الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

فك الاشتباك- في العصمة



فك الاشتباك

في العصمة

داود سلمان الشويلي

كثر الحديث والجدال بين الشيعة الامامية الاثني عشرية وباقي المسلمين عن العصمة ، وعصمة الائمة خاصة.

الا ان تعريف الشيعة البدئي لها سيجعل مثل هذا الجدل غير ذي اهمية ، اما ما جاء به البعض من اضافات فهو قول بشر لا يدعمه نص.

فالشيعة يحتجون لعصة الائمة الالهية بأدلة منها:

آية التطهير ، وهي خاصة بثلاثة ائمة فقط ، (علي والحسن والحسين)، اذا اخذنا بالتفسير الشيعي للاية ،فضلا عن انها تتحدث عن نساء النبي، واهل هذا البيت الذي يطالبهن الله بإن يقرن في بيوتهم.

(( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )).[الاحزاب - 33 ]

والخلاف في التفسير واسع ،كبير.

اما آية المباهلة : (( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين *فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين)). [آل عمران:59 -61 ]

فهي خاصة بواقعة واحدة هي اثبات خلق عيسى كخلق ادم امام مسيحين من نجران.

وحديث المنزلة لا يدل على العصمة ،لان هارون ليس بنبي ، فهو غير معصوم ، وعند الشيعة الانبياء فقط هم المعصومون.

اما حديث الثقلين فمختلف في نصه ، وفي معناه بين الفرق الاسلامية.

وتبقى مسألة الجبر والاختيار ،والثواب والعقاب ، فهي مسائل فلسفية مختلف فيها، على الرغم من ان هذه السطور ترى صحة الرأي الذي يذهب الى الاختيار ، مما يعني عدم العصمة الالهية.

***

تعريف العصمة:

عند الشيعة الامامية الاثني عشرية انها تعني لغويا: المنع.

واصطلاحا هي: قوة تكوينية في العقل والعلم موهبة من الله لمن شاء من عباده - تمنعهم من اقتراف المعاصي مع قدرتهم عليها ، لأنهم ان لم يكونوا قادرين عليها لا فخر ولا فضل لهم في اجتنابها ، لأنهم غير قادرين أصلا على اقترافها. (1)

اذن هي قابلية عقلية ، أي مرجعها العقل البشري. ولما كانت كذلك ، والعقل عند الناس كافة ، فهي قابلية عقلية عند كل البشر.

وبهذا يكون جميع البشر هم معصومون ان ارادوا استخدام هذه القابلية.

أي ان كل انسان (رجلا كان او امرأة) يستطيع ان يمنع نفسه من فعل المعاصي، طالما له عقل شغال .

الا ان الشيعة الامامية الاثني عشرية يزيدون المعنيين اللغوي والاصطلاحي بقولهم : ان الائمة معصومون من الله بحكم اية التطهيرخاصة، وغيرها من الاحاديث النبوية بصورة عامة.

وبهذا تكون العصمة عند الائمة الثلاثة (والسيدة فاطمة الزهراء) هي عصمة الهية حسب احكام اية التطهير.

والسؤال الذي يثار عن هذا القول هو : كيف انسحبت هذه العصمة الى ابناء الامام الحسين ؟ وكذلك ، لماذا ابناء الحسين فقط هم المعصومون من دون ابناء الامام الحسن ؟ فضلا عن : لماذا يخرج بعض ابناء الامام المعصوم منها ، كجعفر ابن الامام علي الهادي على سبيل المثال، وغيره من الابناء ؟

هذه الاسئلة وغيرها اجاب عنها شيوخ المذهب ،ولا نريد ان ندخل في مناقشة تلك الاجابات لان الدراسة هذه غير معنية بذلك؟

والسؤال الذي تطرحه هذه الدراسة هو من ادخل حفدة الامام الحسين من الائمة في العصمة هذه ؟ ومن اخرج ابناء حفدة الامام الحسن منها؟ ومن قام بإخراج البعض من الابناء المعصومين منها؟

الجواب هو : ان الذين نص على البعض وحرم البعض هم عامة البشر ، أي شيوخ ورجال المذهب الاوائل الذي تأسس على ايديهم.

ولما كان هذا العمل من قبل بشر غير معصومين ، فهو عمل يمكن رده .

ان كل اثار الائمة القولية لا تؤكد ذلك ، وخير مصدر لتلك الاثار القولية هو كلام ابو الائمة الامام علي بن ابي طالب واقواله في نهج البلاغة ، اذ لا وجود لقول العصمة له ولابنائه.

وكذلك ، موقف الخليفة الراشد الخامس ، الامام الحسن بن علي ، وتنازله عن الخلافة الى معاوية ، وعدم احتجاجه بالعصمة.

فضلا عن ذلك ، محاججة الامام الحسين في واقعة الطف، وعدم ذكره لعصمته الالهية امام جيش يزيد.

اذا كان الله سبحانه قد سدد الائمة بالعصمة (على اعتبار ان التطهير هو مدخل للعصمة) فلماذا تنازل الامام الحسن عن الخلافة الى ملك ظالم؟ فيما كان والده الامام علي بن ابي طالب لم يتنازل له ولم يهادنه ، بل قاتله ، وقال مقولته الشهيرة (لا أفسد ديني بدنيا غيري) ، فأي الامامين المعصومين هوالصحيح في موقفه؟

وكذلك قبول الامام علي بن موسى الرضا ولاية العهد في ظل خليفة ظالم و دولة ظالمة ، كالدولة العباسية.

***

ان العصمة الالهية اول ما يفترض فيها هو عدم الوقوع تحت تأثير الظروف الخارجية ، وامامنا سيرة الانبياء المعصومين (عند الشيعة كل الانبياء ، قبل وبعد الوحي هم معصومين) .

حاصة ان الشيعة الامامية الاثني عشرية عندما تطرح عليهم مثل تلك الاسئلة، يجيبون بأن الظروف وقتذاك تطلبت ذلك الموقف، كسكوت الامام علي عن حقه بالخلافة ، وتزويج ام كلثوم ابنة الامام علي بن ابي طالب من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (الخليفة الظالم لحق اهل النبوة بالخلافة ، والكاسر لظله السيدة الزهراء) ، وتنازل الامام الحسن عن الخلاقة لمعاوية ، وقبول الامام علي الرضا لولاية العهد لملك عباسي ظالم.

الا اننا نرى ان النبي (ص) لن تؤثر فيه الظروف الخارجية على ان يتراجع عن دعوته ، ولا ان يهادن المشركين ، وقال قولته المشهورة الى عمه ابي طالب : لو وضعوا القمر في يميني والشمس في شمالي على ان اترك هذا الامر لما تركته.

وكذلك موقف الامام علي بن ابي طالب الخليفة الراشد الرابع من معاوية، اذ ان الظروف الخارجية لن تؤثر في موقفه، على الرغم من انه يعرف جيدا نوعية جيش معاوية ولهذا قال قولته المشهورة في ان يبادل جنده بجند معاوية.

ولو تحدثنا عن سيرة غيرهم من دون الائمة المعصومين ، لهالتنا مواقفهم.

فهذا الخليفة الاول ايو بكر الصديق لم يسكت على من ارتد عن الاسلام وامتنع عن دفع الجزية فقاتلهم ولم يأبه بالظروف الخارجية ، خاصة وان الاسلام وقتذاك كان في اضعف حالاته.

وكذلك موقف الامام احمد بن حنبل في ما سمي بمحنة خلق القرآن، نجده لم يهادن ، وظل متمسكا برأيه (اعتقاده) على الرغم من ظروف الظلم والاستبداد وظروف سجنه الصعبة.

ومن خارج الوسط الاسلامي يمكن ان نذكر الكثير من المواقف التي لم تؤثر فيها الظروف وتغيرها ، ويحضرني منهم ،موقف العالم غاليلو، والقديسة جان دارك .

***

واخيرا نقول : ان العصمة عن الوقوع في المحظور والمحذور (مهما كان نوعهما) هي موهبة الاهية وضعها الله سبحانه في عقول بني الانسان ، فإن ارادوا العمل بها، فلهم خيرها، وان ارادوا تعطيلها ، فعليهم شرها.

وبهذا يتساوى كل بني الانسان ، لهذا يقول سبحانه في كتابه الكريم :

(( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين)). [الجاثية - 19 ]

والمتقون احباب الله وسيدخلهم جنات عدن.

أي ان الظروف الخارجية التي يصنعها الظالمون لم تغن شيئا.

وهي عمل عقلي انساني.

والائمة بهذا الامر هم اجدر الناس به ، فهم معصومون من حيث انهم لا يفعلون المعاصي.

فلماذا هذا الجدل الذي يدور بين الشيعة والسنة حولها؟

لماذا ينكر السنة على الائمة عدم فعلهم المعاصي بإرادتهم، وكل انسان مهما كانت قوميته او ديانته يستطيع منع نفسه من الوقوع في المعاصي بإرادته، طالما ان العصمة كما يعتقد بها الشيعة هي امر عقلي تابع للارادة؟

يقول البغدادي : ((وبالإجمال ان الإمام المعصوم لا يترك واجبا أبدا ولا يفعل محرما مطلقا مع قدرته على الترك والفعل وإلا لا يستحق مدحا ولا ثوابا . والشيعة هي التي تشترط العصمة - بهذا المعنى - في الإمام كما هي شرط في النبوة)). (2)

اذن، فالامام له القدرة على فعل المعاصي ، الا انه لا يفعل ، وكل انسان يمكنه ذلك.

اما القول بغير ذلك لاسباب سياسية وايديولوجية ، فقد قال به الغلاة ، ومنهم ظل اعتقادا راسخا عند ابناء المذهب.

اذن ، آن الاوان لفك الاشتباط بين السنة والشيعة في هذه القضية.

‏الاربعاء‏، 29‏ كانون الأول‏، 2010

***

الهوامش:

1 –التحقيق في الإمامة و شؤونها - عبد اللطيف البغدادي - ص 60 – 66.

2 – المصدر السابق - ص 60 – 66.

الأحد، 26 ديسمبر 2010

ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية



ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية

من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد

داود سلمان الشويلي

(( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوى الجاهلية )).

(( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب )).

الرسول الاعظم (ص)

بداية علينا ان نؤكد على مسلمات انسانية ، وهي مسلمات اخلاقية قيمية متعارف عليها انسانيا ، اولها : ان الظلم حالة غير انسانية.

وثانيها : ان الوقوف بوجه الظالمين حق تكفله الشرائع الانسانية منذ بداية وجود الظالمين عبر التاريخ.

وثالثها : هو تمجيد هذا الواقف بوجه الظالم والظالمين .

اما على المستوى الديني – الدين الالهي لا الفكر الديني – (1) فقد جسد الدين تلك المسلمات الانسانية من خلال تقنينها وتشريعها ضمن البنية الدينية الالهية المنزلة.

ووقفة الامام الحسين بن علي ضد ظلم يزيد بن معاوية وما يمثله كملك من ملوك الدولة الاموية (2)، لا تخرج من تلك المسلمات الانسانية والدينية كذلك ،فهي وقفة او نهضة او ثورة ضد الظلم والظالمين – مهما كان نوع هذا الظلم ومن قام به – ، وتمجيد الامام الحسين من قبل المسلمين كافة والانسانية ايضا هو حق انساني وشرعي ، بل هو من المسلمات التي يعاب عليها أي مجتمع عند نسيانها او تناسيها .

في هذه السطور لا نريد ان ننتج قولا تم انتاجه قبلنا الاف المرات عن واقعة الطف ، الواقعة التي وقفها الامام الحسين واهل بيته وصحابته امام جيش الظلم والظالمين ، انما هدفنا هو استنطاق رأي فقهاء ومراجع الشيعة عما يرافق ذكرى التمجيد من ممارسات ( كاللطم وضرب الرؤوس بالسيوف والقامات ، وضرب الظهور بالسلاسل )اطلق عليها خطأ مصطلح الشعائر الدينية ، او الاسلامية ، او الحسينية ، وراحت مكبرات الصوت في الجوامع والحسينيات والمساجد تصدح بالاية القرآنية ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) [الحج -32 ]. عادين تلك الممارسات شعائر الهية.

ان الفقيه والمرجع الشيعي الجعفري الذي ستستنطق سطورنا رأيه الشرعي في الممارسات المرافقة للاحتفال بالذكرى السنوبة لواقعة الطف ، هو الامام الشيخ حسين المؤيد ، علما ان سماحته لم يخرج عن الرأي الشرعي للكثير من شيوخ المذهب الذين تصدوا لتلك الممارسات لتنزيه المناسبة مما يشينها من امور هي غريبة عنها وعن الفكر الاسلامي والعربي خاصة. (3)

***

بداية يقول سماحته عن واقعة الطف : ((لاشك في ان نهضة الامام الحسين عليه السلام لم تكن حدثا تاريخيا عابرا أو واقعة مأساوية كسائر الوقائع العادية التي تحفل بها الازمنة, وانما كانت واقعة من اهم الوقائع الكبرى التي يهتز لها الوجدان الانساني وتطبع بصماتها على الناس . وقلما يظفر المتأمل في سجل التاريخ بحادثة كحادثة كربلاء , وقضية كقضية أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام في اثارتها للوجدان الجماهيري وتحريكها للعاطفة الانسانية بصورة مستمرة وبالزخم نفسه الذي زلزلت به ساحة الاحداث في المقطع الذي وقعت فيه تلك الملحمة الخالدة التي ترائت للناس اسطورة في ماعرضته من مشاهد وسطرته من معاني وخلفته من آثار . وقد خلقت هذه الحادثة قاعدة جماهيرية متصلة تبنتها وتعهدت بالنضال في سبيلها هدفا وفكرا ومنهجا ورصيدا وعملا ،وكان لهذا الامر دوره في ادامة هذه القضية وترسيخها في الالباب والقلوب ، انها ظاهرة تناغم أخاذ بين هذه القضية التي توقد بحرارتها النفوس فتطفق تعبر عما يجول فيها من رؤى ومشاعر وبين هذه النفوس التي جندت لأداء وظيفتها ازاء هذه القضية كالزيت يحترق بالنار فيمونها لتبقى شعلتها ملتهبة وملهبة مادام له وجود . ))

وفي الوقت نفسه ، يعرض سماحته ما تعرضت اليه ذكرى الواقعة عبر التاريخ من ممارسات غير صحيحة لا شرعا ولا قيميا ولا اخلاقيا.

يقول سماحته : ((وقد تعرٌضت هذه القضية لافراط وتفريط ، أما التفريط فهو المحاولات غير المبررة لجعلها من الحوادث التأريخية العادية أو شبه العادية واعطائها طابعا محدودا وتسطيحها ، فضلا عن محاولات انسائها واقتلاعها من سجل الذكريات ، بل منع البعض من اظهار الحزن والبكاء وانشاد المراثي مدخلا لها في الجانب الشخصي للقضية وكانها من قبيل التفجع على موت انسان مع انها ليست كذلك جزما ,فان الحزن والبكاء والرثاء لاجل المظلومية امر تنزع اليه النفس الانسانية حسب فطرة الله التي فطر الناس عليها فكيف يحول الشارع بحكم بين النفس وما فطرت عليه وهذا غير التفجع لحادثة الموت نفسها حيث ان الموت هو قدر الله الماضي على جميع خلقه . وهذا يعبر عن جانب التفريط في القضية وهو امر لايتقبله منطق التاثير التاريخي . واما جانب الافراط فهو الذي يتعامل مع هذه القضية من خلال تضخيم بعض تفاصيلها استنادا الى روايات ضعيفة أو التركيز على جانب الماساة والمغالاة في تحريك العاطفة الانسانية ليتحول التعاطي معها الى حالة الانفعال العاطفي واهمال المحتوى العظيم والثر الذي يتصل بفلسفة هذه النهضة ودراسة ابعادها المتنوعة واستخلاص العبر والدروس منها واستنطاقها لتبقى الحادثة الملهمة على الدوام . وقد يصل هذا التركيز العاطفي الى درجة التعبير عن العاطفة وابراز التـفاعل مع المأساة بألوان واشكال من الممارسات التي تعطي صورة مشوهة عن الطريقة المعقولة في احياء الذكرى فتوجد انعكاسا سلبيا على الذكرى نفسها,بل يتسرب من خلالها الوهن الى القاعدة الفكرية التي تنطلق منها )).

من خلال هذا الطرح الشرعي يؤشر سماحته مكامن الخلل الذي اصاب ذكرى واقعة الطف / القضية من خلال ما رافقها من ممارسات هجينة عنها عملت بالضد مما اريد لذكرى تلك الواقعة على ان تبقى على مر التاريخ – بحسن نية او بدونها ، ولكنها بجهل مطبق - فكانت تلك الممارسات قد عملت على :

- تسطيح للقضية الاصل ومحدوديتها .

- محاولة نسيانها.

ومن ادوات ذلك :

- استنكار الموت – الحق الطبيعي والالهي – والجزع من الاستشهاد في سبيل قضية ما.

- المغالات في المأساة.

- صيرورة العاطفة الانسانية المسيطر عليها من قبل العقل الى انفعال عاطفي يعمي البصر والبصيرة عن كل شيء.

***

يستنكر سماحته تسمية تلك الممارسات بالشعائر ، الحسينية او الدينية او الاسلامية .

يقول سماحته اجابة عن سؤال حول ذلك:

(( لا يعد التطبير في حد نفسه شعيرة دينية ، لأن الشعيرة الدينية هي ما جعله الله تعالى من معالم دينه وعلائمه ، وليس التطبير كذلك ، فإنه لم يجعل شرعا من معالم الدين وعلائمه ، وإنما هو من مخترعات الناس وما تواضع عليه البعض لإظهار التفجع على الإمام الحسين عليه السلام ، مع أنه ليس من المصاديق المشروعة ولا الراجحة للتفجع ، ذلك أن مورد النصوص الواردة في هذا الباب هو عناوين خاصة معينة كالحزن والبكاء والتعزية والرثاء وهي عناوين لا تنطبق على مثل التطبير ولا تتسع له ، ولو فرض وجود إطلاق في هذه النصوص أو غيرها فإنه لا يشمل مثل التطبير وضرب السلاسل وما جرى مجراهما ، لانصراف الإطلاقات عنهما عرفا لعدم كونهما من المصاديق المنظورة في العرف العام والمتعارفة عقلائيا في هذا المجال ، مضافا إلى بعدها عن مذاق الشارع حسب المرتكزات المتشرعية ،الأمر الذي يوجب إنصراف الأذهان العرفية عنها في زمان صدور النصوص)) .

***

من خلال هذا الطرح الشرعي بحديه العلمي والموضوعي(العقلاني) ،يمكننا ان نقترب كثيرا من رأي سماحته الشرعي في ممارسة هذه الطقوس ونحن نعيش ايام شهر محرم الحرام – شهر عاشوراء – وذكرى استشهاد الامام الحسين وبعض اهل بيته وصحابته في واقعة الطف في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام قبل اكثر من الف وثلثمائة عام .

بداية يقول سماحته عن تلك الممارسات : (( إن هذه الأفعال تسيء إلى صورة الدين والمذهب وتشوه المضمون الحقيقي لإحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام ، ولا شك في ذلك لا سيما في زماننا هذا ولو في الجملة فتكون محرمة بالعنوان الثانوي . وهكذا يتضح أن التطبير وما جرى مجراه لا يندرج في شعائر الدين ولا في العناوين الجائزة أو الراجحة .)).

يفتي سماحته بحرمة القيام بتلك الممارسات ، فيقول :

1 – ((أن التطبير حرام شرعا فإن الذي أقدم على تطبير غيره يلحقه الإثم لأنه إرتكب من الناحية التكليفية فعلا محرما وإن لم يترتب عليه شيء من الناحية الوضعية حسب ما ذكرناه.)).

2 - (( لا يجوز التطبير و ضرب الزناجيل . و في ذلك إشكال شرعي ، فإن التطبير و ضرب الزناجيل عمل محرم ، و ليس ذلك من الشعائر الحسينية ، و اذا أتى الشخص به على أنه من الشعائر يكون مبتدعاً و يأثم إثمين إثماً لحرمة العمل نفسه ، وإثماً للابتداع .

ولا يعتبر من الشعائر الحسينية ، و طول الممارسة لا يجعلها شعيرة ، و إنما هي عادة خاطئة و عمل محرم .((

***

وينبه سماحته الى من يريد ان يتصيد في الماء العكر ، ويجعل من فتاوي رجال الاصلاح من فقهاء ومراجع ومن تصدى لتلك الممارسات نغمة يعزفها لاستدرار عاطفة العامة من الشيعة ، فيقول :

(( إن المعارضة للتطبير وما يجري مجراه ليست معارضة للشعائر الحسينية ومن الخطأ الفاحش أن ينظر إليها على أنها معارضة للشعائر الحسينية بل هي دعوة إصلاحية لتنزيه الشعائر الحسينية وإبرازها بالصورة الصحيحة والناصعة . ولماذا يتم إختزال إحياء قضية كبرى بمستوى قضية الإمام الحسين عليه السلام بمجموعة من الأساليب التي لم يرد بها نص شرعي ولا يقبلها العرف العقلائي العام وإنما جرت عليها العادة في فترة متأخرة من الزمن)).

ويتساءل بإندهاش ونحن معه : (( لماذا كل هذا التضخيم والتهويل والتشنيع على جهود المصلحين الهادفين إلى تنقية التراث وإصلاح الأفكار والسلوك . ولعل كثيرين يتذكرون الضجة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على مصلحين أجلاء لمجرد بيانهم لرأي أدى إليه إجتهادهم وتفكيرهم العلمي كتلك الهجمة التي واجهها الشيخ محمد الخالصي رحمه الله لمجرد أنه أفتى بعدم مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة . والهجمة الشرسة التي واجهها الإمام السيد محسن الأمين رحمه الله لمجرد أنه أفتى بلزوم تنزيه الشعائر الحسينية من الممارسات الدخيلة)) .

و يؤكد سماحته بشجاعة العالم الواثق من نفسه ومن مبانيه الفقهية: ((الإصلاح يشق طريقه مهما كانت المصاعب جمة ولا سيما في عصرنا عصر العلم والثقافة والرشد)).

***

يرى سماحته انه من المطلوب شرعا لايقاف مثل تلك الممارسات :

1 - النصح بترك التطبير [و]هو نصح في محله ونحن ندعم الدعوة إلى ترك التطبير.

2 - [ان] ما تفعله بعض المراكز الصحية في يوم عاشوراء من فتح باب التبرع بالدم هو أمرسديد وفيه ثواب جزيل وخدمة إنسانية وهو بديل صحيح ومناسب عن الممارسات غير الصحيحة وغير المشروعة .

3 - وختاما يقول سماحته : (( أتركوا التعصب للعادات والأعراف غير السليمة التي هي ليست من الأمور التي جاء بها الدين الحنيف أو أقرها ، وليس من الصحيح الجمود أو التعصب لأمور أو أساليب أقصى ما يقال فيها إنها من اختراعات بعض العوام ظنا منهم أو اعتقادا بأنها وسيلة صحيحة للتعبير عن التفجع على الإمام الحسين عليه السلام وإحياء قضيته العادلة .

وليس من الصحيح التعاطي مع الأساليب بنحو التعاطي مع المبادئ وإن التمسك يجب أن يكون بالمبدأ وبالحكم الشرعي وليس بالأسلوب الذي يمكن إستبداله بما هوخير منه وأجدى ، وليس ترك أسلوب معين أو إستبداله بأسلوب آخر محرما أو مكروها فلماذا التشدد والتعصب لأساليب معينة جرت عليها العادة في فترة من الزمن على حساب الأساليب الناجعة والمرغوبة ، ولا شك أن التطبير وما جرى مجراه يسيء إلى القضية أكثر مما يخدمها أو يحييها.

إن الدفاع عن الشعائر الحسينية لا يكون بالدعوة إلى الأساليب المسيئة وغير المشروعة أو العادات التي تجاوزها الزمن ، وإنما يكون بالعمل على إحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام وتحريكها في الوجدان والحياة بوصفها مدرسة بأبعادها الدينية والسياسية والإجتماعية وذلك بالأساليب التي تخدم هذه القضية ولا تسيء لها . كما إنه ليس من الصحيح مجابهة المخالفين للتطبير بما يخرج عن الشرع والأخلاق ليس إلا لأنهم دعوا إلى تنزيه الشعائر وإصلاحها فلا بد أن يحترم الرأي الأخر ولا تحاكم النوايا)).

***

الهوامش:

1- ان الاديان كرسالة الهية منزلة جاءت بعد تكون الافكار الانسانية مهما كان نوعها.

2 - ربما يستغرب البعض من تسميتي للقائمين بإدارة الدولة الاسلامية في الفترة الاموية بالملوك ولم اطلق عليهم مصطلح الخلفاء ، وهذا الاستغراب ان وقع منهم فهو استغراب يجب ان يوجه الى النبي (ص) لانه هو الذي اكده في حديثه عن ان الخلافة التي تمتد ثلاثين عاما وبعدها تصبح ملكا عضوضا .

3 - راجع كتابنا : رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري المنشور على مواقع الانترنيت.

ملاحظة :

المصدر الرئيس لفتاوي سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد موقعه الالكتروني: http://www.almaiad.com/cous.htm

المرجعية الدينية وهموم المسلمين اليوم



المرجعية الدينية وهموم المسلمين اليوم

داود سلمان الشويلي

((وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)).

[التوبة - 122 ]

كثرت في الاونة الاخيرة بعد رحيل السيد محمد حسين فضل الله (مرجع ديني جعفري لبناني الولادة والنشأة) تساؤلات من مثل (من يأخذ من يده راية تحديث الفقه؟)،ومن الذي سيملأ الفراغ بعد رحيله ، وكتابات تؤكد على اعتدالية مرجعيته .

صحيح ان مرجعية المرحوم فضل الله تتصف بالاعتدال والتحديث الى حد ما، الا ان هذا لا يعني عدم وجود مراجع اخرين تحمل مرجعيتهم مثل هذا الاعتدال وهذا التحديث.

هذا القول يدعونا الى معرفة الاسباب التي دعت مرجعيته الى ان تتصف بهذه الصفات.

ومن تلك الصفات واهمها هو انه رحمه الله ينحدر من مجتمع كان وما يزل هو المجتمع العربي الوحيد تقريبا الذي تعايشت فيه القوميات والديانات والمذاهب الدينية والمدارس الفلسفية والا جتماعية وغيرها دون انغلاق فيما بينها ، وكذلك الانفتاح على الاخر مهما كان نوعه وثقافته ، وهو المجتمع اللبناني.(1)

ومن خلال انفتاح هذا المجتمع على الاخر ، العربي والغربي ، من مسلمين وغيرهم من الديانات الاخرى ، تزود السيد بثقافة واسعة ، مما جعل افق تفكيره منفتخا ، وآلياته تتصف بالعلمية والموضوعية فضلا على عقلانيته.

ومن خلال ذلك، كانت مرجعيته الى حد ما مرجعية معتدلة ، مجددة .

والسؤال المطروح هو هل انتهى بانتقال السيد فضل الله الى جوار ربه هذا الاعتدال وذلك التجديد ؟ وهل افتقرت مرجعيات المذهب الجعفري (الشيعي الامامي الاثني عشري) من رجال يتصفون بهذه الصفات ؟

بالتأكيد سيكون الجواب كلا.

لانه فما زال هذا المذهب يفتح باب الاجتهاد ، وما زال العقل يقوم بدور فعال في ذلك الاجتهاد ، وفي فكر بعض رجاله الذين انفتحوا على الاخر بكل عناوينه ومدارسه ، وخير مثال على ذلك هو مرجعية الامام الشيخ حسين المؤيد (عراقي الولادة والنشأة) ، دون ان ننسى مراجع اخرين اخذت على عاتقها التجديد والتصحيح في فكر هذا المذهب.(2)

ان المرجعية اليوم لم تعد خاصة بتبيان الحلال والحرام ، بل دخلت في مفاصل الحياة كافة ، وان التطور الذي حصل في الحياة العامة على كافة الاصعدة ، يتطلب من الذين يتصدون الى المرجعية (بما لها من علاقة بتقريب الدين الى العامة من المسلمين ) ان يكونوا اولا وقبل كل شيء منفتحين على الاخر ، وبفهم ووعي كاملين ، وهذا لا يعني وضع ما هو ديني خلف الظهر وتجاوزه ، وتقديم تنازلات غير مشروعة لهذا الاخر، بل الانطلاق من اساسيات الدين وعدم تجاوزها مهما كانت الاسباب والدوافع ، وهذا يأتي من خلال:

- الفهم الواعي و الصحيح للنص (المقدس) ،(3) قرآن وحديث نبوي موثق صحيح من حيث السند والمتن.

- الفهم الواعي والصحيح الى ان غير القرآن الكريم والحديث النبوي، هو فكر رجال متولد تحت تأثير زمكانية اللحظة التاريخية ، وظروف المجتمع ، مع تداخل وتأثير ما هو سياسي وايديولوجي فيه ، لهذا فكل ما جاءنا من الاجيال السابقة يجب النظر فيه ومراجعته ، لانه قول رجال ونحن رجال كما يقول الامام ابو حنيفة، كالتفاسير ، وكتب الصحاحات ، وكتب التاريخ.

- استخدام المناهج الحديثة في مقاربة النص المقدس .(4)

- النظر الى ما نقتله كتب التاريخ القديمة من حوادث، نظرة موضوعية علمية متجردة من أي لبوس سياسي او ايديولوجي.

- الابتعاد كليا عن الفكر التفويضي والغالي والتعصبي والتكفيري والتواكلي، والاحتكام الى العقل الذي مجده الله سبحانه في قرآنه الكريم ، والموضوعية العلمية .

هذه الاليات وغيرها التي ترى هذه الدراسة انه من الضروري ان يعمل بها من يتصدى الى المرجعية في وقتنا الحاضر خاصة ، هي آليات نجدها عند الكثير من مراجع التقليد ، ومنهم سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد .

فسماحته – مثلا – لا يرتكن الى ما وصله من حديث نبوي في كتب الصحاحات لكافة المذاهب ما لم يعرض هذا الحديث او ذاك الى الآليات التي تؤكد صحته سندا ومتنا ، وكذلك، وهو المهم ،عدم تعارضه مع ما جاء في القرآن الكريم ، وموافقته لفطرة الناس (العقل والمنطق السويين) التي فطرها الله فيهم.

اضافة لذلك ، فقد اسقط الكثير من الاحاديث والروايات التي رواها المفوضة والغلاة والتي ما زالت في محل تبجيل عند البعض على الرغم من ان شيوخ المذهب الاوائل وعلماء الرجال قد اخرجوا رجال سند تلك الروايات والاحاديث من خانة المصداقية والوثوقية ، بل انهم كفروهم ايضا.

فضلا عن ذلك ، فقد وضع سماحته الكثير من الحوادث التاريخية تحت مجهر النقد ، كما عمل الكثير من المراجع ورجال الدين الذين سبقوه او جايلوه ، وخرج بنتائج مفيدة تخدم الاسلام والمسلمين.

وفرق سماحته بين العقيدة الاسلامية الحقة ، ذات المرجع القرآني ، وبين الكثير من العقائد ، او المفاهيم والمعتقدات التي اراد لها البعض ان تترسخ عند المسلمين على انها عقيدة دينية منزلة من الله سبحانه .

وسفـّه سماحته ، بل كفّر ، الكثير من الممارسات والطقوس التي يقوم بها بعض المسلمين على اعتبار انها طقوس وممارسات اسلامية ، وهي غير ذلك.

ان المسلمين ، والشيعة الامامية الاثني عشرية خاصة ، بحاجة ماسة في ايامنا هذه الى مثل هذه المرجعية خدمة لوحدة الامة الاسلامية والمسلمين ، خاصة وحاجتها الى نبذ الطائفية السياسية ، والسب والشتم للكثير من الصحابة ، لا لشيء الا لاسباب سياسية ايديولوجية.

‏الاحد‏، 26‏ كانون الأول‏، 2010

الهوامش:

1– وكذلك السيد علي الامين اللبناني الولادة والنشأة.

2– يمكن مراجعة كتابنا رجال التصحيح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري.

3 - ان الاسلام لم يطلق على كتابه السماوي - القرآن - صفة المقدس كما فعل اليهود والنصارى ، بل هو قرآن مجيد وقرآن كريم ، الا انني استخدمت هذه الصفة من باب المجاز لتأكيد قدسية مفترضة له عند المسلمين كافة.

4 – ممن استخدم تلك المناهج من الكتاب العرب :نصر حامد ابو زيد ، محمد اركون، محمد عابد الجابري ، محمد شحرور ، وغيرهم.

الاثنين، 20 ديسمبر 2010

مدونة داود سلمان الشويلي: التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي

http://groups.google.com/group/2010D_alshwely?hl=ar_US

مدونة داود سلمان الشويلي: التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي



مدونة داود سلمان الشويلي: التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي

التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي

لمطالعة الكتب الخمسة المعنونة : ( التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي
عند المرجع الديني سماحة اية الله الامام الشيخ حسين المؤيد
) اضغط الرابط :


http://groups.google.com/group/2010D_alshwely?hl=ar_US">

الجمعة، 17 ديسمبر 2010

ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية- من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد

ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية
من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد

داود سلمان الشويلي

(( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوى الجاهلية )).
(( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب )).
الرسول الاعظم (ص)

بداية علينا ان نؤكد على مسلمات انسانية ، وهي مسلمات اخلاقية قيمية متعارف عليها انسانيا ، اولها : ان الظلم حالة غير انسانية.
وثانيها : ان الوقوف بوجه الظالمين حق تكفله الشرائع الانسانية منذ بداية وجود الظالمين عبر التاريخ.
وثالثها : هو تمجيد هذا الواقف بوجه الظالم والظالمين .
اما على المستوى الديني – الدين الالهي لا الفكر الديني – (1) فقد جسد الدين تلك المسلمات الانسانية من خلال تقنينها وتشريعها ضمن البنية الدينية الالهية المنزلة.
ووقفة الامام الحسين بن علي ضد ظلم يزيد بن معاوية وما يمثله كملك من ملوك الدولة الاموية (2)، لا تخرج من تلك المسلمات الانسانية والدينية كذلك ،فهي وقفة او نهضة او ثورة ضد الظلم والظالمين – مهما كان نوع هذا الظلم ومن قام به – ، وتمجيد الامام الحسين من قبل المسلمين كافة والانسانية ايضا هو حق انساني وشرعي ، بل هو من المسلمات التي يعاب عليها أي مجتمع عند نسيانها او تناسيها .
في هذه السطور لا نريد ان ننتج قولا تم انتاجه قبلنا الاف المرات عن واقعة الطف ، الواقعة التي وقفها الامام الحسين واهل بيته وصحابته امام جيش الظلم والظالمين ، انما هدفنا هو استنطاق رأي فقهاء ومراجع الشيعة عما يرافق ذكرى التمجيد من ممارسات ( كاللطم وضرب الرؤوس بالسيوف والقامات ، وضرب الظهور بالسلاسل )اطلق عليها خطأ مصطلح الشعائر الدينية ، او الاسلامية ، او الحسينية ، وراحت مكبرات الصوت في الجوامع والحسينيات والمساجد تصدح بالاية القرآنية ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) [الحج -32 ]. عادين تلك الممارسات شعائر الهية.
ان الفقيه والمرجع الشيعي الجعفري الذي ستستنطق سطورنا رأيه الشرعي في الممارسات المرافقة للاحتفال بالذكرى السنوبة لواقعة الطف ، هو الامام الشيخ حسين المؤيد ، علما ان سماحته لم يخرج عن الرأي الشرعي للكثير من شيوخ المذهب الذين تصدوا لتلك الممارسات لتنزيه المناسبة مما يشينها من امور هي غريبة عنها وعن الفكر الاسلامي والعربي خاصة. (3)
***
بداية يقول سماحته عن واقعة الطف : ((لاشك في ان نهضة الامام الحسين عليه السلام لم تكن حدثا تاريخيا عابرا أو واقعة مأساوية كسائر الوقائع العادية التي تحفل بها الازمنة, وانما كانت واقعة من اهم الوقائع الكبرى التي يهتز لها الوجدان الانساني وتطبع بصماتها على الناس . وقلما يظفر المتأمل في سجل التاريخ بحادثة كحادثة كربلاء , وقضية كقضية أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام في اثارتها للوجدان الجماهيري وتحريكها للعاطفة الانسانية بصورة مستمرة وبالزخم نفسه الذي زلزلت به ساحة الاحداث في المقطع الذي وقعت فيه تلك الملحمة الخالدة التي ترائت للناس اسطورة في ماعرضته من مشاهد وسطرته من معاني وخلفته من آثار . وقد خلقت هذه الحادثة قاعدة جماهيرية متصلة تبنتها وتعهدت بالنضال في سبيلها هدفا وفكرا ومنهجا ورصيدا وعملا ،وكان لهذا الامر دوره في ادامة هذه القضية وترسيخها في الالباب والقلوب ، انها ظاهرة تناغم أخاذ بين هذه القضية التي توقد بحرارتها النفوس فتطفق تعبر عما يجول فيها من رؤى ومشاعر وبين هذه النفوس التي جندت لأداء وظيفتها ازاء هذه القضية كالزيت يحترق بالنار فيمونها لتبقى شعلتها ملتهبة وملهبة مادام له وجود . ))
وفي الوقت نفسه ، يعرض سماحته ما تعرضت اليه ذكرى الواقعة عبر التاريخ من ممارسات غير صحيحة لا شرعا ولا قيميا ولا اخلاقيا.
يقول سماحته : ((وقد تعرٌضت هذه القضية لافراط وتفريط ، أما التفريط فهو المحاولات غير المبررة لجعلها من الحوادث التأريخية العادية أو شبه العادية واعطائها طابعا محدودا وتسطيحها ، فضلا عن محاولات انسائها واقتلاعها من سجل الذكريات ، بل منع البعض من اظهار الحزن والبكاء وانشاد المراثي مدخلا لها في الجانب الشخصي للقضية وكانها من قبيل التفجع على موت انسان مع انها ليست كذلك جزما ,فان الحزن والبكاء والرثاء لاجل المظلومية امر تنزع اليه النفس الانسانية حسب فطرة الله التي فطر الناس عليها فكيف يحول الشارع بحكم بين النفس وما فطرت عليه وهذا غير التفجع لحادثة الموت نفسها حيث ان الموت هو قدر الله الماضي على جميع خلقه . وهذا يعبر عن جانب التفريط في القضية وهو امر لايتقبله منطق التاثير التاريخي . واما جانب الافراط فهو الذي يتعامل مع هذه القضية من خلال تضخيم بعض تفاصيلها استنادا الى روايات ضعيفة أو التركيز على جانب الماساة والمغالاة في تحريك العاطفة الانسانية ليتحول التعاطي معها الى حالة الانفعال العاطفي واهمال المحتوى العظيم والثر الذي يتصل بفلسفة هذه النهضة ودراسة ابعادها المتنوعة واستخلاص العبر والدروس منها واستنطاقها لتبقى الحادثة الملهمة على الدوام . وقد يصل هذا التركيز العاطفي الى درجة التعبير عن العاطفة وابراز التـفاعل مع المأساة بألوان واشكال من الممارسات التي تعطي صورة مشوهة عن الطريقة المعقولة في احياء الذكرى فتوجد انعكاسا سلبيا على الذكرى نفسها,بل يتسرب من خلالها الوهن الى القاعدة الفكرية التي تنطلق منها )).
من خلال هذا الطرح الشرعي يؤشر سماحته مكامن الخلل الذي اصاب ذكرى واقعة الطف / القضية من خلال ما رافقها من ممارسات هجينة عنها عملت بالضد مما اريد لذكرى تلك الواقعة على ان تبقى على مر التاريخ – بحسن نية او بدونها ، ولكنها بجهل مطبق - فكانت تلك الممارسات قد عملت على :
- تسطيح للقضية الاصل ومحدوديتها .
- محاولة نسيانها.
ومن ادوات ذلك :
- استنكار الموت – الحق الطبيعي والالهي – والجزع من الاستشهاد في سبيل قضية ما.
- المغالات في المأساة.
- صيرورة العاطفة الانسانية المسيطر عليها من قبل العقل الى انفعال عاطفي يعمي البصر والبصيرة عن كل شيء.
***
يستنكر سماحته تسمية تلك الممارسات بالشعائر ، الحسينية او الدينية او الاسلامية .
يقول سماحته اجابة عن سؤال حول ذلك:
(( لا يعد التطبير في حد نفسه شعيرة دينية ، لأن الشعيرة الدينية هي ما جعله الله تعالى من معالم دينه وعلائمه ، وليس التطبير كذلك ، فإنه لم يجعل شرعا من معالم الدين وعلائمه ، وإنما هو من مخترعات الناس وما تواضع عليه البعض لإظهار التفجع على الإمام الحسين عليه السلام ، مع أنه ليس من المصاديق المشروعة ولا الراجحة للتفجع ، ذلك أن مورد النصوص الواردة في هذا الباب هو عناوين خاصة معينة كالحزن والبكاء والتعزية والرثاء وهي عناوين لا تنطبق على مثل التطبير ولا تتسع له ، ولو فرض وجود إطلاق في هذه النصوص أو غيرها فإنه لا يشمل مثل التطبير وضرب السلاسل وما جرى مجراهما ، لانصراف الإطلاقات عنهما عرفا لعدم كونهما من المصاديق المنظورة في العرف العام والمتعارفة عقلائيا في هذا المجال ، مضافا إلى بعدها عن مذاق الشارع حسب المرتكزات المتشرعية ،الأمر الذي يوجب إنصراف الأذهان العرفية عنها في زمان صدور النصوص)) .
***
من خلال هذا الطرح الشرعي بحديه العلمي والموضوعي(العقلاني) ،يمكننا ان نقترب كثيرا من رأي سماحته الشرعي في ممارسة هذه الطقوس ونحن نعيش ايام شهر محرم الحرام – شهر عاشوراء – وذكرى استشهاد الامام الحسين وبعض اهل بيته وصحابته في واقعة الطف في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام قبل اكثر من الف وثلثمائة عام .
بداية يقول سماحته عن تلك الممارسات : (( إن هذه الأفعال تسيء إلى صورة الدين والمذهب وتشوه المضمون الحقيقي لإحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام ، ولا شك في ذلك لا سيما في زماننا هذا ولو في الجملة فتكون محرمة بالعنوان الثانوي . وهكذا يتضح أن التطبير وما جرى مجراه لا يندرج في شعائر الدين ولا في العناوين الجائزة أو الراجحة .)).
يفتي سماحته بحرمة القيام بتلك الممارسات ، فيقول :
1 – ((أن التطبير حرام شرعا فإن الذي أقدم على تطبير غيره يلحقه الإثم لأنه إرتكب من الناحية التكليفية فعلا محرما وإن لم يترتب عليه شيء من الناحية الوضعية حسب ما ذكرناه.)).
2 - (( لا يجوز التطبير و ضرب الزناجيل . و في ذلك إشكال شرعي ، فإن التطبير و ضرب الزناجيل عمل محرم ، و ليس ذلك من الشعائر الحسينية ، و اذا أتى الشخص به على أنه من الشعائر يكون مبتدعاً و يأثم إثمين إثماً لحرمة العمل نفسه ، وإثماً للابتداع .
ولا يعتبر من الشعائر الحسينية ، و طول الممارسة لا يجعلها شعيرة ، و إنما هي عادة خاطئة و عمل محرم .((
***
وينبه سماحته الى من يريد ان يتصيد في الماء العكر ، ويجعل من فتاوي رجال الاصلاح من فقهاء ومراجع ومن تصدى لتلك الممارسات نغمة يعزفها لاستدرار عاطفة العامة من الشيعة ، فيقول :
(( إن المعارضة للتطبير وما يجري مجراه ليست معارضة للشعائر الحسينية ومن الخطأ الفاحش أن ينظر إليها على أنها معارضة للشعائر الحسينية بل هي دعوة إصلاحية لتنزيه الشعائر الحسينية وإبرازها بالصورة الصحيحة والناصعة . ولماذا يتم إختزال إحياء قضية كبرى بمستوى قضية الإمام الحسين عليه السلام بمجموعة من الأساليب التي لم يرد بها نص شرعي ولا يقبلها العرف العقلائي العام وإنما جرت عليها العادة في فترة متأخرة من الزمن)).
ويتساءل بإندهاش ونحن معه : (( لماذا كل هذا التضخيم والتهويل والتشنيع على جهود المصلحين الهادفين إلى تنقية التراث وإصلاح الأفكار والسلوك . ولعل كثيرين يتذكرون الضجة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على مصلحين أجلاء لمجرد بيانهم لرأي أدى إليه إجتهادهم وتفكيرهم العلمي كتلك الهجمة التي واجهها الشيخ محمد الخالصي رحمه الله لمجرد أنه أفتى بعدم مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة . والهجمة الشرسة التي واجهها الإمام السيد محسن الأمين رحمه الله لمجرد أنه أفتى بلزوم تنزيه الشعائر الحسينية من الممارسات الدخيلة)) .
و يؤكد سماحته بشجاعة العالم الواثق من نفسه ومن مبانيه الفقهية: ((الإصلاح يشق طريقه مهما كانت المصاعب جمة ولا سيما في عصرنا عصر العلم والثقافة والرشد)).
***
يرى سماحته انه من المطلوب شرعا لايقاف مثل تلك الممارسات :
1 - النصح بترك التطبير [و]هو نصح في محله ونحن ندعم الدعوة إلى ترك التطبير.
2 - [ان] ما تفعله بعض المراكز الصحية في يوم عاشوراء من فتح باب التبرع بالدم هو أمرسديد وفيه ثواب جزيل وخدمة إنسانية وهو بديل صحيح ومناسب عن الممارسات غير الصحيحة وغير المشروعة .
3 - وختاما يقول سماحته : (( أتركوا التعصب للعادات والأعراف غير السليمة التي هي ليست من الأمور التي جاء بها الدين الحنيف أو أقرها ، وليس من الصحيح الجمود أو التعصب لأمور أو أساليب أقصى ما يقال فيها إنها من اختراعات بعض العوام ظنا منهم أو اعتقادا بأنها وسيلة صحيحة للتعبير عن التفجع على الإمام الحسين عليه السلام وإحياء قضيته العادلة .
وليس من الصحيح التعاطي مع الأساليب بنحو التعاطي مع المبادئ وإن التمسك يجب أن يكون بالمبدأ وبالحكم الشرعي وليس بالأسلوب الذي يمكن إستبداله بما هوخير منه وأجدى ، وليس ترك أسلوب معين أو إستبداله بأسلوب آخر محرما أو مكروها فلماذا التشدد والتعصب لأساليب معينة جرت عليها العادة في فترة من الزمن على حساب الأساليب الناجعة والمرغوبة ، ولا شك أن التطبير وما جرى مجراه يسيء إلى القضية أكثر مما يخدمها أو يحييها.
إن الدفاع عن الشعائر الحسينية لا يكون بالدعوة إلى الأساليب المسيئة وغير المشروعة أو العادات التي تجاوزها الزمن ، وإنما يكون بالعمل على إحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام وتحريكها في الوجدان والحياة بوصفها مدرسة بأبعادها الدينية والسياسية والإجتماعية وذلك بالأساليب التي تخدم هذه القضية ولا تسيء لها . كما إنه ليس من الصحيح مجابهة المخالفين للتطبير بما يخرج عن الشرع والأخلاق ليس إلا لأنهم دعوا إلى تنزيه الشعائر وإصلاحها فلا بد أن يحترم الرأي الأخر ولا تحاكم النوايا)).
***
الهوامش:
1- ان الاديان كرسالة الهية منزلة جاءت بعد تكون الافكار الانسانية مهما كان نوعها.
2 - ربما يستغرب البعض من تسميتي للقائمين بإدارة الدولة الاسلامية في الفترة الاموية بالملوك ولم اطلق عليهم مصطلح الخلفاء ، وهذا الاستغراب ان وقع منهم فهو استغراب يجب ان يوجه الى النبي (ص) لانه هو الذي اكده في حديثه عن ان الخلافة التي تمتد ثلاثين عاما وبعدها تصبح ملكا عضوضا .
3 - راجع كتابنا : رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري المنشور على مواقع الانترنيت.
ملاحظة :
المصدر الرئيس لفتاوي سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد موقعه الالكتروني: http://www.almaiad.com/cous.htm

الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي

لقراءة كتاب رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي
http://www.4shared.com/account/dir/u1Q_CMgN/sharing.html

الأحد، 19 سبتمبر 2010

رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري- 1 – الامام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء


رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري

1 – الامام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء

(( وانا منذ خمسين سنة ادعو الى توحيد كلمة المسلمين ونبذ الشحناء والبغضاء، والاعتصام بحبل الله المتين من الألفة وعدم الفرقة، والأخذ بالأخوة التي عقدها القرآن بين المسلمين، فقال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ])).
كاشف الغطاء
جنة المأوى

داود سلمان الشويلي

هل يحتاج فكر ما الى اعادة النظر في مقوماته واسسه وما نتج عنهما من تفرعات (بلغة الفقهاء : الاصول والفروع) مهما كان اساس ومنشأ هذا الفكر ، ان كان نابعا من دين سماوي ، او كان نابعا من دين وضعي، او من رؤية اشراقية او فلسفية ، وسياسية حتى، او غير ذلك ؟
لو راجعنا تاريخ الافكار والفلسفات والمذاهب ، سنجد انها قد صابها التغير والتبدل (تطورا او تراجعا، او اندثارا) حسب مسيرة الزمان واختلاف المكان ، لان ذلك سنة من سنن الحياة.
وطالما الحديث في هذه السطور ينصب حول الفكر الذي تكون حول المذهب الشيعي ، المذهب العربي الذي تشكل وتكون حول الامام علي بن ابي طالب منذ كان الرسول (ص) حيا ، والى يومنا هذا – كما تذكر المصادر الشيعية – أي الفكر الشيعي ، فإننا نجده – ايضا - قد اصابه ما اصاب كل فكر ، بعد ان تحول الى فكر وضعت اسسه ومقوماته الاولى بصورة لا ارادية في البداية ، ومن ثم تحول الى فكر سياسي منشغل بقضية الولاية (شورى او بالنص) ،حتى اذا مات الامام علي بن الحسين السجاد ، انقسم الى قسمين رئيسيين ، احدهما الذي بقي على ولاء الامام الموصى به من قبل ابيه ، وهو الامام الباقر ، والاخر تشكل حول مريدي اخيه المتوفي زيد ، وبتقادم الزمن بدأت الانقسامات تتوالى، وكل راح ينشيء فكره الخاص ، ويتحصن فيه ويطور اسسه ومقوماته والياته، حتى اذا وصلنا الى القرن الثالث الهجري ، كثرت الانقسامات تلك في هذا الفكر ، واصبح عدة فرق لها افكارها الخاصة بها.
و بعد غيبة الامام الثاني عشر ، راح يتشكل الفكر الشيعي الامامي الاثني عشري ، وتأثر عبر مسيرته بالكثير من افكار الاخرين ، حتى اذا وصلنا الى القرن التاسع عشر الميلادي ، برز الاجتهاد بصورة واضحة ، وبرز ما سمي بالمرجع ، وبدأ الانقسام مرة اخرى بين فكر تمحور حول الاحاديث والروايات (الاخباريون) ويعتمدها اساسا له ، وفكر تمحور حول علم الاصول (الاصوليون) مع المحافظة على التسمية الرئيسية للفكر (الشيعي الامامي الاثني عشري).
وتعددت المرجعيات (الاجتهادات) ، وراح الاختلاف يبرز مرة اخرى ليصل حد الخلاف بين المراجع ، في القرن العشرين، خاصة بين المراجع العرب كالصدرين (محمد باقر الصر ، ومحمد محمد الصدر) وفضل الله من جهة، وبين المراجع من غير العرب ، كالخوئي والسيستاني خاصة، وغيرهما .
اذن مثل هذه الافكار التي يحملها مثل هذا المذهب (الامامي الاثني عشري) يحتاج الى رجال يبرزون من بينه ليصلحوا فيه ، ويجددوا ،ويصححوا.
***
وكما قلنا ، مر فكرالمذهب الجعفري (الاب الحقيقي للمذهب الامامي الاثني عشري في يومنا هذا) بتحولات كبيرة ، خاصة في القرون الاربعة الهجرية الاولى ، تحت تأثير الانشقاقات بعد وفاة اغلب ائمته ، وتدخل عوامل اجنبية كثيرة، فضلا عن دور الكلاميين والفلاسفة والمتصوفة وغيرهم في ذلك ، بحيث تحول الى ما سمي بالمذهب الشيعي الامامي الاثني عشري ، اعتمادا على مقولة الامامة - الامامة بالنص الالهي - ومن ثم وجود اتنا عشر اماما تحقيقا لاحاديث نبوية تقول :
- " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " .
- و " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " .
- و " لا يزال الاسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ".
وذكرت بعض هذه الاحاديث بأنهم من قريش.
و يقول الشيخ كاشف الغطاء : (( سميت هذه الطائفة ( إمامية ) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك ، كيف واسم الشيعة يجري على الزيدية ، والإسماعيلية ، ومن هنا فإن هذه الطائفة من الشيعة قد كونت لها آراء مستقلة وخاصة بها ، تختلف مع العقائد الشيعية الأساسية في العديد من الموارد المعروفة ، والتي توسعت مع الأيام نتيجة لانقساماتهم وتفرقهم)) .(1)
بمعنى ، ان تسمية الامامية جاءت متأخرة عن تسمية الشيعة التي من ضمن فرقها الزيدية والاسماعيلية ، والتي – ايضا – تفرقت كل منهما الى فرق اخرى.
وبعد غيبة الامام المهدي انشقت الشيعة الجعفرية الى اكثر من اربعة عشر فرقة ، كان احدها قد شمي بالامامية الاثني عشرية .
إذ يقول الشيخ محمد جواد مغنية عن الائمة الاثني عشر في كتابه (الشيعة في الميزان - محمد جواد مغنية - ص 433 ) : ((هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر للفرقة الاثني عشرية التي مضى على وجودها أكثر من ألف عام ، رغم ما لاقته من الظلم والاضطهاد)).
ونحن إذ نقدم هذه الدراسة عن واحد من فقهاء ومراجع الشيعة الامامية الاثني عشرية في القرن الماضي من الاصلاحيين ، فإننا لا ننسى الفقهاء والمراجع الاخرين الذين رفعوا راية التجديد والتصحيح في فكر هذا المذهب الذي دخلته الكثير من الاراء الغالية والمفوضة والصوفيه وغيرها، واسأل الله ان التوفيق في تقديم دراسات عن المصلحين الاخرين فيه.
***
الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:
هو : (( الشيخ محمد بن الحسين ابن الشيخ علي بن محمد رضا بن موسى ابن الشيخ الأكبر جعفر - صاحب كشف الغطاء - ابن الشيخ جعفر بن يحيى ابن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي . يعود رحمه الله تعالى برحمته الواسعة بنسبه إلى إحدى قبائل العراق المعروفة ، وهي قبيلة بني مالك ، التي تنتهي إلى أحد خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو مالك بن الحارث الأشتر رحمه الله تعالى)) . (2)
ولادته ونشأته :
ولد رحمه الله تعالى عام ( 1294 ه‍ 1877 م ) في مدينة النجف الأشرف . (3)
***
خصاله:
قال عنه الشيخ محمد جواد مغنية: (( من العلماء الذين هم أندر من الكبريت الأحمر ، من أولئك العلماء المتميزين الذين لم يتحددوا في علائقهم مع مقليديهم وأتباعهم فحسب ، بل التقوا بالعالم ، ونقلت عنهم فئات شتى في الشرق والغرب ، وعرف بهم البعيد أن في الشيعة معجزات من العبقرية ، وأن مذهب التشيع يقوم على أقوى وأمتن أساس)). (4)
إذ ،(( كان فقيها بارعا ، قوي الحجة والبرهان ، بل ومجتهدا في مبانيه ، حرا في آرائه ونظرياته ، حيث كان كثيرا ما ينتزع العديد من الفروع التي تعسر على البعض وذلك لا غرابة فيه لما امتاز به رحمه الله تعالى من ذوق عربي سليم يؤهله لفهم وادارك حقيقة النصوص المعتمدة في بناء جملة واسعة من الأحكام ، حتى أنه رحمه الله تعالى قد روي عنه إتيانه ببعض المسائل الفقهية النادرة التي ليس لها عنوان محدد في الكتب الفقهية الاستدلالية ، فيفتي بها مع تقديمه الحجة والدليل على ذلك ، تاركا للآخرين مسألة المذاكرة حول ذلك الأمر وأبعاده)) .(5)
***
مرجعيته:
يقول عنه محقق كتابه "اصل الشيعة واصولها": (( في عام ( 1337 ه‍ ) وبعد وفاة السيد اليزدي رحمه الله تعالى والذي كان يعد مرجعا كبيرا من مراجع التقليد اتجهت الأبصار نحو الشيخ كاشف الغطاء ، فتوافد على درسه الفضلاء والعلماء ، وتطلعوا عن كثب مدى ما ينسب إليه من كبير الفضل ، وعظيم المنزلة ، فوجدوا الوصف عن الموصوف ، والحقيقة تقصر عنها الحكاية ، فأقر الجميع بعلميته ، وثنيت له الوسادة ، وشاع في الأصقاع ما عليه من تلك السمات المؤهلة لتسنم المرجعية الشيعية ، فتعاظم عدد مقلديه في أنحاء العالم المختلفة ، مما دفعه ذلك بعد نشره لرسائله العملية إلى إعادة طبعها مرارا وتكرارا ، لزيادة الطلب عليها ، وتكاثر أعداد مقلديه .
وهكذا فقد توطدت مرجعية الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، وكان ذاك إيذانا لتحمله عبء أعظم المسؤوليات المناطة بمراجع الأمة ، لا سيما وقد كان العالم الاسلامي أبان تلك الحقبة يشهد جملة واسعة من التغيرات والتطورات والانتكاسات التي تستلزم معالجة واقعية حاسمة ، ومواقفا شجاعة ثابتة لدرء حالات النكوص والانهزام والتبعثر التي أصبحت سمة غالبة مشخصة لواقع المجتمع الاسلامي آنذاك)) .(6)
من خلال الطرح اعلاه ، يمكن ان نستشف دوافع اصلاحات هذا الفقيه / المرجع ، وسبب تصحيحاته وتجديداته في فكر المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري ، بعد (( حصول تغيرات وتطورات وانتكاسات تستلزم معالجة واقعية حاسمة ، ومواقفا شجاعة ثابتة لدرء حالات النكوص والانهزام والتبعثر التي أصبحت سمة غالبة مشخصة لواقع المجتمع الاسلامي))، والشيعي خاصة ، آنذاك ، لانه كان:
- فقيها بارعا.
- قوي الحجة والبرهان .
- مجتهدا في مبانيه .
- حرا في آرائه ونظرياته .
- امتاز بذوق عربي سليم يؤهله لفهم وادارك حقيقة النصوص المعتمدة في بناء جملة واسعة من الأحكام ، حتى أنه رحمه الله تعالى قد روي عنه إتيانه ببعض المسائل الفقهية النادرة التي ليس لها عنوان محدد في الكتب الفقهية الاستدلالية ، فيفتي بها مع تقديمه الحجة والدليل على ذلك ، تاركا للآخرين مسألة المذاكرة حول ذلك الأمر وأبعاده.
***
بعض مواقف الشيخ رحمه الله تعالى:
ذكر محقق كتابه " اصل الشيعة واصولها "جملة من المواقف الوطنية والقومية والاسلامية ، وكذلك جملة من تصحيحاته في الفكر الشيعي الامامي الاثني عشري ، نذكر منها:
1 - الجهاد ضد الاستعمار البريطاني :
(( إذ كان من المرابطين في مدينة الكوت عام ( 1334 ه‍ 1916 م ) للتصدي لتقدم القوات الانكليزية الغازية المدججة بأحدث الأسلحة)). (7)
2 - موقفه من مؤتمر بحمدون :
يقول المحقق : (( دعت جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية الى مؤتمر بتأريخ 22 نيسان عام ( 1954 م ) في لبنان ، وبالتحديد في مدينة بحمدون ، وحينها تلقى الشيخ كاشف الغطاء دعوة رسمية موجهة من قبل كارلند ايفانز هوبنكز نائب رئيس تلك الجمعية لحضور هذا المؤتمر .(...) كان موقف الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى حادا وصريحا في رفضه لحضور هذا المؤتمر من خلال ما أرسله إلى المؤتمرين من جواب طويل أسماه ( المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون ) والذي أوضح فيه بصراحة جلية رأيه في مواضيع هذا المؤتمر وبحوثه ، مبينا ما توقعه السياسة الأمريكية وحليفتها الانكليزية من ظلم وتجني على شعوب العالم المستضعفة المغلوبة ، مع إشارته الواضحة إلى بعد دعاة هذه السياسة ومباينتهم للقيم الروحية التي تدعو لها الأديان السماوية المختلفة )). (8)
3 - دوره في المؤتمر الاسلامي العالمي في القدس عام 1932:
إذ تجسدت فكرة عقد مؤتمر لـ : (( البحث في نشر أساليب التعاون الاسلامي ، ونشر الثقافة الاسلامية ، والدفاع عن البقاع المشرفة الاسلامية ، والعمل لوقاية الدين الاسلامي وصيانة عقائده من شوائب الإلحاد ، وتأسيس جامعة إسلامية في بيت المقدس ، والنظر في قضية الخط الحديدي الحجازي . وكان من الطبيعي أن يستجيب الشيخ لهذه الدعوة الملحة ، رغم إيمانه بأن ترجمة آمال المسلمين تكمن في صدق النوايا المقترنة بالأعمال الجادة العاملة على توحيد صفوفهم ، ونبذ خلافاتهم ، وتشخيص علة تفرقهم لمعالجتها ، لأنها هي الوسيلة الأنجع ، والسبيل الأقوم للنهوض بهذه الأمة المبتلاة بهذا الداء الوبيل الذي بدأنا نرى ثماره واضحة وجلية في أيامنا هذه من التسابق المحموم من قبل الكثير من الساسة المسلمين للصلح مع الكيان الصهيوني اللقيط ، ومد جسور العلاقة معه (...) فطلب منه في إحدى الليالي المفتي الحسيني ، ومفتي نابلس الشيخ محمد تفاحة - وكان من أكبر علماء فلسطين سنا - ومراقب المسجد الأقصى ، أن يرتقي المنبر بعد صلاة المغرب لإلقاء خطبة في الحاضرين الذين بلغ عددهم سبعين ألفا امتدت صفوفهم حتى خارج المسجد الأقصى .(...) وبعد أن أنهى خطبته التي سحرت المستمعين بحلاوة ألفاظها ، وسلاسة عباراتها ، وجزالة كلماتها طلبت منه لجنة المؤتمر وأكابر الموجودين أن يأتموا به في صلاة العشاء حيث صوب ذلك بالأكثرية ، فاستجاب لهم ، واقتدت به الألوف من الصفوف في حدث عظيم قل نظيره . كما أن للشيخ كاشف الغطاء في أيام انعقاد المؤتمر مشاركات واسعة ، وخطب بليغة ، ولقاءات متعددة تركت في أذهان الجميع ذكريات شجية عن شخصية فذة عاصروها من علماء الشيعة الكبار)) .(9)
4 – موقفه من فلسطين:
قال الشيخ رحمه الله ، في "جنة المأوى":
(( امتحنت (فلسطين) بمحنة الصهيونية منذ اربعين سنة، وما زالت تتقدّم والعرب والاسلام تتأخر. وقد اقتحمت معاركها الاولى ولم ازل منذ عشرين سنة اقرع المنابر واقرع الاسماع بالخطب الناريّة، وانشر المقالات الملتهبة في الصحف وغيرها واهيب بالمسلمين وادعوهم الى الوحدة وجمع الكلمة، وانّ الاسلام بني على دعامتين (كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة) واصرخ الصرخات الداوية ان يصلحوا الوضع بينهم لأنقاذ فلسطين الدامية (...) نعم كنّا نعتز بذكر العرب ونرتاح بالأنتساب اليهم، ثم دارت رحى الزمان فصرنا نخجل من ذكر العرب والعروبة وما يشتق منها، ونودّ لو كنا من الخزر والبربر ولم نكن من هذه الأمة.
فلسطين قلب البلاد العربية تحقيقاً، تحفّ بها كالهالة، مصر وبلاد المغرب، وسوريا ولبنان، والعراق، والاردن، والحجاز، واقطار الجزيرة فاذا هلك القلب فما حال بقيّة الاعضاء؟ ولا شك ان الوضع اذا بقي على هذا قلنا فلسطينات اخرى في زمن قريب "لا سمح الله " ...)).
5 - موقفه من العادات المنحرفة :
يقول المحقق : (( والحق يقال : أن الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى كان نموذجا واضحا من أصحاب تلك المواقف العقائدية الشجاعة التي خلفت له الثناء والاطراء أبد الدهر . فمن العادات السيئة والشاذة التي تفتقت عنها أذهان الجهلة ، وروجت لها العقول والنفوس الفاسدة ، وزمر لها أعداء الشيعة ، ونسبوها ظلما إليها ، ما اعتاد بعض العوام على فعله آنذاك ، وبالتحديد في الأيام العشرة الأولى من شهر ربيع الأول من القيام بالكثير من التصرفات المنكرة المؤذية للناس ، والمشينة للدين ، وبشكل بغيض ممقوت متواصل تطبعت نفوسهم عليه ، وتشربت به لتكرره طوال عشرات أو مئات السنين ، وكان الكثيرون من علماء الدين المخالفين والمعارضين لهذا المنهج المنحرف في أثناء إقامة تلك الاحتفالات والمناسبات المختلفة يتحاشون التصدي لمنع أولئك الجهلة عن منكراتهم هذه للأسباب التي ذكرناها سالفا ، رغم استيائهم البالغ مما تشكله من إساءة بالغة للتشيع وأئمته ، فانبرى الشيخ كاشف الغطاء بشجاعة قل نظيرها لمنع تكرر إيقاعها رغم تحذير الكثيرين له من مغبة التصدي لها وتحريم الاتيان بها ، وإيضاح ضررها على التشيع ، وتوهينها بالمذهب بشكل صريح سافر يتصيده أعداؤهم ومبغضيهم ، فوفقه الله تعالى في مسعاه أيما توفيق ، وانقاد الجميع لإرادته ، وقبر الكثير من تلك العادات السيئة التي كانت كالبقعة السوداء في ثوب التشيع الأبيض الذي هو بري منها )).(10)
6 – الرد على الدكتور أحمد أمين :
تصحيحه لما ذكره الدكتور احمد امين في كتابه "فجر الاسلام" ،عن معتقدات الشيعة الامامية الاثني عشرية ، خاصة اثناء لقاء الشيخ بالدكتور في مدينة النجف عام ( 1349 ه‍(.)11)
***
مؤلفاته: (12)
1- في الحكمة والكلام :
أ - الدين والاسلام : ( أربعة أجزاء ، طبع منها جزءان ) .
ت - أصل الشيعة وأصولها .
ث - الفردوس الأعلى .
ج - الآيات البينات .
ح - جنة المأوى .
خ - التوضيح ( جزءان ، وقد تقدمت الإشارة إليه ) .
د - مبادئ الإيمان في الدروس الدينية .
ذ - نبذة من السياسة الحسينية .
ر - حاشية على كتاب الأسفار لملا صدر الدين ( مخطوط ) .
ز - حاشية على العرشية ورسالة الوجود لملا صدر الدين ( مخطوط ) .
ص - حاشية على رسالة الوجود لصدر المتألهين ( مخطوط ).
2 - في السياسة والموعظة :
أ - المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون .
ب - المحاورة بين سفيرين .
ت - الميثاق العربي الوطني .
ث - خطبة الاتحاد والاقتصاد في الكوفة .
ج - الخطبة التأريخية في القدس .
ح - الخطب الأربع .
خ - خطبته في باكستان .
3 - في الفقه وأصوله :
أ - حاشية على كتاب التبصرة للعلامة الحلي.
ب - المسائل القندهارية .
ت - سؤال وجواب .
ث - وجيزة الأحكام .
ج - زاد المقلدين ( فارسي ) .
ح الأرض والتربة الحسينية .
خ - حاشية على سفينة النجاة لأخيه الشيخ الفقيه أحمد كاشف الغطاء.
د - حاشية على كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي.
ذ - مناسك الحج.
س - تحرير المجلة ( خمسة أجزاء ، فقه مقارن ) .
ش - حاشية على مجمع الرسائل ( فارسي مطبوع مع حواشي السيد البروجردي) .
ر - شرح العروة الوثقى ( خمسة مجلدات ، مخطوط ) .
ز - تنقيح الأصول ( مخطوط ) .
س - رسالة في الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية ( مخطوط ) .
ش - حاشية على مكاسب الشيخ مرتضى الأنصاري ( مخطوط ) .
ص - حاشية على القوانين ( مخطوط ) .
ض - مجموعة الفتاوى ( مخطوط ) .
ط - حاشية على الكفاية للآخوند الخراساني ( مخطوط ) .
ظ - رسالة في الاجتهاد والتقليد ( مخطوط ) .
ع - حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري ( مخطوط ) .
4 - في الأدب والتفسير وغيرهما ( وأكثرها لا زال مخطوطا ) :
أ - مغني الغواني عن الأغاني ( مختصر كتاب الأغاني ) .
ب - نزهة السمر ونهزة السفر ( عن رحلته الأولى إلى سوريا ومصر ) .
ت - ديوان شعره الذي أسماه : الشعر الحسن من شعر الحسين .
ث - تعليقات على أمالي السيد المرتضى.
ج - تعليقات على كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة .
ح - مجموعتان من المنتخبات الشعرية .
خ - منتخبات من الشعر القديم .
د - عقود حياتي ( ترجمة حياة المؤلف بقلمه ) .
ذ - صحائف الأبرار في وظائف الأسحار .
ر - جنة المأوى .
ز - رسالة عن الاجتهاد عند الشيعة .
س - تعليقات على كتاب الوجيز في تفسير القرآن العزيز .
ش - تعليقات على نهج البلاغة ، ونقود على بعض شروحات الشيخ محمد عبده له .
ص - تعليق على كتاب الفتنة الكبرى للدكتور طه حسين .
ض - تعريب كتاب فارسي هيئة .
ط - تعريب كتاب حجة الشهادة .
ظ - تعريب وتلخيص رحلة ناصر خسرو المشهورة .
ع - كتاب في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام .
غ - العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ، في تأريخ عائلة آل كاشف الغطاء ، وعلماء النجف ، وتأريخها الحديث .
***
وفاته:
(( توفي بعد صلاة الفجر من يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام ( 1373 ه‍ ) الموافق لليوم التاسع عشر من شهر تموز عام 1954 م )) .(13)
***
شهادات:
قال فيه المرحوم العلامة المحقق الشيخ أغا بزرك الطهراني: ((هو من كبار رجال الإسلام المعاصرين، ومن أشهر مشاهير علماء الشيعة .... والحقيقة، أنّه من مجتهدي الشيعة الذين غاصوا بحار علوم أهل البيت " عليهم السلام"، فاستخرجوا من تلك المكامن والمعادن، جواهر المعاني ودراري الكلم فنشروها بين الجمهور)).
وقال فيه صاحب كتاب" أحسن الوديعة": (( كان آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء علاّمةً كبيراً، ومصلحاً شهيراً، وعالماً مقتدراً، له بيان ساحر وكتابات جذابة، كانت مؤلفاته مكتوبة بلغة سلسة تناسب لغة العصر، منسجمة مع التطور)).
***
المواقف التصحيحية والتجديدية للشيخ كاشف الغطاء

هذه مجموعة من تصحيحاته وتجديداته رحمه الله في فكر المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري ، نقدمها على سبيل المثال لا الحصر:
المسلم و المؤمن :
يفرق بعض علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية بين " المسلم والمؤمن" تحت تأثير اسباب سياسية ، تعضدهم في ذلك بعض الايات القرآنية التي تفسر تفسيرا يخرجها عن كونها آيات عربية الالفاظ والمعاني ، او ان يقسرون تفسيرها وكذلك تأويلها على معنى واحد مطلوب من قبل هذا البعض.
فالشيخ المفيد ، يرى التفرقة بين "المسلم والمؤمن "، إذ يقول : (( واتفقت الإمامية على أن الاسلام غير الإيمان ، وأن كل مؤمن فهو مسلم و ليس كل مسلم مؤمنا ، وأن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، ووافقهم على هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث . وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا أن كل مسلم مؤمن وأنه لا فرق بين الاسلام والإيمان في الدين)). (14)
الا ان الكثير من علماء المذهب الذين ارادوا قول الحق دون عاطفة مزيفة اردفوا بين اللفظين وجعلوهما بمعنى واحد يطلق على من قال بالشهادتين.
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله:
(( إن أهم ما امتازت به الشيعة عن سائر فرق المسلمين هو : القول بإمامة الأئمة الاثني عشر ، وبه سميت هذه الطائفة ( إمامية ) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك ، كيف واسم الشيعة يجري على الزيدية والإسماعيلية)). (15)
و تعتمد عقائد الشيعة في اصولها وفروعها كما يقول الشيخ كاشف الغطاء على القضايا التالية : (16)
1 - معرفة الخالق .
2 - معرفة المبلغ .
3 - معرفة ما تعبد به ، والعمل به .
4 - الأخذ بالفضيلة ورفض الرذيلة .
5 - الاعتقاد بالمعاد والدينونة .
فضلا عن ذلك ، فالشيخ كاشف الغطاء رحمه الله ، وهو يصحح اخطاء وقع فيها بعض رجال المذهب ، يؤكد على ان : (( الدين علم وعمل (...) والاسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد ، والنبوة ، والمعاد)) . (17)
مما جاء في اعلاه ، يمكن الخروج بنتيجة مفادها :
1 – ان الاصول عند هذا المذهب تستقي من القضايا الخمسة اعلاه.
2 – ان الفروع في هذا المذهب تعتمد الاصول المستقات من القضايا اعلاه.
3 – بمعنى ، ان كل ما شذ عن تلك القضايا ، وهي اسس الدين الاسلامي ، وابتعد عنها ، فهو لا علاقة له بعقائد الشيعة الامامية الاثني عشرية.
ويتابع الشيخ كاشف الغطاء ليؤكد تأصيله للمذهب الامامي الاثني عشري ، فيقول :
(( والاسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد ، والنبوة ، والمعاد . فلو أنكر الرجل واحدا منها فليس بمسلم ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوة سيد الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، واعتقد بيوم الجزاء من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر فهو مسلم حقا ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، دمه وماله وعرضه حرام . ويطلقان أيضا على معنى أخص يعتمد على تلك الأركان الثلاثة وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني الاسلام عليها وهي خمس : ‹ صفحة 211 › الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد . وبالنظر إلى هذا قالوا : الإيمان اعتقاد بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، ( من آمن بالله ورسوله وعمل صالحا ) . فكل مورد في القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، يراد به الاسلام والإيمان بالمعنى الأول ، وكل مورد أضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني . والأصل في هذا التقسيم قوله تعالى : [ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ]. وزاده تعالى إيضاحا بقوله بعدها : [ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ] يعني : أن الإيمان قول ويقين وعمل . فهذه الأركان الأربعة هي أصول الاسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين . ولكن الشيعة الإمامية زادوا ( ركنا خامسا ) وهو : الاعتقاد بالإمامة)) . (18)
اما مسألة الاعتقاد بالامامة التي جعلها الشيخ كاشف الغطاء واحدة من اصول المذهب فقط (19) ، وليست من اصول الاسلام ، فيقول عنها الشيخ مغنية : (( فالإمامة ليس أصلا من أصول دين الإسلام ، وإنما هي أصل لمذهب التشيع ، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة ، والمعاد ، ولكنه ليس شيعيا)). (20) ويقول عنها سماحة الامام الشيخ حسن المؤيد (مرجع عربي عراقي معاصر): ((انّ الإمامة ليست أصلاً من أصول الدين و ان عدم الإعتقاد بها – سواءً لعدم ثبوتها أو لثبوت عدمها – لا يؤثر في اسلام الإنسان و لا في إيمانه , و ان كل من اعتقد بالاسلام و تبناه ديناً و امتثل أحكامه و تعاليمه بالطريق الذي تيقنه بعد التثبت فهو مسلم مؤمن مهما كان مذهبه و هو أهل لقبول عمله و نيل نعيم الله تعالى و الفوز بجنته عز و جل . و كل كلام يخالف ذلك فأنا أرفضه و أبرء منه)).(21 )
وبقول السيد علي الامين( مرجع عربي لبناني معاصر): (( واما اصول المذهب ومنها الايمان بالامامة هذه ليست دخيلة في ان يصبح الانسان مسلما وانما هي من اصول المذهب ، كأي مذهب من المذاهب الاسلامية وليست من اصول الاسلام)). (22)
ولما كان الاسلام والايمان مترادفين كما قال الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله ، فهذا يعني ان منكرها – أي الامامة بالنص- مؤمنا، أي ، ان المسلم إن آمن بالامامة، او لم يؤمن بها هو مسلم مؤمن ، لا كما يفرق البعض بينهما.
والنتيجة:
- الاسلام والإيمان مترادفان.
- فكل مورد في القرآن اقتصرعلى ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، يراد به الاسلام والإيمان بالمعنى الأول ، وكل مورد أضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني.
واعتمادا على هذا القول الذي يصدر عن مرجع مشهور من مراجع التقليد ، واماما من ائمة الشيعة الامامية الاثني عشرية في العصر الحالي (النصف الاول من القرن العشرين) ، فإن أي قول اخر يأتي مخالفا لما قيل في السطور السابقة هو صادر من غلاة ومفوضة جدد ابتلي بهم المذهب الامامي الاثني عشري ، فيما تبقى الامامة شرطا لتسمية المذهب الشيعي بالامامية الاثني عشرية.
واخيرا ، يقول عنها الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله :
(( والخلاصة : أن الإمامية يقولون : نحن شيعة علي وتابعوه ، نسالم من سالمه ، ونحارب من حاربه ، ونعادي من عاداه ، ونوالي من والاه ، إجابة وامتثالا لدعوة النبي صلى الله عليه وآله : " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " . وحبنا وموالاتنا لعلي عليه السلام وولده إنما هي محبة وموالاة للنبي صلى الله عليه وآله وإطاعة له)) . (23)
***
- موقفه من دعاوي تحريف القرآن الكريم:
اتهم الشيعة الامامية الاثنا عشرية بتهمة كبيرة وخطيرة، الا وهي تهمة تحريف القرآن الكريم الذي هو الان بين ايدينا ، اعتمادا على ما ذكرته مؤلفات بعض علمائهم ، وخاصة الكتاب الجامع لروايات التحريف (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الارباب) لمؤلفه النوري الطبرسي ، مع العلم ان الكثير من كتب المذاهب الاخرى تذكر الكثير من هذه التحريفات تحت عناوين شتى ، مثل الناسخ والمنسوخ مثلا ، و تذكر المصادر – ايضا - ان احدى المدارس الاسلامية قد اخرجت سورة يوسف من ان تكون سورة منزلة (كقول احدى فرق الخوارج) ، ونسب إلى بعض المعتزلة إنكار سورة أبي لهب ، وغير ذلك ، مما يقع تحت عنوان التحريف (الزيادة والنقصان خاصة). (24)
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله عن هذه المسألة (ص 220)، وهو يتحدث بإسم الشيعة الامامية الاثني عشريه لانه مرجعهم الكبير في ذلك الوقت :
(( ... وأن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للاعجاز والتحدي ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يرده نص الكتاب العظيم [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ]. والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا ، فإما أن تأول بنحو من الاعتبار ، أو يضرب بها الجدار)) .
وهكذا يأتي قول هذا الشيخ الامام رحمه الله كلمة الفصل لكل من اتهم الشيعة الامامية ، وكذلك لبعض رجال الدين الشيعة الامامية الاثني عشرية ،في ان القرآن الكريم الذي بين ايدينا الان هو القرآن المنزل من الله سبحانه بدون زيادة او نقصان او تحريف ما.
وليس قوله هذا هو القول الوحيد بين فقهاء ومراجع التشيع الامامية ، وانما هناك الكثير ممن قال بمثل هذا القول ، بل هم الغالب الاعم في المذهب .
***
- ابن سبأ والتشيع الامامي:
كثر الحديث عن عبد الله بن سبأ في المصادر التاريخية، واتهم الشيعة بإنه مؤسس للكثير من عقائد مذهبهم (كالامامة، والرجعة مثلا)، وقد رد الكثير من الكتاب القول بالوجود التاريخي لمثل هذه الشخصية ، كالدكتور طه حسين ،ومحمد كرد علي، واحمد عباس صالح ، ومن المستشرقين : الدكتور برناد لويس، و فلهوزن، و فريدليندر، وكايتاني ، وقد اجمعوا كافة على وهمية هذه الشخصية ، وانها موضوعة من قبل الوضاع سيف بن عمر ، ثم اشاعها الطبري. (25)
يقول الشيخ رحمه الله:
(( أما ( عبد الله بن سبأ ) الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ، وأخف كلمة تقولها كتب رجال الشيعة في حقه ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في حرف العين هكذا : " عبد الله بن سبأ ، ألعن من أن يذكر " . أنظر رجال أبي علي وغيره )) .(26)
***
- التقية:
ابتلي المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري بعقيدة التقية المتصورة من قبل البعض من رجال وعلماء الشيعة الامامية، من خلال ما جاءت به من ضبابية في الاحاديث والروايات، وعدم الصدق في القول ، والقول بقولين ، وغير ذلك . ( 27)
إذ كثر استخدامها - غير الصحيح و لا الموضوعي - في الكثير من المواضع في كتب ومصادر الشيعة الامامية الاثني عشرية ، حتى طالت اقوال المعصومين ، فقيل عنها انها قيلت تقية ، وكتاب الكافي – وغيره من كتب الحديث الامامية – مليء بهذا القول ، فجعلوا من الامام المعصوم خائفا ، يقول بما لا يعتقد به ، مخالفا للقرآن الكريم .
الا ان الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله قال كلمة الفصل فيها عندما وضعها تحت ثلاثة احكام ، كلها لا تجيز للامام المعصوم ان يعمل بها ،فضلا عن الشيعي الامامي الاثني عشري ، لا لانه امام مسدد بالعصمة ، ولا لانه موصى به من الله سبحانه ، ولكن لانه امام فحسب ، وما للامام من دور فعال وكبير في حياة من يؤمنون به ويأخذون دينهم منه.
يقول الشيخ رحمه الله :
(( والعمل بالتقية له أحكامه الثلاثة :
فتارة : يجب ، كما إذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة .
وأخرى : يكون رخصة ، كما لو كان في تركها والتظاهر بالحق نوع تقوية له ، فله أن يضحي بنفسه ، وله أن يحافظ عليها .
وثالثة : يحرم العمل بها ، كما لو كان ذلك موجبا لرواج الباطل ، وإضلال الخلق ، وإحياء الظلم والجور)) .(28)
وفي الحكم الثالث تقع جميع احاديث الائمة التي قيل عنها انها قيلت تقية.
***
وفي كتابه " جنة المأوى" ، هناك اجوبة عن اسئلة موجه اليه رحمه الله صحح الكثير مما التبس على عوام الشيعة من امور تاريخية ، او اريد لتلك الامور ان تلتبس عليهم من قبل بعض رجال الشيعة لاسباب واغراض غير خافية على القاريء اللبيب، الا انه رحمه الله قال فيها القول الفصل.
واذكر هنا بعض تصحيحاته على سبيل المثال لا الحصر:
- يوم التاسع من ربيع الأول
(( سؤال: أخبرونا عن ايام الربيع العشرة المنسوبة الى فرحة الزهراء (عليها السلام) ومتى فرحت والرجل (يقصد عمر بن الخطاب) طعن في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة، ومات يوم التاسع والعشرين منه وذلك بعد وفاتها فكيف فرحت؟.
جواب: انّ المعروف عن كثير من الشيعة من قديم الزمان انَّ هذه الأيام ايام فرح وسرور كما ذكر ذلك السيّد ابن طاووس في "الأقبال" حيث قال: وجدنا جماعة من العجم والأخوان يعظمون السرور في هذا اليوم أي اليوم التاسع من ربيع ويذكرون انه يوم هلاك كذا، وأشار الى الرواية المنسوبة الى الصدوق.
وقال السيد رضوان الله عليه لم اجد رواية يعتمد عليها تؤيد تلك الرواية، ولكن لعلّ فرح الشيعة بذلك اليوم من جهة انَّ الأمام الحسن العسكري (عليه السلام) توفيّ على اصح الروايات يوم الثامن من ربيع الأول ويكون يوم التاسع اوّل يوم من امامة الحجة (عجل الله فرجه)، فينبغي ان يتخذه المؤمنون عيداً كما يتخذ الناس ايام جلوس ملوكهم عيداً، ثم ذكر بعض التوجيهات لأحتمال كون قتل الرجل في ربيع وكلّها في غاية البعد، انتهى ما افاده (قدس سره) مع شرح وتوضيح منّا.
واقول ايضاً ويحتمل ان يكون سبب فرحة الزهراء (عليها السلام) هو ان اليوم التاسع والعاشر من ربيع الأول هو يوم اقتران ابيها رسول الله (ص) سيد الكائنات بوالدتها الطاهرة خديجة الكبرى ولا شك ان الزهراء كانت تظهر الفرح والسرور بذلك اليوم من كل سنة افتخاراً بذلك الشرف العظيم والخير العميم، ويكون قد بقيت عادة اظهار هذا الفرح متوارثاً عنذ مواليها من الشيعة في ذلك اليوم كلّ سنة، ولكن على مرور السنين جهلوا السبب ثم حوره بعض الدساسين الى غير وجهه الصحيح، وبقي الأسم معروفاً عندهم هو فرحة الزهراء (عليها السلام) والسبب مجهولٌ.
ومهما كان الأمر فليس معنى كونه يوم فرح وسرور عند الشيعة ان يؤذي بعضهم بعضا ويتجاسر بعضهم على بعض بيد او لسان، او يستعملوا بعض المفرقعات المزعجة كما يستعمله بعض عوام النجف حاشا عقلائهم وافاضلهم، وسرى ذلك الشعار الخبيث الى جملة من بلاد الشيعة، فأنّ جميع ذلك من اسوأ الكبائر وايذاء المؤمن محاربة مع الله عزَّ وجلّ وايذاء فظيع للائمة، ومن اكبر المصائب على الزهراء (عليها السلام) وقد قاومنا هذه العادات السيئة منذ عدة سنين وخطبنا الناس في الصحن الشريف وعظناهم حتى خفّت وطأة هذه المنكرات ولم يبق منها الاّ الشيء اليسير بالنسبة الى السابق وارجو بتوفيقه تعالى ان لا يبقى لها اثر ان شاء الله، انما الفرح والسرور ان يجلس المؤمنون في نواديهم الخاصة ويتلون القصائد والأشعار البديعة في مدائح اهل البيت (عليهم السلام) وذكر مناقبهم ولو بالاصوات الحسنة التي لم تبلغ حدّ الغناء المحرم)).
اقول: ارجو ان ينتبه القاريء اللبيب الى قول ابن طاووس : ((وجدنا جماعة من العجم والأخوان يعظمون السرور في هذا اليوم أي اليوم التاسع من ربيع ويذكرون انه يوم هلاك كذا، وأشار الى الرواية المنسوبة الى الصدوق)) وما يرمي اليه هذا القول.
ومن هذا المنطلق جاءت تصحيحات الشيخ رحمه الله ، لمعرفته جيدا لدوافع واغراض تلك الجماعات التي ذكرها ابن طاووس..
- هل النار محرّمة على ذرية الزهراء ( عليها السلام)؟
(( السؤال: حدّثتنا طائفة من الاخبار ان ذرية الزهراء (عليها السلام) قد حرّمت عليهم النار حتى لو كانوا من المخالفين، نعم يستثنى منهم من ادعى الامامة لنفسه في تفسير قوله تعالى: [فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ]؟.
الجواب: يخطر على بالي كلام للامام الرضا (عليه السلام) مع اخيه زيد المعروف بزيد النار الذي خرج على المأمون ولمّا ظفر به عفا عنه ووهبه للامام (عليه السلام) فقال الامام لزيد ما مضمونه ولفظه: اغرّك يا زيد ما بلغك ان رسول الله (ص) قال: (انَّ الله حرّم فاطمة وذريتها على النار)، فأن ذلك مختصّ بذريتها من صلبها كالحسن والحسين وزينب (عليهم السلام)، والادلة القطعية عقلية ونقلية تؤيد ذلك وتدل عليه كالحديث المشهور: (خلق الله الجنة لمن اطاعه) الخ، نعم باب العفو والشفاعة والغفران باب آخر ولا يختص بأبناء فاطمة (عليها السلام) بل يعم جميع شيعتها ومواليها، والجميع ابناؤها بالبنوة الروحانية ، رزقنا الله شفاعتها والموافاة على ولايتها)).
***
تصحيحاته لاراء احمد امين
- القول بالرجعة:

(( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون *لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون *فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون)).
[المؤمنون :99 - 103 ]

وفي رده على الاراء التي طرحها الدكتور احمد امين في كتابه "فجر الاسلام" - وهي ردود موجهة بعد ذلك الى الشيعة عموما الذين اعتقدوا بما وجد فيه الدكتور امين تهمة - يقول اية الله العظمى الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله عن الرجعة التي شنع بها امين على الشيعة الامامية الاثني عشرية :
((وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ، ولا إنكارها بضار ، وإن كانت ضرورية عندهم ، ولكن لا يناط التشيع بها وجودا وعدما ، وليست هي إلا كبعض أنباء الغيب ، وحوادث المستقبل ، وأشراط الساعة مثل : نزول عيسى من السماء ، وظهور الدجال ، وخروج السفياني ، وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين وما هي من الاسلام في شئ ، ليس إنكارها خروجا منه ، ولا الاعتراف بها بذاته دخولا فيه ، وكذا حال الرجعة عند الشيعة)).(29)
ويؤكد ص168 : ((وليس لها عندي من الاهتمام قدر قلامة ظفر)).
ويكفي قوله الاخير شهادة، وجاءت جهينة بالخبر اليقين.
علما ان رجال الدين في المذهب رأوا فيها رأيين ، احدهما : رجعة الاشخاص ، والاخر: رجعة دولة الحق، ولم يتفقوا على رأي واحد.
***
- النار المحرمة على الشيعي:
يقول بعض رجال الدين الشيعة القدامى ،وتحت تأثير الغلاة ، وكذلك المعاصرين الذين اسميتهم بالغلاة الجدد، القول بحرمة النار على الشيعي، ليس فقط على المنابر الفضائية فحسب، وانما تعدى ذلك الى بعض المؤلفات التي تخرجها المطابع الحديثة ، وهم في هذا النهج يؤصلون لفرية ما انزل الله بها من سلطان ، الا ان العقل السوي يكذبها ، كما كذبها الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله، وغيره من بعض الفقهاء ومراجع الدين والمفكرين الشيعة الامامية الاثني عشرية الذين سبقوه او الذين جاؤوا من بعده.
اما حديث المنابر ، والمنابر الفضائية الحديثة، واقوال البعض ممن تقودهم عاطفة حب آل البيت ، فهي اقوال لا تصمد امام النقد والتمحيص ، فضلا عن ذلك ، امام آيات القرآن الكريم الواضحة .
يقول د. احمد امين : الشيعة تقول : " إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا " !
فيقول الشيخ رحمه الله ردا على هذه الفرية : (( وما أدري في أي كتاب من كتب الشيعة وجد هذا ، وهل يليق برجل تربع على دست النقد والتمحيص للمذاهب والأديان أن يقذف طائفة من المسلمين بشناعة لا يأتي عليها منهم بشاهد ولا برهان ، كيف وهذه كتب الشيعة كادت أن تسمع حتى الأصم والأبكم . إن الله سبحانه خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قريشا ، ويروون عن أئمتهم عليهم السلام من أمثال ذلك ما يفوت حد الاحصاء . نعم باب الشفاعة من النبي والأئمة عليهم السلام لبعض المذنبين باب آخر ، ولعل القول بالشفاعة في الجملة من ضروريات مذهب الاسلام. وأيضا نعيد ما قلناه قريبا ، وإنه لو تنازلنا وافترضنا أن الشيعة تقول ذلك ، فهل يصح بهذا أن يقال [ بأن ] التشيع أخذ من اليهودية أو [ أن ] اليهودية ظهرت في التشيع ؟ . وهل يحسن بعاقل أن يقول : أن أبا حنيفة أخذ فقهه من المجوس لأنه وافقهم في بعض الفروع في باب النكاح أو غيره ، ويعضد ذلك أنه فارسي الأصل ؟ أليس يعد هذا من سفه القول ، وخطل الآراء التي لا فائدة فيها سوى إيقاد نار الشحناء والبغضاء بين المسلمين ؟ )). (30)
وربما البعض يقول ان هذا القول موجود في بعض كتب المذهب ، الا ان اجابة الشيخ رحمه الله في ذلك ومطالبته للدكتور امين ان (يمحص) تلك الاقوال قبل ان يتهم المذهب، هو القول الفصل ردا على تلك التهمة / الفرية.
***
- التشيع الامامي واليهودية:
شنع الدكتور احمد امين على التشيع الامامي الاثني عشري بتهمة انهم اخذوا معتقداتهم من اليهود ، كما قال البعض من الدارسين من المخالفين لهذا المذهب ، فيرد الشيخ رحمه الله على هذه التهمة قائلا و متسائلا بإندهاش:
(( وهل يصح أن يقال إن اليهودية ظهرت في الاسلام لأن اليهود يقولون بعبادة إله واحد والمسلمون به قائلون ؟ ! وهل هذا إلا قول زائف ، واستنباط سخيف ؟ !)) .(31)
***
- التشيع الامامي والنصرانية:
يقول د. احمد امين : " والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم أن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إلى الله . . " !
فيرد عليه رحمه الله قائلا: (( إن من حق الأمانة على ابن الأمين أن يعين الهدف ، ولا يرسل في غير سدد وبغير سداد ، كان يجب عليه أن يذكر من هو القائل بهذا القول من الشيعة . فهل مراده ما يسمونهم غلاة الشيعة كالخطابية والغرابية والعلياوية والمخمسة والبزيعية وأشباههم من الفرق الهالكة المنقرضة التي نسبتها إلى الشيعة من الظلم الفاحش ، وما هي إلا من الملاحدة كالقرامطة ونظائرهم ، أما الشيعة الإمامية وأئمتهم عليهم السلام فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم .على أن تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى ، بل خلاصة مقالتهم بل ضلالتهم أن الإمام هو الله سبحانه ظهورا أو اتحادا أو حلولا ، أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوفة الاسلام ومشاهير مشايخ الطرق ، وقد ينقل عن الحلاج بل والكيلاني والرفاعي والبدوي وأمثالهم من الكلمات وإن شئت فسمها كما يقولون شطحات ما يدل بظاهره على أن لهم منزلة فوق الربوبية ، وأن لهم مقاما زائدا عن الألوهية ( لو كان ثمة موضع لمزيد ) وقريب من ذلك ما يقول به أرباب وحدة الوجود أو الموجود . أما الشيعة الإمامية وأعني بهم جمهرة العراق وإيران وملايين من مسلمي الهند ومئات الألوف في سوريا والأفغان فإن جميع تلك الطائفة من حيث كونها شيعة يبرأون من تلك المقالات ، ويعدونها من أشنع [ أشكال ] الكفر والضلالات ، وليس دينهم إلا التوحيد المحض ، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق ، أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والامكان ، والتغير والحدوث ، وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية ، إلى غير ذلك من التنزيه والتقديس المشحونة به مؤلفاتهم في الكلام ، من مختصرة ( كالتجريد ) أو مطولة ( كالأسفار ) وغيرهما مما يتجاوز الألوف ، وأكثرها مطبوع منتشر ، وجلها يشتمل على إقامة البراهين الدامغة على بطلان التناسخ والاتحاد والحلول والتجسيم . ولو راجع المنصف الذي يمشي وراء الحقائق وفوق العصبية والأغراض شيئا منها لعرف قيمة قول هذه الناشئة المترعرعة التي قذفتنا بهم أعاصير هذا العصر وتطورات هذا الزمن ، نعم يعرف قيمة قذف الشيعة بالتناسخ والحلول والتجسيم . والقصارى : إنه إن أراد بالشيعة هم تلك الفرق البائدة ، والمذاهب الملحدة التي لا أحسب أن في رقعة الأرض منهم اليوم نافخ ضرمة فنحن لا نضايقه في ذلك ، ولكن نسبتهم إلى الشيعة ظلم فاحش ، وخطأ واضح ، وقد أساء التعبير ، وما أحسن البيان ، ولم يعط الحقيقة حقها . وإن أراد بالشيعة الطائفة المعروفة اليوم بهذا الاسم [ و ] التي تعد بالملايين من المسلمين ، فنحن نطالبه بإثبات ذلك من مصنفات أحد علمائهم من حاضر أو غابر)) . (32)
***
- حوادث تاريخية:
كثر الحديث في تسعينيات القرن الماضي عن حادثة تاريخية سميت مرة بحادثة "الهجوم على بيت الزهراء" ، ومرة بإسم "حادثة حرق بيت الزهراء" ،واضافوا لها اضافات ، ككسر الضلع ، ودخول مسمار الباب في صدر الزهراء ، واسقاط جنينها ، وغير ذلك ، عندما شكك بوقوعها السيد محمد حسين فضل الله في احدى محاضراته في تسعينات القرن الماضي ، فقامت عليه دنيا بعض رجال الدين الشيعة في قم والنجف ولم تقعد ، واخرجت المطابع كتب البعض ردا على هذا التشكيك .
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله :
((ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبّله عقلي، ويقتنع به مشاعري، لا لأن القوم يتحرّجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية التي ركّزتها الشريعة الاسلامية وزادتها تأييداً وتأكيداً تمنع بشدة ان تضرب المرأة او تمد اليها يد سوء، حتى انّ في بعض كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) ما معناه: ان الرجل كان في الجاهلية اذا ضرب المرأة يبقى ذلك عاراً في اعقابه ونسله.
ويدلّك على تركّز هذه الركيزة بل الغريزة في المسلمين وانها لم تفلت من ايديهم وان فلت منهم الاسلام: ان ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على الله وانتهاك حرماته لما فضحته الحوراء زينب (عليها السلام )، وافلجته وصيرته احقر من نملة، واقذر من القملة، وقالت له: ثكلتك امك يا ابن مرجانة، فاستشاط غضباً من ذكر امه التي يعرف انها من ذوات الاعلام، وهمّ ان يضربها، فقال له عمرو بن حريث وهو من رؤوس الخوارج وضروسها انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فاذا كان ابن مرجانة امتنع من ضرب العقيلة خوف العار والشنار وكلّه عار وشنار، وبؤرة عهار مع بعد العهد من النبي (ص) فكيف لا يمتنع اصحاب النبي (ص) مع قرب العهد به من ضرب عزيزته، وكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ولو كانوا اعتى واعدى من عاد وثمود. ولو فعلوا او هموا ان يفعلوا اما كان في المهاجرين والانصار مثل عمرو بن حريث فيمنعهم من مدّ اليد الأثيمة، وارتكاب تلك الجريمة، ولا يقاس هذا بما ارتكبوه واقترفوه في حق بعلها سلام الله عليه ومن العظائم حتى قادوه كالفحل المخشوش فأن الرجال قد تنال من الرجال ما لا تناله من النساء.
كيف والزهراء (عليها السلام ) شابة بنت ثمانية عشر سنة، لم تبلغ مبالغ النساء واذا كان في ضرب المرأة عار وشناعة فضرب الفتاة اشنع وافظع، ويزيدك يقيناً بما اقول انها ــ ولها المجد والشرف ــ ما ذكرت ولا اشارت الى ذلك في شيء من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلّمها من القوم وسوء صنيعهم معها مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي القتها على المهاجرين والأنصار، وكلماتها مع امير المؤمنين (عليه السلام) من المسجد، وكانت ثائرة متأثرة اشد التأثر حتى خرجت عن حدود الآداب التي لم تخرج من حظيرتها مدة عمرها، فقالت له: يا ابن ابي طالب افترست الذئاب وافترشت التراب ــ الى ان قالت: هذا ابن ابي فلانة يبتزّني نحلة ابي وبلغة ابني، لقد اجهد في كلامي، والفيته الألد في خصامي ولم تقل انه او صاحبه ضربني، او مدّت يد اليّ وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار بعد سؤالهن كيف اصبحت يا بنت رسول الله؟ فقالت: اصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكنَّ، ولا اشارة فيها الى شيء عن ضربة او لطمة، انما تشكو اعظم صدمة وهي غصب فدك واعظم منها هي غصب الخلافة وتقديم من أخر الله وتأخير من قدّم الله، وكل شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين وكذلك كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) بعد دفنها، وتهيّج اشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم، حيث توجه الى قبر النبي (ص) قائلاً: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك الى آخر كلماته التي ينصدع لها الصخر الأصم لو وعاها، وليس فيها الاشارة الى الضرب واللطم ولكنه الظلم الفظيع والامتهان الذريع، ولو كان شيء من ذلك لأشار اليه (عليه السلام)، لأن الأمر يقتضي ذكره ولا يقبل ستره، ودعوى انها اخفته عنه ساقطة بأن ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن اخفاؤها.
واما قضية قنفذ وان الرجل لم يصادر امواله كما صنع مع سائر ولاته وامرائه وقول الامام (عليه السلام): انه شكر له ضربته فلا امنع من انه ضربها بسوطه من وراء الرداء وانما الذي استبعده او امنعه هو لطمة الوجه وقنفذ ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب او على عضدها وبالجملة فأن وجه فاطمـة الزهـراء هـو وجـه الله المصون الذي لا يهان ولا يهون ويغشى نور العيون، فسلام الله عليك يا ام الأئمة الأطهار ما اظلم الليل واضاء النهار،0 وجعلنا الله من شيعتك الأبرار، وحشرنا معك ومع ابيك وبنيك في دار القرار)). (33)
***
الهوامش:
1 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 214 وما بعدها .
2 - المصدر السابق – مقدمة التحقيق - ص 56 .
3 – المصدر السابق – ص59.
4 - المصدر السابق - ص60
5 - المصدر السابق - ص62.
6 - المصدر السابق - ص63 .
7 - المصدر السابق - ص66.
8 - المصدر السابق - ص 68وما بعدها.
9 - المصدر السابق - ص87 وما بعدها.
10 - المصدر السابق - ص74 وما بعدها
11 - المصدر السابق - ص76 وما بعدها.
12 - المصدر السابق - ص101 وما بعدها.
13 - المصدر السابق - ص105.
14 – المفيد - أوائل المقالات - ص 48.
15 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 214 – 215.
16 - المصدر السابق - ص 210.
17 - المصدر السابق - ص 210.
18 - المصدر السابق - ص 210 – 213.
19 – المصدر السابق - ص221.
20 - محمد جواد مغنية - الشيعة في الميزان - ص 268 .
21 – الموقع الالكروني لسماحة الامام الشيخ المؤيد.
22 – زبدة التفكير في رفض السب والتكفير – السيد علي الامين - ص 17 .
23 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 223.
24 - وعن صور التحريف التي وردت في كتب المذاهب الاخرى ، يمكن مراجعة :
*محاضرات الأدباء للأصفهاني- 511 .
* القرطبي- 901؛912 ، 2725؛ 2726.
* مختصر تاريخ دمشق لابن منظور- 2852.
*أسد الغابة- 1385؛ 1472
* محلى ابن حزم- 1860.
* الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
* مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي .
راجع : فروقات المصاحف - نبيل فياض – الموقع الالكتروني " الذاكرة " . كذلك كتابه : (أمّ المؤمنين تأكل أولادها).
25 – راجع :هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي - ص 129 وما بعدها.
- وسيف بن عمر التميمي هذا من الوضاعين ، وضع كتابين ، هما : (الفتوح والردة) و كتاب (الجمل ومسير عائشة وعلي) وملأهما بالاكاذيب التي نشرها بعده الطبري وابن الاثير وابن عساكر وابن كثير وغيرهم .
26 – المصدر السابق - ص180 – 181.
27 - على سبيل المثال من الكافي: ص 266 ج1 ، ص 340 هـ 2 ج1 ، ص168 ج 2 ، 397 هـ 2 ج3 ، ص541 هـ 1 ج3 ، ص9 هـ 2 ج8.
28 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 316
29 - المصدر السابق - ص 167 .
30 - المصدر السابق - ص 168 وما بعدها.
31 - المصدر السابق - ص 167 .
32 - المصدر السابق - ص 176 وما بعدها.
33 – جنة المأوى – الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء – كتاب مستنسخ من الموقع الالكروني "المؤسسة العامة لكاشف الغطاء".
- وادهشني قول السيد مرتضى في الفقرة 9 - ص 20 ج2 ، إذ يقول : ((لا ندري بعد كل ما قدمناه متى كانت أقوال الرجال حجة في اثبات الحقائق أو نفيها ؟)) .
عجبي !!! الم ينقل الحادثة رجال متهمين من قبل الشيعة وهم ( سليم بن قيس ومحمد بن سنان)، ام ان قولهما قرآنا منزلا لا يأتيه الباطل؟
- وراجع كذلك كتاب : الزهراء القدوة – محمد حسين فضل الله – كتاب مستنسخ من موقعه الالكتروني .
- اول من ذكر الحادثة في التاريخ ، سليم بن قيس في كتابه المسمى (كتاب سليم بن قيس) الذي اورثه لراويه أبان بن أبي عياش في سنة 76 الهجرية ! .
وقد شك اغلب رجال الدين الشيعة بعائدية هذا الكتاب لسليم ، بل ان المصادر الرجالية وغيرها تتحدث عن سليم بن قيس وتخرجه عن صفة الوثاقة والصدق هو وتلميذه ابان .
وهو : (( دخل سليم بن قيس إلى المدينة المنورة في أوائل خلافة عمر بن الخطاب ، وكان عمره سبعة عشر عاما ، وبدأ يسأل ويتتبع لكي يعرف ويفهم ، وبدأ يكتب ويدون ، مع أن تدوين الحديث كان جريمة يعاقب عليها صاحبها بالضرب والحبس والحرمان والعزل الاجتماعي ! ! ولكن سليما كان يجيد التحفظ والتقية ، وبذلك استطاع أن يكتب ويحافظ على كتابه ، واستمر على ذلك في خلافة عثمان وبعده طيلة 60 سنة من عمره المبارك . . . وحمله معه في تشريده من بلد إلى بلد ، وهروبه من سيف الحجاج . . . إلى أن ورثه لراويه أبان بن أبي عياش في سنة 76 الهجرية !). ( راجع : كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - ص 12 – 13 ).
وسليم هذا، وكذلك راويه أبان ، قالت عنهما المصادر :
جاء في دراسات في الحديث والمحدثين - هاشم معروف الحسني - ص 197:
(( سليم بن قيس بن سمعان ، وثقه جماعة ، وضعفه آخرون ، وادعى جماعة من المحدثين ، ان الكتاب المعروف بكتاب سليم بن قيس من الموضوعات ، وأطالوا الحديث حوله وحول كتابه ، وجاء فيه ان الأئمة ثلاثة عشر إماما ، وان محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت مع أنه كان في حدود السنتين)) .
وجاء في كتاب : دراسات في علم الدراية - لعلي أكبر غفاري - ص 233:
(( سليم بن قيس الهلالي أبو صادق ، له كتاب معروف . ذكره النعماني والنجاشي والشيخ وذكر الأخير طريقه إليه )). وورد في الصفحة نفسها ، الهامش :
(( يروى كتاب سليم ، إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش ، عنه ، وقال الشيخ أبان بن أبي عياش ضعيف وقال العلامة الحلي : " قال ابن الغضائري : إنه وضع كتاب سليم " . وقال استاذنا الشعراني - رحمه الله - : " التكلم في سليم وأبان بن أبي عياش ينبغي أن يخصص بهذا الكتاب الموجود الذي كان في أيدينا اليوم المعروف بكتاب سليم ، والحق ان هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح - نظير كتاب الحسنية ، وطرائف ابن طاووس ، والرحلة المدرسية - وواضعه جمع أمورا مشهورة وغير مشهورة ، ولما لم يكن معصوما أورد فيه أمورا غير صحيحة ، والظاهر أنه وضع في أواخر دولة الأمويين حين لم يجاوز عدد خلفائهم اثنى عشر نفرا إذ ورد فيه " الغاصبين منهم اثنا عشر ، وبعدهم يرجع الحق إلى أهله " مع أنهم زادوا ولم يرجع ، وبالجملة إن أيد ما فيه دليل من خارج فهو ، وإلا فلا اعتبار بما يتفرد به ، والغالب فيه التأيد وعدم التفرد " )).
وابان هو (( أبان بن فيروز أبي عياش مولى عبد القيس أبو إسماعيل البصري المتوفى ( 138 ) : قال شعبة : ردائي وخماري في المساكين صدقة إن لم يكن ابن أبي عياش يكذب في الحديث . وقال : لا يحل الكف عنه إنه يكذب على رسول الله ( ص ) . وقال أحمد إمام الحنابلة ليحيى بن معين - وهو يكتب عن أبان نسخة - : تكتب هذه وأنت تعلم أن أبان كذاب ؟ وقال شعبة : لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان . وقال : لأن أشرب من بول حماري أحب إلي من أن أقول حدثني أبان . لعله حدث عن أنس بأكثر من ألف وخمسمائة حديث ، ما لكثير شئ منها أصل . تهذيب التهذيب ( 1 / 99 ) . )). ( راجع: الوضاعون وأحاديثهم - الشيخ الأميني - ص 120 ).
فبعد كل الذي قيل في مثل هكذا رجال ، يأتي اخرون ليحطوا من قدر الرجال الذين ينفون وقوع حادثة الهجوم ، كقول من قال على الموقع الالكتروني ( منتديات يا حسين) بعد تهجمه على السيد فضل الله حول انكاره لضرب الزهراء ، وكأن تصديق هذه الحادثة التاريخية عقيدة الهية لا يأتيها الباطل ، اقول ان هذا القائل ، قال عن الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله : (( اخي الشيعي يا من غايته المودة لاهل البيت يا من تريد التولي والتبري ، ولا تأخذك في الله واوليائه لومة لائم إن المدعوا محمد حسين كاشف الغطاء منحرف عقائديا كما محمد حسين فضل الله نعم منحرف ، كما سنبين لك ليس فقط لانه ينفي ضرب اللعينين لسيدة الوجود صلوات الله عليها فهذه وإن كان امرها غير سهل ولكن البعض يحملها على محامل غريبة لكنه تشدق في الكثير من المواطن بكلمات تهين العقيدة وتهين اهل البيت صلوات الله عليهم وخصوصا الزهراء صلوات ربي عليها)).
علما ان كل الروايات التي تذكرها المصادر يمكن ان نقول عنها انها روايات لا تستقيم و العقل السليم ، لانها:
1 – ان اغلبها غير مسند اسنادا صحيحا.
2 – تذكر بعض الروايات ان عمر او احد جماعته كسر سيف الزبير بضربه على الارض ، نتساءل: من أي مادة هي التي صنع منها هذا السيف ؟ و أي ارض ضرب عليها ؟ هل هي ارض كونكريتية صلبة بحيث تكسر السيف ؟ام ان ارضية دار السيدة فاطمة معبدة بالطابوق او الكاشي او المرمر او الصخر؟
3 – ومرة يكون الضارب للسيدة فاطمة هو عمر ، ومرة تذكر انه قنفذ.
4 – ومرة تذكر ان مكان الضرب بالسوط هو كف السيدة فاطمة ( مأساة الزهراء – السيد جعفر مرتضى – ج2 – ص 181 )، ومرة تذكر انه عضدها ( مأساة الزهراء – السيد جعفر مرتضى – ج1 – ص 317 ).
5 – اتساءل ايضا عن الباب المصنوع من السعف (( مأساة الزهراء – السيد جعفر مرتضى – ج2 – ص 173 )) هل فيه مسامير ، وعلى الرغم من ان مثل هذه الابواب (وهي الان مستعملة في بعض بساتين النخيل في جنوب العراق لبعض حضائر الحيوانات) لا تستخدم المسامير في ربطها ، وانما تستخدم خوص النخيل للربط ، اقول على الرغم من كل ذلك ، وبفرض انها ربطت بالمسامير ، وهنا اشرك معي أي نجار يستخدم المسامير في ربط الواح الخشب، واسأله: لو انه ربط لوحين بمسمار وخرج المسمار من الجهة الثانية ، فماذا يفعل به ؟ حتما انه سيرد قائلا : سألويه (احنيه) الى احدى الجهات لكي لا يؤذي الاخرين ، وايضا – وهو المهم – ليحافظ على الربط .

‏15/09‏/2010