الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

كتاب : الحقيقة الضائعة -رسالة في الرواة الرواة - دراسة عن رواية الحديث والاخبار

كتاب : الحقيقة الضائعة -رسالة في الرواة الرواة - دراسة عن رواية الحديث والاخبار
لثرءة الكتاب وتحميله:

رابط الكتاب:

http://www.4shared.com/office/lItuSK87/__online.html


.

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

الشاعر البصري فائق الخالدي - والقصيدة الملمعة

الشاعر البصري فائق الخالدي

والقصيدة الملمعة

داود سلمان الشويلي

مساء ‏الثلاثاء‏ 22‏ /11 / 2011 ، وفي برنامج ظهيرة الجمعة على قناة الشرقية ، حاورت السيدة رقية حسين - مقدمة البرنامج - الشاعر البصري فائق الخالدي ، المقيم في الامارات العربية ، ومن خلال هذا الحوار تعرفنا على شاعر رقيق ، مقتدر من ادواته الشعرية ، من حيث الافكار و الصور ، واللغة ، والبناء الشعري.

ومن ضمن ما قدمه هذا الشاعر (القصيدة الملمعة )، التي هي مزيج من الشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى ، والشعر المكتوب باللهجة العامية العراقية.

وهذا النوع من الشعر لم يكن حديث النشأة ، وانما انتشر في العراق – على حد علمي المتواضع - في النصف الاول من القرن الماضي ، الا انه لم يكن بالصورة التي كتب فيها الشاعر الخالدي قصائده الملمعة ، وانما كان – وقتذاك وما يزال – يكتب بطريقة الشطرين ، شطر باللغة العربية الفصحى والشطر الثاني يكتب باللهجة العامية .اما الخالدي فهو يكتب هذا النوع من الشعر بتقسيم القصيدة الى قسمين ، قسم يكتب باللغة العربية الفصحى ، والقسم الثاني باللهجة العامية.

هذ النوع من الشعر اول من كتب فيه الشاعر العراقي القدير المرحوم رشيد مجيد ، ابن مدينة الناصرية ، مركز محافظة ذي قار ، المدينة المبدعة التي رفدت الحركة الفكرية والثقافية والفنية والسياسية في العراق برجال كثيرين.

الشاعر رشيد مجيد - ودون ان نبخس الشاعر الخالدي حقه الابداعي – هو صاحب اول قصيدة كتبت بهذا النوع من الشعر ، وقد قدمت دراسة عن تجربته هذه في كتابي المعنون (رشيد مجيد ... انسانا وشاعرا – ودراسات اخرى) المنشور على موقع الشبكة العنكبوتية ، وفي هذه السطور سأعيد نشر تلك الدراسة خدمة لحركة هذا النوع من الشعر ، ولاعطاء الناس حقهم في الريادة.

***

* وحشتيني ، وحشتيني،

عمر واتعدت ايامه وجيتيني،

اجيتيني على غفلة 00 وندهتيني

مثل تايه لكه دربه 000 لكيتيني

بعد ما ضاعت سنيني

لكيتيني 000 على تراب العمر لَمّن

جِزَ وكتي ، و لمّن ذِبلَت رياحيني

اجيتيني وانا احلم 00 يناسيني

اجيتي و الصبا موَذّح(1)

و لا واحد يواسيني

تراني شاعر ملوّع

تعالي 000لو ذكرتيني

زماني العَرَّفج بيَّ وعرفتيني

بعد ما عتكت (2) ايامي 000 لكيتيني

مثل طير اهتده إلوِكره

اهتديتي لي 00 بعد غربه وبعد هجره

اهتديتي لي 00 وانا مسودن (3) كضت (4) عمري سواديني(5)

اهتديتي للهوه ، وإذعنتِ لامره

وهذاك آنه لَمَن جيتي

ويا محله حنين الحلوه للعشره

" تمايزتي " بقاياي واشفقتِ(6)

على ما فاتني منها لتغريني

فأسلمتِ لسلطاني

وفي عينيك الحاحٌ00 ترى ماذا

وراء الناس في هيكلها الطيني؟

وهذا المنزوي خلف حناياه؟

اذا حنّ000 فلا طهري يزكيه

ولا رجس الشياطين

وقد جئتِ كمن يبحث عن شيء

توارى في دجى الماضي

وفي اشلاء سبعيني

وها قد مرت الايام 00 لا انتِ

ولا صوتك يأتيني

فأين الالق الساجي؟

وتلك الاعين الوسنى؟

............

.............. الخ (7)

***

طلب مرة مني – الشاعر رشيد مجيد - ان اكتب مقدمة لقصيدته (اسم الله) ذات النمط الشعري الجديد (لغة وافكارا وبناء)0

كانت القصيدة تنتقل فيها اللغة - اذا جاز لنا ان نسمي اللهجة المحكية ايضا لغة - (والافكار) بين مقطع شعري واخر بسلاسة فنية، ودار نقاش طويل بيني وبينه ، كنت من مشجعيه في ابداع مثل هذه النصوص ، وكان هو مهووسا بها ، واكبر همّ كان يشغله ان لا يرى مشروعه هذا النور قبل وفاته 000 وعدته ان اكتب تلك المقدمة 000 ومما كتبت في شهر ت1 من عام 1992:

((يستدعي - النوع الجديد - الذي بدأ يكتبه الشاعر رشيد مجيد اكثر من وقفة ، ويطرح اكثر من سؤال 0

فالشاعر رشيد مجيد ، له تجربة طويلة تمتد على مساحة خمسين عاما من الشعر ، وله دواوين ستة مطبوعة ، وضعف العدد مخطوطا 0

اذكر انه سألني قبل اكثر من اربعة اشهر عن كيفية كتابة (الشعر العامي) 000 وقد دار حديث بيننا بهذا الخصوص ، وقتها سألته ان كان يزمع كتابة (القصيدة العامية) فأجابني قائلا : انتظر 0

وانتظرت اياما ، حتى فاجأني بقصيدة تجمع بين اللغة الفصحى ، وبين اللهجة العامية التي هي الاخرى تتصف بقربها من الفصحى والتي اثير حولها قبل اكثر من عقدين من السنين نقاشا طويلا ، وسميت وقتها بـ (اللغة الثالثة) ، او لغة الصحافة ، او لغة المثقفين ، والتي تتصف ببعدها عن حوشي الكلام واعجمية اللفظة والمفردة ، وتركيبها (النحوي والصرفي) القريب من التركيب اللغوي الفصيح 0

انه (نوع جديد) يختلف عن النوع الذي سمي بـ (الشعر الملمع) ، اذ ان هذا النوع يستدعي عمود الشعر الذي يبدأ صدر بيته فصيحا ، فيما يكون عجزه باللهجة العامية ، ومثل هذا الشعر له غاية محددة ، هي (الهزل)0

ان قصيدة رشيد مجيد (الجديدة) والتي يحاول نشر بعض نماذجها على اساس انه اول من كتبها - كما يقول - ستبقى مجالا لابداء الرأي حولها 000 ونحن في هذه السطور اذ نقف عند هذا الحد ، فأننا نطالب الزملاء الشعراء والنقاد والمهتمين بالادب الى دراسة هذه (القصيدة الجديدة) وابداء الرأي والملاحظة حولها)) 0

سألته مرة عن مشروعه هذا ، فأجاب قائلا : (( لا ادري هل يحق لي ان اسميه مشروعا ؟او انها محاولة قد يكتب لها البقاء ، او انها تموت ساعة ميلادها ؟ ومع هذا ، فهي لا تخلو من انها محاولة كبقية المحاولات التي استطاعت ان تقف على قدميها رغم كل المعوقات وهذا ما اتمناه ، واذا لم يتحقق ذلك ، فهي على الاقل لا تخلو عن كونها محاولة ، وانها ستبقى من خصوصيات الشاعر ، ومع الايام فقد تجد لها منفذا لتطل به على القراء، علما بأن للادب الشعبي ، كما للادب العربي قراؤه ، وقد يلتقي القارئان مع هذا النموذج من الشعر )) 0

وظل الشاعر يكتب هذا النوع من الشعر ، حتى اصبح له منه اكثر من ديوان مخطوط 0

***

((اسم الله ، اسم الله))

(( ما اسرع ما تتردد على فمنا هذه الكلمة عندما

يتملكنا الخوف على من لا نريد ان ينتابه اذى ،

او يصيبه مكروه 000 ))

*( اسم الله 000 اسم الله )

كلمة خوف تنسل الى شفة امرأة

يتملكها الاشفاق ، فلا تتذكر ((غير الله))(8)

من غير استئذان خرجت ،

وبغير استئذان دخلت ،

قلبا اغلقتُ منافذه ،

تلك الكلمة ، ما اعذبها؟

وهي تطل على شفتيك 00 ((اسم الله ، اسم الله))

***

يا محلاها من تتخطى ابخوف ورغبه

يا محلاها بياقوت الفم ،

خمره بكاس القبله العذبه ،

يا محلاها ، ويا مِسعَد ذاكَ اليشربها ،

ويطفي النار المستعره ابكلبه وملتهبه ،

يمته اشوفج يمته؟ واشوف الدنيا ابعينج؟

***

هذا الصوتُ الدافئُ والهمسة والنجوى،

والبوح المتلفتُ في شفتيك 000

---------------------------------

الهوامش:

1 - موذّح : مسرع 0

2 - عتكت : عتقت ، اصبحت قديمة 0

3 - مسودن : مجنون 0

4 - كضت : انتهت 0

5 - سواديني : جنوني 0

6 - وضعت كلمة تمايزتي بين قوسين لانها حلقة الانتقال من اللهجة العامية الى اللغة الفصيحة 0

7 - جزء من قصيدة (بعد ان غاب القمر ) نقلتها عن مسودة للقصيدة التي كتبها الشاعر بتاريخ 25 / 2 / 1994 0

8 – (غير الله) تلفظ كما تلفظها العامة ، بجر حرف الغين ،وبدون لفظ الف اسم الجلالة0

‏الاربعاء‏، 23‏ تشرين الثاني‏، 2011



الخميس، 17 نوفمبر 2011

القرآن الكريم والسنة النبوية

لقراءة الكتاب اتبع الرابط:

http://www.4shared.com/file/npI_pxRL/____.html

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

ليس دفاعا عن اركون

ليس دفاعا عن اركون

داود سلمان الشويلي

لم يكن الفكر العربي (والعربي / الاسلامي خاصة) منذ اكثر من قرن في منأى عن التحدي ، داخليا او خارجيا .

اذ شهد الفكر العربي (الاسلامي) المُعاصر تبدلات وتغيرات كثيرة ، تحت تأثير بعض التيّارات الفلسفيّة و الفكريّة الغربيّة الحديثة ، والتي أثّرت في تكوينه ومن ثم توسيع رؤاه و اتّجاهاته ، خاصة الحداثة ، والعولمة (ما بعد الحداثة) ، وما انتجتهما - كالديمقراطية ، وحقوق الانسان - وتفتت (او محاولة تفتيت) الدولة التي انشأت بعد حروب الاستقلال الوطني من براثن الاستعمار الاوربي .

عند هذا ،ولاسباب كثيرة ، برز الكثير من المفكّرين العرب المُعاصرين، الذين قدّموا إسهامات كثيرة ، من اهمهم، حسن حنفي ، الطيب تيزيني، وعبد الله العروي، ومحمد عابد الجابريّ ، ومحمد أركون، ليقوموا – وتحت تأثير تلك التحديات – بقراءة - فحص ونقد - التراث – التراثيات – العربية الاسلامية قراءة جديدة، اعتمادا على ما توصل اليه الفكر العالمي من مدارس فكرية ، ومناهج جديدة لقراءة النصوص التراثية.

ومحمد اركون ، من بين هؤلاء المفكرين الذين اخذوا على عاتقهم قراءة التراث العربي الاسلامي قراءة جديدة ، وفحصه ونقده ، بإستخدام تلك المناهج ، مما دفع اصوات رأت في عمله هذا ضربة قاصمة لكل ما رافق الفكر العربي الاسلامي – منذ الف عام تقريبا ، وتحت اشتراطات كثيرة، اايدولوجية وسياسية– من حالات الركود والجمود والتزمت والتعصب ، والتي لا ترغب – تحت تبريرات كثيرة – بتغييرها ، فضلا عن التناول النقدي لها.

فأركون ،احد كبار المختصين في الدراسات الاسلامية على المستوى العالمي ، فضلا على المستوى العربي والاسلامي ، وقد انتشرت دراساته وكتيه الى اللغات العالمية ذات الاستخدام الواسع ، كالانكليزية ، والالمانية ، والايطالية ، فضلا على الفرنسية التي يكتب فيها ، وهو استاذ في السربون .

ان مشروعه الفكري الذي بدأه في رسالته للدكتوراه التي كانت بعنوان " الانساني والعقلاني في الفكر العربي في القرن الرابع الهجري" وبدراساته وكتبه الاخرى ، كـ : " تاريخية الفكر العربي الإسلامي" ، " الفكر الأصولي واستحالة التأصيل" ، " الفكر الإسلامي قراءة علمية" ، " نافذة على الإسلام" و " قضايا في نقد العقل الديني" و " الفكر الإسلامي نقد واجتهاد" و " العلمنة والدين و " اين هو الفكر الاسلامي النعاصر " وغيرها ، هو اجابة عن تساؤل مشروع مفاده : كيف نفهم الاسلام الان ، من خلال استخدام المناهج الحديث للعلوم الانسانية؟

وهكذا جاءت دراساته النظرية والتطبيقية للاجابة عن ذلك السؤال من خلال نقده للعقل الاسلامي، وكان الموقف تجاهها – العربي /الاسلامي ، والغربي– مختلفا ،بين القبول والرفض .

ومن بين هذه الاصوات التي لا تعجبها مثل تلك القراءات / الدراسات لاسباب ايديولوجية وسياسية ، فضلا على الموقف التبجيلي لكل ما هو سلفي ، بالمعنى العام لكلمة سلف ، وليس كإتجاه ديني فحسب،موقف إبراهيم السكران ، الذي قدمه في دراسة مطولة رافضة لكل القراءات التي قدمها هذا المفكر الاسلامي العربي ، تحت عنوان ( مصحف البحر الميت) . وكنت اتمنى ان تكون هذه الدرسة قد اطلع عليها اركون قبل انتقاله الى جوار ربه (1) ليمارس حقه في الرد عليها ، اذ انها تطرح تسؤلات كثيرة الا انها - مع كل الاسف – تسؤلات قد طرحت تأسيسا على اجتزاء فقرات من دراسات اركون عن سياقها العام.

ومن الملاحظات التي يمكن تسجيلها على مثل هذه الدراسات :

- رفض أي محاولة لتناول الفكر الاسلامي (وليس الدين الاسلامي عند لحظة التدشين والوحي) بالدراسة الاستكشافية والنقدية .

- رفض أي محاولة لنزع هالة التقديس المفروضة فرضا على تراث (تراثيات)الفكر الاسلامي البشري، للاقتراب منه ودراسته دراسة فكرية موضوعية محايدة.

- الرفض (التكفيري) لاستخدام مناهج الاقتراب الحديثة من النصوص التراثية للفكر الاسلامي، بحجة منشأها الغربي المعادي للاسلام !!!.

- تكفير المفكرين العرب– المسلمين خاصة- الذين قاموا بتلك الدراسات .

والطريقة او الطرق التي استخدموها في رفضهم ذلك ، قد تجلت في الدراسة التي نتناولها في هذه السطور ، اعني دراسة ( مصحف البحر الميت) ، في قسمها الاول ومنها:

1 - ما قاله إبراهيم السكران في دراسته تلك (مصحف البحر الميت) ،كان قلبا للحقائق التي ذكرها النص المقتبس من اركون، والمقطوع من سياقه.

يقول السكران: ((ويتصور البروفيسور محمد أركون أنه لا يوجد اليوم على وجه الأرض نص صحيح للقرآن، وأن النص القرآني الموجود اليوم نص محرّف، وأن النص الأصلي شبه مفقود، لكن ما الحل في نظر أركون؟ من أطرف مشروعات أركون لحل هذه المشكلة التي يراها أنه لا يمكن أن نصل للنص الصحيح للقرآن إلا إذا وصلنا إلى مخطوطات موجودة في البحر الميت، هذه المخطوطات اللاهوتية في البحر الميت ستوصلنا إلى النص الصحيح للقرآن)).

فيما يقول أركون في كتابه [تاريخية الفكر العربي الإسلامي، أركون، 290] :

((لنذكر الآن المهام العاجلة التي تتطلبها أية مراجعة نقدية للنص القرآني..، أي نقد القصة الرسمية لتشكيل القرآن، هذا يتطلب منا الرجوع إلى كل الوثائق التاريخية سواءً كانت ذات أصل شيعي أم خارجي أم سني، هكذا نتجنب كل حذف تيولوجي لطرف ضد آخر، بعدها نواجه ليس فقط مسألة إعادة قراءة هذه الوثائق، وإنما أيضاً محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخراً)).

والذي يقرأ النصين سيجد اختلافا بين ما اراده اركون وما اراد السكران ان يوصله للقراء من قلب للفكرة التي يحملها نص اركون ، وهذا الاختلاف ظاهرا بـ (كاف )التشبيه التي استخدمها اركون مع عبارة (وثائق البحر الميت) والتي محاها السكران ليوهم القراء ان اركون يريدنا ان نترك القرآن – المتداول تعبدا وتدبرا منذ نزوله حتى وقتنا الحاضر – منتظرين قرآنا اخر موجود في البحر الميت ، كالوثائق التوراتية التي وجدت في نغارة قمران قرب البحر الميت. (2)

2 - يؤكد السكران ان اركون يريد التأكيد على ان القرآن محرف (ناقص)، فيما لم يرد ذلك في كل دراسات المفكر اركون.

يقول السكران : ((إذن المصحف الموجود بين أيدينا مصحف ناقص، ونحتاج إلى مصحف مبني على مخطوطات البحر الميت.)).

والذي قاله اركون، ويثبته السكران في دراسته تلك هو: (( لنذكر الآن المهام العاجلة التي تتطلبها أية مراجعة نقدية للنص القرآني..، أي نقد القصة الرسمية لتشكيل القرآن، هذا يتطلب منا الرجوع إلى كل الوثائق التاريخية سواءً كانت ذات أصل شيعي أم خارجي أم سني، هكذا نتجنب كل حذف تيولوجي لطرف ضد آخر، بعدها نواجه ليس فقط مسألة إعادة قراءة هذه الوثائق، وإنما أيضاً محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخراً)). [تاريخية الفكر العربي الإسلامي، أركون، 290]

فأين هو القول بالنقص ؟ ان الذي اراد قوله المفكر الكبير اركون هو ان الوثائق التاريخية التي تتناول تاريخ تدوين القرآن ، وهي وثائق عند كل المذاهب الاسلامية ، ومختلفة ايضا ، كان على الدارس ان يصل اليها لمعرفة القصة الكاملة لتدوين وتشكيل القرآن ن لكي لا نقع في الافخاخ التي نصبتها المصادر المذهبية بعضها للاخر ، ولتكون دراساتنا موضوعية .

3 - وعندما يقول أركون:

((يفيدنا في ذلك أيضاً سبر المكتبات الخاصة عند دروز سوريا، أو إسماعيلية الهند، أو زيدية اليمن، أو علوية المغرب، يوجد هناك في تلك المكتبات القصية وثائق نائمة متمنعة، مقفل عليها بالرتاج، الشئ الوحيد الذي يعزينا في عدم إمكانية الوصول إليها الآن هو معرفتنا بأنها محروسة جيداً)). [تاريخية الفكر العربي الإسلامي، أركون، 291].

يرد السكران قائلا : ((يرى أركون أن جزءاً من القرآن موجود في خزائن غامضة في الهند واليمن، وإذا استطعنا الوصول لهذه الخزائن فربما أمكننا إعادة كتابة القرآن)).

قول عجيب ، بينما يتحدث اركون عن وثائق وليس عن نص قرآني اخر، يحولها السكران الى قرآن، ليوهم القراء بفكرته المبنية على ان اركون يقول بالتحريف.

وكذلك قوله : (( حسناً .. لدينا الآن مصدران هامان لمعرفة نص القرآن الصحيح بحسب أركون، أولهما: مخطوطات البحر الميت، والثانية: الخزائن السرية في الهند واليمن)).

اسأل السكران : في أي دراسة من دراسات المفكر الاسلامي اركون وجدت مثل هذه الفكرة التي نفيناها قبل قليل؟

4 – اسأل السكران:اين السياق الذي قيلت فيه هذه العبارة التي ذكرتها في دراستك؟

((ولكون أركون يتحدث كثيراً عن مخطوطات مفقودة وأخطاء في نص القرآن؛ فإنه يعتقد أننا يجب أن ننجز "طبعة محققة" من القرآن تتجاوز أخطاء النسخ الموجودة بين أيدينا اليوم، ولكنه يتحسر أن المستشرقين المعاصرين لم يعودوا يفعلون ذلك كما كان يفعله قدماء المستشرقين، كما يقول أركون)).

ان الذي قاله اركون وثبته السكران في دراسته تلك هو الاتي :

((المعركة التي جرت من أجل تقديم طبعة نقدية محققة عن النص القرآني؛ لم يعد الباحثون يواصلونها اليوم بنفس الجرأة كما كان عليه الحال في زمن نولدكة الألماني وبلاشير الفرنسي)).[الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، أركون، 44]

اين كلمة اخطاء ؟ بل أي جزء من تلك العبارة يؤكد على ذلك؟

فضلا عن ذلك ، هل ذكر نولدكة شيئا لا يوجد في مصادرنا التاريخية المعتبرة ؟(3)

5 – يقول السكران :

((وهذه المشكلة التي يعتقدها أركون حول ضياع القرآن ليست وليدة العصر بل هي مبكرة، فهو يرى أن علماء الإسلام قاموا بالتلاعب (4) القراءات القرآنية لصناعة نص منسجم، كما يقول أركون)).

فيما يقول اركون :

((نحن نعلم كيف أنهم راحوا يشذبون (5) "قراءات القرآن" تدريجياً، لكي تصبح متشابهة أو منسجمة مع بعضها بعضاً، لكي يتم التوصل إلى إجماع أرثوذكسي)) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 111].

والفرق بين التلاعب (السكرانية ) ،و يشذبون ( الاركونية) ، كبيرا جدا بعرفه ابسط انسان متعلم.

6 - يقول السكران في مكان اخر :

((سأضرب بعض الأمثلة التي توحي بهذه الحيرة، ففي أحد المواضع من كتبه كان أركون يعتبر أن مفهوم (الله) إنما اخترعه (6) النبي والصحابة ليصارعوا به خصومهم السياسيين في الجزيرة)).

ان اركون لم يقل ذلك يا سكران ، بل قال ما نصه:

((نلاحظ أن الجماعة الجديدة الطالعة قد بلورت (7) مفهوم "الله" من جديد، ليس من أجل مضامينه الخاصة الصرفة، وإنما بالدرجة الأولى من أجل تسفيه طريقة استخدامه من قبل أهل الكتاب)). [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 101].

و الحديث عن مفهوم الله هنا – كما ترى الدراسة - لا علاقة له بوجوده سبحانه كما يحلو للسكران القول بان اركون ينفي وجود الله .

إذ يقول السكران : ((أن الكاتب يعاني من قلق كبير في الإيمان بهذه القضايا، يستحيل أن يكون القلب معموراً بالإيمان ويتلفظ بعبارات غير مؤدبة تجاه ربه، وكتاب ربه.))

7 - ينتهي السكران الى ان اركون :

((حسناً .. أخي القارئ ضع في ذهنك الآن ما يقوله أركون من أن: القرآن بعضه مفقود في خزائن الرافضة في الهند واليمن، وأن علماء الإسلام تلاعبوا بالقراءات القرآنية، وأن الصحابة لم يكونوا أمناء في تدوين القرآن، وأن النبي أدخل في القرآن الأساطير، وقصص التوراة بعد أن شوهها، وأن القرآن فيه مغالطات تاريخية، وأن القرآن قسا على المشركين دون مبرر، وأن القرآن هو الذي ينتج التطرف، والعنف، ومضادة العقل، وأن أسلوب القرآن فيه قصور وتكرار زائد وتشنج، وأنه لا يوجد أدلة على صحة نسبة القرآن إلى الله.)).

والنتيجة كما يرى السكران :

((على أية حال.. الشواهد والمعطيات حول موقف أركون من القرآن كثيرة، وكثيرة جداً، بسب أن أساس ما يسمى مشروع أركون إنما يدور حول القرآن، بمعنى آخر فإن ما يسمى مشروع أركون يرتكز كله حول هدف ووسيلة، فأما (الهدف) فهو: تحرير المسلمين من القرآن ليستطيعوا أن يصلوا إلى الحداثة، وأما (الوسيلة) لتحقيق هذا الهدف فهي: تطبيق العلوم الإنسانية على القرآن، لنحقق ماحققه الغرب في تجاوز الكتاب المقدس. هذا باختصار مكثف كل ماتدور حوله كتابات أركون.)).

ويقول السكران:

((ولكن برغم كثرة كلامه حول القرآن إلا أننا يجب فعلاً أن نتوقف عن عرض المزيد من الشواهد، فأظن القارئ المسلم المعظم لله وكتابه لم يعد يطيق أكثر من ذلك، وإنني أشعر أن لهيب الغيرة لله وكتابه قد بلغت غايتها في قلب القارئ الآن)).

ان السكران – في هذا العبارات - يخاطب الغيرة والعواطف، وليس عقل القراءه من المسلمين ، انه قد وضع نفسه في الصف الاسلاموي الذي تحركه العاطفة والغيرة والتعصب لاسباب ايديولوجية ، سياسية، وليس المسلم الذي ينظر الى الاشياء بمنظور العقل ليخرج من عنق الزجاجة التي فرضتها عليه(بل وضعته داخلها) القرون الطوال من هيمنة السلطة السياسية- الايديولوجية ، واغلاق فقهاء السلطة - خاصة - عبر تاريخ الامة الاسلامية باب الاجتهاد ، والتفكير السليم.

***

مثل هكذا دراسة يراد منها ايهام المسلمين بفرضيات لم يقل بها المفكرون المسلمون العرب ، مثل اركون ، وتجييش الغوغاء ضدهم ، ليس للابتعاد من قراءة تلك الدراسات فحسب، بل للنيل من شخوصهم ، انه الارهاب الفكري الذي يستخدمه رجال الحركات الاسلاموية ضد كل ما هو يريد ان يحرك البركة الاسنة التي وضعوا فيها انفسهم . (8)

‏17‏/10‏/2011

------------------------------

الهوامش:

1 - نشرها في شوال 1431هـ .

2 – راجع: التوراة – كتابات ما بين العهدين – الكتب الاسينية – مخطوطات قمران – البحر الميت ، حققت باشراف : اندريه دوبون - سومر – مارك فولوننكي ، ترجمة وتقديم : موسى ديب الخوري ، د1 ، 1998 ، دار الطليعة الجديدة ، سوريا.

3 - راجع : الإتقان في علوم القرآن - السيوطي .

4 - التشديد مني.

5 - التشديد مني.

6 - التشديد مني.

7 - التشديد مني.

8 – على سبيل المثال : ماذا حل يالمفكرين العرب والاسلام في القرن العشرين ؟ اقصاء ، واغتبال، او محاولة اغتيال ، وقطع الرزق ، والفصل من الوظيفة ، ورفض الترقية ،والتكفير ، ومنع نشر الانتاج الفكري .

هذا ما حل ببعضهم ، ابتداء من محاكمة د. طه حسين (استخدامه المنهج الديكارتي في اطروحته في الشعر الجاهلي) ، مرورا برفض رسالة الدكتوراه لمحمد احمد خلف الله ( الفن القصصي في القرآن الكريم )، و قضية رفض الترقية الجامعية للدكتور ابو زيد (لاستخدامه المناهج الحديثة في تحليل الخطاب القرآني) ومن ثم تكفيره و تطليق زوجته ، و اغتيال فرج فوده (لكتاباته النقدية للفكر الاسلامي الموروث) ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ (استخدامه القصص الديني في رواية اولاد حارتنا)، والدكتور محمد اسماعيل عندما درس الفكر الاسلامي سوسيولوجيا من خلال المنهج الماركسي ،و السيد القمني وكتاباته، و علي شريعتي (الايراني) وانفتاحه الفكري، ونبيل فياض وغيرهم ،وغير ذلك من الاحداث الدامية التي تعتبر وصمة عار على جبين القائمين بها، ومن يقف من ورائهم من فكر او رجال، فضلا عن استعداء الحكومات على الكتّاب لمنع نتاجاتهم الفكرية التي يشم منها رائحة المغايرة لكل ما هو موروث مهما كانت صحته الموضوعية او التاريخية، والذي اصبح ارثوذكسية مقيتة لبّست لبوس المقدس.

الخميس، 6 أكتوبر 2011

العلمانية المؤمنة (2)(*) ليس دفاعا عنها

العلمانية المؤمنة (2)(*)

ليس دفاعا عنها

داود سلمان الشويلي

كثيرا ما استخدم اسلوب التجربة الشخصية – فكرية وتطبيقية - في مناقشة موضوع ما ،لانني اجد فيه حميمية اكثر ، و قلمي ينساب سهلا رخوا ، ولكن بإنضباطية عالية.

الموضوع الذي سأناقشه في هذه السطور ، هو ما كنت قد قدمت عنه دراسة سابقة ،الا وهو (العلمانية المؤمنة) (1)

، وقد وجدت – الان – الحاجة الى اعادة الكتابة في الموضوع ذاته ، اثراء له و من المفيد ان يطلع عليه القراء ، وخاصة الذين طرحوا تساؤلاتهم ، ان كان على الموقع الالكتروني الذي نشرت فيه الدراسة – وقتذاك - او من خلال الكثير من المناقشات على الشات ، عن المصطلح الذي طرحته في عنوان دراستي تلك ، وهو (العلمانية المؤمنة). (2)

اطرح في / على هذه السطور سؤال مفاده :ما الذي يخيف المسلمين من علمانية تتصف بالمؤمنة ؟

وقبل ان تتوضح الاجابة في هذه السطور،علينا توضيح وبيان الصفة التي وصفناها بها ، وهي (المؤمنة ) .

ان هذه الصفة التي وصفنا بها العلمانية (الوحش المفترس بالنسبة للمسلمين) (3) ، اي (المؤمنة) لم تكن غلاف سولفان نغلف به هذه (البضاعة الغربية) لنخفي ما فيها من عيوب، مهما كان نوعها و حجمها ونسبتها ، او ان تكون من باب اسلمة الافكار والمفاهيم والمصطلحات ... الخ ، كما يحاول الكثير من المفكرين (الاسلامويون) ومن الكتاب والكثير من علماء الدين في الكثير من (البضائع الغربية). (4)

انما جاءت هذه الصفة بديناميكية شديدة العمق وجذرية داخل الموصوف (العلمانية) ، انها علمانية مؤمنة بالمعنى القرآني (5)، انها مؤمنة بـ :

- الله . (6)

- الملائكة. (7)

- الرسالات السماوية. (8)

- الرسل والانبياء, (9)

- اليوم الاخر.

وعلى هذه العلمانية تطرح امورا كثيرة يمكن مناقشتها في هذه السطور ، من مثل:

- ان الله سبحانه خلق الكون وما فيه (والقوانين التي تتحكم به كذلك) .

والسؤال الذي تطرجه هذه العلمانية او يطرح عليها، هو: هل ما زال سبحانه – وسيبقى - يتحكم بالكون الى ما يشاء ؟

والجواب كما ترى ، هو : ان الله قد خلق الكون وما فيه ، ووضع قوانينه ، (ثم استوى على العرش) (10)

ان العلمانية المؤمنة تؤكد على:(( ان كل الظواهر الدنيوية ، الدولة ، التطور العلمي ، افعال البشر ، الظواهر الطبيعية ... على انها مسيرة من الله ، بل هي من فعل نواميس الطبيعة – الموضوعة من الله من النشأة الاولى - وكذلك البشر كل حسب العائدية ، اما ان يكون الله قد احكم القوانين العامة لخلقه ، الكون وما فيه ، فهذا ما اعتقد واؤمن به ، بعد ذلك فهي تسير ضمن قوانينها العامة تلك ، فالكون غير قادر على تجاوز تلك القوانين (النواميس)، والا فانه سيختل ومن ثم سينتهي ، ولا البشر قادرون على تجاوز ما جبلوا عليه من قوانين عامة (الا الحالات المرضية وهي امور ذات علة خارجية)، كل ينتج فعاليته من خلال قوانينه الخاصة التي تضمها القوانين العامة التي جبل عليها منذ النشأة الاولى)) . (11)

والتغير الحاصل في النفس البشرية على سبيل المثال لم يكن صادرا من الله حسب قوله في كتابه العزيز : ((ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم)). [الانفال:53 ](12)

- موقف الاسلام من العقل (بفاعليتيه: القديمة والحديثة).

ان الذي حدى بهذه الدراسة ان تطرح موضوع العقل، هو انها تنظر الى كل الظواهر الحياتية (أي الامور المرتبطة يالكائنات الحية) والطبيعية (الكون وما فيه)،نظرة عقلية ، أي انها تنطلق من العقل وتعود اليه لتعقل تلك الظواهر ، وتكتشف قوانين النشـأة الاولى للسيطرة عليها – على الظواهر - او على ما يعتورها من امور (كالمرض ، مهما كان نوعه ، بالنسبة للكائن الحي على سبيل المثال)، تحت اشتراط قرآني يؤكد على : ((يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان)). [الرحمن: 33 ]

ان العقل – وكما تقول الشيعة – هو أول الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شئ إلا به ، وقد جعله الله زينة لخلقه ونورا لهم ، و جعله الله قوامه وزينته وهدايته . (13) واعطته المعتزلة المنزلة الاولى في النظر والاستدلال لكل شيء، (14) وفضلا عن ذلك ،ان القرآن الكريم قد مجده وحث المسلمين على الاحتكام اليه ، بل وخاطيهم به .

وما وصلت اليه البشرية من تقدم على الصعيد البشري، و امكانية السيطرة على ظواهر الكون لتحسين ضروف الحياة، فكان به.

هذه بعض الامور التي وددت ان اتناولها في هذه السطور عن العلمانية المؤمنة .

ويبقى السؤال المطروح : ما المطلوب منا نحن المسلمون لكي نبقى مشاركين للاخرين الحياة على الارض دون ان نظل مستهلكين لما ينتجه الغرب على كافة الاصعدة ، ومحافظين على ايماننا الذي طالبنا به خالقنا بالقرآن ؟

هذا ما سنبحثه في دراسة قابلة.

‏06‏/10‏/2011

-------------------------------

الهوامش:

* استخدم (ليس) النافية للمرة الثانية او الثالثة في عناوين كتاباتي وربما سأستخدمها لمرات عديدة في قابل الايام عندما اناقش موضوعا هو بنفسه يحمل اليات الدفاع عن نفسه.

1 - نشر على موقع العلمانيين العرب وغيره.

2 - هذا المصطلح من وضعي ، وان كان قد استخدم سابقا ولم اكن قد اطلعت عليه لقصور مني فاقدم اعتذاري للقراء عن هذا الادعاء.

3 – هكذا عند الاسلامويزن.

4 - لا اعني بكلمة البضائع المفهوم التجاري الدقيق لها .

5 - اؤمن على المستوى الشخصي بهذا الايمان، لانه الايمان المطالب به كل مسلم من قبل الله في القرآن، بعيدا عن مفردات الايمان التي جاءت به المذاهب الاسلامية.

6 - دون تفلسف ، او الدخول بما جاء به اصحاب الكلام واختلفوا فيه من مواضيع ، من مثل الصفات على سبيل المثال.

7 - دون الدخول بما ادخل الفكر الاسلامي نفسه فيه، من خلال وضع صفات مادية للملائكة على سبيل المثال.

8 - ترى هذه الدراسة، و اعتمادا على العلمانية المؤمنة، ان ما جاءت به الرسالات السماوية من تشريعات - خاصة - هي تاريخية التطبيق الا انها يمكن ان تتسامى على التاريخ من خلال تكييفها تحت اشتراطات توالي الزمن وتقدمه ، وليس بالرجوع به الى الف واربعماية سنة ، زمن النزول.

9 - ودون وصفهم الا بما وصفهم الله به من انهم بشر مثلنا، تنزل عليهم الرسالة السماوية ليبشروا بها ولينذروا وليبينوا ويوضحوا مراميها ومعانيها السامية.

والرسول او النبي ليست له سيطرة على الناس كافة، او انه يستطيع ان يهديهم :

قال تعالى :

((فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر)). [الغاشية: 21 -22 ]

((إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)). [القصص: 56 ]

((ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون * ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون)). [يونس:42 -43 ]

10 - لا تشغل العلمانية نفسها بكيفية ونوعية وشكل واليات هذا الاستواء، لا لكي تجنب نفسها مسألة القول او عدم القول يالتجسيم الذي جاء به الفلاسفة واصحاب الكلام وانما لانها ترى ان الله يصف نفسه بما يشاء، دون ان يريدنا اتباعه او عدم اتباعه بهذا الوصف.

11- راجع دراستنا العلمانية المؤمنة.

12 - اما قوله تعالى : ((أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا)). [النساء:78 ]

فانه يقع تحت مفهوم النشأة الاولى ، إذ كل قد قدره الله وقضاه من النشأة الاولى ، انه يعلم بكل شيء يقوم به العبد دون ان يتدخل فيه .

حتى في قضية الدعاء واستجابة الله له - على سبيل المثال- ، على انه يغير ما سيقع من ضرر للعبد يقع ايضا تحت هذا المفهوم والعلم الاولي لله ، وليس تحت مفهوم البداءة الشيعي الامامي.

13 - راجع : الكافي - الكليني - ج 1 - ص 28 – 29.

14 - ولا تختلف قكرتهم الى اساس العقل عن نظرة الشيعة كما وضحناها قبل قليل . ونبعد سطورنا هذه عن الخوض في من هو اول من قال بهذه الفكرة.

اما المذاهب الاخرى، فهي ، اما انها نفته جملة وتفصيلا او قدمت عليه الشرع كالمذاهب الاشعرية.

الاثنين، 26 سبتمبر 2011

السنة النبوية و التشريع

السنة النبوية و التشريع

داود سلمان الشويلي

(( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين* وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )). (1)

(( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )).

(( ما فرطنا في الكتاب من شئ )).

(( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )).

الآيات اعلاه – وغيرها - توضح بما لا يقبل الشك ان الانبياء والرسل لا يشرعون ابتداء، بل هم مبشرين ومنذرين ، وكذلك مبينين لما بشروا به ، لانه في الكتب التي انزلت عليهم من السماء بطريق الوحي ، تبيان لكل شيء ولم تنس صغيرة ولا كبيرة من امور الدنيا والاخرة ، وعندما اراد الله ان ينهي الرسالة المحمدية ، بعد ان بين فيها كل شيء للناس ، قال سبحانه ، انه اكمل دينه الذي سماه سبحانه الاسلام ، وسمى نبيه ابراهيم اتباعه بـ (المسلمين).

وكل الكتب السماوية ، والقرآن خاصة ، لم تذكر ان الرسل والانبياء يشرعون لامر ما ، دنيوي او اخروي .

(( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب)). [ الشورى: 13 ] ، وكذلك:[المائدة: 48 ]، [الجاثية: 18 ]

في الايات اعلاه يبين الله سبحانه وتعالى انه جل شأنه هو المشرع الوحيد لكل الشرائع ، وقد استخدم (جعلنا) مرة تدل على ان الشريعة هي من جعل الله ، والاخرى (جعلناك على) ، في انه سبحانه قد جعل النبي (ص) على امر من هذه الشريعة .

فهل محمد (ص) (الرسول النبي) قد خالف امر الله ، وراح يشرع من دونه – حاشاه – ، او حتى بأمر منه سبحانه؟ (2)

السطور التالية ستوضح ذلك.

***

ان المقولة الدوغماتية حول ان السنة – بكل معانيها - هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وواجبة الاتباع ، مقولة لم ينزل بها الله ولا رسوله من سلطان .

و الايات القرآنية التي تؤكد على طاعة الرسول هي ايات تقرر ان هذه الطاعة محكومة اولا بطاعة الله ، أي ان ما جاء به الرسول وحيا من الله – أي قرآنا – هي الطاعة المطلوبة .

وان ما جاء في الايتيين 3 – 4 من سورة النجم: ((وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)). تأكيد على ان الرسول ينطق بما يوحى له ، أي بما ينزل به جبريل من قرآن ، وليس بكل ما يقوله.

وهذا ما تؤكده ايات كثيرات من مثل :

(( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)). [يونس:15 ]، وكذلك:[هود:12 ]، [الانعام :50 - 55 ] ،[الاعراف:203 - 204 ]، [الانبياء:107 -108 ]، [الاحقاف: 9 ]

اما ايتي سورة الاحزاب فانها تخاطب محمدا من باب النبوة لذا فهي تحذره من اطاعة الكاقرين والمنافقين وفي الوقت نفسه يطلب منه اتباع ما يوحى له من باب الرسالة.

(( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما * واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا )).[الاحزاب:1- 2 ]

هذه الاية تطالب النبي ان يتبع الوحي المنزل على الرسول ، أي ان يتبع النبي الرسول في ما نزل عليه.

فضلا عن ذلك لم تنزل آية تطالب المسلمين والناس كافة اتباع النبي وطاعته ، بل انه سبحانه يطالبهم باتباع وطاعة الرسول.

وكذلك ، فسبحانه كثيرا ما يعاتب النبي ، ولم نقرأ مرة واحدة انه سبحانه عاتب الرسول ، لان النبي هو الذي يتحرك بين الناس مبشرا بالرسالة ومنذرا ومبينا والتي اوحيت الى الرسول فسلمها الى النبي (في الاسلام الرسول هو النبي) ، أي العتاب من باب النبوة لا من باب الرسالة.

1 – لفظة الرسول تاتي في الكثير من الاحيان عند الحديث عن الجنة [البقرة:214 ]

2 - الرسول هو اول مؤمن بما أنزل إليه من ربه [البقرة:285 ]

3 – الرسول هو الذي يتبع [ ال عمران:53 ]

4 – الطاعة لله ومن بعد ذلك للرسول [النساء:59 ] [المائدة:92 ]

5 – الرسول هو الذي يستغفر لمن يريد الاستغفار [النساء:64 ]

6 – الرسول هو الذي يشاققه الناس وليس النبي [النساء: 115 ] [محمد:32 ]

7- الذي ياتي بالحق من الله هو الرسول (النساء: 170 )

8 – الرسول هو الذي يحزنه وجود الكفار [المائدة:41 ]

9 – الرسول مبلغ الرسالة [المائدة :67 ] [المائدة:99 ]

10 – الذي ينزل من السماء ينزل على الرسول [المائدة:83 ]

11 – الاستأذان يطلب من الرسول [النور:62 ]

12 – الذي يخاطبه الله هو الرسول فقط [الفرقان:30 ]

13 – الذي ياتي به الرسول هو الذي يؤخذ[الحشر: 7 ]

اما لفظة نبي (النبي) فتأتي في ايات كثيرة لا تدل على التشريع او تطلب منه التشريع:

1 – ((يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)). [الانفال:64 ] ، وكذلك : [الانفال:65 ]، [الانفال:70 ]، [التوبة:73 ]، [التوية: 117 ]، [الاحزاب: 1 ]، [الاحزاب:6 ]، [الاحزاب:13 ] ،[الاحزاب: 28 -33 ] ، [الاحزاب:50 ]، [الاحزاب:53 ]، [الاحزاب:59 - 60 ]، [الحجرات: 2 ]، [الممتحنة: 12 ] ، [الطلاق: 1 ]، [التحريم: 1 ]، [التحريم: 3 ]، [التحريم: 9 ].

***

الفرق بين الرسول والنبي:

هناك فرق بين الرسول والنبي، على الرغم من ان القرآن يؤكد على ان الاثنين يوحى لهما، ومهما كان نوع هذا الوحي ، ان كان بواسطة احد الملائكة ، او كان في المنام - كما يقول بعض المفسرين وعلماء الكلام – الا انه وحي من الله ،و الفرق يبقى في الوظيفة التي يقوم بها كل واحد منهما ، وهي وظائف متداخلة ،الا انه يمكن الفصل بينهما.

فالرسول ، هو مستلم وحامل الشريعة (الدين) والمبشر بها والمنذر، فيما النبي هو شاهد على الناس ومبشر بها ومنذر وداعي (الاحزاب: 46) ومبين ومفسركذلك، أي ان الرسول عندما يستلم الرسالة ،تبدأ وظيفة النبي بالتداخل مع وظيفة الرسل فيكون التبليغ والتبشير والانذار ،ثم ينفصل النبي عن الرسول ،ليبقى نبيا يقوم بوظيفة التبشيروالانذار والبيان والتفسير، وكذلك كشاهد على تنفيذها من قبل الناس .

(( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما )). [ النساء : 165 ]، وكذلك: [يونس:2 ]

وقد شرق وغرب المفسرون وعلماء الكلام في تفسيرهم للفظي رسول ونبي ،فقالوا في الفرق بينهما:

قال العسكري : ((أن النبي لا يكون إلا صاحب معجزة وقد يكون الرسول رسولا لغير الله تعالى فلا يكون صاحب معجزة . والانباء عن الشئ قد يكون من غير تحميل النبأ ، والارسال لا يكون بتحميل ، والنبوة يغلب عليها الإضافة إلى النبي فيقال نبوة النبي لأنه يستحق منها الصفة التي هي على طريقة الفاعل ، والرسالة تضاف إلى الله لأنه المرسل بها ولهذا قال برسالتي ولم يقل بنبوتي والرسالة جملة من البيان يحملها القائم بها ليؤديها إلى غيره ، والنبوة تكليف القيام بالرسالة فيجوز إبلاغ الرسالات ولا يجوز إبلاغ النبوات .

الفرق بين النبي والرسول : قيل : لا فرق بينهما ، وقيل : الرسول أخص من النبي لان كل رسول نبي من غير عكس . وقيل : الرسول الذي معه كتاب الأنبياء ، والنبي الذي ينبئ عن الله وإن لم يكن معه كتاب . كذا قال جماعة من المفسرين ، وأورد عليه أن لوطا وإسماعيل وأيوب ويونس وهارون كانوا مرسلين ، كما ورد في التنزيل ، ولم يكونوا أصحاب كتب مستقلة . وقيل : الرسول من بعثه الله بشريعة جديدة يدعو الناس إليها ، والنبي : من بعثه لتقرير شريعة سابقة كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهما السلام)) . (3)

فيما قال الطباطبائي من مفسري الشيعة: (( ومعنى الرسول حامل الرسالة ، ومعنى النبي حامل النبأ ، فللرسول شرف الطاعة بين الله سبحانه وبين خلقه والنبي شرف العلم بالله وبما عنده .

وقد قيل أن الفرق بين النبي والرسول بالعموم والخصوص المطلق فالرسول هو الذي يبعث فيؤمر بالتبليغ ويحمل الرسالة ، والنبي هو الذي يبعث سواء أمر بالتبليغ أم لم يؤمر .

لكن هذا الفرق لا يؤيده كلامه تعالى : ( واذكر في الكتاب موسى أنه كان مخلصا وكان رسول نبيا ) مريم - 51 ، والآية في مقام المدح والتنظيم ولا يناسب هذا المقام التدرج من الخاص إلى العام كما لا يخفى . وكذا قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " الحج - 51 ، حيث جمع في الكلام بين الرسول والنبي ثم جعل كلا منهما مرسلا لكن قوله تعالى : " ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء " الزمر - 69 ، وكذا قوله تعالى : " ولكن رسول الله وخاتم النبيين " الأحزاب - 40 ، وكذا ما في الآية المبحوث عنها من قوله تعالى : " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " إلى غير ذلك من الآيات يعطي ظاهرها أن كل مبعوث من الله بالارسال إلى الناس نبي ولا ينافي ذلك ما مر من قوله تعالى : وكان رسولا نبيا الآية ، فإن اللفظين قصد بهما معناهما من غير أن يصيرا اسمين مهجوري المعنى فالمعنى وكان رسولا خبيرا بآيات الله ومعارفه ، وكذا قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الآية لامكان ان يقال : ان النبي والرسول كليهما مرسلان إلى الناس ، غير أن النبي بعث لينبئ الناس بما عنده من نبأ الغيب لكونه خبيرا بما عند الله ، والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة على أصل نباء النبوة كما يشعر به أمثال قوله تعالى : " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالحق " يونس - 47 ، وقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " الاسراء - 15 ، وعلى هذا فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم ، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على اتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكة أو عذابا أو نحو ذلك قال تعالى : " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء - 165 ، ولا يظهر من كلامه تعالى في الفرق بينهما أزيد مما يفيده لفظاهما بحسب المفهوم ، ولازمه هو الذي أشرنا إليه من أن للرسول شرف الوساطة بين الله تعالى وبين عباده وللنبي شرف العلم بالله وبما عنده وسيأتي ما روي عن أئمة أهل البيت " عليهم السلام " من الفرق بينهما)) .(4)

وقالت المعتزلة ان:((لا فرق بينهما فإنه تعالى خاطب محمدا مرة بالنبي وبالرسول مرة أخرى )). (5)

فيما يقول المرجع الديني الامام الشيخ حسين المؤيد (فقيه ومرجع جعفري من المعاصرين):(( يتصف محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكلا العنوانين فهوَ رسول وهو نبي , وقد خاطبه الله تعالى في القرآن تارة بعنوانه الأول وذلك في موضعين الأول في الآية 41 من سورة المائدة في قوله تعالى " ياأيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر ..." والثاني في الآية 67 من السورة نفسها في قوله تعالى " ياأيها الرسول بلّـغ ماأنزل اليك من ربك ...". وتارة اخرى بعنوانه الثاني وذلك في مواضع عديدة ،هذا غير ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم بوصف الرسول تارة وبوصف النبي تارة أخرى من غير توجيه خطاب ،فذكره بكل من الوصفين كثير في آيات القرآن الكريم .وقد بحث علماء الكلام وعلماء التفسير قضية الفرق بين العنوانين وأفيدت آراء عديدة بهذا الصدد أهمها:-

1- أن وصف الرسول انما هو بلحاظ كونه مرسلا من قبل الله تعالى,ووصف النبي انما هو بلحاظ ماله من رفعة ودرجة عظيمة بالأرسال .فلوحظ في الوصف علو المكانة والدرجة على أساس أن لفظ النبي هو من النـَبوة والنباوة أي الارتفاع والعلو . وعلى هذا الرأي يكون اختيار وصف الرسول في الخطاب لأجل بيان أنه مرسل من قبل الله تعالى,واختيار وصف النبي لبيان علو منزلته ورفعة درجته صلى الله عليه وآله وسلم . وقد يردّ هذا الرأي بأن اصل لفظ النبي نبيء لكن ترك همزه ولو كان مأخوذا من النباوة بمعنى العلو لكان أصله غير الهمز ,فيعلم من ذلك أن لفظ النبي لم يؤخذ من النباوة وانما أخذ من الانباء فالنبي فعيل بمعنى مفعل نحو نذير بمعنى منذر ,فهوَ مخبر عن الله تعالى .وهكذا يكون النبي من أنبأ عن الله تعالى.

2- أن وصف الرسول انما هو بلحاظ أنه يؤمر بتبليغ الرسالة ,ووصف النبي انما هو بلحاظ نزول الوحي عليه أعم من أن يؤمر بالتبليغ أولا فهذا هو الفرق بين الرسول والنبي . وعلى أساس هذا الرأي يكون اختيار وصف الرسول في الخطاب بلحاظ أنه مأمور بالتبليغ ,واختيار وصف النبي في الخطاب باعتبار أنه يوحى اليه. وهذا القول مردود أيضا لأن النبي انما يتصف بهذا العنوان بلحاظ انه مخبر عن الله تعالى فهو لايتصف بهذا الوصف الا اذا كان مأمورا بالتبليغ .

3- أن الفرق بين الرسول والنبي ليس بلحاظ الجانب التجسيدي في العمل ومظهر العمل فالرسول مبعوث للتبليغ والنبي مبعوث للتبليغ أيضا وانما التفاوت في كيفية تلقي الوحي من الله تعالى فان الرسول يستطيع رؤية جبرائيل وسماع حديثه ومكالمته شفاها ,بينما النبي دون ذلك يسمع صوته ولا يرى شخصه يقظة لكن قد يراه في المنام فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا .وقد يجتمعان في شخص واحد كما اجتمعا في محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وعلى هذا الرأي فمن الواضح أن هذه الخصوصية ليست لها مدخلية في إطلاق الوصف بلحاظ المعنى العرفي المتفاهم من كل من اللفظين ,وانما تدل على وجود اصطلاح خاص في استعمال كل منهما . وعلى هذا الرأي يكون اختيار وصف الرسول في الخطاب باعتبار انه يرى جبرائيل ويسمع حديثه ويكالمه شفاها,ويكون اختيار وصف النبي باعتبار أنه مخبر عن الله تعالى بغض النظر عن كيفية تلقيه للوحي . الا أننا على الرأي الأول والثاني لانستطيع التكهن بسبب اختيار أحد العنوانين دون الآخر في شخص خطاب معين من هذه الخطابات القرآنية, اذ على هذا لايعلم سر هذا الاختيار الا الله تعالى ,وليس بأيدينا من الاحاديث مايكشف عنه ,بينما على الرأي الثالث نستطيع على الأقل ان نحتمل وجها دقيقا يكشف عن سبب انتخاب أحد الوصفين دون الآخر وهو أن الخطاب اذا جاء بوصف الرسول بقوله (يا أيها الرسول )فيكون صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى الوحي من خلال رؤية جبرائيل عليه السلام وسماع كلامه ,فنزل جبرائيل عليه بالآية هذه وتلقاها منه وهو يراه ويسمعه ,بينما اذا خوطب صلى الله عليه وآله وسلم بوصف النبي بقوله ( يا أيها النبي )فانه يكون قد تلقى الوحي دون أن يرى شخص جبرائيل يقظة ,فاما أن يكون قد نزلت عليه الآية هذه فسمع الصوت دون ان يرى الشخص ,أو انه رآه في المنام وتلقى منه الوحي )). (6)

وفي النتيجة ، يمكن القول :

- ان الرسول حامل ومبلغ الرسالة الى الناس كافة:

(( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)). [المائدة:67 ]

والنبي هو المسؤول امام الله عن المسلمين بما جاء به الرسول ، مبشرا ومبينا وشارحا ومفسرا وشاعدا، أي انه مكلف بتطبيق هذه الرسالة و مراقبة تنفيذها من قبل الناس ،و بيانها وتوضيحها لهم ، (فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم ، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على اتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكة أو عذابا أو نحو ذلك).

لهذا يخاطبه الله عن كل شيء له علاقة بالمؤمنين برسالة الرسول، أي ما بعد النزول والتبليغ :

ومن وظائفه كما جاءت في القرآن:

- شاهد ومبشر ونذير وداعي.[الاحزاب:45 - 46 ]

- ومحرض المؤمنين على القتال . [الانفال:65 ]

- و يصحح بأمر من الله فكرة المسلمين عن وجود اسرى في حربهم . [الانفال:70 ]

- ويجاهد الكفار والمنافقين.[التوبة:73 ]

- وان لا يطيع الكافرين والمنافقين.[الاحزاب: 1 ]

لهذا :

- يمكن للرسول ان يكون نبيا في الآن نفسه ( رسول ونبي) ، والنبي يمكن ان يتنبأ بلا رسالة ، ولا يكون رسولا، وليس في الاسلام ولا في المسيحية مثل هكذا انبياء ، وانما هم في اليهودية فقط ، وفيهم ايضا الانبياء الملوك ، وقد نفي النبي محمد (ص) ان يكون ملكا، (الانعام :50).

- الرسول ليس له احاديث ، وانما واجبه حمل وايصال قول الله والتبشير والانذار (مع وجود التداخل بين الرسول والنبي)، لهذا لا نجد في الادبيات الاسلامية (حديث رسولي) ، وانما (حديث نبوي) للتبيان والتوضيح ...الخ.

- والنبي يقوم (( بالاجتهاد والعمل حسب المعطيات والإمكانيات والأرضية المعرفية السائدة، ويصحح له من خلال ذلك المقام)). (7)

***

الاتـّباع:

ولو تفحصنا المواضع التي وردت فيها لفظة الاتباع (اتبعوا ،اتبعنا ، يتبعون ) لوجدناها ترد في مقام الرسول الذي يستلم ويبلغ الرسالة ،او ما انزل اليه من السماء ، وليس في مقام النبي ، لان النبي لم تنزل عليه رسالة سماوية ليتبع:

((الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)). [الاعراف:157 ] (8) ، وكذلك : [آل عمران:53 ] ، [ يس : 20 ]، [البقرة:170 ]، [لقمان :21 ]، [الزمر: 55 ]، [ الاعراف:2 - 3 ]

***

الرسول لايجيب الا بوحي:

كان محمد (ص) عندما يسأله بعض صحابته ، او غيرهم بصفته النبوية وهو يعيش بينهم ، فانهم يسألونه كنبي لا كرسول، الا انه – في الكثير من الاحيان - ينتظر الاجابة من الوحي، لانه رسول ينزل عليه في الوقت نفسه ، فتكون اجاباته رسولية نبوية ، على شكل ايات قرآنية.

يقول البخاري في صحيحه ( ج 8 - ص 148 – 154) :

(( باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أولم يجب حتى ينزل عليه الوحي ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى بما أراك الله وقال ابن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت ابن المنكدر يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت فقلت يا رسول الله وربما قال سفيان فقلت اي رسول الله كيف اقضي في مالي كيف اصنع في مالي قال فما أجابني بشئ حتى نزلت آية الميراث)). (9)

وقال ابو رية: ((عن ابن عباس قال : ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن ، منهن : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ، ويسألونك عن المحيض ، قال : ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم - وقال القاسم إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها ، وتنقرون عن أشياء ما كنا ننقر عنها فما رأيت قوما أيسر سيرة ولا أقل تشديدا من الصحابة)).(10)

و قال الحاكم النيسابوري: (( عن أبي الدرداء رضي الله عنه رفع الحديث قال ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية فان الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه)).(11)

و النبي - من مقام النبوة فقط – عندما يسأل يأتي جوابه من مرجعيتين : احدهما المرجعية التي تحدثنا عنها في السطور السابقة – أي من مقام الرسالة – و اخرى تستلهم الواقع الذي يعيشه المسلمون ، كقضية (تأبير النخل) ، واختيارمكان المعركة،وغيرهما من الامور التي ذكرتها المصادر ، لهذا نجد المسلمين يسألونه (ص) هل هذا وحي منزل من الله او رأي خاص، او ما شاور المسلمون عنه ؟ ((وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)). [آل عمران :159 ]

فاقوال الرسول هي ما يوحى له ،ومن تلك الاقوال، الايات التي بدأت بلفظة (سألك ، يسألونك ، يسألك)، والله سبحانه يأمر النبي ان يقول (قل) كذا:

(( يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون)). [البقرة:189 ] ، وكذلك : عنه سبحانه [البقرة:186 ]، وعما ينفقون [البقرة:215 ]،وعن الشهر الحرام [البقرة:217 ]، وعن الخمر والميسر [البقرة:219 ]، وعن اليتامى [البقرة:220] ، وعن المحيض [البقرة:222 ]، وعما احل لهم [المائدة:4 ]، وعن الانفال[الانفال:1 ]، وعن الساعة [الاحزاب: 63 ]، وعن الجبال[طه:105 ]، وعن الروح [الاسراع:85 ]، وعن ذي القرنيين [الكهف:83 ]

وهناك الكثير من الايات التي تدعم هذه الفكرة ، فضلا عما نزل ابتداء بدون سؤال من احد ، وكذلك التشريعات . فالقرآن هو كل ذلك ، اضافة للقصص.

كذلك عندما يسأل الناس النبي (ص) عن بعض الامور الدنيوية ، او مما يتعارف عليها الناس في مجتمع تلك الفترة – كما ذكرنا سابقا - ، فأن اجاباته تنبع من مقام النبوية (اجتهادات) ، والامثلة كثيرة ، حفلت بها المصادر التاريخية، وكان الكثير من تلك الاجابات غير صائبة ، اما لانها من امور الاختصاص (كقضية تأبير النخل) فتصوب من قبل المختصين،او انها تقع ضمن تشريع جديد يريده الله ان يسري بين افراد الامة الاسلامية (سترد الامثلة في السطور القادمة) فيصوبه سبحانه بالوحي، او ان اجاباته (ص) مبنية على ما نزل اليه من السماء .

فلو تتبعنا ابواب كتب الحديث عند كل المذاهب، لرأينا ان كل احاديثها لم يكن فيها تشريعا ، وانما الذي تحمله هو البيان لما في القرآن ، انها بيان وتوضيح ، وحتى ما يحمله الحديث من تخصيص العام وتقيد الاطلاق على سبيل المثال ، لم يكن تشريعا ، وانما هو كلام على كلام كما يقول بعض المهتمين بالنقد الادبي ، يوضح ويبين ويفسر، وهذه الوظائف تأتي بعد التبليغ ، الوظيفة الاصلية للرسول .

وعلى سبيل المثال لو تتبعنا ما جاء في كتب الاحاديث من تحليل وتحريم من قبل النبي لرأينا ذلك واضحا ، اذ كل الذي جاء فيها من اوامر ونواهي وتحليل وتحريم قد ذكر في القرآن.

احاديث نبوية تعتمد القرآن اساسا :

وخير مثال على ذلك ، ما ذكره الامام مسلم في صحيحه، ج8 ( كتاب البر والصلة والآداب ) على سبيل المثال :

(( - باب بر الوالدين وانهما أحق به. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب النهى عن التحاسد والتباغض والتدابر. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله. (يدعمه الوحي بايات .كثيرة)

- باب النهى عن الفحشاء والتهاجر. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب تحريم الظلم. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب تحريم الغيبة. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

--باب تحريم النميمة. (يدعمه الوحي بايات كثيرة) .

- باب النهى عن ضرب الوجه. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب تحريم الكبر. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).

- باب النهى عن تقنيط الانسان من رحمة الله تعالى. (يدعمه الوحي بايات كثيرة) ...)).

وكذلك ما جاء في الكافي ج 2 من احاديث تدعمها ايات قرآنية ، و في كتاب سنن النبي ( ص ) للسيد محمد حسين الطباطبائي، وغير ذلك من كتب الحديث والكثير من المصادر.

فلو ان النبي (ص) لم يتفوه بتلك (الاحاديث) ، فهل المسلم يبقى اسلامه ناقصا ؟ الجواب كما ترى هذه السطور : كلا. لان القرآن قد تكفل بذلك.

***

الاجتهاد المصحح وحيا:

اما عندما يجتهد النبي امرا ما لم يكن موافقا لشرع الله ، فان الوحي بصوبه.

أن التصويب يكون دائما من مقام النبوة ، وليس من مقام الرسالة ، وما ذكرته مصادر اسباب النزول في بعض القرارات التي اتخذها النبي ولم يوافق عليها الوحي الالهي كثيرة، منها:

قضية زيد (وتخفي في نفسك ). (( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا * ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا )).[ سورة الاحزاب: 37 - 38]

قضية تحريم الزوجات (سورة التحريم ): (( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير* إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا. [ تحريم 1 - 5 ]

قضية (اتخاذ الاسرى) : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين * يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين * ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم * يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم * وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم)). [ انفال: 64 - 71 ]

و((عن ابن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا ولك الحمد في الأخيرة ثم قال اللهم العن فلانا وفلانا فأنزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون )).

في القضايا اعلاه خاطب الله محمدا (ص) بصفته النبوية ، وهناك قضايا اخرى لم يستخدم الله عند مخاطبته محمدا (ص) أي صفة، وعلى سبيل المثال ما جاء في القضايا التي ناقشتها الايات التالية:

قضية ابن ام مكتوم ، سورة(عبس) .

قضية الاذن بعدم الخروج الى الحرب . اية (عفى الله عنك لما اذنت لهم) .(12)

***

وما يؤكد قولنا في ان النبي والرسول لا يشرعان ، ما جاء في الكافي ج 2 - ص 17، في ( باب الشرائع ):

(( عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا ( صلى الله عليه وآله ) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ( عليهم السلام ) : التوحيد والاخلاص و خلع الأنداد والفطرة الحنيفية السمحة ولا رهبانية ولا سياحة ، أحل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث ووضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم ، ثم افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود و الفرائض والجهاد في سبيل الله . وزاده الوضوء وفضله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل وأحل له المغنم والفئ ونصره بالرعب وجعل له الأرض مسجدا وطهورا وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والانس وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم ، ثم كلف ما لم يكلف أحد من الأنبياء وانزل عليه سيف من السماء ، في غير غمد وقيل له : " قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " )).

((وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله فرض فرائض فلا تعتدوها ، وحد حدودا فلا تقربوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها " ، رواه الدارقطني والنووي في الأربعين )). (13)

فأي امر بقي من الاسلام خفي عن المسلمين؟ خاصة اذا كانت لفظة سنة في المعنى الاصطلاحي هي كل ما اثر عن النبي من قول او فعل او تقرير، الا انه لم ترد في القرآن ولو لمرة واحدة ما يفهم ان هناك سنة للنبي ، بل الذي ورد هو ان هناك سنن سبقت الاسلام ، سنن الاولين (الانفال - 38) (ال عمران - 137)، وسنن رسل الله الذين سبقوا محمدا (الاسراء - 77)، فضلا عن سنة الله [الاحزاب: 62 ]، [غافر: 85 ]، [الفتح: 23 ]

***

وفي دراسة معمقة للحديث وتاريخه ومصاديقه قام بها محمود ابو رية ، توصل الى نتيجه تنكر وجود ما يسمى بـ (السنة القولية ) (14) ، وانما الموجود هو السنة العملية فقط ، والتي جاءت - عن طريق تعليم جبرائيل للنبي ككيغية الصلاة- للتوضيح والتبيان لما جاء به الشارع ، لا للتشريع.

قال : (( لم يجمع الصحابة السنة القولية ، ولم يتفقوا عليها ، كما جمعوا القرآن واتفقوا عليه .

إن أئمة المسلمين لم يتفقوا على الصحيح منها ، وما منهم من أحد إلا خالف في مذهبه كثيرا منها - ولو صح عند غيره الخ .

الأصل في العبادات البطلان ، حتى يقوم دليل على الأمر .

والأصل في العقود والمعاملات الصحة ، حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم .

والفرق بينهما - أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله ، فإن العبادة حقه على عباده ، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه .

وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها ، ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين ، وهو تحريم ما لم يحرمه ، والتقرب إليه بما)).(15)

وقد افترق العلماء في النظر الى السنة – بكل تجلياتها – فمن قائل انها تشريعية كلها، ومن قسمها الى سنة تشريعية وسنة غير تشريعية ، ومن قال بنفي التشريع عنها ، خاصة عند النظر الى التغيرات التي حصلت بعد رحيل النبي (ص) الى جوار ربه ، والتي احدثها خلفاء النبي والكثير من الصحابة والمسلمين عبر تاريخ مسيرة الاسلام ،فذكروا الكثير منها.

***

اما ما يذكره العلماء من امثلة تؤكد التشريعات النبوية من مثل: حرمة زواج المرأة على عمتها او خالتها (اختلف المسلمون في ذلك)، و ان "لا وصية لوارث"،و (( من احيا ارضا ميته فهي له ، وليس لعرق ضال حق )) (16) وغيرها ، فهي تحتاج الى دليل قرآني ، لان اغليها يتضارب مع القرآن.

اذن، يمر كلا من الرسول والنبي بأدوار ثلاث، هي :

- دور الرسول : ووظيفته حمل الرسالة الالهية ، والتبشير بها ، وانذار للناس.

- دور الرسول النبي: إذ تتماهى وظيفة الرسول بوظيفة النبي ، فيكون التبشير بالرسالة ، والانذار .

- دور النبي : ينفصل النبي عن الرسول ، ووظيفته هي البيان والشرح والتفسير،لانه شخص يعمل بين الناس والمسلمين خاصة ، ويحمل ثقافتهم ومعارفهم.

والخلاصة:

يتضح من اعلاه ،لا الرسول و لا النبي يكون التشريع من وظيفته ، وانما هو من عند الله سبحانه.

‏آب‏/ 2011

الهوامش:

1 – في هذه الاية نجد سبحانه قد اوكل وظيفتي التبشير والانذار للانبياء ، وهما وظيفتان للرسول ، والسبب انه سبحانه انزل كتابا (شرعا ، دينا) الى رسول هو في الوقت نفسه نبيا ، أي هناك رسول نبي ، كموسى ، وعيسى ، ومحمد،فكل رسول هو نبي يبعث من بين الناس ،لهذا قال سبحانه انه (بعث) الانبياء . اما الكتب فكانت تنزل على الرسل الذين هم في نفس الوقت انبباء ، يأتون بانباء السماء (رسالتهم) عن طريق الوحي.

2 - تأتي هذه الدراسة ردا على من يقول ان النبي محمد (ص) يقوم بالتشريع ، خاصة ماورد في رسالة شخصية لي ارسلها المرجع الديني الجعفري سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد اجابة لما طرحته دراستي المعنونة (( اختلاف أمتي رحمة - مرة اخرى)) التي انكرت فيها وظيفة التشريع عن الانبياء ونبينا خاصة . قال في تلك الرسالة : ((إن تهميش دور السنة النبوية في التشريع أمر خاطيء من الناحية العلمية , و لا يمتلك الأدلة الصحيحة . بل إن القول بأن السنة النبوية هي المصدر الرئيسي الثاني للتشريع والذي لا غنى عنه في إستقاء أحكام الشريعة و مفاهيمها و الذي لا يقتصر على مجرد بيان و توضيح الآيات القرآنية الكريمة , أقول إن هذا القول هو الثابت بالأدلة العلمية البينة و التي لامجال هنا لبحثها )).وحتى قول سماحته – وكذلك قول من سبقه – في ان ((النص يكون مخصصا لعمومات الحلية و مقيدا لأطلاقاتها)) ، فانني ارى ان النبي عندما يقوم بذلك فإنه يصدر من مرجعيتين ، الاولى هي الله سبحانه ، وعندها لا يكون تشريعا منه ، والثانية اجتهاده حسب ما يفرضه الواقع والاعراف الاجتماعية ، عندها يكون اجتهاد يمكن الاخذ به او لا . وهنا ربما معترض يقول ان الله سبحانه امرنا ان نطيع الرسول (وردت طاعة الرسول احد عشر مرة) ، فنقول ان اطاعة الرسول بما يوحى له وليس غيره، ولم ترد مرة واحدة اطاعة النبي ، والشواهد كثيرة وردت في الاحاديث النبوية – ان صحت - ، إذ لم يتخذها المسلمون سنة يطبقونها .

3 - الفروق اللغوية - أبو هلال العسكري - ص 530 - 538

4 - تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 2 - ص 139 – 143

5 – التعريفات – علي بن محمد الجرجاني – دار الكتاب العربي – ط1 – تح: ابراهيم الابياري.

6 – الموقع الالكتروني لسماحته.

7 – جناية البخاري – اوزون

8 - في هذه الاية يكون المخاطب رسولا ونبيا في الوقت نفسه (لتداخل بعض الوظائف)، ولانه سبحانه يريد ان يؤكد ان الرسول هو نبي امي كما يعرفه الناس- اذا فهمنا لفظة امي بمعنى الذي لا يقرأ ولا يكتب ، او بأي معنى كان- و هذا لا ينقص من الامر شيء عند استلامه وحمله وتبشيره برسالة السماء.

9 - وهناك باب وضعه البخاري عن تعليم النبي لصحابته وحيا مثل باب ( باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل).

وجاء كذلك في الصحيح ( ج 8 - ص 154 – 159).

(( عن ابن عباس ان عمر رضي الله عنه حدثه قال حدثني النبي صلى الله عليه وسلم قال اتاني الليلة آت من ربي وهو بالعقيق ان صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة وحجة )).

10 - أضواء على السنة المحمدية - محمود أبو رية - ص 400 – 401

11 - المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 2 - ص 375

12 - راجع كتابنا : وحدة المصدر - دراسات في الايات القرآنية التي فيها خلاف .

13 - أضواء على السنة المحمدية - ابو رية ص397

14- (( قال السيد رشيد رضا : هل الأحاديث - ويسمونها بسنن الأقوال- دين وشريعة عامة ، وإن لم تكن سننا متبعة بالعمل بلا نزاع ولا خلاف ، لا سيما في الصدر الأول ؟ إن قلنا نعم ! فأكبر شبهة ترد علينا - نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة شئ عنه غير القرآن ، وعدم كتابة الصحابة للحديث ! وعدم عناية علمائهم وأئمتهم كالخلفاء بالتحديث ! بل نقل عنهم الرغبة عنه)) . (أضواء على السنة المحمدية - محمود أبو رية - ص 398)

- تقول د .شهلة الحائري في كتايها (المتعة الزواج المؤقت عند الشيعة – حالة ايران 1978 - 1982) ص21:

(( يمثل القرآن الكريم كما اوحي به الى النبي محمد (ص) في القرن السابع الميلادي اصل الشريعة الاسلامية . وبالنسبة الى المسلمين يعتبر القرآن الكريم المعجزة الالهية التي تحتوي الحقيقة المطلقة . فهو كلمة الله ووحيه ، ولذلك بؤمنون بفدسيته وكماله وابديته . الاحكام القرآنية تغطي مساحة محدودة نسبيا من الحياة الاجتماعية . تاركة الدوائر الاخرى المتزايدة التعقيد ، من حياة المجتمع الاسلامي ، مفتوحة امام الارتجال والاجتهاد الفردي. ولتكييف هذه الشرائع المقدسة وللحد من تنوع الاراء الفقهية ، تم تجميع اقوال النبي محمد (ص) "الاحاديث" ، واستعملت كمصدر ثان للتشريع ولحسم الخلافات الفقهية . وعلى الرغم من تشاركهما في هذين المصدرين الاساسيين للشريعة الاسلامية ، فقد اوجد الشيعة والسنة مجموعتين متمايزتين و " شرعيتين" من الاحاديث النبوية او " السنة النبوية " ، على الرغم من التداخل القائم بينهما . لذلك ، تحمل الشريعة الاسلامية ، العلامة الثقافية لكل من الشخصيات التي قامت بتجميعها وتنظيمها ، سواء كانت شيعية ام سنية ،على الرغم من محاولات تقليص حدود الاجتهاد في الاسلام . والدليل على ما تقدم ، هو وجود خمس مدارس في الفقه الاسلامي ، معترفا بها رسميا ، في أي حال ، فان جميع مدارس الفقه الاسلامي تتفق على ان القرآن الكريم مقدس ولا يتغير ، وينسخ جميع الشرائع والتفاسير البشرية.)). راجع: – المتعة - الزواج المؤقت عند الشيعة – حالة ايران 1978 - 1982ت: فادي حمود – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – بيروت – طبعة سابعة ومنقحة 1996 .

15 - أضواء على السنة المحمدية - ص 404 – 409.

16 - لنا دراسة نقوم بإنجاوها بعد فترة تؤكد ان هذا الحديث اما ان يكون موضوعا، او ان يكون من اجتهادات النبي التاريخية.