداث )) .(1)
وقد قيل ، ان الشعر ديوان العرب ، وليس في هذا القول أي تحامل ، او ابتعاد عن الحقيقة ، ولم يكن سبة للعرب ، او لشعرهم ، وانما هو الحقيقة الناصعة التي اضاءها الشعر نفسه ... فقد كان (( ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به يأخذون واليه يصيرون )) . (2 ) اذ شارك الشعر العرب ايامهم ، حلوها ومرها ، انتصاراتهم او خسائرهم ، حبهم او كرههم، تقبل المرأة لرابطة الحب ، او رفضها لها ، التمتع بجمال الطبيعة ، او الخوف من مظاهرها العديدة ، رحلاتهم واقامتهم ، في البادية او في الحاضرة ، لهذا نجد ه جديراً بهذا الاسم .
الا ان هذه العلاقة ، لا تحمل الشعرمسؤلية الاجابة عن الكثير من الاسئلة المطروحة على التاريخ ، لأن التاريخ هو المعني الوحيد بالاجابة عنها ، وتبقى القصيدة ، العامل الهام بأثارة تلك الاسئلة ، لأن الشعر ، كأي فن من فنون الادب ، عليه ان يطرح الاسئلة فقط ، وعلى الاخرين ، من خارج عالمه ، تقع مهمة الاجابة عنها .
ان قراءة متأنية لقصيدة دعبل الخزاعي ( الفضول الاربعة ) (3) ستثير الكثير من الاسئلة التي لها علاقة بالتاريخ ، اذ انها تلمح ولا تصرح ، وهذا هو فعل الشعر ، ودوره الاساس .
*** ***

النص :

قصيدة ( الفضول الاربعة )

نصحت فـــأخلصت النصيحة للفضل وقلت فسيرت المقالة فـــــــــــي الفضل
ألا إن فـــــــي الفضل بن سهل لعبرة إن اعتبر الفضل بـــــــن مروان بالفضل
وفي ابن الربيع الفضل للفضل زاجرٌ اذا ازدَجَرَالفضل بن مـــــــروان بالفضل (4)
وللفضل في الفضل بن يحيى مواعظ إذا فكر الفضل بن مروان فــــــي الفضل
اذا ذُكروا يوماً وقـــــــد صرت رابعاً ذُكِرتَ بقدرِ السعي منك الــــــــى الفضل (5)
فـابق جميلا من حديث تـفز بــــــــه ولا تدع الإحسان والأخــــــــــــذ بالفضل
فإنك قـد أصبحت للملك قــــــــــــيما وصرت مكان اـلفضل والـفضل والـفضل
ولم أر أبياتا مــــــــــن الشعر قبلها جميع قوافيها على الفضل والفــــــــضل
وليس لـــها عـيب إذا هـــي أنشدت سوى أن نصحي الفضل كان مـن الفضل

كتب الشاعر دعبل الخزاعي هذه القصيدة ، ناصحاً من خلالها الفضل بن مروان ، وزير المعتصم . والقصيدة تثير قضيتين :
الاولى : هي الصناعة اللفظية التي اجهد بها فكره وذائقته الشعرية ، حتى بدت امام القاريء والسامع مفرطة الى درجة غير اعتيادية .
الثانية : والتي لها علاقة بالسؤال الذي طرحناه في السطور السابقة ، والذي يعني بقضية علاقة الشعر بالتاريخ ، وبالاخص – في هذه القصيدة – علاقة ( الفضول ) الاربعة فيما بينهم ، او كما يراها الشاعر .
ولارتباط القضية الاولى بالقضية الثانية ، سنتناول القضية الاولى كمدخل لدراسة القضية الثانية ، بعد ان نترجم للشاعر.
فضلاً عن ذلك ، فعلى مستوى الذائقة النقدية ، تثير هذه القصيدة قضية هامة في الشعر ، وهي : الوضوح ( سوى ما يأتي من صعوبة فهم دلالات لفظة الفضل في بعض الاحيان ) ، مما يجعلها لا تحتمل أي تفسير ، او تأويل ، بسبب انها تنهل من معجم عام ، وكذلك لوضوح الهدف الذي تركز عليه .
ان الوظيفة الانشائية لهذه القصيدة ، تهدف الى ضرب عصفورين بحجر واحد – كما يقال - : انه يربي من خلال تقديم النصح ، و يحرض ، من خلال دفع المنصوح الى اجتناب افعال السابقين له .
ولا نريد هنا ان نبحث قضية احقية – او عدم احقية – دعبل في تقديم النصح ، لاننا لسنا هنا في موضع الناقد الاخلاقي او القيمي ، بقدر ما نكون فاحصين للنص للتعرف على ما يثيره – بعد قراءته – من امور واردة اليه من خارج عالمه ، لأن النص هذا لو لم يكن للشاعر دعبل ، فأنه سيكون لغيره ، كما في النصوص التي رافقت هذه الدراسة.
*** ***

الشاعر :
هو (( ابو علي دعبل بن علي بن رزين بن سليمان الخزاعي )) .(6)
فيما يذكر صاحب الاغاني ، انه : (( دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهل وقيل بهنس بن خراش بن خالد بن دعبل بن انس بن خزيمة بن سلامان بن اسلم بن افضى بن حارثة بن عمر بن عامر مزيقيا ويكنى ابا علي )) .(7) ويضيف قائلاً : ان اسمه محمد . ودعبل يعني (( البعير المسن )) . (8 )
اما الخطيب البغدادي ، فيذكر في تاريخه ، انه : (( دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي )) . (9 )
وقيل ان اسمه : (( الحسن وقيل عبد الرحمن وقيل محمد وكنيته ابو جعفر )).(10)
ولد شاعرنا : (( سنة ثمان واربعين ومائة وتوفي سنة ست واربعين ومائتين )) (11) وقيل انه مات مقتولاً بسبب هجائه مالك بن طوقان . (12)
تذكر كتب نقادنا القدامى ، ان دعبل قد تتلمذ في الشعر على الشاعر مسلم بن الوليد ، ولازمه كثيراٍ . وصنف كتاباً في طبقات الشعراء .
وايضا ، فأنه : (13)
ا - صاحبَ الصعاليك فترة من حياته ، وشارك مرة بقتل صراف .
2 – من رواد مجالس الشرب والمجون .
3 – كثير الاسفار .
4 - متشيع لآل البيت .
5 – كان راوياً للحديث ، الا انه كان راوياً مجروحاً .
6 – كان راوياً للشعر المشهور وغير المشهور .
7 – اصبح والياً لفترة قصيرة ، وقد عزل بسبب قصيدة هجاء قالها في حاكم مصر .
8 – من اكبر شعراء الهجاء ، اذ لم يسلم منه الخلفاء والولاة . ومن قصائده التي هجى بها الخلفاء العباسيين ( هجائه للمعتصم ) والتي يقول فيها : (14)

مــلوك بني العباس في الكتب سبعة ولـــــــــم تاتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك اهل الكهف فــي الكهف سبعة خـيار اذا عـــــــــدوا وثامنهم كلب
واني لاعــــــــلي كلبهم عـــنك رفعة لانـــــــــــك ذو ذنب وليس له ذنب
كـــــــــــــــــــــــانك اذ ملكتنا لشقائنا عجوز عليها التاج والعقد والاتب
لقد ضاع امر الناس اذ ساس ملكهم وصيف واشناس وقد عظم الكرب
وفضل ابــــــــــن مروان سيثلم ثلمة يـــــظل لها الاسلام ليس له شعب
وهــــــــــــــــــمك تركي عليه مهانة فــــــــــــــــانت له ام وانت له اب

لقد مثل هذا الشاعر مزاج اكثر الشعراء منذ القدم حتى يومنا هذا ، خاصة اذا استخدم الشاعر شعره وسيلة للتكسب ، الا ان شاعراً يجمع بين التشيع (( الذي كان ينبغي ان يؤدي به الى جادة الصواب وسيل الرشاد )) .(15) والصعلكة ، والاجرام ، والتطاول على الاخرين مهما كانوا ، مثل هذا الشاعر نادر الوجود ومن هذا النادر كان شاعرنا ، فقد كان : (( بذيء اللسان مولعاً بالهجو والحط من اقدار الناس وهجا الخلفاء فمن دونهم وطال عمره فكان يقول : لي خمسون سنة احمل خشبتي على كتفي ادور على من يصلبني عليها فما اجد من يفعل ذلك )) .(16 ) وكان (( اطروشاً وفي قفاه سلعة )) .(17)ولا اريد ان اعلق على هذه القضية التي ارى ان لها علاقة بتصرفات هذا الشاعر ، واترك التعليق لمن لهم دراية بعلم نفس الادب .
وكان شاعرنا من المجددين في الشعر، مع كونه من اصحاب الصنعة الشعرية ، وان (( طبيعة الصناعة الصارخة والصور البهيجة التي عمد الى اختراعها تعلن عن نفسها بصوت عال مسموع )) . (18)
ومن تجديداته ، انه (( شارك ابا نواس في رفض الوقوف على الاطلال واستبداله ذكر الخمر بالوقوف على الربوع حتى نكاد نقع في لبس تجاه الشاعرين الكبيرين وايهما كان الباديء في هذا الاتجاه )) .(19)
ومن قوله : (20)

يقول زياد قـــف بصحبك مرة على الربع مالي والوقوف على الربع
ادرها على فقد الحبيب فربما شربت على ناي الاحـــــــــــبة والفجع
فما بلغتني الكاس الا شربتها والا سقيت الارض كاسا مـــــن الدمع

وقد قيل الكثير عن شاعريته ، فصديقه الشاعر البحتري ، قال عنه : (( ان كلام دعبل ادخل بكلام العرب من كلام مسلم ومذهبه اشبه بمذهيهم )).(21)
فيما قال مهرويه : (( ان الشعر قد ختم بدعبل )) .(22)
وعلى الرغم من هجاء الشاعر للخلفاء العباسيين مر الهجاء ، الا اننا نجد المأمون يقول عن قصيدة الشاعر التي يقول فيها :

وقائلة لما استمرت بها النوى ومحجِرُها فيه دمٌ ودموعُ

قال : (( ما سافرت قط الا وكانت هذه الابيات نصب عيني في سفري وهجيري ، ومسليتي حتى اعود )) .(23 )
*** ***

الفضول الاربعة :

في القصيدة ، ترد اسماء لشخصيات سميت بأسم ( الفضل ) ، ولكي تكتمل جوانب دراستنا عن هذه القصيدة ، علينا التعرف على هذه الشخصيات للوصول الى معرفة اسباب كتابة القصيدة ، وسنتناول بأختصار شيئاً عن حياتهم ، وبأسبقية حسب سنة وفاتهم مقدمين عليهم الفضل بن مروان ، لان القصيدة موجهة اليه .
1- الفضل بن مروان :
وهو الشخصية الموجهة اليها القصيدة . وكان وزيراً للخليفة العباسي المعتصم ، الذي كانت ولايته من 218 هـ الى 227 هـ (24) .
هو : (( ابو العباس الفضل بن مروان بن ماسرخس )) (25) وهو (( نصراني الاصل قليل المعرفة بالعلم حسن المعرفة بخدمة الخلفاء ، وله ديوان رسائل وكتاب المشاهدات والاخبار )) . (26 )
وعندما كان المعتصم – عند وفاة الخليفة المأمون – في بلاد الروم (( اخذ الفضل له البيعة ببغداد )) ( 27) فكرمه المعتصم بأسناد الوزارة اليه .
الا ان المعتصم تغير عليه وابعده عن الوزارة . ومات بعد ان خدم جماعة من الخلفاء في ((سنة خمسين ومائتين وعمره ثمانون سنة )) .(28)
ويُذكر ، انه عندما كان يجلس في النظر في قضايا الناس ، وصلته رقعة مكتوب فيها : (29)

تفرعنت يا فضل بن مـروان فأعتبر فقبلك كــان الفضل والفضل والفضل
ثلاثة امـــــــــــــلاك مضوا لسبيلهم ابادتهم الاقياد والحبس والـــــــــــقتل
وانك قد اصبحت في الناس ظـــالماً ستودي كما اودي الثلاثة مــــــن قبل

والفضول الثلاثة الآخرين الذين ذكرتهم القصيدة ، هم الفضول المذكورين في قصيدة دعبل ، ولا نعلم ، فيما اذا كان الشاعر دعبل قد تأثر بعالم هذه القصيدة ، او كان العكس ؟ وهل كانت القصيدة قد كتبها او دست عليه ؟
ومن خلال ما ذكره صاحب الوفيات عن هذه الشخصية ، يمكن استنتاج ما يلي :
1 – ان الفضل بن مروان ، كان نصرانياً ، وليس في ذلك ضير ، اذا كان عربي الاصل ، الا ان المصادر لا تذكر لنا جنسيته .
2 – ثقافته العلمية ليست بالمستوى الذي تؤهله لكي يكون بمنصب الوزارة سوى ان له اسلوباً في خدمة الخلفاء .
3 – شخصية ظالمة للرعية . وقد جعلت القصيدة اعلاه منه فرعوناً ، وتنبأت له بنهاية غير سعيدة ، وهذا ما حدث له ، اذ قبض عليه ، وابعد عن الوزارة .
*** ***

2 – الفضل بن يحيى :
هو :(( ابو العباس بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي )) .(30)
ولد سنة ثمان واربعين ومائة .(31)
تولى وزارة الرشيد ،الا انه اقاله ونصب اخيه جعفراً، ثم قلده عمل خراسان ... وبعد نكبة الرشيد بالبرامكة ، ادخله السجن ، حتى مات فيه ، سنة اثنين وتسعين ومائة. (32)
مدحه الشاعر مروان بن ابي حفصة قائلاً : ( 33)

كفى لك فضلاً ان افضـــل حـــرة غذتك بثدي والخليفة بــــــــــواحد
لقد زنت يحيى في المشاهد كلها كما زان يحيى خالداً في المشاهد

يشير الشاعر الى ان الرشيد والفضل كانا اخوة بالرضاعة .
وقال عن كرمه بعض الشعراء : (34)

فألقينا من جود فضل بن يحيى ترك الناس كــلهم شعراء

فيما مدحه ابو نواس في قصيدته التي يقول فيها : ( 35)

اميرٌ رأيت المال فـــــــي نعماته دليلاً مهينَ النفسِ بالضيم موقنا
اذا ضنّ ربّث المال اعـلَنَ جودهُ بحيَّ عـلــــــــى مال الامير واذنا
وللفضل صولات علىصُلب مالهِ ترى المال فيها بالمتانةِ مــُذ عنا

وفي قصيدة اخرى يقول : (36)

وكنا اذا ما الحائن الجـــــدِّ غــــرّة سنا برقِ غـــاوٍ او ضجيجُ رعادِ
تروى له الفضل بن يحيى بن خالد بماضي الظُّبى يزهاهُ طولُ نجادِ

ومن خلال ما ذكره صاحب وفيات الاعيان ، يمكن استنتاج ما يلي :
1 – انه غير عربي . اذ انه من عائلة البرامكة الفارسية الاصل .
2 – انه من المقربين جداً من هارون الرشيد . فقد كان يدعوه بأخي (37) وكان مطيعاً له .
3 – كان كريماً جوادا ً .
4 – قريب من الرعية ، كأبيه واخيه جعفراً .
ان الكرم والتقرب من الرعية بالنسبة لآل برمك كانا بقصد سياسي شعوبي ، اذاستطاعوا من خلال هاتين الخصلتين ان يصنعوا لهم مكانة كبيرة بين العامة من الناس، وجعل الخليفة بعيداً عنهم ، وهذا ما كان ، وارى ان ذلك هو السبب الرئيس الذي اطاح بهما .
تذكر المصادر ، ان الرشيد وللاسباب التي ذكرناها ولغيرها ، كما يذكر صاحب وفيات الاعيان ، اذ يقول : (( تقصيرهم بالفضل بن الربيع وسعي الفضل بهم وتمكنه من المجالسة مع الرشيد فأوغر قلبه عليهم ومالأه على ذلك كاتبهم اسماعيل بن صبيح حتى كان ما كان )) (38) اوقع بهم ، وقتل جعفراً على الرغم من انه زوجه بأخته العباسة كما تذكر المصادر . (39)
واخيراً ، اودع الفضل البرمكي السجن حتى مات فيه .
*** ***


3 – الفضل بن الربيع :
هو : (( ابو العباس الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله بن ابي مروة واسمه كيسان مولى عثمان بن عثمان رضي الله عنه )) . (4. )
ويروي صاحب الوفيات حسد ابن الربيع للبرامكة ، وقد نجح في دفع الرشيد الى الايقاع بهم .
توفي ابن الربيع سنة ثمان ومائتين وسنه ثمان وستون سنة (41) وهذا يعني انه ولد عام 14. هـ .
اصبح ابن الربيع وزيراً للامين . الا ان احوال هذا الخليفة قد اضطربت (( وقويت شوكة المأمون فلما رأى الفضل بن الربيع الامور مختلفة استتر في رجب سنة ست وتسعين ومائة ثم ظهر لما ادعى ابراهيم بن المهدي الخلافة ببغداد (...) واتصل به ابن الربيع فلما اختل حال ايراهيم استتر ابن الربيع ثانية )) .(42 )
وقد مات ابن الربيع وهو في تستره ، في خلافة المأمون .
مدحه ابو نواس ، في قصيدة يقول فيها : (43)

ما من يدٍ في الناس واحدةٍ كيدِ ابــــــو عباس مولاها
نامَ الثقات على مضاجعهم وسرى الى نفسي فأحياها
قد كنت خفتك ثـــــم أمنتني من ان اخافك ِ خـوفكَ الله
فعفوتَ عني عــــفوَ مُقتدرٍ حلّت له نقـــــــــم ٌ فألغاها

قيل ان ابي نواس قد كتب قصيدة للخليفة حول سجنه الا انها لم تفده بشيء ، فكتب الى وزيره فأطلق سراحه بعد ان كتب له قصيدة ثانية قال مادحاً الفضل : (44)

انت يا ابن الربيع الزمتني النسـ ـك وعودتنيه والخيرُ عاده

ويذكر صاحب الوفيات ، انه : (( تنازع يوماً جعفر بن يحيى والفضل بن الربيع بحضرة الرشيد فقال جعفر للفضل يا لقيط اشارة الى ما كان يقال عن ابيه الربيع انه لا يعرف نسبه وابوه ( ...) ومات الرشيد والفضل مستمر على وزارته )) .(45 ) ويذكر صاحب تاريخ بغداد ان : (( ابن عياش المنتوف يطعن في نسب الربيع طعناً قبيحاً ويقول للربيع : فيك شبه من المسيح ! يخدعه بذلك ، فكان يكرمه لذلك ، حتى اخبر المنصور بما قال له ، فقال : انه يقول : لا اب لك . فتنكر له بعد ذلك . وكان ابو فروة كيسان مولى للحارث الحفار مولى عثمان بن عفان ، ففي الربيع وجده يقول الحارث بن الديلمي :

شهدت بـــــأذن الله ان محمداً رسول من الرحمن غير مكذب
وان ولا كيسان للحارث الذي ولـــى زمناً حفر القبور بيثرب

وقد انتقل الربيع من حجابة المنصور الى الوزارة له ، ثم حجب المهدي ، وهو الذي بايع المهدي وخلع عيسى بن موسى . وابنه الفضل حجب هارون ومحمداً المخلوع . وابنه العباس ابن الفضل حجب الامين . ومات في اول170 )) .(46)
ويذكر الجاحظ ، ان ابراهيم بن الندى حدثه عن ابيه قائلاً : (( دخل شاب من بني هاشم على المنصور، فسأله عن وفاة ابيه فقال : مرض ابي رضي الله عنه يوم كذا ، ومات رضي الله عنه يوم كذا ، وترك رضي الله عنه من المال كذا ، ومن الولد كذا ، فأنتهره الربيع وقال : بين يدي امير المؤمنين توالي بالدعاء لابيك . فقال الشاب: لا الومك ، لانك لم تعرف حلاوة الآباء )) . (47)
ويذكر محقق البيان في الهامش ذ / ص329 ، ان احدى نسخ البيان تذكر في هامشها : (( قال هذا للربيع لانه اعجمي سبي صغيراً ، ونشأ مع المسلمين )) .
ومن خلال هذه النبذة القصيرة عن حياة الفضل بن الربيع ، يمكن الوصول الى :
1 – انه غير عربي النسب . (لقيطاً) .
2 – وصل الى الوزارة من خلال الايقاع بالبرامكة عند الرشيد . اذ عندما (( آل الامر الى الرشيد واستوزر البرامكة كان الفضل بن الربيع يروم التشبه بهم ومعارضتهم ولم يكن له من القدرة ما يدرك به اللحاق بهم فكان في نفسه منهم إحن وشحناء )) .(48) وقد فعلت تلك الإحن والشحناء فعلها عند الرشيد ، وكان ما كان بالنسبة للبرامكة . وعندما جاء المأمون جعله وزيراً له .
3 – تقلب ولاءه بين الخلفاء .
4 – مات وهو متستراً عن انظارالخليفة المأمون .
*** ***

4 – الفضل بن سهل :
هو : (( ابو العباس الفضل بن سهل السرخسي اخو الحسن بن سهل (...) اسلم على يدي المأمون سنة تسعين ومائة وقيل ان اباه سهلاً اسلم على يد المهدي )) .(49) وقد اوصله البرامكةالى الرشيد . واصبح وزيراً للمأمون ، ولقب بذي الرياستين (( لانه تقلد الوزارة والسيف وكان يتشيع وكان من اخير الناس بعلم النجامة واكثرهم اصابة في احكامه )) .(50)
لعب ابن سهل دوراً كبيراً في صراع الامين والمأمون حتى استوزره المأمون بعد تغلبه على اخيه الخليفة الامين (( وقد استغل الفضل المكانة الخاصة التي وضعه فيها المأمون ، فعمل على تثبيت سيطرته على شؤون الدولة وتوجيهها واندفع في الميل الى الفرس وعمل على احياء النظم الساسانية وافساح المجال للزرادشتية ، وقد وصل الامر به حداً بحيث انه اتخذ له كرسياً مجنحاً ينتقل عليه وهو تقليد ساساني قديم )) .(51)
قتل على يد خال المأمون " غالب المسعودي الاسود " بسرخس ، اذ ارسله المأمون لذلك ، (( سنة اثنان ومئتين وقيل ثلاث ومائتين وعمره ثمان واربعون سنة وقيل احدى واربعون سنة )) .(52) وهذا يعني انه ولد سنة 154 هـ .
اذن ، يمكن التوصل الى :
1 – انه غير عربي ، وغير مسلم ، وربما ظل على ديانة المجوسية .
2 – تقربه الى الرشيد من خلال آل برمك .
3 – كان لا يحترم مقام الخليفة ، اذ انه بعد ان اصبح وزيراً للمأمون (( استولى عليه حتى ضايقه في جارية اراد شراءها )) .(53 ) فضلاً عما ذكرناه قبل قليل .
4 – ولهذا السبب امر المأمون خاله بقتله .
*** ***
من خلال دراسة حياة هؤلاء الفضول الوزراء ، يمكن القول ، انهم :
1 – كانوا من قوميات واديان غير عربية ، وغير اسلامية . فضلاً عن كون البعض منهم غير معروف النسب .
2 – ان الوزارة جلبت لهم الشرور ، فمنهم من قتل ، ومنهم من سجن ومات في سجنه، ومنهم من مات اثناء تستره عن الخلفاء ، ومنهم من لم تدم له الوزارة طيلة حياته فمات عاطلاً .
والمصادر ، تذكر لنا كيف تجري الامور بعد زعل الخليفة على وزرائه من حجز للاموال المنقولة وغير المنقولة .

جدول ترتيب الفضول الاربعة حسب سنة وفاتهم
ت
الخليفة
الفضل بن :
الميلاد
العمر
الوفاة
سبب الوفاة
1
الرشيد
يحيى
148
45
193
بسبب سجنه
2
المأمون
سهل
154
48
202
قتل
3
الامين
الربيع
140
68
208
مات متستراً
4
المعتصم
مروان
170
8.
250
موت طبيعي

من المعروف ان الخلفاء العباسيين الذين استوزروا الفضول الاربعة ، هم من اهم خلفاء الدولة العربية ، اذ مرت الدولة العربية خلال سنوات خلافتهم بمشاكل ومصائب ، فضلاً عن التقدم الحضاري الذي حصل زمانهم ، خاصة في خلافة الرشيد.
فقد برزت اثناء خلافة الرشيد ، الشعوبية والزندقة بسبب تأثير العنصر الفارسي في الحكم وفي الحياة الثقافية ، وبعد ممات الرشيد حدث النزاع القاتل بين الامين والمأمون الذي ادى الى قتل الامين . وفي زمن المأمون ، برزت بحدة افكار المعتزلة ، وقد تبناها الخليفة نفسه ، وكذلك ما رافقها من حوادث دعيت بمحنة القرآن . اما في زمن المعتصم ، فقد برزت قضية الجيش التركي الخاص به مما دعى المعتصم الى بناء مدينة سر من رأى ، فضلاً عن استغلال البيزنطينيون انشغال الخلافة بأخماد الثورات والفتن التي حدثت ، فبدأوا بالعدوان على الدولة العباسية ، ومن ثم وقوع معركة عمورية التي وثقها الشاعر الكبير ابو تمام في احدى قصائده التي قال في مطلعها :

السيف اصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

ان الدولة العباسية ، ومن ثم الخليفة ، كانا بأشد الحاجة الى وزير يستطيع ان يمسك بيده امور الدولة والخلافة والعامة ، وفي الوقت نفسه ، ان يكون اكثر فهماً لمتطلبات الخليفة والدولة والعامة ، وهذا يعني ، ان الفضول الاربعة قد تسنموا مناصب اكبر مما يتصفون به من مؤهلات لم تكن لائقة بوزير اكبر دولة في العالم في ذلك الوقت . اذن ، يمكن اعتبارهم من الوزراء المهمين في تاريخ الدولة العربية الاسلامية . لهذا نرى اهتمام الشعراء بهم ، ان كان ذلك الاهتمام بصورة ايجابية ، المدح ورثاء من يموت او النصح ، او كان سلبياً ، من خلال الهجاء .
وربما ، لاول مرة نرى شاعراً بمنزلة دعبل ينصح وزيراً بمنزلة الفضل .
ان ما تريد ان تصل اليه هذه الدراسة وهي تقدم بعضاً من حياة هؤلاء الفضول الاربعة ، هو ان الشاعر دعبل الخزاعي قد كان محقا في نصحه للفضل عله يتعظ بما جرى لمن سبقه من الوزراء الذين حملوا اسمه ، وما جرى لهم بسبب موقفهم من الخلافة ، ومن العامة خاصة ، لما اوقعوه من ظلم عليهم .
*** ***

المحسنات البديعية :

ليس جديداً القول ، ان الشعر العربي مر بتطور هام ابتداء من الفترة الاخيرة للدولة الاموية ، مروراً بسنوات الدولة العباسية .. وكان من ضمن هذا التطور ، بروز ظاهرة المحسنات البديعية ، وما تشتمل عليه من صناعة لفظية ، الى جانب غيرها من المظاهر التي دفعت بالشعر العربي الى ان يصل الى ما وصل اليه على ايدي ابي نواس ومسلم بن الوليد وابي تمام والبحتري ودعبل والمتنبي . وقد درس ابن المعتز في كتابه الهام ( البديع ) هذه الظاهرة .
ومن بين ظواهر البديع ، برزت في القصيدة العربية الصناعة اللفظية ، والتي لها علاقة باللفظ ، والتلاعب به داخل القصيدة الواحدة ، حتى تحول هذا المحسن البديعي على ايدي شعراء الفترة العباسية المتأخرة الى حالة ترف فني غير مسوغ ، اذ ان كتابة قصيدة تكثر فيها هذه الظاهرة ، كان يحكمها العقل اكثر من الاحساس والعاطفة الذين من خصائص منابع الشعر الاولى ، فتحول الشعر هذا عند بعض الشعراء المجيدين الى ان يكون صناعة متكلفة ، وان الباحث يرى في اسباب ذلك ، نوعية الموضوعات التي تطرقوا اليها ، تلك الموضوعات التي يمكن ان تناقش مع الاخر بكتاب نثري ، او رسالة دون اقحام عالم الشعر فيها .
ومن الجدير بالذكر ، ان هذا المحسن البديعي ، لم يكن مختصاً بأيراد لفظ واحد ، وانما قد جاء – ومنذ امريء القيس – بشكل ايراد الالفاظ في حالة توالي في البيت الواحد ، و ايراد اللفظ واللفظ الآخر ، وهكذا ، كأن يجمع البيت الواحد مجموعة من الافعال المختلفة ، كقول امريء القيس : (54)

افادَ وجادَ وسادَ وزادَ وقادَ ودادَ وعادَ وافضل

وقول ابو العميثل الاعرابي : (55)

اصدق وعف وبر واصبر واحتمل واصفح ودار وكف وابذل واشجع

وقول المتنبي :( 56)

عش ابق اسم سد قد جد مر انه رف اسر نل
غظ ارم صب احم اغز اسب رع زع دل اثن نُ

وقوله : (57)

ما كان نومي الا فوق معرفـــتي بان رايك لا يؤتى مـــــــن الزلل
اقل انل اقطع احمل عل سل اعد زد هش بش تفضل ادن سر صل
لعل عتبك محمود عـــــــــــواقبه فربما صحت الاجسام بــــــالعلل

وقوله:( 58)

لا يستحي احـــــــــــــــد يقال له نضلوك ال بـــــويه او فضلوا
قدروا عفوا وعدوا وفوا سئلوا اغنوا علوا اعلوا ولو عدلوا
فوق السماء وفوق مــــا طلبوا فـــــــــــاذا ارادوا غاية نزلوا

وقوله : (59)

من كل ابيض وضاح عــمامته كانما اشتملت نورا على قبس
دان بعيد محب مبغض بــــهج اغــــــــر حلو ممر لين شرس
ند ابي غـــــر واف اخـــي ثقة جعد سري نه ندب رضا ندس

او قول سعيد بن سمرة الكاتب : (60)

وادِد دُوادا ، وراع ذا وِرَعٍ ودارِ دارا إنْ زاغَ او زارا
وزُر ودوداً ، وادْن ذا ادبٍ وذَر ذاراهُ إن زارَ او زارا

وتتكرر اللفظة الواحدة عدة مرات في البيت الواحد كقول المتنبي : (61)

افعاله نسب لو لم يقل مــــعها جدي الخصيب عرفنا العرق بالغصن
العارض الهتن ابن العــارض الهتن ابــــــــن الـــــــــــعارض الهتن
قد صيرت اول الدنيا واخــرها اباؤه من مغار الـــــــــــــعلم في قرن

او كقول محمد بن عبد الله الزيات : (62)

إلا مقام خليفة لخليفة لخليفة لخليفة لخليفة

تحليل القصيدة :

1 – ان القصيدة ، هي نصيحة تقدم بها الشاعر الى الفضل بن مروان وزير المعتصم. يذكره بما آلت اليه حال من سبقه من وزراء الدولة الذين يحملون اسمه ، وان الجديد في هذه القصيدة ، هو استخدام لفظة ( الفضل ) اثنين وعشرين مرة .
واذ يموت الشعر بالتفسير ، واعطاء المعنى لالفاظه ، الا ان ظروف هذه القصيدة، ولما فيها من غموض وتعقيد سببه تكرار اللفظة اثنين وعشرين مرة ، تدفعنا الى ان نتوصل الى معاني كل لفظة من تلك الالفاظ ... واذا كان البعض يحسب ان قصيدة دعبل هذه معقدة ، فأن للتعقيد وجهين ، حسب رأي النقاد القدامى ، احدهما : تعقيد محمود لانه يأتي في كثير من الاحيان على انه غريب ، الا ان هذه الغربة لا تبتعد عما هو مألوف . قال الجرجاني : (( والمعقد من الشعر والكلام لم يذم ، لانه مما تقع حاجة فيه الى الفكر على الجملة ، بل لان صاحبه يعثر فكرك في متصرفه ، ويشيك طريقك الى المعنى ، ويوعر مذهبك نحوه ، بل ربما قسم فكرك ، وشعّب ظنك ، حتى لا تدري من اين تتوصل ، وكيف تطلب )) . (63)
وللفظة ( الفضل ) معانٍ ودلالات عدة ، اهمها : ( الفضل) و (الفضيلة ) ضد النقص والنقيصة . و ( الافضال ) الاحسان . ورجل ( مفضال ) وامرأة ( مفضالة ) على قومها اذا كانت ذات فضل سمحة . و ( افضل ) عليه و ( تفضل ) بمعنى . و ( المتفضل ) الذي يدعي الفضل على اقرانه (...) و( الفضلة ) و ( الفضالة ) ما فضل من الشيء .(64 )
ان المعاني والدلالات التي عنتها القصيدة يمكن درجها في الاتي :
1 – مخاطبة الفضل بن مروان بأسمه :
وقد تجلت هذه المخاطبة بما يأتي :
آ – في البيت الاول ، الشطر الاول .
ب – في البيت الثاني ، الشطر الثاني .
ج – اولاً : اما ان يكون لفظ ( الفضل ) الذي ورد في الشطر الاول من البيت الثالث بمعنى ( الاحسان ) ، ومن هذا المعنى يفهم من هذا الشطر ، ان الفضل ابن الربيع كان زاجراً بأعماله غير الحسنة للفضل بن مروان ، اذ لم يكن اميناً على ما اؤتمن عليه ، فتقلب في ولائه ، حتى آلت الامور به الى العيش متستراً عن اعين الخلفاء . وهذا يعني ان لفظة ( الفضل ) في القافية ، تعني الفضل بن الربيع ، الذي على ابن مروان ان يتخذ منه عبرة ، ويتعظ من فعلته .
ثانياً : او ان يكون معنى ( الفضل ) الثاني في الشطر الاول من البيت الثالث بمعنى ( الفضل بن مروان ) ، فيكون معنى البيت ان يزدجر الفضل بن مروان بالفضل بن الربيع .
د – في الشطر الاول من البيت الرابع ، يأتي لفظ ( الفضل ) الاول بمعنى ( الفضل بن مروان ) وكذلك اللفظ الاول من الشطر الثاني بالمعنى نفسه .
هـ – في الشطر الثاني من البيت التاسع ، يرد لفظ ( الفضل ) الاول بمعنى ( الفضل بن مروان ) .
وبهذا يكون مجموع ورود لفظة ( الفضل ) بمعنى اسم المنصوح سبع مرات .

2 – ورودها كأسم للفضول الثلاثة :
آ – في الشطر الاول من البيت الثاني يرد اسم ( الفضل بن سهل ) وكذلك في قافية البيت نفسه ، ويرد مرة ثالثة في الشطر الثاني من البيت السابع .
ب – في الشطر الاول من البيت الثالث ، يرد اسم الفضل بن الربيع ، وكذلك في قافية البيت ، اضافة الى وروده مرة ثالثة في الشطر الثاني من البيت السابع .
ج – في الشطر الاول من البيت الرابع يرد اسم الفضل بن يحيى ، وكذلك في قافية البيت نفسه ، وكذلك وروده مرة ثالثة في الشطر الثاني من البيت السابع .
وبهذا يكون مجموع ورود لفظة ( الفضل ) كمسمى لأحد الوزراء الثلاثة ، ثلاث مرات لكل واحد منهم ، أي كان الشاعر عادلا ً في التمثل بكل واحد منهم ، اذ ان افعالهما كانت بالمستوى الذي يمكن الاتعاظ به .
3 – ترد في الشطر الثاني من البيت الثامن لفظة ( الفضل ) مرتين بتتابع ، في الاولى تعني اسم علم ، وفي الثانية تعني المعاني الاخرى لها .
4 – في قافية البيت الاول تأتي اللفظة بمعنى ( النصيحة ) ، على اعتبار هذه النصيحة هي فضل من الشاعر قدمه للمنصوح .
5 – اما قافية البيت الخامس ، فأن اللفظة تعني الاحسان .
6 – وفي البيت السادس جاءت بمعنى ( فضول الكلام ) الذي لا علاقة له بالاحسان .
7 – اما ورودها في البيت التاسع فقد كان بمعنى الاحسان .
وهذا يعني ، ان هذه القصيدة من اول بيت فيها الى آخر بيت ، ما هي الانصيحة ، قدمها الشاعر كأحسان منه الى الوزير ، عله يتعظ بأفعال من سبقه ويترك افعاله الظالمة .

التلاعب بالالفاظ :

قلنا ان دعبل الخزاعي ، استخدم لفظة ( الفضل ) اثنين وعشرين مرة في هذه القصيدة ، وبمعانٍ عدة ، الا ان قراءة هذه المعاني كمحسنات بديعية ، وصناعة لفظية ، نجدها تتجلى في الاتي من النقاط :
1 – الجناس الحادث بين لفظتي ( الفضل ) في اغلب ابيات القصيدة .
2 – الجناس الناقص في الفاظ غير لفظة ( الفضل ) بين ( لعبرة – اعتبر ) في البيت الثاني ، وبين ( زاجر – ازدجر ) في البيت الثالث ، وبين ( ذكروا – ذكرت ) في البيت الخامس .
3 – التصريع الحادث في الابيات ( 2 ، 3 ، 4 ) . ففي البيت الثاني يكون التصريع بين نهايتي الشطرين ، اما في البيتين الثالث والرابع فيكون بين النصف الاول من الشطر الاول وبين النصف الاول من الشطر الثاني .
4 – حدوث طباق في البيت السابع بين لفظتي ( اصبحت و صرت ) .
5 – وقد حفلت القصيدة فضلاً عن هذه المحسنات ، بما اصطلح عليه نقادنا القدامى بـ ( المغالطة المعنوية ) ، أي ان يحمل اللفظ الواحد معنيين .
قال العلوي في ( الطراز ) : (( اعلم ان المغالطة المعنوية : هي ان تكون اللفظة الواحدة دالة على معنيين على جهة الاشتراك فيكونان مرادين بالنية دون اللفظ ، وذلك لان الوضع في اللفظة المشتركة ان تكون دالة على معنيين فصاعداً على جهة البدلية )) ( 65)
1 – ففي قافية البيت الاول ( الفضل ) اما ان تكون بمعنى ان مقالة ( قصيدة ) الشاعر هذه قد نظمت مخصوصة للفضل بن مروان ، او ان يكون معناها ، كما قلنا سابقاً ( الفقرة 4 ) بمعنى النصيحة .
2 – وكذلك في لفظة ( الفضل ) الثانية في البيت الثالث ، اذ انها تحتمل معنيين ، الاول : تصريحاً بأسم ( الفضل ) ، والثاني : بمعنى ( الاحسان ) كما قلنا في الفقرة ( 1 ، ج ، ثانيا ) .
3 – وكذلك بالنسبة للفظة ( الفضل ) في قافية البيت الرابع ، اذ انها تحتمل اكثر من معنى ودلالة ، فضلاً عما قلناه سابقاً في الفقرة ( 2ج ) فمن معانيها و دلالاتها : الكمال ، الاحسان ، او ان يكون احسن منه .

*** ***
ملحق :

واذا كان دعبل قد تلاعب بلفظ ( الفضل ) بمعان عدة ، فأن شعراء اخرين قد ارادوا بتكرار اللفظ نفسه اكثر من مرة لاسباب جمالية .
فالشيخ ابو العلاء بن سليمان ، كان تلاعبه باللفظ غريباً جداً ، اذ انه بنى قافيته على النصف الاول من اللفظ ، وقد اطلق علماء الوزن على مثل هذا العيب الذي يصيب القافية بـ ( المجاز ) فقال: (66)

شبيه بـــــــــأبن يعقوب ولكن لم يكن يـــــــو
سفُ يشـرب الخـــــــمر ولا يزني ولا يــــــــو
سع الامــــــــواه بالقهو ة مزجاًلم يـــــكن دو
ن فــــي صبح وإمساءٍ وهذا منكر يـــــــــــو
شك الرحمن ان يصليه في نار خـــــــزي هو
لها اهـــــــــل فلا يكشـ ف عـــــنه ربنا السو
ءَ إن الاخضــر الابطيـ ـن ذا الفحشاء لا يو
قد الـــــــــنار لأضياف ولو قيل لــــــــــه ذو
دنانير وامـــــــــــــوال فيا رحمن لا تــــــــو
سع الــرزق عـــــــلى هذا الذي منظره لــو
لؤوالـــــــــفعل سَتّوق فوزن الريش لا يـــو

اما الشاعر الثعالبي ، فأنه يلعب اللعبة ذاتها ، فيقول في قصيدة له : (67 )

اشاقك برق بالحجاز ومـــــــــــيض وميض فقــــلت الثعلبي مَهيضُ
مهيض بذكرى ام عمروٍ ودونـــــها مسافٌ لايدي الناعجات عَريض
عريض به ربد النعام اوابــــــــــــداً لـــــــــــــــهن اداحي به ومَبيض
مبيضٌ فكم من منزلة قـــــــد تركنه به رُبَـــعُ رخص العظام جيهض
جيهض على عوض الفلاة رمت به قلوص بأجــــــواز الـفلاة نَهوض
نهوض وقد صار السراب كـــــــأنه مُلاءٌ بأيـــدي الغاسلاتِ رحيض





الهوامش :

1 – الرواية الثانية – 46 .
2 – طبقات فحول الشعراء .
3 – وضع كاتب هذه الدراسة هذا العنوان للقصيدة لانها لم تعنون .
4 – في ديوان الشاعر المثبت في القرص الليزري ، لم يرد هذا البيت ، اما كتاب الاغاني المثبت في القرص الليزري نفسه فيذكر هذا البيت .
5 – هذا البيت غير مذكور في الاغاني ، الا انه مذكور في ديوان الشاعر .
6 – وفيات الاعيان .
7 – الاغاني .
8 – االمصدر السابق .
9 – وفيات الاعيان .
10 – المصدر السابق .
11 – المصدر السابق .
12 – انظر الشعر والشعراء في العصر العباسي – 324 – 325 .
13 – مأخوذ من المصدر السابق بتصرف .
14 – شعر دعبل .
15 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 322 .
16 – وفيات الاعيان . وحول حمل الخشبة انظر الاغاني .
17 – المصدر السابق .
18 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 335 .
19 – المصدر السابق – 337 .
20 – شعر دعبل .
21 - الاغاني .
22 – المصدر السابق .
23 – الاغاني .
24 – العراق في التناريخ – 419 – 431 .
25 – وفيات الاعيان .
26 – المصدر السابق .
27 - المصدر السابق .
28 - المصدر السابق .
29 - المصدر السابق . وذكر المرزباني انها للهيثم بن فراس السامي ، وكذلك ذكرها الزمخشري في ( ربيع الابرار) - المصدر السابق .
30 - المصدر السابق .
31 -المصدر السابق .
32 - المصدر السابق .
33 -المصدر السابق .
34 -المصدر السابق .
35 –شعر ابو نواس .
36 – الكامل .
37 – وفيات الاعيان .
38 - المصدر السابق .
39 - المصدر السابق .
40 - المصدر السابق .
41 -المصدر السابق .
42 - المصدر السابق .
43 – شعر ابو نواس .
44 - المصدر السابق .
45 – وفيات الاعيان .
46 – البيان والتبيين – 2 / 328 – الهامش /5 .
47 -المصدر السابق .- 2/ 328 –329 .
48 – وفيات الاعيان .
49 - المصدر السابق .
50 - المصدر السابق .
51 – العراق في التاريخ – 41. .
52 – وفيات الاعيان .
53 - المصدر السابق .
54 – شعر امرؤ القيس.
55 – البيان والتبيين - 4/53 .
56 – شعر المتنبي .
57 - المصدر السابق .
58 - المصدر السابق .
59 -المصدر السابق .
60 – الشعر العراقي في القرن السادس – 293 .
61 – شعر المتنبي .
62 – معجم النقد العربي القديم - 323 .
63 - المصدر السابق –323 -324 .
64 – مختار الصحاح – مادة فضل .
65 – المصدر السابق – 328 .
66 – المصدر السابق -.250
67 – التعليقات والنوادر – 158 .

المراجع والمصادر :

آ – الكتب المطبوعة :
1 - البيان والتبيين/ ط3 – الجاحظ – تح : عبد السلام محمد هارون – مؤسسة الخانجي – القاهرة – د.ت.
2 – التعليقات والنوادر – ابو علي هارون بن زكريا الهجري – تح : د . حمود عبد الامير الحمادي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1987 .
3 – الرواية التاريخية / ط2 – جورج لوكاش – ت : د. صالح جواد كاظم – دار الشؤون الثقافية العامة – العراق – 1986 .
4 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – ط2– د . مصطفى الشكعة – دار العلم للملايين – بيروت – 1975 .
5 – الشعر العراقي في القرن السادس الهجري – مزهر عبد السوداني – دار الرشيد للنشر – بغداد – 1980 .
6 – العراق في التاريخ – مجموعة كتاب – دار الحرية للطباعة – بغداد – 1983 .
7 – مختار الصحاح – محمد بن ابي بكر الرازي – دار الكتاب العربي – بيروت – د.ت.
8 – معجم النقد العربي القديم / ج2 – د . احمد مطلوب – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1989 .

ب – الاقراص الليزرية :
2- الشعر ديوان العرب – الاصدار 0 ,2 لعام 2000 . الاشراف العام : محمد احمد السويدي – ابو ظبي .
وضم القرص المصادر التالية :
- طبقات فحول الشعراء .
- الاغاني .
ملاحظة : لم ترد اية معلومات عن هذه المصادر في القرص .


2– مكتبة التاريخ والحضارة :
وضم القرص المصادر التاية :
وفيات الاعيان وانباء ابناءالزمان –لابي العباس شمس الدين احمد بن محمد بن ابي بكر بن خلكان – تح : د. احسان عباس – بيروت – 1968 .



الثقل الابداعي للقصيدة
كثيرا ما نقرأ القصيدة – أي قصيدة – وتعجبنا أي اعجاب فنسأل انفسنا ، او لنقل ذائقتنا النقدية ، او ذائقتنا الاعجابية ، ما الذي اعجبنا فيها ؟ فيأتي الجواب – ربما – سريعا: انه البيت الفلاني او الفكرة الفلانية او ما فيها – جميعا – من نظرة مأساوية او مفرحة ، او ... الخ .
ومن الاجابات السريعة : اعجبتني . افرحتني . احزنتني . حركت في نفسي (كذا) من المشاعر . اجابات كثيرة ، الا انها عامة .
ان السطور السابقة ليست من باب وضع نظرية خاصة لما يسمى في النقد الحديث (استجابة القاريء) ولا هي اجابة لسؤال : كيف تتذوق الشعر؟ وانما هي استجابة لسؤال طرحته على ذائقتي النقدية ، هو : ماذا اعجبك بقصيدتي الفرزدق وجرير ؟ ولهذا كتبت هذه السطور ،
ان ما كتبته هنا اسميته (الثقل الابداعي للقصيدة ) أي لو وزنا القصيدة فأننا سنجدها مبنية على بيت واحد هو الذي دارت حوله فكرة –افكار- القصيدة بأجمعها ، وارى ان الذي دعانا للاعجاب بهذه القصيدة او تلك ، ودون شعور ، هو هذا البيت ، اما القصيدة فهي عبارة عن ابيات جاءت تحف بهذا البيت ، او تدور حوله ، او تنوع لصوره .
***
جرير والفرزدق:
هما شاعران معروفان ، ومهما كتبت عنهما لا افيهم حقهما ، الا انني اذكر :
جرير:
(28 - 110 هـ / 648 - 728 م)
هو: جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، أبو حزرة، من تميم.
أشعر أهل عصره، ولد ومات في اليمامة، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفردق والأخطل. كان عفيفاً، وهو من أغزل الناس شعراً.(1)
***
الفَرَزدَق:
(( ...(38 - 110 هـ / 658 - 728 م).
هو :همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس.
شاعر من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة.
وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر أبيه.
توفي في بادية البصرة، وقد قارب المئة .)).(2)
وقال الفرزدق: ((أنا عند الناس أشعرُ العرب، ولرُبَّما كان نزْعُ ضِرسٍ أيسرَ عليَّ من أن أقول بيت شعر )).(3)
لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. ومعنى الفرزدق ((جمع فرزدقة وهو قطع العجين غير مخبوزة ويقال بل الرغيف فرزدقة ويقال إنه فتات الخبز.)).(4)
وجاء في(الحلل في اصلاح الخلل في كتاب الجمل)
((واختلف كلام ابن قتيبة في تلقيبه بالفرزدق:
فقال في أدب الكتاب: الفرزدق: قطع العجين، واحدها فرزدقة، وهو لقب له؛ لأنه كان جهم الوجه.!
وقال في كتاب طبقات الشعراء: إنما لقب بالفرزذق لغلظه وقصره، شبه بالفتيتة التي تشربها النساء، وهي الفرزدقة.
والقول الأول أصح؛ لأنه كان أصابه جدري في وجهه، ثم برئ منه، فبقى وجهه جهماً)).(5)
***
قالوا عن الفرزدق :
قال صاحب(الاغاني)
(( قال ابن سلام: وقال ابن دأب: الفرزدق أشعر عامةً وجرير أشعر خاصةً. وقال أبوعبيدة: كان أبو عمرو يشبه جريراً بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة، قال أبو عبيدة:

يحتج من قدم جريراً بأنه كان أكثرهم فنون شعر، وأسهلهم ألفاظاً، وأقلهم تكلفاً، وأرقهم نسيباً، وكان ديناً عفيفاً. وقال عامر بن عبد الملك: جرير كان أشبههما وأنسبهما.
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني: قال خالد بن كلثوم: ما رأيت أشعر من
جرير والفرزدق)).(6)
وقال(( النُّميري:
يا صاحِبيّ دنا الرّواح فسِيرا غَلَبَ الفَرَزْدَقُ في الهجاءِ جريرا)).(7)
وقال المبرد : ((وقيل لبشر بن مروان: أيُّما أشعر، جرير أم الفرزدق أم الأخطل؟ فقال: والله ما كان الأخطل مثلهما، ولكن أبت ربيعة إلا أن تجعله ثالثاً، قال: أجرير أم الفرزدق؟ فقال: إن جريراً سلك أساليب من الشعر لم يسلكها الفرزدق، ولقد ماتت النوار وكانوا ينوحون عليها بشعر جرير. وكان الأصمعي يقول: قال أبو عمرو بن العلاء: الأخطل ثم الفرزدق ثم جرير، وكان أبو عبيدة يقول بمثل قول أبي عمرو. ويروى أن الفرزدق قال للنوار: أنا أشعر أم جرير؟ قالت: إنك لشاعر وإن جريراً والله لشاعر، قال لها: أتُقسمين على جرير! قالت: إنه والله غلبك على حُلوه وشاركك في مُرّه. وسئل ابن دأب عن جرير والفرزدق فقال:
الفرزدق أشعر عامة وجرير أشعر خاصة. وسئل يونس بن حبيب عنهما فقال أبو عبيدة
للسائل: أنا أخبرك عنه، الفرزدق أشعر. )).(8)
***
القصيدتان :
1- قصيدة جرير:
هي قصيدة رثاء ، يرثي زوجته (( خالدة بنت سعيد بن أوس بن معاوية بن خلف بن بجاد بن معاوية بن أوس بن كليب، وهي أم حزرة وكان جرير يسمي هذه القصيدة الجوساء - وقيل الحوساء - لذهابها في البلاد.)). (9)
لولا الحياء
جرير يرثي امرأته أمّ حَزْرة:
لولا الحياءُ لـــــــــهاجَني استعبارُ ولزُرتُ قبركِ والحبيبُ يُزارُ
وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظــــــــرَةٍ في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ
فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظـــرَةً وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدرارُ
وَلَّهتِ قَلبي إِذ عَلَتني كَـــــــــــبرَةٌ وَذَوُو التَمائِمِ مِن بَنيكِ صِغارُ
أرعَى النُّجومَ وقد مضتْ غَورِيَّةٌ عُصَبُ النُّجوم كأنَّهنَّ صِوارُ
نِعمَ القَرينُ وَكُنتِ عِـــــلقَ مَضِنَّةٍ وارى بِنَعفِ بُلَيَّةَ الأَحجارُ
عَمِرَت مُكــَرَّمَةَ المَساكِ وَفارَقَت ما مَسَّها صَلَفٌ وَلا إِقتارُ
فسقَى ثــرَى جدثٍ ببُرقة ضاحكٍ هزِمٌ أجشُّ وديمةٌ مــــــــِدرارُ
هَزِمٌ أَجَــــــــــشُّ إِذا اِستَحارَ بِبَلدَةٍ فَكَأَنَّما بِجِوائِها الأَنهارُ
متراكب زجِـــــلٌ يُضيءُ وميضُهُ كالبُلقِ تحت بطونها الأمـهارُ
كانتْ مُكارمةَ العَشير ولــــــم يكنْ يخشَى غوائلَ أمّ حَزْرةَ جـارُ
ولقد أراكِ كُسيتِ أجـــــــملَ منظرٍ ومع الجَمالِ سكينةٌ ووقــــارُ
وَالريـــــــــــــحُ طَيِّبَةٌ إِذا اِستَقبَلتِها وَالعِرضُ لا دَنِسٌ وَلا خَوّارُ
وَإِذا سَــــرَيتُ رَأَيتُ نارَكِ نَوَّرَت وَجهاً أَغَرَّ يَزينُهُ الإِسفارُ
صـــــــلَّى الملائكةُ الَّذين تُخيِّروا والمُصطفونَ عليك والأبرارُ
وعليكِ مـــــن صلواتِ ربّك كلَّما ضجَّ الحجيجُ ملبِّينَ وغاروا
يا نظرة لك يوم هاجــــــتْ عبرةً مِن أُمّ حَــــــزْرة بالنُّميرةِ دارُ
تحيي الرَّوامـــــــسُ ربعَها فتجدُّهُ بعد البــــــلَى وتُميتُهُ الأمطارُ
وَكَأَنَّ مَنزِلَةً لَـــــــــــــها بِجُلاجِلٍ وَحيُ الزَبورِ تُجِدُّهُ الأَحبارُ
لا تُكثِرَنَّ إِذا جَعَلتَ تَـــــــــلومُني لا يَذهَبَنَّ بِحِلمِكَ الإِكثارُ
كانَ الخليطُ هــمُ الخليطُ فأصبحوا مُتبدِّلين وبالدِّيار ديـــــــــــارُ
لا يلبثُ القُرنــــــــــاءُ أنْ يتفرَّقوا ليلٌ يـــــــــــكرُّ عليهمُ ونهارُ
أَفَأُمَّ حَزرَةَ يا فــــــــــَرَزدَقُ عِبتُم غَضِبَ المَليكُ عَلَيكُمُ القَهّارُ
كانَت إِذا هَـــــجَرَ الحَليلُ فِراشَها خُزِنَ الحَديثُ وَعَفَّتِ الأَسرارُ
لَيسَت كَأُمِّكَ إِذ يَعَضُّ بِقُـــــرطِها قَينٌ وَلَيسَ عَلى القُرونِ خِمارُ
سَنُثيرُ قَينَكُمُ وَلا يوفى بِـــــــــــها قَينٌ بِقارِعَةِ المِقَرِّ مُثارُ
وُجِدَ الكَتيفُ ذَخيرَةً في قـــــــَبرِهِ وَالكَلبَتانِ جُمِعنَ وَالميشارُ
يَبكي صَداهُ إِذا تَهَزَّمَ مِرجَــــــــلٌ أَو إِن تَثَلَّمَ بُرمَةٌ أَعشارُ
رَجَفَ المِقَرُّ وَصاحَ فــي شَرقِيِّهِ قَينٌ عَلَيهِ دَواخِنٌ وَشَرارُ
قَتَلَت أَباكَ بَنــــــــــــو فُقَيمٍ عَنوَةً إِذ جُرَّ لَيسَ عَلى أَبيكَ إِزارُ
حَدراءُ أَنكَـــرَتِ القُيونَ وَريحَهُم وَالحُرُّ يَمنَعُ ضَيمَهُ الإِنكارُ
لَـــــــــمّا رَأَت صَدَأَ الحَديدِ بِجِلدِهِ فَاللَونُ أَورَقُ وَالبَنانُ قِصارُ
قالَ الفَرَزدَقُ رَقِّــــــعي أَكيارَنا قالَت وَكَيفَ تُرَقَّعُ الأَكيارُ
رَقِّع مَتاعَكَ إِنَّ جَدّي خــــــــالِدٌ وَالقَينُ جَدُّكَ لَم تَلِدكَ نِزارُ
وَسَمِعتُها اِتَّصَلَت بِذُهلٍ إِنَّـــــهُم ظَلَموا بِصِهرِهِمُ القُيونَ وَجاروا
دَعَتِ المُصَوِّرَ دَعوَةً مَسموعَةً وَمَعَ الدُعاءِ تَضَرُّعٌ وَحِذارُ
عاذَت بِرَبِّكَ أَن يَكـــونَ قَرينُها قَيناً أَحَمَّ لِفَسوِهِ إِعصارُ
أَوصَـــــــت بِلائِمَةٍ لِزيقٍ وَاِبنِهِ إِنَّ الكَريمَ تَشينُهُ الأَصهارُ
إِنَّ الفَضيحَةَ لَـــــو بُليتِ بِقَينِهِم وَمَعَ الفَضيحَةَ غُربَةٌ وَضِرارُ
هَلّا الزُبَيرَ مَنَعــتَ يَومَ تَشَمَّسَت حَربٌ تَضَرَّمُ نارُها مِذكارُ
وَدَعا الزُبَيرُ فَما تَحَرَّكَتِ الحُبى لَو سُمتَهُم جُحَفَ الخَزيرِ لَثاروا
غَـــــــرّوا بِعَقدِهِمُ الزُبَيرَ كَأَنَّهُم أَثوارُ مَحرَثَةٍ لَهُنَّ خُوارُ
وَالصِمَّتَينِ أَجَـــــــــرتُمُ فَغَدَرتُمُ وَاِبنُ الأَصَمِّ بِحَبلِ بَيبَةَ جارُ
أَخزاكَ رَهطُ اِبنِ الأَشَدِّ فَأَصبَحَت أَكبادُ قَومِكَ ما لَهُنَّ مَرارُ
باتَت تُكَلَّتُ ما عَلِمــــتَ وَلَم تَكُن عونٌ تُكَلَّفُهُ وَلا أَبكارُ
سَبّوا الحِمارَ فَسَوفَ أَهجو نِسوَةً لِلكيرِ وَسطَ بُيوتِهِنَّ أُوارُ
إِنَّ الفَرَزدَقَ لَن يُزاوِلَ لُؤمَــــــهُ حَتّى يَزولَ عَنِ الطَريقِ صِرارُ
فيمَ المِراءُ وَقَد سَبَقتُ مُـــجاشِعاً سَبقاً تَقَطَّعُ دونَهُ الأَبصارُ
قَضَتِ الغَطارِفُ مِن قُرَيشٍ فَاِعتَرِف يا اِبنَ القُيونِ عَلَيكَ وَالأَنصارُ
هَل في مِئينَ وَفي مِئينَ سَبَقتُها مَدَّ الأَعِنَّةِ غايَةٌ وَحِضارُ
كَذَبَ الفَرَزدَقُ إِنَّ عودَ مُجاشِعٍ قَصِفٌ وَإِنَّ صَليبَهُم خَوّارُ
وَإِذا بَطِنتَ فَأَنتَ يا اِبنَ مُجاشِعٍ عِندَ الهَوانِ جُنادِفٌ نَثّارُ
سَعدٌ أَبَوا لَكَ أَن تَفي بِجِوارِهِم أَو أَن يَفي لَكَ بِالجِوارِ جِوارُ
قَد طالَ قَرعُكَ قَبلَ ذاكَ صَفاتَنا حَتّى صَمِمتَ وَفُلِّلَ المِنقارُ
يا اِبنَ القُيونِ وَطالَما جَرَّبتَني وَالنَزعُ حَيثُ أُمِرَّتِ الأَوتارُ
ما في مُعاوَدَتي الفَرَزدَقَ فَاِعلَموا لِمُجاشِعٍ ظَفَرٌ وَلا اِستِبشارُ
إِنَّ القَصائِدَ قَد جَدَعنَ مُجاشِعاً بِالسُمِّ يُلحَمُ نَسجُها وَيُنارُ
وَلَقوا عَواصِيَ قَد عَيِيتَ بِنَقضِها وَلَقَد نُقِضتَ فَما بِكَ اِستِمرارُ
قَد كانَ قَومُكَ يَحسَبونَكَ شاعِراً حَتّى غَرِقتَ وَضَمَّكَ التَيّارُ
نَزَعَ الفَرَزدَقُ ما يَسُرُّ مُجاشِعاً مِنهُ مُراهَنَةٌ وَلا مِشوارُ
قَصُرَت يَداكَ عَنِ السَماءِ فَلَم يَكُن في الأَرضِ لِلشَجَرِ الخَبيثِ قَرارُ
أَثنَت نَوارُ عَلى الفَرَزدَقِ خَزيَةً صَدَقَت وَما كَذَبَت عَلَيكَ نَوارُ
إِنَّ الفَرَزدَقَ لا يَزالُ مُقَنَّعاً وَإِلَيهِ بِالعَمَلِ الخَبيثِ يُشارُ
لا يَخفَيَنَّ عَلَيكَ أَنَّ مُجاشِعاً لَو يُنفَخونَ مِنَ الخُؤورِ لَطاروا
قَد يُؤسَرونَ فَما يُفَكَّ أَسيرُهُم وَيُقَتَّلونَ فَتَسلَمُ الأَوتارُ
وَيُفايِشونَكَ وَالعِظامُ ضَعيفَةٌ وَالمُخُّ مُمتَخَرُ الهُنانَةِ رارُ
نَظَروا إِلَيكَ وَقَد تَقَلَّبَ هامُهُم نَظَرَ الضِباعُ أَصابَهُنَّ دُوارُ
قُرِنَ الفَرَزدَقُ وَالبَعيثُ وَأُمُّهُ وَأَبو الفَرَزدَقِ قُبِّحَ الإِستارُ
أَضحى يُرَمِّزُ حاجِبَيهِ كَأَنَّهُ ذيخٌ لَهُ بِقَصيمَتَينِ وِجارُ
لَيسَت لِقَومي بِالكَتيفِ تِجارَةٌ لَكِنَّ قَومي بِالطِعانِ تِجارُ
يَحمي فَوارِسيَ الَّذينَ لِخَيلِهِم بِالثَغرِ قَد عَلِمَ العَدُوُّ مُغارُ
تَدمى شَكائِمُها وَخَيلُ مُجاشِعٍ لَم يَندَ مِن عَرَقٍ لَهُنَّ عِذارُ
إِنّا وَقَينُكُمُ يُرَقِّعُ كيرَهُ سِرنا لِنَغتَصِبَ المُلوكَ وَساروا
عَضَّت سَلاسِلُنا عَلى اِبنَي مُنذِرٍ حَتّى أَقَرَّ بِحُكمِنا الجَبّارُ
وَاِبنَي هُجَيمَةَ قَد تَرَكنا عَنوَةً لِاِبنَي هُجَيمَةَ في الرِماحِ خُوارُ
وَرَئيسُ مَملَكَةٍ وَطِئنَ جَبينَهُ يَغشى حَواجِبَهُ دَمٌ وَغُبارُ
نَحمي مُخاطَرَةً عَلى أَحسابِنا كَرُمَ الحُماةُ وَعَزَّتِ الأَخطارُ
وَإِذا النِساءُ خَرَجنَ غَيرَ تَبَرُّزٍ غِرنا وَعِندَ خُروجِهِنَّ نَغارُ
وَمُجاشِعٌ فَضَحوا فَوارِسَ مالِكٍ فَرَبا الخَزيرُ وَضُيِّعَ الأَدبارُ
أَغمامَ لَو شَهِدَ الوَقيطَ فَوارِسي ما قيدَ يُعتَلُ عَثجَلٌ وَضِرارُ
يا اِبنَ القُيونِ وَكَيفَ تَطلُبُ مَجدَنا وَعَلَيكَ مِن سِمَةِ القُيونِ نِجارُ
***
قصيدة الفرزدق :
جاءت هذه القصيدة ردا على سؤال طرح في وقت ما وفي زمن ما ومن شخصية معروفة عن شخصية معروفة ايضا ، الا ان السائل اراد انكاره مما شاهده من اكبار للناس لهذه الشخصية ، انها قصيدة مدح وتعريف بشخصية .
السائل : هو : هشام بن عبد الملك ابن الخليفة الاموي المعروف عبد الملك .
المكان : بيت الله ، اثناء مناسك الحج .
الزمان : عهد الدولة الاموية .
المسؤول عنه : هو الامام عليّ بن الحسين بن علي السجاد. (10)
المجيب : الشاعر الفرزدق .
تذكر كتب الاخبار :
((وقيل: إنه لما حج هشام في أيام أبيه طاف بالبيت وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أهل لشام. فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟
فقال هشام: لا أعرفه! مخافة أن يرغب فيه أهل الشام. وكان أبو فراس الفرزدق حاضراً فقال: أنا والله أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس، فقال ( القصيدة)
فلما سمع هشام ذلك غضب وحبس الفرزدق، فأنفذ له زين العابدين رضي الله عنه، اثني عشر ألف درهم، فردها وقال: مدحته لله لا للعطاء والصلات. فقال زين العابدين: إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نعود فيه. فقبلها الفرزدق.)).(11)
***
هذا الذي
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان: حسن الخلق والشيم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم
عم البرية بالإحسان فانقشعت عنها الغياهب والإملاق والعدم
إذا رأته قريش قال قائلها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يغضى حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحه عبقٌ من كف أروع في عرنينه شمم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
الله شرفه قدماً وعظمه جرى بذاك له في لوحه القلم
أي الخلائق ليست في رقابهم لأولية هذا أوله نعم
من يشكر الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الإسلام والعجم
من جدُّه دان فضل الأنبياء له وفضل أمته دانت له الأمم
مشتقة من رسول الله نبعته طابت مفارزه والخيم والشيم
ينشق ثوب الدجى من نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
من معشر حبهم دين وبغضهمو كفر وقربهم منجى ومعتصم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطاً من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
يستدفع الشروالبلوى بحبهم ويسترقُّ به الإحسان والنعم (12)
***
جاء في كتب الاخبار :
(( قال المدائني في خبره هذا وحدثني أبو يعقوب الثقفي عن الشعبي: أن الفرزدق خرج حاجاً، فلما قضى حجه عدل إلى المدينة فدخل إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام فسلم.
فقالت له: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت! أشعر منك الذي قال:
بنفسي من تجنبه عــــــزيزٌ علي ومن زيارته لمــام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ويطرقني إذا هجع النيام
فقال: والله لو أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. قالت: أقيموه فأخرج ثم عاد إليها من الغد.
فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس. قال: أنا. قالت: كذبت! صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:
لولا الحياء لعــــــــادني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
كانت إذا هجر الضجيع فراشها كتم الحديث وعفت الأســرار
لا يلبث القرنــــــــاء أن يتفرقوا ليلٌ يــــــــــــكر عليهم ونهار
فقال: والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه، فأمرت به فأخرج. ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولداتٌ لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها وبهت ينظر إليها. فقالت له سكينة: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت:
كذبت! صاحبك أشعر منك حيث يقول:
إن العيون التي فــي طرفها مرضٌ قتلننا ثم لــــــــم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا )) . (13)
ويذكر صاحب الصناعتين :
(( والمقدّم في صنعة الكلام هو المستولى عليه من جميع جهاته، المتمكّن من جميع أنواعه، وبهذا فضّلوا جريراً على الفرزدق. وقالوا: كان له في الشعر ضروب لا يعرفها الفرزدق.
وماتت امرأته النّوار فناح عليها بشعر جرير:
لولا الحياءُ لها جنِى استعبارُ ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يزارُ
وكان البحتريّ يفضّل الفرزدق على جرير، ويزعم أنه يتصرّف من المعاني فيما لا يتصرّف فيه جرير، ويورد منه في شعره في كلّ قصيدة خلاف ما يورده في الأخرى. قال: وجريريكرّر في هجاء الفرزدق ذكر الزبير، وجعثن، والنوار وأنه قينُ مجاشع. لا يذكر شيئاً غيرهذا.
وسئل بعضهم عن أبي نواس ومسلم، فذكر أن أبا نواس أشعر، لتصرفه في أشياء من وجوه الشعر وكثرة مذاهبه فيه، قال: ومسلم جار على وتيرة واحدة لا يتغيّر عنها.
وأبلغُ من هذه المنزلة أن يكون في قوة صائغ الكلام أن يأتي مرّة بالجزل، وأخرى بالسهل، فيلين إذا شاء، ويشتدّ إذا أراد. ومن هذا الوجه فضّلوا جريراً على الفرزدق، وأبا نواس على مسلم. )).(14)
(( وقيل لبشار: من أشعر الثلاثة؟ فقال: لم يكن الأخطل مثلهما، ولكن ربيعة تعصبت له وأفرطت فيه، وكان لجرير ضروب من الشعر لا يحسنها الفرزدق. ولقد ماتت النوار فكانوا ينوحون عليها بشعر جرير، الذي رثى به أم حرزة، وهو:
لولا الحياء لعـــــادني استعبار ولزرت قبرك، والحبيب يزارُ
ولقد أراكِ كسيت أجمل منظرٍ ومع الجمال سكينةٌ ووقـــــــارُ
لا يلبثُ القرناء إن يتفرقــــــوا ليلٌ يكرُّ عليهمُ ونـــــــــــــهارُ)). (15)
***
اين الثقل الابداعي ؟
لو تفحصنا قصيدة جريرالتي يرثي بها زوجته التي كان يحبها ، وحسب ذائقتي النقدية ، اوذائقتي الاعجابية ، ان الثقل الابداعي في هذه القصيدة هو بيت ، اما ما تبقى منها فهو ما دار حوله ، أي ان هذا البيت هو قطب الرحى .
يقول :
فلقد أراكِ كُسيتِ أجملَ منظرٍ ومع الجَمالِ سكينةٌ ووقارُ
في هذا البيت يظهر ان جوا سكونيا يلفها ، فهناك الموت واجوائه السكونية ، وهناك الجمال والوقار اللذين تلفهما السكينة، فالسكون هو عالم مسيطر على الجو العام الذي يلف القصيدة ، وهو عالم الموت الذي لف الزوجة بأجوائه .
فالشاعر – الزوج المفجوع يرى تحت الكفن جمال ، ويرى كذلك الوقار الذي كان يلفه في حياتها وهو الان اثناء الموت يلفها ايضا ، انها – حسب نظرة الشاعر / الزوج المفجوع اجمل ما راه .
اما ما تبقى من القصيدة فهو زائد عن الحاجة ، ذلك لان القصيدة حذت حذو ما قبلها من قصائد بوجود مقدمة استهلالية، بالنسبة للابيات التي تقدمت على هذا البيت ، علما اننا لا نعرف العدد الاصلي لابيات القصيدة فالروايات لها تختلف بهذا الجانب ، اما الابيات التي جاءت بعد هذا البيت فهي تنوع للحزن الذي لف الشاعر .
واذا كانت المقدمة الطللية قد استهلت بها القصيدة الجاهلية ، فأن هذه القصيدة وغيرها عند اكثر من شاعر قد استخدمت ظواهر الطبيعة كالمطر والرعد اجواء استهلالية، ما زجتها بما تحمل احاسيس الشاعر / الزوج من مشاعر جياشة تجاه الموت ، وموت زوجته خاصة .
ارى ان ما ثبت في الديوان من قصيدة ذات 82 بيت ليس صحيحا ، وانما الصحيح من القصيدة هو ما ثبته صاحب ( الاشياه والنظائر) والتي جاءت بـ 13 بيتا ، اضافة لما اضافه صاحب (الحماسة البصرية ) من بيت يقول :
كانَتْ إذا هَجَر الضَّجِيعُ فِراشَها صِينَ الحَدِيثُ وعَفَّتِ الأَسْرارُ
والقصيدة التي ذكرها صاحب ( الاشياه والنظائر) هي :
لولا الحياءُ لهاجَني استعبارُ ولزُرتُ قبركِ والحبيبُ يُزارُ
فسقَى ثرَى جدثٍ ببُرقة ضاحكٍ هزِمٌ أجشُّ وديمةٌ مِدرارُ
متراكمٌ زجِلٌ يُضيءُ وميضُهُ كالبُلقِ تحت بطونها الأمهارُ
صلَّى الملائكةُ الَّذين تُخيِّروا والمُصطفونَ عليك والأبرارُ
فلقد أراكِ كُسيتِ أجملَ منظرٍ ومع الجَمالِ سكينةٌ ووقارُ
فعليكِ من صلواتِ ربّك كلَّما ضجَّ الحجيجُ ملبِّينَ وغاروا
كانتْ مُكارمةَ العَشير ولم يكنْ يخشَى غوائلَ أمّ حَزْرةَ جارُ
ولَّهتِ قلبِي إذ عَلَتْني كبرةٌ وذَوو التَّمائمِ من بَنيكِ صغارُ
أرعَى النُّجومَ وقد مضتْ غَورِيَّةٌ عُصَبُ النُّجوم كأنَّهنَّ صِوارُ
يا نظرة لك يوم هاجتْ عبرةً مِن أُمّ حَزْرة بالنُّميرةِ دارُ
تُحيي الرَّوامسُ ربعَها فتجدُّهُ بعد البلَى وتُميتُهُ الأمطارُ
كانَ الخليطُ همُ الخليطُ فأصبحوا مُتبدِّلين وبالدِّيار ديارُ
لا يلبثُ القُرناءُ أنْ يتفرَّقوا ليلٌ يكرُّ عليهمُ ونهارُ
اما ما تبقى من ابيات كثار عن الفرزدق الشاعر والزبير فلا علاقة له بأجواء القصيدة ، بل ارى انه دخيل عليها .
***
قصيدة الفرزدق:
اما لو قرأنا قصيدة الفرزدق فأن قطب الرحى فيها هو :
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم
مدار هذا البيت هو لفظة (لا) التي تعني النفي ، فالشخص الممدوح (علي بن الحسين السجاد) يتصف بهذه الصفة دون سائر الناس ، فهو لا يلفظ هذه اللفظة عندما يسأل ، واذا لفظها لسبب ما فهي لا تأخذ المعنى نفسه – النفي ، وانما تعني الايجاب ، الا ان هذه اللفظة تأخذ معناها الاصلي في موضع واحد وهو عندما يلفظ الشهادة ، عندما يقول لا اله الا الله .
ولو عدنا للقصيدة ذاتها ، فأن كل الابيات المتبقية والتي اختلف عدد ابياتها حسب اختلاف الروايات فأنها مدح عادي .(16)
***
2
أيظن
قصيدة نزار قباني
أيظن أني لعبة بيديه؟
أنا لا أفكر في الرجوع إليه
اليوم عاد كأن شيئا لم يكن
وبراءة الأطفال في عينيه
ليقول لي : إني رفيقة دربه
وبأنني الحي الوحيد لديه
حمل الزهور إليّ .. كيف أرده
وصباي مرسوم على شفتيه
ما عدت أذكر .. والحرائق في دمي
كيف التجأت أنا إلى زنديه
خبأت رأسي عنده .. وكأنني
طفل أعادوه إلى أبويه
حتى فساتيني التي أهملتها
فرحت به .. رقصت على قدميه
سامحته .. وسألت عن أخباره
وبكيت ساعات على كتفيه
وبدون أن أدري تركت له يدي
لتنام كالعصفور بين يديه ..
ونسيت حقدي كله في لحظة
من قال إني قد حقدت عليه؟
كم قلت إني غير عائدة له
ورجعت .. ما أحلى الرجوع إليه ..
هي قصة بثوب شعري كغالب قصائد قباني الغزلية ، وهي من قصائد السهل الممتنع كما يقول نقادنا العرب القدماء كباقي شعر نزار. فهو يروي لحظة لقاء فتاة لحبيب سابق كان ان تركها ثم عاد اليها ، فماذا تفعل ؟ الا انها تضعف في تلك اللحظة اما هذا الحبيب الذي جعل منها لعبة .
الا ان البيت الثالث عشر هو محور هذه القصة – القصيدة .
حتى فساتيني التي أهملتها
فرحت به .. رقصت على قدميه
فهذا البيت يصور لنا حالة الجفاء التي كانت بينهما عندما تركها الحبيب، فعندما نسأل لماذا اهملت الفساتين ؟ فأننا نعرف بداهة ان السبب هو الجفاء في علاقة الحب بينهما ، الا ان هذه الفساتين التي كانت متروكة في مكان ما بأهمال قد فرحت ورقصت عند قدمي المحبوب عندما عاد مرة اخرى .
لنتساءل : لماذا رقصت هذه الفساتين ( والبيت يوحي بأن الفتاة قد غيرت اكثر من مرة فساتينها اثناء اللقاء لفرحها يه ) على قدمي الحبيب ؟
ان قاريء شعر نزار قباني يصدمه شيء فيه ، وهو امتهان المرأة . خاصة الحبيبة ، والامثلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا ، الا ان هذا البيت يختصر هذه السلبية من قبل المرأة – الحبيبة وهذا الامتهان لها من قبل الرجل – الحبيب ، حنى وصل الحال بالفساتين ان ترقص على قدميه لا في مكان اخر اكثر احتراما او اكثر شوقا .
الهوامش:
1- حسب تعريف قرص الشعر.
2- حسب تعريف قرص الشعر.
3- البيان والتبيين.
4- المبهج في تفسير اسماء شعراء الحماسة – ابن جني.
5- الحلل في اصلاح الخلل في كتاب الجمل.
6- الاغاني.
7- التذكرة الفخرية.
8- الفاضل في اللغة والادب – المبرد.
9- منتهى الطلب في اشعار العرب – القصيدة طويلة تكمل .
10- هو: (( علي بن الحسين - زين العابدين ( عليه السلام ) كنيته أبو محمد ، أمه شاه زنان بنت كسرى بن يزدجر بن شهريار ، ولد يوم الخميس الخامس من شعبان 38 ه‍ قبل استشهاد جده أمير المؤمنين بستين. )). انظر: ((الإمام الحسين عليه السلام - الحاج حسين الشاكري ص 7))
11- (اعلام الناس بما وقع للبرامكة )وكذلك: (الجليس الصالح الكافي) وكذلك: الحماسة المغربية)وكذلك : (المحاسن والمساوئ)وكذلك: (المستجاد من فعلات الاجواد) و(ثمرات الاوراق في المحاضرات)و( مراة الجنان وعبرة اليقظان )
12- ( وللقصيدة روايات اخري جمعتها في بناء واحد :
هذا سليلُ حُسين وابنِ فاطمةٍ بنتِ الرَّسولِ الَّذي انجابَتْ بهِ الظُّلَمُ
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا عليُّ رسولُ الله والدهُ أمستْ بنورِ هداهُ تهتدي الأممُ
هذا الذي عمهُ الطيارُ جعفرُ والمقتولُ حمزةُ ليثٌ حبهُ قسمُ
هذا ابنُ فاطمةَ الغراءَ ويحكمُ وابنُ الوصيّ الذي في سيفهِ النقمُ
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهلهُ هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلهمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
في كفه خيزران ريحه عبقٌ من كف أروع في عرنينه شمم
يغضى حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
ينشق نور الهدى من نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم
مشتقة من رسول الله نبعته طابت مفارزه والخيم والشيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظُّلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
الله شرفه قدماً وعظمه جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدُّه دان فضل الأنبياء له وفضل أمته دانت له الأمم
وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان: حسن الخلق والشيم
لا يخلف الوعد ميمونٌ نقيبته رحب الفناء أريبٌ حين يعتزم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم
عم البرية بالإحسان فانقشعت عنها الغياهب والإملاق والعدم
من معشر حبهم دين وبغضهمو كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويسترقُّ به الإحسان والنعم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطاً من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم خلق كريم وأيد بالندى هضم
أي الخلائق ليست في رقابهم لأولية هذا أوله نعم
من يعرف الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم
النص الاصلي بالاسود من (اعلام الناس بما وقع للبرامكة ).
النص الازرق من النص الاخضر (الحماسة المغربية).
13-الاغاني.
14- الصناعتين.
15- المذاكرة في القاب الشعراء.
16- انظر : (اعلام الناس بما وقع للبرامكة )و (الجليس الصالح الكافي) و (الحماسة المغربية)
- المصدر الرئيس للكتب المذكورة في الهوامش هو القرص الالكتروني (الموسوعة الشعرية ).















ليست هناك تعليقات: