الأحد، 19 سبتمبر 2010
رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري- 1 – الامام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء
رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري
1 – الامام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء
(( وانا منذ خمسين سنة ادعو الى توحيد كلمة المسلمين ونبذ الشحناء والبغضاء، والاعتصام بحبل الله المتين من الألفة وعدم الفرقة، والأخذ بالأخوة التي عقدها القرآن بين المسلمين، فقال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ])).
كاشف الغطاء
جنة المأوى
داود سلمان الشويلي
هل يحتاج فكر ما الى اعادة النظر في مقوماته واسسه وما نتج عنهما من تفرعات (بلغة الفقهاء : الاصول والفروع) مهما كان اساس ومنشأ هذا الفكر ، ان كان نابعا من دين سماوي ، او كان نابعا من دين وضعي، او من رؤية اشراقية او فلسفية ، وسياسية حتى، او غير ذلك ؟
لو راجعنا تاريخ الافكار والفلسفات والمذاهب ، سنجد انها قد صابها التغير والتبدل (تطورا او تراجعا، او اندثارا) حسب مسيرة الزمان واختلاف المكان ، لان ذلك سنة من سنن الحياة.
وطالما الحديث في هذه السطور ينصب حول الفكر الذي تكون حول المذهب الشيعي ، المذهب العربي الذي تشكل وتكون حول الامام علي بن ابي طالب منذ كان الرسول (ص) حيا ، والى يومنا هذا – كما تذكر المصادر الشيعية – أي الفكر الشيعي ، فإننا نجده – ايضا - قد اصابه ما اصاب كل فكر ، بعد ان تحول الى فكر وضعت اسسه ومقوماته الاولى بصورة لا ارادية في البداية ، ومن ثم تحول الى فكر سياسي منشغل بقضية الولاية (شورى او بالنص) ،حتى اذا مات الامام علي بن الحسين السجاد ، انقسم الى قسمين رئيسيين ، احدهما الذي بقي على ولاء الامام الموصى به من قبل ابيه ، وهو الامام الباقر ، والاخر تشكل حول مريدي اخيه المتوفي زيد ، وبتقادم الزمن بدأت الانقسامات تتوالى، وكل راح ينشيء فكره الخاص ، ويتحصن فيه ويطور اسسه ومقوماته والياته، حتى اذا وصلنا الى القرن الثالث الهجري ، كثرت الانقسامات تلك في هذا الفكر ، واصبح عدة فرق لها افكارها الخاصة بها.
و بعد غيبة الامام الثاني عشر ، راح يتشكل الفكر الشيعي الامامي الاثني عشري ، وتأثر عبر مسيرته بالكثير من افكار الاخرين ، حتى اذا وصلنا الى القرن التاسع عشر الميلادي ، برز الاجتهاد بصورة واضحة ، وبرز ما سمي بالمرجع ، وبدأ الانقسام مرة اخرى بين فكر تمحور حول الاحاديث والروايات (الاخباريون) ويعتمدها اساسا له ، وفكر تمحور حول علم الاصول (الاصوليون) مع المحافظة على التسمية الرئيسية للفكر (الشيعي الامامي الاثني عشري).
وتعددت المرجعيات (الاجتهادات) ، وراح الاختلاف يبرز مرة اخرى ليصل حد الخلاف بين المراجع ، في القرن العشرين، خاصة بين المراجع العرب كالصدرين (محمد باقر الصر ، ومحمد محمد الصدر) وفضل الله من جهة، وبين المراجع من غير العرب ، كالخوئي والسيستاني خاصة، وغيرهما .
اذن مثل هذه الافكار التي يحملها مثل هذا المذهب (الامامي الاثني عشري) يحتاج الى رجال يبرزون من بينه ليصلحوا فيه ، ويجددوا ،ويصححوا.
***
وكما قلنا ، مر فكرالمذهب الجعفري (الاب الحقيقي للمذهب الامامي الاثني عشري في يومنا هذا) بتحولات كبيرة ، خاصة في القرون الاربعة الهجرية الاولى ، تحت تأثير الانشقاقات بعد وفاة اغلب ائمته ، وتدخل عوامل اجنبية كثيرة، فضلا عن دور الكلاميين والفلاسفة والمتصوفة وغيرهم في ذلك ، بحيث تحول الى ما سمي بالمذهب الشيعي الامامي الاثني عشري ، اعتمادا على مقولة الامامة - الامامة بالنص الالهي - ومن ثم وجود اتنا عشر اماما تحقيقا لاحاديث نبوية تقول :
- " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " .
- و " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " .
- و " لا يزال الاسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ".
وذكرت بعض هذه الاحاديث بأنهم من قريش.
و يقول الشيخ كاشف الغطاء : (( سميت هذه الطائفة ( إمامية ) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك ، كيف واسم الشيعة يجري على الزيدية ، والإسماعيلية ، ومن هنا فإن هذه الطائفة من الشيعة قد كونت لها آراء مستقلة وخاصة بها ، تختلف مع العقائد الشيعية الأساسية في العديد من الموارد المعروفة ، والتي توسعت مع الأيام نتيجة لانقساماتهم وتفرقهم)) .(1)
بمعنى ، ان تسمية الامامية جاءت متأخرة عن تسمية الشيعة التي من ضمن فرقها الزيدية والاسماعيلية ، والتي – ايضا – تفرقت كل منهما الى فرق اخرى.
وبعد غيبة الامام المهدي انشقت الشيعة الجعفرية الى اكثر من اربعة عشر فرقة ، كان احدها قد شمي بالامامية الاثني عشرية .
إذ يقول الشيخ محمد جواد مغنية عن الائمة الاثني عشر في كتابه (الشيعة في الميزان - محمد جواد مغنية - ص 433 ) : ((هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر للفرقة الاثني عشرية التي مضى على وجودها أكثر من ألف عام ، رغم ما لاقته من الظلم والاضطهاد)).
ونحن إذ نقدم هذه الدراسة عن واحد من فقهاء ومراجع الشيعة الامامية الاثني عشرية في القرن الماضي من الاصلاحيين ، فإننا لا ننسى الفقهاء والمراجع الاخرين الذين رفعوا راية التجديد والتصحيح في فكر هذا المذهب الذي دخلته الكثير من الاراء الغالية والمفوضة والصوفيه وغيرها، واسأل الله ان التوفيق في تقديم دراسات عن المصلحين الاخرين فيه.
***
الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:
هو : (( الشيخ محمد بن الحسين ابن الشيخ علي بن محمد رضا بن موسى ابن الشيخ الأكبر جعفر - صاحب كشف الغطاء - ابن الشيخ جعفر بن يحيى ابن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي . يعود رحمه الله تعالى برحمته الواسعة بنسبه إلى إحدى قبائل العراق المعروفة ، وهي قبيلة بني مالك ، التي تنتهي إلى أحد خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو مالك بن الحارث الأشتر رحمه الله تعالى)) . (2)
ولادته ونشأته :
ولد رحمه الله تعالى عام ( 1294 ه 1877 م ) في مدينة النجف الأشرف . (3)
***
خصاله:
قال عنه الشيخ محمد جواد مغنية: (( من العلماء الذين هم أندر من الكبريت الأحمر ، من أولئك العلماء المتميزين الذين لم يتحددوا في علائقهم مع مقليديهم وأتباعهم فحسب ، بل التقوا بالعالم ، ونقلت عنهم فئات شتى في الشرق والغرب ، وعرف بهم البعيد أن في الشيعة معجزات من العبقرية ، وأن مذهب التشيع يقوم على أقوى وأمتن أساس)). (4)
إذ ،(( كان فقيها بارعا ، قوي الحجة والبرهان ، بل ومجتهدا في مبانيه ، حرا في آرائه ونظرياته ، حيث كان كثيرا ما ينتزع العديد من الفروع التي تعسر على البعض وذلك لا غرابة فيه لما امتاز به رحمه الله تعالى من ذوق عربي سليم يؤهله لفهم وادارك حقيقة النصوص المعتمدة في بناء جملة واسعة من الأحكام ، حتى أنه رحمه الله تعالى قد روي عنه إتيانه ببعض المسائل الفقهية النادرة التي ليس لها عنوان محدد في الكتب الفقهية الاستدلالية ، فيفتي بها مع تقديمه الحجة والدليل على ذلك ، تاركا للآخرين مسألة المذاكرة حول ذلك الأمر وأبعاده)) .(5)
***
مرجعيته:
يقول عنه محقق كتابه "اصل الشيعة واصولها": (( في عام ( 1337 ه ) وبعد وفاة السيد اليزدي رحمه الله تعالى والذي كان يعد مرجعا كبيرا من مراجع التقليد اتجهت الأبصار نحو الشيخ كاشف الغطاء ، فتوافد على درسه الفضلاء والعلماء ، وتطلعوا عن كثب مدى ما ينسب إليه من كبير الفضل ، وعظيم المنزلة ، فوجدوا الوصف عن الموصوف ، والحقيقة تقصر عنها الحكاية ، فأقر الجميع بعلميته ، وثنيت له الوسادة ، وشاع في الأصقاع ما عليه من تلك السمات المؤهلة لتسنم المرجعية الشيعية ، فتعاظم عدد مقلديه في أنحاء العالم المختلفة ، مما دفعه ذلك بعد نشره لرسائله العملية إلى إعادة طبعها مرارا وتكرارا ، لزيادة الطلب عليها ، وتكاثر أعداد مقلديه .
وهكذا فقد توطدت مرجعية الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، وكان ذاك إيذانا لتحمله عبء أعظم المسؤوليات المناطة بمراجع الأمة ، لا سيما وقد كان العالم الاسلامي أبان تلك الحقبة يشهد جملة واسعة من التغيرات والتطورات والانتكاسات التي تستلزم معالجة واقعية حاسمة ، ومواقفا شجاعة ثابتة لدرء حالات النكوص والانهزام والتبعثر التي أصبحت سمة غالبة مشخصة لواقع المجتمع الاسلامي آنذاك)) .(6)
من خلال الطرح اعلاه ، يمكن ان نستشف دوافع اصلاحات هذا الفقيه / المرجع ، وسبب تصحيحاته وتجديداته في فكر المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري ، بعد (( حصول تغيرات وتطورات وانتكاسات تستلزم معالجة واقعية حاسمة ، ومواقفا شجاعة ثابتة لدرء حالات النكوص والانهزام والتبعثر التي أصبحت سمة غالبة مشخصة لواقع المجتمع الاسلامي))، والشيعي خاصة ، آنذاك ، لانه كان:
- فقيها بارعا.
- قوي الحجة والبرهان .
- مجتهدا في مبانيه .
- حرا في آرائه ونظرياته .
- امتاز بذوق عربي سليم يؤهله لفهم وادارك حقيقة النصوص المعتمدة في بناء جملة واسعة من الأحكام ، حتى أنه رحمه الله تعالى قد روي عنه إتيانه ببعض المسائل الفقهية النادرة التي ليس لها عنوان محدد في الكتب الفقهية الاستدلالية ، فيفتي بها مع تقديمه الحجة والدليل على ذلك ، تاركا للآخرين مسألة المذاكرة حول ذلك الأمر وأبعاده.
***
بعض مواقف الشيخ رحمه الله تعالى:
ذكر محقق كتابه " اصل الشيعة واصولها "جملة من المواقف الوطنية والقومية والاسلامية ، وكذلك جملة من تصحيحاته في الفكر الشيعي الامامي الاثني عشري ، نذكر منها:
1 - الجهاد ضد الاستعمار البريطاني :
(( إذ كان من المرابطين في مدينة الكوت عام ( 1334 ه 1916 م ) للتصدي لتقدم القوات الانكليزية الغازية المدججة بأحدث الأسلحة)). (7)
2 - موقفه من مؤتمر بحمدون :
يقول المحقق : (( دعت جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية الى مؤتمر بتأريخ 22 نيسان عام ( 1954 م ) في لبنان ، وبالتحديد في مدينة بحمدون ، وحينها تلقى الشيخ كاشف الغطاء دعوة رسمية موجهة من قبل كارلند ايفانز هوبنكز نائب رئيس تلك الجمعية لحضور هذا المؤتمر .(...) كان موقف الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى حادا وصريحا في رفضه لحضور هذا المؤتمر من خلال ما أرسله إلى المؤتمرين من جواب طويل أسماه ( المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون ) والذي أوضح فيه بصراحة جلية رأيه في مواضيع هذا المؤتمر وبحوثه ، مبينا ما توقعه السياسة الأمريكية وحليفتها الانكليزية من ظلم وتجني على شعوب العالم المستضعفة المغلوبة ، مع إشارته الواضحة إلى بعد دعاة هذه السياسة ومباينتهم للقيم الروحية التي تدعو لها الأديان السماوية المختلفة )). (8)
3 - دوره في المؤتمر الاسلامي العالمي في القدس عام 1932:
إذ تجسدت فكرة عقد مؤتمر لـ : (( البحث في نشر أساليب التعاون الاسلامي ، ونشر الثقافة الاسلامية ، والدفاع عن البقاع المشرفة الاسلامية ، والعمل لوقاية الدين الاسلامي وصيانة عقائده من شوائب الإلحاد ، وتأسيس جامعة إسلامية في بيت المقدس ، والنظر في قضية الخط الحديدي الحجازي . وكان من الطبيعي أن يستجيب الشيخ لهذه الدعوة الملحة ، رغم إيمانه بأن ترجمة آمال المسلمين تكمن في صدق النوايا المقترنة بالأعمال الجادة العاملة على توحيد صفوفهم ، ونبذ خلافاتهم ، وتشخيص علة تفرقهم لمعالجتها ، لأنها هي الوسيلة الأنجع ، والسبيل الأقوم للنهوض بهذه الأمة المبتلاة بهذا الداء الوبيل الذي بدأنا نرى ثماره واضحة وجلية في أيامنا هذه من التسابق المحموم من قبل الكثير من الساسة المسلمين للصلح مع الكيان الصهيوني اللقيط ، ومد جسور العلاقة معه (...) فطلب منه في إحدى الليالي المفتي الحسيني ، ومفتي نابلس الشيخ محمد تفاحة - وكان من أكبر علماء فلسطين سنا - ومراقب المسجد الأقصى ، أن يرتقي المنبر بعد صلاة المغرب لإلقاء خطبة في الحاضرين الذين بلغ عددهم سبعين ألفا امتدت صفوفهم حتى خارج المسجد الأقصى .(...) وبعد أن أنهى خطبته التي سحرت المستمعين بحلاوة ألفاظها ، وسلاسة عباراتها ، وجزالة كلماتها طلبت منه لجنة المؤتمر وأكابر الموجودين أن يأتموا به في صلاة العشاء حيث صوب ذلك بالأكثرية ، فاستجاب لهم ، واقتدت به الألوف من الصفوف في حدث عظيم قل نظيره . كما أن للشيخ كاشف الغطاء في أيام انعقاد المؤتمر مشاركات واسعة ، وخطب بليغة ، ولقاءات متعددة تركت في أذهان الجميع ذكريات شجية عن شخصية فذة عاصروها من علماء الشيعة الكبار)) .(9)
4 – موقفه من فلسطين:
قال الشيخ رحمه الله ، في "جنة المأوى":
(( امتحنت (فلسطين) بمحنة الصهيونية منذ اربعين سنة، وما زالت تتقدّم والعرب والاسلام تتأخر. وقد اقتحمت معاركها الاولى ولم ازل منذ عشرين سنة اقرع المنابر واقرع الاسماع بالخطب الناريّة، وانشر المقالات الملتهبة في الصحف وغيرها واهيب بالمسلمين وادعوهم الى الوحدة وجمع الكلمة، وانّ الاسلام بني على دعامتين (كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة) واصرخ الصرخات الداوية ان يصلحوا الوضع بينهم لأنقاذ فلسطين الدامية (...) نعم كنّا نعتز بذكر العرب ونرتاح بالأنتساب اليهم، ثم دارت رحى الزمان فصرنا نخجل من ذكر العرب والعروبة وما يشتق منها، ونودّ لو كنا من الخزر والبربر ولم نكن من هذه الأمة.
فلسطين قلب البلاد العربية تحقيقاً، تحفّ بها كالهالة، مصر وبلاد المغرب، وسوريا ولبنان، والعراق، والاردن، والحجاز، واقطار الجزيرة فاذا هلك القلب فما حال بقيّة الاعضاء؟ ولا شك ان الوضع اذا بقي على هذا قلنا فلسطينات اخرى في زمن قريب "لا سمح الله " ...)).
5 - موقفه من العادات المنحرفة :
يقول المحقق : (( والحق يقال : أن الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى كان نموذجا واضحا من أصحاب تلك المواقف العقائدية الشجاعة التي خلفت له الثناء والاطراء أبد الدهر . فمن العادات السيئة والشاذة التي تفتقت عنها أذهان الجهلة ، وروجت لها العقول والنفوس الفاسدة ، وزمر لها أعداء الشيعة ، ونسبوها ظلما إليها ، ما اعتاد بعض العوام على فعله آنذاك ، وبالتحديد في الأيام العشرة الأولى من شهر ربيع الأول من القيام بالكثير من التصرفات المنكرة المؤذية للناس ، والمشينة للدين ، وبشكل بغيض ممقوت متواصل تطبعت نفوسهم عليه ، وتشربت به لتكرره طوال عشرات أو مئات السنين ، وكان الكثيرون من علماء الدين المخالفين والمعارضين لهذا المنهج المنحرف في أثناء إقامة تلك الاحتفالات والمناسبات المختلفة يتحاشون التصدي لمنع أولئك الجهلة عن منكراتهم هذه للأسباب التي ذكرناها سالفا ، رغم استيائهم البالغ مما تشكله من إساءة بالغة للتشيع وأئمته ، فانبرى الشيخ كاشف الغطاء بشجاعة قل نظيرها لمنع تكرر إيقاعها رغم تحذير الكثيرين له من مغبة التصدي لها وتحريم الاتيان بها ، وإيضاح ضررها على التشيع ، وتوهينها بالمذهب بشكل صريح سافر يتصيده أعداؤهم ومبغضيهم ، فوفقه الله تعالى في مسعاه أيما توفيق ، وانقاد الجميع لإرادته ، وقبر الكثير من تلك العادات السيئة التي كانت كالبقعة السوداء في ثوب التشيع الأبيض الذي هو بري منها )).(10)
6 – الرد على الدكتور أحمد أمين :
تصحيحه لما ذكره الدكتور احمد امين في كتابه "فجر الاسلام" ،عن معتقدات الشيعة الامامية الاثني عشرية ، خاصة اثناء لقاء الشيخ بالدكتور في مدينة النجف عام ( 1349 ه(.)11)
***
مؤلفاته: (12)
1- في الحكمة والكلام :
أ - الدين والاسلام : ( أربعة أجزاء ، طبع منها جزءان ) .
ت - أصل الشيعة وأصولها .
ث - الفردوس الأعلى .
ج - الآيات البينات .
ح - جنة المأوى .
خ - التوضيح ( جزءان ، وقد تقدمت الإشارة إليه ) .
د - مبادئ الإيمان في الدروس الدينية .
ذ - نبذة من السياسة الحسينية .
ر - حاشية على كتاب الأسفار لملا صدر الدين ( مخطوط ) .
ز - حاشية على العرشية ورسالة الوجود لملا صدر الدين ( مخطوط ) .
ص - حاشية على رسالة الوجود لصدر المتألهين ( مخطوط ).
2 - في السياسة والموعظة :
أ - المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون .
ب - المحاورة بين سفيرين .
ت - الميثاق العربي الوطني .
ث - خطبة الاتحاد والاقتصاد في الكوفة .
ج - الخطبة التأريخية في القدس .
ح - الخطب الأربع .
خ - خطبته في باكستان .
3 - في الفقه وأصوله :
أ - حاشية على كتاب التبصرة للعلامة الحلي.
ب - المسائل القندهارية .
ت - سؤال وجواب .
ث - وجيزة الأحكام .
ج - زاد المقلدين ( فارسي ) .
ح الأرض والتربة الحسينية .
خ - حاشية على سفينة النجاة لأخيه الشيخ الفقيه أحمد كاشف الغطاء.
د - حاشية على كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي.
ذ - مناسك الحج.
س - تحرير المجلة ( خمسة أجزاء ، فقه مقارن ) .
ش - حاشية على مجمع الرسائل ( فارسي مطبوع مع حواشي السيد البروجردي) .
ر - شرح العروة الوثقى ( خمسة مجلدات ، مخطوط ) .
ز - تنقيح الأصول ( مخطوط ) .
س - رسالة في الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية ( مخطوط ) .
ش - حاشية على مكاسب الشيخ مرتضى الأنصاري ( مخطوط ) .
ص - حاشية على القوانين ( مخطوط ) .
ض - مجموعة الفتاوى ( مخطوط ) .
ط - حاشية على الكفاية للآخوند الخراساني ( مخطوط ) .
ظ - رسالة في الاجتهاد والتقليد ( مخطوط ) .
ع - حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري ( مخطوط ) .
4 - في الأدب والتفسير وغيرهما ( وأكثرها لا زال مخطوطا ) :
أ - مغني الغواني عن الأغاني ( مختصر كتاب الأغاني ) .
ب - نزهة السمر ونهزة السفر ( عن رحلته الأولى إلى سوريا ومصر ) .
ت - ديوان شعره الذي أسماه : الشعر الحسن من شعر الحسين .
ث - تعليقات على أمالي السيد المرتضى.
ج - تعليقات على كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة .
ح - مجموعتان من المنتخبات الشعرية .
خ - منتخبات من الشعر القديم .
د - عقود حياتي ( ترجمة حياة المؤلف بقلمه ) .
ذ - صحائف الأبرار في وظائف الأسحار .
ر - جنة المأوى .
ز - رسالة عن الاجتهاد عند الشيعة .
س - تعليقات على كتاب الوجيز في تفسير القرآن العزيز .
ش - تعليقات على نهج البلاغة ، ونقود على بعض شروحات الشيخ محمد عبده له .
ص - تعليق على كتاب الفتنة الكبرى للدكتور طه حسين .
ض - تعريب كتاب فارسي هيئة .
ط - تعريب كتاب حجة الشهادة .
ظ - تعريب وتلخيص رحلة ناصر خسرو المشهورة .
ع - كتاب في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام .
غ - العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ، في تأريخ عائلة آل كاشف الغطاء ، وعلماء النجف ، وتأريخها الحديث .
***
وفاته:
(( توفي بعد صلاة الفجر من يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام ( 1373 ه ) الموافق لليوم التاسع عشر من شهر تموز عام 1954 م )) .(13)
***
شهادات:
قال فيه المرحوم العلامة المحقق الشيخ أغا بزرك الطهراني: ((هو من كبار رجال الإسلام المعاصرين، ومن أشهر مشاهير علماء الشيعة .... والحقيقة، أنّه من مجتهدي الشيعة الذين غاصوا بحار علوم أهل البيت " عليهم السلام"، فاستخرجوا من تلك المكامن والمعادن، جواهر المعاني ودراري الكلم فنشروها بين الجمهور)).
وقال فيه صاحب كتاب" أحسن الوديعة": (( كان آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء علاّمةً كبيراً، ومصلحاً شهيراً، وعالماً مقتدراً، له بيان ساحر وكتابات جذابة، كانت مؤلفاته مكتوبة بلغة سلسة تناسب لغة العصر، منسجمة مع التطور)).
***
المواقف التصحيحية والتجديدية للشيخ كاشف الغطاء
هذه مجموعة من تصحيحاته وتجديداته رحمه الله في فكر المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري ، نقدمها على سبيل المثال لا الحصر:
المسلم و المؤمن :
يفرق بعض علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية بين " المسلم والمؤمن" تحت تأثير اسباب سياسية ، تعضدهم في ذلك بعض الايات القرآنية التي تفسر تفسيرا يخرجها عن كونها آيات عربية الالفاظ والمعاني ، او ان يقسرون تفسيرها وكذلك تأويلها على معنى واحد مطلوب من قبل هذا البعض.
فالشيخ المفيد ، يرى التفرقة بين "المسلم والمؤمن "، إذ يقول : (( واتفقت الإمامية على أن الاسلام غير الإيمان ، وأن كل مؤمن فهو مسلم و ليس كل مسلم مؤمنا ، وأن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، ووافقهم على هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث . وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا أن كل مسلم مؤمن وأنه لا فرق بين الاسلام والإيمان في الدين)). (14)
الا ان الكثير من علماء المذهب الذين ارادوا قول الحق دون عاطفة مزيفة اردفوا بين اللفظين وجعلوهما بمعنى واحد يطلق على من قال بالشهادتين.
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله:
(( إن أهم ما امتازت به الشيعة عن سائر فرق المسلمين هو : القول بإمامة الأئمة الاثني عشر ، وبه سميت هذه الطائفة ( إمامية ) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك ، كيف واسم الشيعة يجري على الزيدية والإسماعيلية)). (15)
و تعتمد عقائد الشيعة في اصولها وفروعها كما يقول الشيخ كاشف الغطاء على القضايا التالية : (16)
1 - معرفة الخالق .
2 - معرفة المبلغ .
3 - معرفة ما تعبد به ، والعمل به .
4 - الأخذ بالفضيلة ورفض الرذيلة .
5 - الاعتقاد بالمعاد والدينونة .
فضلا عن ذلك ، فالشيخ كاشف الغطاء رحمه الله ، وهو يصحح اخطاء وقع فيها بعض رجال المذهب ، يؤكد على ان : (( الدين علم وعمل (...) والاسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد ، والنبوة ، والمعاد)) . (17)
مما جاء في اعلاه ، يمكن الخروج بنتيجة مفادها :
1 – ان الاصول عند هذا المذهب تستقي من القضايا الخمسة اعلاه.
2 – ان الفروع في هذا المذهب تعتمد الاصول المستقات من القضايا اعلاه.
3 – بمعنى ، ان كل ما شذ عن تلك القضايا ، وهي اسس الدين الاسلامي ، وابتعد عنها ، فهو لا علاقة له بعقائد الشيعة الامامية الاثني عشرية.
ويتابع الشيخ كاشف الغطاء ليؤكد تأصيله للمذهب الامامي الاثني عشري ، فيقول :
(( والاسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد ، والنبوة ، والمعاد . فلو أنكر الرجل واحدا منها فليس بمسلم ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوة سيد الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، واعتقد بيوم الجزاء من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر فهو مسلم حقا ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، دمه وماله وعرضه حرام . ويطلقان أيضا على معنى أخص يعتمد على تلك الأركان الثلاثة وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني الاسلام عليها وهي خمس : ‹ صفحة 211 › الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد . وبالنظر إلى هذا قالوا : الإيمان اعتقاد بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، ( من آمن بالله ورسوله وعمل صالحا ) . فكل مورد في القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، يراد به الاسلام والإيمان بالمعنى الأول ، وكل مورد أضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني . والأصل في هذا التقسيم قوله تعالى : [ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ]. وزاده تعالى إيضاحا بقوله بعدها : [ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ] يعني : أن الإيمان قول ويقين وعمل . فهذه الأركان الأربعة هي أصول الاسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين . ولكن الشيعة الإمامية زادوا ( ركنا خامسا ) وهو : الاعتقاد بالإمامة)) . (18)
اما مسألة الاعتقاد بالامامة التي جعلها الشيخ كاشف الغطاء واحدة من اصول المذهب فقط (19) ، وليست من اصول الاسلام ، فيقول عنها الشيخ مغنية : (( فالإمامة ليس أصلا من أصول دين الإسلام ، وإنما هي أصل لمذهب التشيع ، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة ، والمعاد ، ولكنه ليس شيعيا)). (20) ويقول عنها سماحة الامام الشيخ حسن المؤيد (مرجع عربي عراقي معاصر): ((انّ الإمامة ليست أصلاً من أصول الدين و ان عدم الإعتقاد بها – سواءً لعدم ثبوتها أو لثبوت عدمها – لا يؤثر في اسلام الإنسان و لا في إيمانه , و ان كل من اعتقد بالاسلام و تبناه ديناً و امتثل أحكامه و تعاليمه بالطريق الذي تيقنه بعد التثبت فهو مسلم مؤمن مهما كان مذهبه و هو أهل لقبول عمله و نيل نعيم الله تعالى و الفوز بجنته عز و جل . و كل كلام يخالف ذلك فأنا أرفضه و أبرء منه)).(21 )
وبقول السيد علي الامين( مرجع عربي لبناني معاصر): (( واما اصول المذهب ومنها الايمان بالامامة هذه ليست دخيلة في ان يصبح الانسان مسلما وانما هي من اصول المذهب ، كأي مذهب من المذاهب الاسلامية وليست من اصول الاسلام)). (22)
ولما كان الاسلام والايمان مترادفين كما قال الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله ، فهذا يعني ان منكرها – أي الامامة بالنص- مؤمنا، أي ، ان المسلم إن آمن بالامامة، او لم يؤمن بها هو مسلم مؤمن ، لا كما يفرق البعض بينهما.
والنتيجة:
- الاسلام والإيمان مترادفان.
- فكل مورد في القرآن اقتصرعلى ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، يراد به الاسلام والإيمان بالمعنى الأول ، وكل مورد أضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني.
واعتمادا على هذا القول الذي يصدر عن مرجع مشهور من مراجع التقليد ، واماما من ائمة الشيعة الامامية الاثني عشرية في العصر الحالي (النصف الاول من القرن العشرين) ، فإن أي قول اخر يأتي مخالفا لما قيل في السطور السابقة هو صادر من غلاة ومفوضة جدد ابتلي بهم المذهب الامامي الاثني عشري ، فيما تبقى الامامة شرطا لتسمية المذهب الشيعي بالامامية الاثني عشرية.
واخيرا ، يقول عنها الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله :
(( والخلاصة : أن الإمامية يقولون : نحن شيعة علي وتابعوه ، نسالم من سالمه ، ونحارب من حاربه ، ونعادي من عاداه ، ونوالي من والاه ، إجابة وامتثالا لدعوة النبي صلى الله عليه وآله : " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " . وحبنا وموالاتنا لعلي عليه السلام وولده إنما هي محبة وموالاة للنبي صلى الله عليه وآله وإطاعة له)) . (23)
***
- موقفه من دعاوي تحريف القرآن الكريم:
اتهم الشيعة الامامية الاثنا عشرية بتهمة كبيرة وخطيرة، الا وهي تهمة تحريف القرآن الكريم الذي هو الان بين ايدينا ، اعتمادا على ما ذكرته مؤلفات بعض علمائهم ، وخاصة الكتاب الجامع لروايات التحريف (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الارباب) لمؤلفه النوري الطبرسي ، مع العلم ان الكثير من كتب المذاهب الاخرى تذكر الكثير من هذه التحريفات تحت عناوين شتى ، مثل الناسخ والمنسوخ مثلا ، و تذكر المصادر – ايضا - ان احدى المدارس الاسلامية قد اخرجت سورة يوسف من ان تكون سورة منزلة (كقول احدى فرق الخوارج) ، ونسب إلى بعض المعتزلة إنكار سورة أبي لهب ، وغير ذلك ، مما يقع تحت عنوان التحريف (الزيادة والنقصان خاصة). (24)
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله عن هذه المسألة (ص 220)، وهو يتحدث بإسم الشيعة الامامية الاثني عشريه لانه مرجعهم الكبير في ذلك الوقت :
(( ... وأن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للاعجاز والتحدي ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يرده نص الكتاب العظيم [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ]. والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا ، فإما أن تأول بنحو من الاعتبار ، أو يضرب بها الجدار)) .
وهكذا يأتي قول هذا الشيخ الامام رحمه الله كلمة الفصل لكل من اتهم الشيعة الامامية ، وكذلك لبعض رجال الدين الشيعة الامامية الاثني عشرية ،في ان القرآن الكريم الذي بين ايدينا الان هو القرآن المنزل من الله سبحانه بدون زيادة او نقصان او تحريف ما.
وليس قوله هذا هو القول الوحيد بين فقهاء ومراجع التشيع الامامية ، وانما هناك الكثير ممن قال بمثل هذا القول ، بل هم الغالب الاعم في المذهب .
***
- ابن سبأ والتشيع الامامي:
كثر الحديث عن عبد الله بن سبأ في المصادر التاريخية، واتهم الشيعة بإنه مؤسس للكثير من عقائد مذهبهم (كالامامة، والرجعة مثلا)، وقد رد الكثير من الكتاب القول بالوجود التاريخي لمثل هذه الشخصية ، كالدكتور طه حسين ،ومحمد كرد علي، واحمد عباس صالح ، ومن المستشرقين : الدكتور برناد لويس، و فلهوزن، و فريدليندر، وكايتاني ، وقد اجمعوا كافة على وهمية هذه الشخصية ، وانها موضوعة من قبل الوضاع سيف بن عمر ، ثم اشاعها الطبري. (25)
يقول الشيخ رحمه الله:
(( أما ( عبد الله بن سبأ ) الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ، وأخف كلمة تقولها كتب رجال الشيعة في حقه ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في حرف العين هكذا : " عبد الله بن سبأ ، ألعن من أن يذكر " . أنظر رجال أبي علي وغيره )) .(26)
***
- التقية:
ابتلي المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري بعقيدة التقية المتصورة من قبل البعض من رجال وعلماء الشيعة الامامية، من خلال ما جاءت به من ضبابية في الاحاديث والروايات، وعدم الصدق في القول ، والقول بقولين ، وغير ذلك . ( 27)
إذ كثر استخدامها - غير الصحيح و لا الموضوعي - في الكثير من المواضع في كتب ومصادر الشيعة الامامية الاثني عشرية ، حتى طالت اقوال المعصومين ، فقيل عنها انها قيلت تقية ، وكتاب الكافي – وغيره من كتب الحديث الامامية – مليء بهذا القول ، فجعلوا من الامام المعصوم خائفا ، يقول بما لا يعتقد به ، مخالفا للقرآن الكريم .
الا ان الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله قال كلمة الفصل فيها عندما وضعها تحت ثلاثة احكام ، كلها لا تجيز للامام المعصوم ان يعمل بها ،فضلا عن الشيعي الامامي الاثني عشري ، لا لانه امام مسدد بالعصمة ، ولا لانه موصى به من الله سبحانه ، ولكن لانه امام فحسب ، وما للامام من دور فعال وكبير في حياة من يؤمنون به ويأخذون دينهم منه.
يقول الشيخ رحمه الله :
(( والعمل بالتقية له أحكامه الثلاثة :
فتارة : يجب ، كما إذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة .
وأخرى : يكون رخصة ، كما لو كان في تركها والتظاهر بالحق نوع تقوية له ، فله أن يضحي بنفسه ، وله أن يحافظ عليها .
وثالثة : يحرم العمل بها ، كما لو كان ذلك موجبا لرواج الباطل ، وإضلال الخلق ، وإحياء الظلم والجور)) .(28)
وفي الحكم الثالث تقع جميع احاديث الائمة التي قيل عنها انها قيلت تقية.
***
وفي كتابه " جنة المأوى" ، هناك اجوبة عن اسئلة موجه اليه رحمه الله صحح الكثير مما التبس على عوام الشيعة من امور تاريخية ، او اريد لتلك الامور ان تلتبس عليهم من قبل بعض رجال الشيعة لاسباب واغراض غير خافية على القاريء اللبيب، الا انه رحمه الله قال فيها القول الفصل.
واذكر هنا بعض تصحيحاته على سبيل المثال لا الحصر:
- يوم التاسع من ربيع الأول
(( سؤال: أخبرونا عن ايام الربيع العشرة المنسوبة الى فرحة الزهراء (عليها السلام) ومتى فرحت والرجل (يقصد عمر بن الخطاب) طعن في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة، ومات يوم التاسع والعشرين منه وذلك بعد وفاتها فكيف فرحت؟.
جواب: انّ المعروف عن كثير من الشيعة من قديم الزمان انَّ هذه الأيام ايام فرح وسرور كما ذكر ذلك السيّد ابن طاووس في "الأقبال" حيث قال: وجدنا جماعة من العجم والأخوان يعظمون السرور في هذا اليوم أي اليوم التاسع من ربيع ويذكرون انه يوم هلاك كذا، وأشار الى الرواية المنسوبة الى الصدوق.
وقال السيد رضوان الله عليه لم اجد رواية يعتمد عليها تؤيد تلك الرواية، ولكن لعلّ فرح الشيعة بذلك اليوم من جهة انَّ الأمام الحسن العسكري (عليه السلام) توفيّ على اصح الروايات يوم الثامن من ربيع الأول ويكون يوم التاسع اوّل يوم من امامة الحجة (عجل الله فرجه)، فينبغي ان يتخذه المؤمنون عيداً كما يتخذ الناس ايام جلوس ملوكهم عيداً، ثم ذكر بعض التوجيهات لأحتمال كون قتل الرجل في ربيع وكلّها في غاية البعد، انتهى ما افاده (قدس سره) مع شرح وتوضيح منّا.
واقول ايضاً ويحتمل ان يكون سبب فرحة الزهراء (عليها السلام) هو ان اليوم التاسع والعاشر من ربيع الأول هو يوم اقتران ابيها رسول الله (ص) سيد الكائنات بوالدتها الطاهرة خديجة الكبرى ولا شك ان الزهراء كانت تظهر الفرح والسرور بذلك اليوم من كل سنة افتخاراً بذلك الشرف العظيم والخير العميم، ويكون قد بقيت عادة اظهار هذا الفرح متوارثاً عنذ مواليها من الشيعة في ذلك اليوم كلّ سنة، ولكن على مرور السنين جهلوا السبب ثم حوره بعض الدساسين الى غير وجهه الصحيح، وبقي الأسم معروفاً عندهم هو فرحة الزهراء (عليها السلام) والسبب مجهولٌ.
ومهما كان الأمر فليس معنى كونه يوم فرح وسرور عند الشيعة ان يؤذي بعضهم بعضا ويتجاسر بعضهم على بعض بيد او لسان، او يستعملوا بعض المفرقعات المزعجة كما يستعمله بعض عوام النجف حاشا عقلائهم وافاضلهم، وسرى ذلك الشعار الخبيث الى جملة من بلاد الشيعة، فأنّ جميع ذلك من اسوأ الكبائر وايذاء المؤمن محاربة مع الله عزَّ وجلّ وايذاء فظيع للائمة، ومن اكبر المصائب على الزهراء (عليها السلام) وقد قاومنا هذه العادات السيئة منذ عدة سنين وخطبنا الناس في الصحن الشريف وعظناهم حتى خفّت وطأة هذه المنكرات ولم يبق منها الاّ الشيء اليسير بالنسبة الى السابق وارجو بتوفيقه تعالى ان لا يبقى لها اثر ان شاء الله، انما الفرح والسرور ان يجلس المؤمنون في نواديهم الخاصة ويتلون القصائد والأشعار البديعة في مدائح اهل البيت (عليهم السلام) وذكر مناقبهم ولو بالاصوات الحسنة التي لم تبلغ حدّ الغناء المحرم)).
اقول: ارجو ان ينتبه القاريء اللبيب الى قول ابن طاووس : ((وجدنا جماعة من العجم والأخوان يعظمون السرور في هذا اليوم أي اليوم التاسع من ربيع ويذكرون انه يوم هلاك كذا، وأشار الى الرواية المنسوبة الى الصدوق)) وما يرمي اليه هذا القول.
ومن هذا المنطلق جاءت تصحيحات الشيخ رحمه الله ، لمعرفته جيدا لدوافع واغراض تلك الجماعات التي ذكرها ابن طاووس..
- هل النار محرّمة على ذرية الزهراء ( عليها السلام)؟
(( السؤال: حدّثتنا طائفة من الاخبار ان ذرية الزهراء (عليها السلام) قد حرّمت عليهم النار حتى لو كانوا من المخالفين، نعم يستثنى منهم من ادعى الامامة لنفسه في تفسير قوله تعالى: [فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ]؟.
الجواب: يخطر على بالي كلام للامام الرضا (عليه السلام) مع اخيه زيد المعروف بزيد النار الذي خرج على المأمون ولمّا ظفر به عفا عنه ووهبه للامام (عليه السلام) فقال الامام لزيد ما مضمونه ولفظه: اغرّك يا زيد ما بلغك ان رسول الله (ص) قال: (انَّ الله حرّم فاطمة وذريتها على النار)، فأن ذلك مختصّ بذريتها من صلبها كالحسن والحسين وزينب (عليهم السلام)، والادلة القطعية عقلية ونقلية تؤيد ذلك وتدل عليه كالحديث المشهور: (خلق الله الجنة لمن اطاعه) الخ، نعم باب العفو والشفاعة والغفران باب آخر ولا يختص بأبناء فاطمة (عليها السلام) بل يعم جميع شيعتها ومواليها، والجميع ابناؤها بالبنوة الروحانية ، رزقنا الله شفاعتها والموافاة على ولايتها)).
***
تصحيحاته لاراء احمد امين
- القول بالرجعة:
(( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون *لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون *فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون)).
[المؤمنون :99 - 103 ]
وفي رده على الاراء التي طرحها الدكتور احمد امين في كتابه "فجر الاسلام" - وهي ردود موجهة بعد ذلك الى الشيعة عموما الذين اعتقدوا بما وجد فيه الدكتور امين تهمة - يقول اية الله العظمى الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله عن الرجعة التي شنع بها امين على الشيعة الامامية الاثني عشرية :
((وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ، ولا إنكارها بضار ، وإن كانت ضرورية عندهم ، ولكن لا يناط التشيع بها وجودا وعدما ، وليست هي إلا كبعض أنباء الغيب ، وحوادث المستقبل ، وأشراط الساعة مثل : نزول عيسى من السماء ، وظهور الدجال ، وخروج السفياني ، وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين وما هي من الاسلام في شئ ، ليس إنكارها خروجا منه ، ولا الاعتراف بها بذاته دخولا فيه ، وكذا حال الرجعة عند الشيعة)).(29)
ويؤكد ص168 : ((وليس لها عندي من الاهتمام قدر قلامة ظفر)).
ويكفي قوله الاخير شهادة، وجاءت جهينة بالخبر اليقين.
علما ان رجال الدين في المذهب رأوا فيها رأيين ، احدهما : رجعة الاشخاص ، والاخر: رجعة دولة الحق، ولم يتفقوا على رأي واحد.
***
- النار المحرمة على الشيعي:
يقول بعض رجال الدين الشيعة القدامى ،وتحت تأثير الغلاة ، وكذلك المعاصرين الذين اسميتهم بالغلاة الجدد، القول بحرمة النار على الشيعي، ليس فقط على المنابر الفضائية فحسب، وانما تعدى ذلك الى بعض المؤلفات التي تخرجها المطابع الحديثة ، وهم في هذا النهج يؤصلون لفرية ما انزل الله بها من سلطان ، الا ان العقل السوي يكذبها ، كما كذبها الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله، وغيره من بعض الفقهاء ومراجع الدين والمفكرين الشيعة الامامية الاثني عشرية الذين سبقوه او الذين جاؤوا من بعده.
اما حديث المنابر ، والمنابر الفضائية الحديثة، واقوال البعض ممن تقودهم عاطفة حب آل البيت ، فهي اقوال لا تصمد امام النقد والتمحيص ، فضلا عن ذلك ، امام آيات القرآن الكريم الواضحة .
يقول د. احمد امين : الشيعة تقول : " إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا " !
فيقول الشيخ رحمه الله ردا على هذه الفرية : (( وما أدري في أي كتاب من كتب الشيعة وجد هذا ، وهل يليق برجل تربع على دست النقد والتمحيص للمذاهب والأديان أن يقذف طائفة من المسلمين بشناعة لا يأتي عليها منهم بشاهد ولا برهان ، كيف وهذه كتب الشيعة كادت أن تسمع حتى الأصم والأبكم . إن الله سبحانه خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قريشا ، ويروون عن أئمتهم عليهم السلام من أمثال ذلك ما يفوت حد الاحصاء . نعم باب الشفاعة من النبي والأئمة عليهم السلام لبعض المذنبين باب آخر ، ولعل القول بالشفاعة في الجملة من ضروريات مذهب الاسلام. وأيضا نعيد ما قلناه قريبا ، وإنه لو تنازلنا وافترضنا أن الشيعة تقول ذلك ، فهل يصح بهذا أن يقال [ بأن ] التشيع أخذ من اليهودية أو [ أن ] اليهودية ظهرت في التشيع ؟ . وهل يحسن بعاقل أن يقول : أن أبا حنيفة أخذ فقهه من المجوس لأنه وافقهم في بعض الفروع في باب النكاح أو غيره ، ويعضد ذلك أنه فارسي الأصل ؟ أليس يعد هذا من سفه القول ، وخطل الآراء التي لا فائدة فيها سوى إيقاد نار الشحناء والبغضاء بين المسلمين ؟ )). (30)
وربما البعض يقول ان هذا القول موجود في بعض كتب المذهب ، الا ان اجابة الشيخ رحمه الله في ذلك ومطالبته للدكتور امين ان (يمحص) تلك الاقوال قبل ان يتهم المذهب، هو القول الفصل ردا على تلك التهمة / الفرية.
***
- التشيع الامامي واليهودية:
شنع الدكتور احمد امين على التشيع الامامي الاثني عشري بتهمة انهم اخذوا معتقداتهم من اليهود ، كما قال البعض من الدارسين من المخالفين لهذا المذهب ، فيرد الشيخ رحمه الله على هذه التهمة قائلا و متسائلا بإندهاش:
(( وهل يصح أن يقال إن اليهودية ظهرت في الاسلام لأن اليهود يقولون بعبادة إله واحد والمسلمون به قائلون ؟ ! وهل هذا إلا قول زائف ، واستنباط سخيف ؟ !)) .(31)
***
- التشيع الامامي والنصرانية:
يقول د. احمد امين : " والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم أن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إلى الله . . " !
فيرد عليه رحمه الله قائلا: (( إن من حق الأمانة على ابن الأمين أن يعين الهدف ، ولا يرسل في غير سدد وبغير سداد ، كان يجب عليه أن يذكر من هو القائل بهذا القول من الشيعة . فهل مراده ما يسمونهم غلاة الشيعة كالخطابية والغرابية والعلياوية والمخمسة والبزيعية وأشباههم من الفرق الهالكة المنقرضة التي نسبتها إلى الشيعة من الظلم الفاحش ، وما هي إلا من الملاحدة كالقرامطة ونظائرهم ، أما الشيعة الإمامية وأئمتهم عليهم السلام فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم .على أن تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى ، بل خلاصة مقالتهم بل ضلالتهم أن الإمام هو الله سبحانه ظهورا أو اتحادا أو حلولا ، أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوفة الاسلام ومشاهير مشايخ الطرق ، وقد ينقل عن الحلاج بل والكيلاني والرفاعي والبدوي وأمثالهم من الكلمات وإن شئت فسمها كما يقولون شطحات ما يدل بظاهره على أن لهم منزلة فوق الربوبية ، وأن لهم مقاما زائدا عن الألوهية ( لو كان ثمة موضع لمزيد ) وقريب من ذلك ما يقول به أرباب وحدة الوجود أو الموجود . أما الشيعة الإمامية وأعني بهم جمهرة العراق وإيران وملايين من مسلمي الهند ومئات الألوف في سوريا والأفغان فإن جميع تلك الطائفة من حيث كونها شيعة يبرأون من تلك المقالات ، ويعدونها من أشنع [ أشكال ] الكفر والضلالات ، وليس دينهم إلا التوحيد المحض ، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق ، أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والامكان ، والتغير والحدوث ، وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية ، إلى غير ذلك من التنزيه والتقديس المشحونة به مؤلفاتهم في الكلام ، من مختصرة ( كالتجريد ) أو مطولة ( كالأسفار ) وغيرهما مما يتجاوز الألوف ، وأكثرها مطبوع منتشر ، وجلها يشتمل على إقامة البراهين الدامغة على بطلان التناسخ والاتحاد والحلول والتجسيم . ولو راجع المنصف الذي يمشي وراء الحقائق وفوق العصبية والأغراض شيئا منها لعرف قيمة قول هذه الناشئة المترعرعة التي قذفتنا بهم أعاصير هذا العصر وتطورات هذا الزمن ، نعم يعرف قيمة قذف الشيعة بالتناسخ والحلول والتجسيم . والقصارى : إنه إن أراد بالشيعة هم تلك الفرق البائدة ، والمذاهب الملحدة التي لا أحسب أن في رقعة الأرض منهم اليوم نافخ ضرمة فنحن لا نضايقه في ذلك ، ولكن نسبتهم إلى الشيعة ظلم فاحش ، وخطأ واضح ، وقد أساء التعبير ، وما أحسن البيان ، ولم يعط الحقيقة حقها . وإن أراد بالشيعة الطائفة المعروفة اليوم بهذا الاسم [ و ] التي تعد بالملايين من المسلمين ، فنحن نطالبه بإثبات ذلك من مصنفات أحد علمائهم من حاضر أو غابر)) . (32)
***
- حوادث تاريخية:
كثر الحديث في تسعينيات القرن الماضي عن حادثة تاريخية سميت مرة بحادثة "الهجوم على بيت الزهراء" ، ومرة بإسم "حادثة حرق بيت الزهراء" ،واضافوا لها اضافات ، ككسر الضلع ، ودخول مسمار الباب في صدر الزهراء ، واسقاط جنينها ، وغير ذلك ، عندما شكك بوقوعها السيد محمد حسين فضل الله في احدى محاضراته في تسعينات القرن الماضي ، فقامت عليه دنيا بعض رجال الدين الشيعة في قم والنجف ولم تقعد ، واخرجت المطابع كتب البعض ردا على هذا التشكيك .
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله :
((ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبّله عقلي، ويقتنع به مشاعري، لا لأن القوم يتحرّجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية التي ركّزتها الشريعة الاسلامية وزادتها تأييداً وتأكيداً تمنع بشدة ان تضرب المرأة او تمد اليها يد سوء، حتى انّ في بعض كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) ما معناه: ان الرجل كان في الجاهلية اذا ضرب المرأة يبقى ذلك عاراً في اعقابه ونسله.
ويدلّك على تركّز هذه الركيزة بل الغريزة في المسلمين وانها لم تفلت من ايديهم وان فلت منهم الاسلام: ان ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على الله وانتهاك حرماته لما فضحته الحوراء زينب (عليها السلام )، وافلجته وصيرته احقر من نملة، واقذر من القملة، وقالت له: ثكلتك امك يا ابن مرجانة، فاستشاط غضباً من ذكر امه التي يعرف انها من ذوات الاعلام، وهمّ ان يضربها، فقال له عمرو بن حريث وهو من رؤوس الخوارج وضروسها انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فاذا كان ابن مرجانة امتنع من ضرب العقيلة خوف العار والشنار وكلّه عار وشنار، وبؤرة عهار مع بعد العهد من النبي (ص) فكيف لا يمتنع اصحاب النبي (ص) مع قرب العهد به من ضرب عزيزته، وكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ولو كانوا اعتى واعدى من عاد وثمود. ولو فعلوا او هموا ان يفعلوا اما كان في المهاجرين والانصار مثل عمرو بن حريث فيمنعهم من مدّ اليد الأثيمة، وارتكاب تلك الجريمة، ولا يقاس هذا بما ارتكبوه واقترفوه في حق بعلها سلام الله عليه ومن العظائم حتى قادوه كالفحل المخشوش فأن الرجال قد تنال من الرجال ما لا تناله من النساء.
كيف والزهراء (عليها السلام ) شابة بنت ثمانية عشر سنة، لم تبلغ مبالغ النساء واذا كان في ضرب المرأة عار وشناعة فضرب الفتاة اشنع وافظع، ويزيدك يقيناً بما اقول انها ــ ولها المجد والشرف ــ ما ذكرت ولا اشارت الى ذلك في شيء من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلّمها من القوم وسوء صنيعهم معها مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي القتها على المهاجرين والأنصار، وكلماتها مع امير المؤمنين (عليه السلام) من المسجد، وكانت ثائرة متأثرة اشد التأثر حتى خرجت عن حدود الآداب التي لم تخرج من حظيرتها مدة عمرها، فقالت له: يا ابن ابي طالب افترست الذئاب وافترشت التراب ــ الى ان قالت: هذا ابن ابي فلانة يبتزّني نحلة ابي وبلغة ابني، لقد اجهد في كلامي، والفيته الألد في خصامي ولم تقل انه او صاحبه ضربني، او مدّت يد اليّ وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار بعد سؤالهن كيف اصبحت يا بنت رسول الله؟ فقالت: اصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكنَّ، ولا اشارة فيها الى شيء عن ضربة او لطمة، انما تشكو اعظم صدمة وهي غصب فدك واعظم منها هي غصب الخلافة وتقديم من أخر الله وتأخير من قدّم الله، وكل شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين وكذلك كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) بعد دفنها، وتهيّج اشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم، حيث توجه الى قبر النبي (ص) قائلاً: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك الى آخر كلماته التي ينصدع لها الصخر الأصم لو وعاها، وليس فيها الاشارة الى الضرب واللطم ولكنه الظلم الفظيع والامتهان الذريع، ولو كان شيء من ذلك لأشار اليه (عليه السلام)، لأن الأمر يقتضي ذكره ولا يقبل ستره، ودعوى انها اخفته عنه ساقطة بأن ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن اخفاؤها.
واما قضية قنفذ وان الرجل لم يصادر امواله كما صنع مع سائر ولاته وامرائه وقول الامام (عليه السلام): انه شكر له ضربته فلا امنع من انه ضربها بسوطه من وراء الرداء وانما الذي استبعده او امنعه هو لطمة الوجه وقنفذ ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب او على عضدها وبالجملة فأن وجه فاطمـة الزهـراء هـو وجـه الله المصون الذي لا يهان ولا يهون ويغشى نور العيون، فسلام الله عليك يا ام الأئمة الأطهار ما اظلم الليل واضاء النهار،0 وجعلنا الله من شيعتك الأبرار، وحشرنا معك ومع ابيك وبنيك في دار القرار)). (33)
***
الهوامش:
1 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 214 وما بعدها .
2 - المصدر السابق – مقدمة التحقيق - ص 56 .
3 – المصدر السابق – ص59.
4 - المصدر السابق - ص60
5 - المصدر السابق - ص62.
6 - المصدر السابق - ص63 .
7 - المصدر السابق - ص66.
8 - المصدر السابق - ص 68وما بعدها.
9 - المصدر السابق - ص87 وما بعدها.
10 - المصدر السابق - ص74 وما بعدها
11 - المصدر السابق - ص76 وما بعدها.
12 - المصدر السابق - ص101 وما بعدها.
13 - المصدر السابق - ص105.
14 – المفيد - أوائل المقالات - ص 48.
15 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 214 – 215.
16 - المصدر السابق - ص 210.
17 - المصدر السابق - ص 210.
18 - المصدر السابق - ص 210 – 213.
19 – المصدر السابق - ص221.
20 - محمد جواد مغنية - الشيعة في الميزان - ص 268 .
21 – الموقع الالكروني لسماحة الامام الشيخ المؤيد.
22 – زبدة التفكير في رفض السب والتكفير – السيد علي الامين - ص 17 .
23 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 223.
24 - وعن صور التحريف التي وردت في كتب المذاهب الاخرى ، يمكن مراجعة :
*محاضرات الأدباء للأصفهاني- 511 .
* القرطبي- 901؛912 ، 2725؛ 2726.
* مختصر تاريخ دمشق لابن منظور- 2852.
*أسد الغابة- 1385؛ 1472
* محلى ابن حزم- 1860.
* الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
* مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي .
راجع : فروقات المصاحف - نبيل فياض – الموقع الالكتروني " الذاكرة " . كذلك كتابه : (أمّ المؤمنين تأكل أولادها).
25 – راجع :هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي - ص 129 وما بعدها.
- وسيف بن عمر التميمي هذا من الوضاعين ، وضع كتابين ، هما : (الفتوح والردة) و كتاب (الجمل ومسير عائشة وعلي) وملأهما بالاكاذيب التي نشرها بعده الطبري وابن الاثير وابن عساكر وابن كثير وغيرهم .
26 – المصدر السابق - ص180 – 181.
27 - على سبيل المثال من الكافي: ص 266 ج1 ، ص 340 هـ 2 ج1 ، ص168 ج 2 ، 397 هـ 2 ج3 ، ص541 هـ 1 ج3 ، ص9 هـ 2 ج8.
28 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 316
29 - المصدر السابق - ص 167 .
30 - المصدر السابق - ص 168 وما بعدها.
31 - المصدر السابق - ص 167 .
32 - المصدر السابق - ص 176 وما بعدها.
33 – جنة المأوى – الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء – كتاب مستنسخ من الموقع الالكروني "المؤسسة العامة لكاشف الغطاء".
- وادهشني قول السيد مرتضى في الفقرة 9 - ص 20 ج2 ، إذ يقول : ((لا ندري بعد كل ما قدمناه متى كانت أقوال الرجال حجة في اثبات الحقائق أو نفيها ؟)) .
عجبي !!! الم ينقل الحادثة رجال متهمين من قبل الشيعة وهم ( سليم بن قيس ومحمد بن سنان)، ام ان قولهما قرآنا منزلا لا يأتيه الباطل؟
- وراجع كذلك كتاب : الزهراء القدوة – محمد حسين فضل الله – كتاب مستنسخ من موقعه الالكتروني .
- اول من ذكر الحادثة في التاريخ ، سليم بن قيس في كتابه المسمى (كتاب سليم بن قيس) الذي اورثه لراويه أبان بن أبي عياش في سنة 76 الهجرية ! .
وقد شك اغلب رجال الدين الشيعة بعائدية هذا الكتاب لسليم ، بل ان المصادر الرجالية وغيرها تتحدث عن سليم بن قيس وتخرجه عن صفة الوثاقة والصدق هو وتلميذه ابان .
وهو : (( دخل سليم بن قيس إلى المدينة المنورة في أوائل خلافة عمر بن الخطاب ، وكان عمره سبعة عشر عاما ، وبدأ يسأل ويتتبع لكي يعرف ويفهم ، وبدأ يكتب ويدون ، مع أن تدوين الحديث كان جريمة يعاقب عليها صاحبها بالضرب والحبس والحرمان والعزل الاجتماعي ! ! ولكن سليما كان يجيد التحفظ والتقية ، وبذلك استطاع أن يكتب ويحافظ على كتابه ، واستمر على ذلك في خلافة عثمان وبعده طيلة 60 سنة من عمره المبارك . . . وحمله معه في تشريده من بلد إلى بلد ، وهروبه من سيف الحجاج . . . إلى أن ورثه لراويه أبان بن أبي عياش في سنة 76 الهجرية !). ( راجع : كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - ص 12 – 13 ).
وسليم هذا، وكذلك راويه أبان ، قالت عنهما المصادر :
جاء في دراسات في الحديث والمحدثين - هاشم معروف الحسني - ص 197:
(( سليم بن قيس بن سمعان ، وثقه جماعة ، وضعفه آخرون ، وادعى جماعة من المحدثين ، ان الكتاب المعروف بكتاب سليم بن قيس من الموضوعات ، وأطالوا الحديث حوله وحول كتابه ، وجاء فيه ان الأئمة ثلاثة عشر إماما ، وان محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت مع أنه كان في حدود السنتين)) .
وجاء في كتاب : دراسات في علم الدراية - لعلي أكبر غفاري - ص 233:
(( سليم بن قيس الهلالي أبو صادق ، له كتاب معروف . ذكره النعماني والنجاشي والشيخ وذكر الأخير طريقه إليه )). وورد في الصفحة نفسها ، الهامش :
(( يروى كتاب سليم ، إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش ، عنه ، وقال الشيخ أبان بن أبي عياش ضعيف وقال العلامة الحلي : " قال ابن الغضائري : إنه وضع كتاب سليم " . وقال استاذنا الشعراني - رحمه الله - : " التكلم في سليم وأبان بن أبي عياش ينبغي أن يخصص بهذا الكتاب الموجود الذي كان في أيدينا اليوم المعروف بكتاب سليم ، والحق ان هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح - نظير كتاب الحسنية ، وطرائف ابن طاووس ، والرحلة المدرسية - وواضعه جمع أمورا مشهورة وغير مشهورة ، ولما لم يكن معصوما أورد فيه أمورا غير صحيحة ، والظاهر أنه وضع في أواخر دولة الأمويين حين لم يجاوز عدد خلفائهم اثنى عشر نفرا إذ ورد فيه " الغاصبين منهم اثنا عشر ، وبعدهم يرجع الحق إلى أهله " مع أنهم زادوا ولم يرجع ، وبالجملة إن أيد ما فيه دليل من خارج فهو ، وإلا فلا اعتبار بما يتفرد به ، والغالب فيه التأيد وعدم التفرد " )).
وابان هو (( أبان بن فيروز أبي عياش مولى عبد القيس أبو إسماعيل البصري المتوفى ( 138 ) : قال شعبة : ردائي وخماري في المساكين صدقة إن لم يكن ابن أبي عياش يكذب في الحديث . وقال : لا يحل الكف عنه إنه يكذب على رسول الله ( ص ) . وقال أحمد إمام الحنابلة ليحيى بن معين - وهو يكتب عن أبان نسخة - : تكتب هذه وأنت تعلم أن أبان كذاب ؟ وقال شعبة : لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان . وقال : لأن أشرب من بول حماري أحب إلي من أن أقول حدثني أبان . لعله حدث عن أنس بأكثر من ألف وخمسمائة حديث ، ما لكثير شئ منها أصل . تهذيب التهذيب ( 1 / 99 ) . )). ( راجع: الوضاعون وأحاديثهم - الشيخ الأميني - ص 120 ).
فبعد كل الذي قيل في مثل هكذا رجال ، يأتي اخرون ليحطوا من قدر الرجال الذين ينفون وقوع حادثة الهجوم ، كقول من قال على الموقع الالكتروني ( منتديات يا حسين) بعد تهجمه على السيد فضل الله حول انكاره لضرب الزهراء ، وكأن تصديق هذه الحادثة التاريخية عقيدة الهية لا يأتيها الباطل ، اقول ان هذا القائل ، قال عن الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله : (( اخي الشيعي يا من غايته المودة لاهل البيت يا من تريد التولي والتبري ، ولا تأخذك في الله واوليائه لومة لائم إن المدعوا محمد حسين كاشف الغطاء منحرف عقائديا كما محمد حسين فضل الله نعم منحرف ، كما سنبين لك ليس فقط لانه ينفي ضرب اللعينين لسيدة الوجود صلوات الله عليها فهذه وإن كان امرها غير سهل ولكن البعض يحملها على محامل غريبة لكنه تشدق في الكثير من المواطن بكلمات تهين العقيدة وتهين اهل البيت صلوات الله عليهم وخصوصا الزهراء صلوات ربي عليها)).
علما ان كل الروايات التي تذكرها المصادر يمكن ان نقول عنها انها روايات لا تستقيم و العقل السليم ، لانها:
1 – ان اغلبها غير مسند اسنادا صحيحا.
2 – تذكر بعض الروايات ان عمر او احد جماعته كسر سيف الزبير بضربه على الارض ، نتساءل: من أي مادة هي التي صنع منها هذا السيف ؟ و أي ارض ضرب عليها ؟ هل هي ارض كونكريتية صلبة بحيث تكسر السيف ؟ام ان ارضية دار السيدة فاطمة معبدة بالطابوق او الكاشي او المرمر او الصخر؟
3 – ومرة يكون الضارب للسيدة فاطمة هو عمر ، ومرة تذكر انه قنفذ.
4 – ومرة تذكر ان مكان الضرب بالسوط هو كف السيدة فاطمة ( مأساة الزهراء – السيد جعفر مرتضى – ج2 – ص 181 )، ومرة تذكر انه عضدها ( مأساة الزهراء – السيد جعفر مرتضى – ج1 – ص 317 ).
5 – اتساءل ايضا عن الباب المصنوع من السعف (( مأساة الزهراء – السيد جعفر مرتضى – ج2 – ص 173 )) هل فيه مسامير ، وعلى الرغم من ان مثل هذه الابواب (وهي الان مستعملة في بعض بساتين النخيل في جنوب العراق لبعض حضائر الحيوانات) لا تستخدم المسامير في ربطها ، وانما تستخدم خوص النخيل للربط ، اقول على الرغم من كل ذلك ، وبفرض انها ربطت بالمسامير ، وهنا اشرك معي أي نجار يستخدم المسامير في ربط الواح الخشب، واسأله: لو انه ربط لوحين بمسمار وخرج المسمار من الجهة الثانية ، فماذا يفعل به ؟ حتما انه سيرد قائلا : سألويه (احنيه) الى احدى الجهات لكي لا يؤذي الاخرين ، وايضا – وهو المهم – ليحافظ على الربط .
15/09/2010
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)