الخميس، 19 يونيو 2014

 اصدارات الاصدقاء :
---------------------

اهدى لي الصديق الشاعر والقاص حسن البصام  مجموعته الشعرية  الاخيرة ( الختم بالثلج الاحمر ) ... وقد وشح المجموعة بكلمات اهداء طيبة ... شكرا له و اتمنى له مزيدا من العطاء الابداعي..
تضم المجموعة اخر ما كتبه الشاعر من قصائد وجميعها تتغنى بفتاته الغائبة الحاضرة ، يقول في اخر قصيدة من المجموعة التي تحمل عنوان ( سارقن قيدها ) :
* ( مثلما سجدت حين تفتحت بوجهي
بتلاتها
سامهلها حتى نهاية ساعتي
قبل ان ارقن من القلب
قيدها )

الأربعاء، 18 يونيو 2014

" ابك بغداد " و " بغداد ابكي" المرثية الذاتية لبغداد -قصيدة " ابك بغداد " لابراهيم البهرزي انموذجا

" ابك بغداد " و " بغداد ابكي" المرثية الذاتية لبغداد 

قصيدة " ابك بغداد " لابراهيم البهرزي انموذجا

نشرت صحيفة ( العراق اليوم ) دراستي عن قصيدة الشاعر ابراهيم البهرزي ( ابك بغداد ) يوم الاربعاء 18 / 6
قراءة : داود سلمان الشويلي

القصيدة:

))*ابك ِ بغداد َ
قال َ اليهودي ُّ وهو يُمسّد ُ شعر َ الصغير ِ
عشيّة َ في الصالحيّة ِ لوّح َ (نُوري السعيد )
أن ْ انتثري يا بلاد ُ
ابك ِ بغداد َ
قال َ سُقاة ُ الحدائق ِ
اهل ُ الشمائل ِ والاريحيّون َ
يوم َ توهّم َ (عبد الكريم ِ) وعسكره ِ الهمجي ُّ
اجتراح َ الجنائن ِ من عربدات ِ الرعاع ِ
فبادوا بهم 
مثلما هُم ْ
ابادوا
ابك ِ بغداد َ
قال َ الشيوعي ّ ُ وهوَ يعضّ ُ هويّته ُ
ويناكد ُ ضحكة (صدام َ ):
لست ُ الذي منه ُ تضحك ُ
لو انّهم ما ارادوا ...
ابك ِ بغداد َ
قال َ المسيحيّ ُ
والخائفون َ شهود ٌ على دمه ِ :
لو بدين ِ الذئاب ِ استجرت ُ
اجاروا !
ابك ِ بغداد َ
سوف َ تقول ُ النعام ُ , الهوام ُ , زهور َ السياج ِ , الدجاج ُ , النعاج ُ , الجريح ُ , الذبيح ُ , المغنّي , الاجير ُ , الامير, السواقي , الحصونُ , الجنون ، الكتاب ُ , الشراب ُ , النبي ّ ُ , الغبي ّ ُ , السماء ُ , الخراء ُ , الحقول ُ , الخيول ُ , الحزين ُ , الامين ُ
القوافي
المنافي
يد ُ الله ...
بغداد َ ابكي
كثيرا كثيرا
فلا هاديا ً غير َ هذا الحمار ُ ....)).
لمراثي المدن في الارث الشعري الرافديني مساحة واسعة وكبيرة ، وهناك مدن عديدة كتبت عنها المراثي في الفترتين السومرية والبابلية لاسباب شتى منها غزو الاعداء لها واحتلالها ، مثل مرثية اور وبلاد سومر، ومرثية نفر ، ومرثية اكد ، ومرثية تخريب مدينة أور ، ومرثية مدينة نضر ،ومرثية مدينة الورقاء ، ومرثية تخريب مزار لكش،حتى بات هذا الارث الشعري مصدر الهام للناس والشعراء في كل المناسبات العراقية الحزينة ، وبات العراقي الى يومنا هذا يستخدم (النعي ) – وهو اسلوب وطريقة خاصة في قول المراثي - على فقيد عزيز .
 واستمرارية الذائقة الشعرية العراقية في طرح هذه المواضيع ، تعيدنا الى تذكر التاريخ ليس وهو يعيد نفسه ، بل في ما يكرره من مجموعة امور يرى فيها البعض انه يعيد نفسه ، وقد توضح هذا لمن قرأ (مرثية اور ) التي بقيت عبر التاريخ خالدة وهي تقدم رثاء لمدينة سقطت تحت براثن الغزاة .
فالشاعر السومري في المرثية يصف لنا بكاء اهل اور:
* ((قلب المدينة يبكي، وناي القصب فيها ينوح.
شعبها يقضي يومه في النواح والنحيب.
أي نانا، أيها النبيل، عد لشأنك،
فإنك لن تقايض بالدمع شيئاً.)).
اما الشعر في تلك المراثي فتبقى دهشته الازلية، تلك الدهشة التي تتولد في كل مرة يقرأ فيها او يسمع ، وهي تتجدد ، وتتولد من خلالها صور كثيرة تنبعث من الفاظها المترابطة ، فيشع فيها ومنها سحر ذلك الترابط ، وتلك العلاقات .
واذا كانت الدهشة اول ما يتملك المتلقي عند قراءته او سماعه للشعر، فان ما يخفي من امور كثيرة وراء هذه الدهشة تتبدى بعد ان تكون القصيدة قد اكتملت قراءتها ، او تم سماعها ، لان تلك الدهشة – وعلى الرغم من انها دائمية التولد – ستكون ولادة لتلك الامور، مثل الفكرة التي قدمتها القصيدة ، وما توحي بها اللغة المستخدمة  فيها ، والصور التي تبنى من خلال ترابط الالفاظ والكلمات .
امامنا الان قصيدة تاخذ المتلفي – القاريء او السامع – بتلابيب فكره ،لان ما تمنحة عنده هو الدهشة ، الذي تخلف فيما بعد في ذهن و( بال ) المتلقي امورا كثيرة بعد ان تزول تلك الدهشة .
من الامور تلك التي تولدها سماع او قراءة قصيدة ( ابك بغداد ) للشاعر السبعيني ابراهيم البهرزي ، هي الفكرة او الافكار التي تقدمها القصيدة .
القصيدة هي مواساة مدينة تاريخية مثل بغداد ، ومطالبتها بالبكاء لما وصلت حالها اليه .
واذا كانت المراثي الرافدينية تقدم رثاء للمدينة هذه او تلك ، فان الشاعر ابراهيم البهرزي ، يخرج عن مألوف تلك المراثي ليدعو فيها مدينة بغداد الى ان تبكي نفسها.
القصيدة هذه مثل السمفونية تعتمد حركات عدة، فهي تتالف من ست حركات ، او مقاطع شعرية ، حيث يبدأ الشاعر قصيدته بلازمة شعرية يرددها كبداية كل حركة او مقطع شعري لانشاء عالم شعري او صورة شعرية جامعة ، هذه اللازمة هي ( ابك بغداد ) والتي يعكسها في الحركة السادسة والقصيرة – المقطع الشعري السادس - الى ( بغداد ابكي ) وكأن الشاعر يؤكد على مدينة بغداد لتفعل هذا الشيء ، فيبدأ باسم بغداد ، اي ان جملته تكون اسمية على العكس من المقاطع السابقة التي تكون الجملة فيها فعلية.
في الحركة الاولى – المقطع الشعري الاول – يقول الشاعر مخاطبا بغداد :
* (( ابك بغداد
قال اليهودي وهو يُمسّد شعر الصغير
عشيّة في الصالحيّة لوّح (نُوري السعيد )
أن انتثري يا بلاد )).
يرد اسمي اليهودي ونوري السعيد كناية للعهد الملكي في العراق اولا ، و لخروج اليهود من العراق ثانيا ، فيطلب الشاعر من بغداد البكاء للواقعة التي حدثت فيها بخروج اليهود منها وهم من سكانها الاصليين .
هذا اول سبب لبكائها ، لتشتت العائلة العراقية .
في الحركة الثانية ،يقول الشاعر :
* (( ابك ِ بغداد َ
قال َ سُقاة ُ الحدائق ِ
اهل ُ الشمائل ِ والاريحيّون َ
يوم َ توهّم َ (عبد الكريم ِ) وعسكره ِ الهمجي ُّ
اجتراح َ الجنائن ِ من عربدات ِ الرعاع ِ
فبادوا بهم
مثلما هُم ْ
ابادوا)).
سبب – كما يرى الشاعر – البكاء هو ان الزعيم عبد الكريم قاسم ( توهم ) بـ ( ثورته ) انه قد خلص العراقيين من حكم جائر ، الا انه نسي انه اخطأ التقدير ، فكان ان طالب الشاعر بغداد ان تبكي ذلك ، وذكر الزعيم قاسم هو ايحاء بالفترة التي تلت العهد الملكي ، اي الجمهورية الاولى التي مر العراق بها.
وفي المقطع الثالث ، الحركة الثالثة ، يقول الشاعر البهرزي :
* ((ابك بغداد
قال الشيوعي وهوَ يعضّ هويّته
ويناكد ضحكة (صدام):
لست الذي منه تضحك
لو انّهم ما ارادوا ...)).
حيث تكون المواجهة بين الشيوعيين وصدام حسين على الهوية ، وهو تاريخ عراقي معاصر ، وذكر الشيوعي وصدام في هذا المقطع الشعري هو ايحاء بالعهد الذي مر به العراق ، فترة السبعينات حتى سقوط بغداد بيد الغزاة عام 2003 .
 ثم يرد لفظ المسيحي في المقطع الرابع كناية على مسيحي العراق الذين قتلوا وهجروا في هذا الوقت بعد غزو واحتلال العراق من قبل الامريكان، اذ تدخلت المسائل الدينية في الامر ، بعد ان سلم الغزاة العراق لفئة دينية معينة ، فراحت بعض العناوين وباسم هذه الجهة او تلك تقتل او تدفع الى التهجير سكان العراق الاصليين ، مما دفع الشاعر الى دعوة بغداد للبكاء :
* (( ابك بغداد
قال المسيحيّ
والخائفون شهود على دمه:
لو بدين الذئاب استجرت
اجاروا !)).
وفي المقطع الشعري الخامس يقول الشاعر :
* ((ابك بغداد
سوف تقول  النعام  , الهوام  , زهور  السياج  , الدجاج  , النعاج  , الجريح  , الذبيح  , المغنّي , الاجير  , الامير  , السواقي , الحصونُ , الجنون ، الكتاب  , الشراب  , النبي   , الغبي   , السماء  , الخراء  , الحقول  , الخيول  , الحزين  , الامين
القوافي
المنافي
يد  الله ...)).
هنا في هذا المقطع مفارقة يوردها الشاعر فيما تقوله الاشياء من انسان وحيوان وجماد ، ومن معان معنوية ومادية، اذ انها تقول ( يد الله ...) في نهاية المقطع وتسكت ، فهل اراد الشاعر بـ ( يد الله ) الآية القرآنية ( يد الله فوق ايديهم ) ، ام انه اراد بها الاية الاخرى التي قال فيها اليهود ( يد الله مغلولة ) ، ام انه اراد بها الحديث النبوي الذي يذكر ان (  يد الله مع الجماعة)؟
الشاعر يسكت عن التصريح بذلك ، لان كل المعاني هي صحيحة.
فيد الله فوق ايديهم ، اي انها تكون مع هؤلاء الحيوات والجمادات والاشياء المادية والمعنوية التي ذكرها الشاعر ، حيث تقف معهم لتآزرهم ضد الاعداء الغزاة وما تركوا من اسباب الموت والدمار.
ويد الله مع الجماعة ، اي مع هؤلاء ، فهي معهم عندما يتحدوا ضد الاعداء الغزاة وما خلفوا من ادوات الموت .
او انها تعني انها يد مغلولة كما قال اليهود ، لانها لم تفعل اي شيء حيال هذا الموت والدمار اليومي المجاني ؟
ارى انها تعطي المعاني جميعها ، وتبقى للمتلقي حرية الاختيار، لان الشاعر ترك العبارة مفتوحة دون ان يوضح القصد منها ، وذلك بحذف ما تبقى من العبارة القرانية او الحديثية ،اما قصد الشاعر فمعني به فكر الشاعر نفسه.
وتتوالى مقاطع القصيدة وفيها يخاطب الشاعر بغداد ويدعوها للبكاء ، متحدثا عن اسباب هذا البكاء ، وهو عندما يذكر الاسباب ليس معنى ذلك ان يروي لنا تاريخا ، بل يقدم رؤية شاعر في هذا التاريخ الذي يدفع ببغداد الى البكاء على نفسها .
يأتي المقطع السادس حاملا الضربة الشعرية الموجعة في نهاية القصيدة :
* ((بغداد ابكي
كثيرا كثيرا
فلا هاديا غير هذا الحمار....)).
يغير الشاعر في مستهل هذا المقطع من الجملة الفعلية الى الجملة الاسميه ، حيث يخاطب بغداد لكي تبكي كثيرا كثيرا .
 نتساءل لماذا يريدها ان تبكي كثير .؟
 يأتي الجواب : لان لا هاديا لها سوى هذا الحمار الـ .... ويحذف الشاعر ما كان يقصد اضافته للحمار ، ان كانت صفة ، او فعل ، او غير ذلك ،ومعروف احوال الحمار.
وهكذا يقف الشاعر ابراهيم البهرزي داعيا بغداد الى بكاء حالها والندب عليها ، حيث غزاها الاعداء ودمرها، فلم يبق شيء فيها يدعو الى الفرح والسرور ، كما حدث للمدن الرافدينية قبل الاف السنين.


عالم الرواية

عالم الرواية

داود سلمان الشويلي
(( بمناسبة رحيل الرواية " دوريس ليسينغ" الحائزة على  جائزة نوبل 2007   يوم 17 تشرين الثاني  2013 )).

ان الحكايات والقصص الشعبي ، هي اللون الادبي - رغم شفاهيته - الذي استطاع ان يتخطى حاجز الواقع الى ما بعده ، فأصبح قادرا على تقديم مادة حية وجميلة لما هو مخالف للعالم الواقعي الذي تعيش فيه الشخصية ( بطل النص ) ، فأصبح عند ذلك يمتلك عالمين ، احدهما عالم الواقع ( العالم المعلوم ) والاخر عالم اللاواقع ( عالم اللا معلوم) والذي مثلته مدرسة التحليل النفسي بـ ( عالم اللاشعور).
كان الانتقال بين العالمين من السهولة بمكان ، كالانتقال بين سطح يابس ، واخر ملئ بالماء ، او كأنتقال انسان حالم . او انسان يقرأ في كتاب ما ، او يتسلى بلعبة ما ، ودون ارادة منه ينتقل تفكيره الى عوالم اخرى ( ذكريات ، رؤى).
سهولة الانتقال من العالم الواقعي الى العالم الاخر في القصص الشعبي قد اتاحتها قدرة التفكير الشعبي في الاعتقاد بالعالم الاخر الذي لا يبعد عن العالم الواقعي (المعلوم ) بشيء... يكون الارتحال اليه سهل بسهولة دخول الدار من بابها .
ان المقدمة القصيرة عن هذين العالمين افرزتها رحلة جميلة وممتعة اثناء قراءتي لرواية ( مذكرات من نجا ) للروائية الانكليزية ( دوريس لسنغ ) وقد جمعت هذه الرواية هذين العالمين ، اضافة لما يرمز له العالم الاخر ( عالم اللاواقع ) جمعا لا نشاز فيه ، حتى ان القاريء لهذه الرواية لا يقع في التباس الانتقال ، وانما يترك البطلة - وهي تنقل له الاحداث- تنتقل بخفة ويسر ، وهو يتابعها في ذلك .
ان بطلة ( مذكرات من نجا ) لا تجد صعوبة في ترك عالمها الواقعي وهي تعيش في احدى الشقق السكنية والانتقال الى ما يقع بعد ذلك الواقع ( العالم الاخر ) اي الانسحاب الى منطقة اللاشعور ( الدخول في عالم التذكر ) كما كان يفعل بطل القصص الشعبي عند انتقاله بكل سهولة ويسر
واذا كان القصص الشعبي لم يطرح مباشرة ثيمة العالم الاخر ، كون هذا العالم الاخر هو رمز لشيء لم تفصح عنه ، فأن بطلة الرواية - التي لا اسم لها - هي الاخرى لم تفصح عما يرمز اليه العالم الذي يقع خلف جدار شقتها ، ذلك الجدار الذي تخترقه بكل سهولة ، كما يحدث في افلام ( كاسبر ) ، الا انها كانت تلمح الى ان ذلك العالم ما هو الا رمز لشيء اخر ، هذا الشيء هو ما تقوم بتشكيله في هيئة شقة بغرف متعددة لكنها شقة قديمة تحتاج الى شيء من الترميم والترتيب ... انه ( اللاشعور ) ... غور في الماضي ... ذلك الماضي الذي يحتاج الى ترميم هو الاخر ليبدو نظيفا مرتبا .
ان الانتقال لما هو خلف الجدار ، والذي يتم دائما اثناء تدخين سيكارة ما بعد الفطور ، والتي هي السيكارة الوحيدة التي سمحت البطلة لنفسها بتدخينها ، ما هو الا انتقال لمرآى مشاهد وصور حية نابضة بالحياة ، انه عالم الذكرى المنسي ... هذا العالم الذي نحتاجه جميعنا لنرمم به سيرة حياتنا الآنية والمستقبلية بما هو مخفي وماض من تلك السيرة ... وهي مهمة صعبة ، الا ان اسلوبها كان مبتكرا والذي استطاعت الكاتبة استخدامه لتقدم لنا حياة بطلتها الماضية ، بعيدا عن اسلوب الرسائل ، او المونولوج الداخلي او الفلاش باك وغير ذلك من اساليب العودة الى الماضي التي استخدمها فن كتابة الرواية منذ نشأته.
انه عالم فني جديد ومبتكر ، يعيدنا الى عوالم الحكايات والقصص الشعبي .
***
ودوريس من مواليد إيران عام 1919من ابوين انكليزيين ،ونشأت في روديسيا ،قم عادت الى موطنها الاصلي انكلترا ،واعتنقت الشيوعية ثم طلقتها، فازت بجائزة نوبل للاداب عام 2007 .
اصدرت : (العشب يغني)، و (الحقيقة الخامسة)، و (جدات) و(مذكرات من نجا)و (المسير في الظل)و (أجمل الأحلام) و(أطفال العنف)، وغيرها من الروايات والقصص القصيرة والدراسات .

التناص الابداعي في قصيدة ما رواه الهدهد للشاعر حازم رشك



التناص الابداعي في قصيدة ما رواه الهدهد للشاعر حازم رشك


داود سلمان الشويلي

القصيدة:
من ( الف) دهرك نازفا لـ ( الياء)
وبـ ( نون) كونك حكمة الاشياء
 وبـ ( ميم) (من)
رؤياك محض تكشّف
وبـ (فاء) (كيف)
كفاية للرائي
 وبخيط ابرتك
اتصال قيامتي بقراءتي
وغمامتي بغنائي
 الواح طينك
في جريمة اصبعي
إني اشرعت اليك في ايمائي
 لا (اين) تعرفها الجهات
ولا (متى)
كل الجهات ، سوى الجنوب ، ورائي
 ركضا اليك
فثم وجهك راكض نحوي
ونحوك راكض إصغائي
 انا عبد شطك
قل لامي كيف انجبت الثريا
من نثيث الماء؟
 هرّبت جذعي قبل مريم
نازحا
ورضيت من جبريل بالاسراء
 احرقت ناري في لعلي
انست رئتاي خوفا
فانطفأت إزائي
 اعددت متكأ لموجة أحرفي
وشحذت سكيني بكيد نسائي
 رملت خارطتي
بقيح حقائبي
وحقنت غربة زاجلي
بدعائي
 اصغيت
هدهدك الطليق نحرته
إذ لم يعد بالخبز للفقراء
 اطبقت جوعي
كي انيم قصائدي
فوجدتهن:
وسادتي وغطائي
 بينا تساقطت الرؤوس
وعطلت لغة البخور
شممت ريح حذائي
 عند الغمام
سيحمد القوم السباخ
وينحتون من الضلوع خبائي
 ما عدت اعلم
بين ان اطأ الثرى تيها
وبين اغوص في احشائي
 عيسى هناك
فلذ بإهلك حازما
واقم بمفترق الصليب
عزائي
 لذ بالمشاحيف
انتظار هواء
اشرب
صديد حقيبة سوداء
 لا يجرمنك
إن جرفك بومة
مزجت مسيل الدمع
بالحناء
 وعلى الرصيف
أساور ممجوجة
يبصق تبغ الليلة الحمراء
 هذا قميصي
أين إخوة يوسف والذئب؟
أين تقاسموا اشرئي؟
 قالوا:
تمرغ والنشيد
بعافر
صدقوا
لو اجتاحوا علي سمائي
 يا صاحبي السجن
إما واحد يهب الملزك
خطيئتي ودمائي
 وانا ولحم الطير
نصنع فلكنا
كيما ننبئ قرية
بفناء
 بئران:
بئر ابي ، وبئر اخلتي
للآن يشخب فيهما
إروائي
 قطع الحروف
وصولجانك زاحما
رطبي فأسقط في يد عزلاء
 ما عدت اعلم
بين ان اطأ الثرى تيها
وبين اغوص في احشائي
 اني اصوت
للصلاة على الثرى
وعلى الثرى
سيدلكم إمضائي
 سران
في ربما
غفر الاله خطيئة الشعراء...
***
قلت في مفتتح كتابي (الذئب والخراف المهضومة) الصادر من دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – عام 2001: (( لم يكن مفهوم "التناص" بعيدا عن الدراسات النقدية التي سبقت ظهوره في النقد العراقي خاصة، والعربي عامة 00 اذ ان مفاهيم كـ ( التأثر ، التضمين ) على سبيل المثال قد اخذت مجالها الواسع في تلك الدراسات ، مما جعل من ( السرقة ) بانواعها ، تأخذ هي الاخرى مداها الواسع ايضا في تلك الدراسات ، وخير مثال على ذلك ، الضجة التي اثيرت حول رواية عبد الخالق الركابي " الراووق " فمن الدارسين من وصمها بالسرقة ، ومنهم من حاول تخفيف وطأة هذه التهمة ، وعدها متأثرة بهذا النص او ذاك ، ومنهم من اصبح ملكيا اكثر من الملك عندما نفى عنها ( السرقة ) و ( التأثر ) على السواء 00 وقد حدث كل ذلك في الوقت الذي كان ( للتناص ) دور كبير في الدراسات النقدية ، إن في الخطاب النقدي الاوربي والامريكي ، وإن في الخطاب النقدي العربي ( في المغرب العربي خاصة ) 0 ولو كان نقادنا قد اطلعوا - وقتذاك - على تلك الدراسات لما حصلت مثل تلك الضجة 0
لقد قلل ( التناص ) كثيراّ من وطأة تهمة (السرقة ) وراح بعض نقادنا - جرياّ على عادة الغربيين - يعدون ( السرقة ) - بكافة انواعها - من باب ( التناص ) دون ان يفرقوا بين نوع واخر من انواعها ، والتي سبقنا في التفريق بينها نقادنا العرب قبل اكثر من الف عام ، وكتبوا حولها المجلدات 0
ان ( التناص ) كآلية ومقترب نقدي ، افادت كثيرا النص الابداعي ومؤلفه على السواء ، اذ برأ المبدع من تهمة ( السرقة ) او ( بعض انواعها ) وفي الوقت نفسه خدم النص عند اخراجه من ( خانات ) السرقة)) 0
اما عن آليات التناص على مستوى الفحص والدراسة ، فأنها - كما في المصدر السابق : (( هي نفسها آلياتها في الانتاج ، والمتوصل اليها من خلال عملية ( تفكيك ) النص ، لكي تشتغل تلك ألاليات على مستوى الفحص ، بصورة صحيحة ودقيقة للوصول الى مرحلة الفهم ، ومن ثم مرحلة ( التأويل ) الذي اكده ( ريفاتير ) عند استخدامة للتناص في اخر اعماله عن الاسلوبية على اعتبار انه : ( مرتبة من مراتب التأويل ) ومن ثم بناء المعنى وانتاجه . وهذا مايجب على التناص ( اثناء الفحص ) الوصول اليه((.
***
بداية من العنوان (عنوان الديوان والقصيدة) ، يعمل التناص الديني – القرآني خاصة وليس الفكر الديني - عمله في النص الابداعي (الشعري) في ديوان الشاعر العراقي حازم رشك "ما رواه الهدهد "، وفي القصيدة التي حمل الديوان عنوانها خاصة.
فالعنوان يحمل مفردة لها مجالها التناصي الذي تعمل عليه وفيه ، وهي الهدهد.
فهي من ناحية، تعمل ضمن مجالها الاجناسي الحيواني (عالم الطير ) وما يشكله هذا العالم من فضاءات ومعان متولدة في الذاكرة الحية ، اذ ان الطيران عالم تنثال منه معان غير المعنى الحقيقي الظاهري الذي يعطيه مباشرة.
فهو عالم السمو ، والحرية والانطلاق،وفي الوقت نفسه عالم التراسل ، وعالم الهروب والاختفاء السريع .
ومن ناحية ثانية ، هي تعمل ضمن المجال الديني (القرآني خاصة).
فقد ذكر القرآن الكريم طير الهدهد في سورة النمل عندما اورد قصة نبي الله سليمان: (وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين).
والسبب في ذلك ، ان سليمان يريد الحصول على بعض المعلومات عن امر ما ، وكما ترويها الكثير من التفاسير القرآنية (1) ، وكان له ما اراد واكثر.
وهذه الوظيفة استخدمها الشاعر في القصيدة التي تحمل المجموعة عنوانها ، وهي وظيفة معرفة ما هو مجهول .
وقد استخدمها الشاعر في قصيدة اخرى تحمل عنوان " لوّح الى الاثداء" في مقطع شعري يقول فيه:
كنا صغارا
ما انتظرنا هدهدا
يأتي من المجهول بالانباء
في هذا المقطع كان قد توضح كل شيء من وظيفة الهدهد.
إذن ، كان استخدام لفظة الهدهد والمعاني الحافة لها في عنوان المجموعة والقصيدة، له ما يبرره ، لان لفظة الهدهد تستدعي الى الذاكرة بعض وظائف الطير ، وهي ايصال المعلومات عن شيء مجهول، ان كان ذلك بقصد (غراب وحمامة نوح، مثلا) او دون قصد ، (هدهد سليمان عندما اخبره عن بلقيس).
و التناص المستخدم في قصائد الديوان وفي هذه القصيدة خاصة ،من نوع التناص المضموني ،الاعتباطي . (2)
فلولا ما تخزنه الذاكرة عن قصة الهدهد والنبي سليمان المذكورة في القرآن الكريم ، لما امكننا ان نفهم القصد الذي رمى اليه الشاعر(منتج النص) والذي سنتكلم عنه في السطور القادمة.
فالهدهد بدأ يروي لنا ما يريد ان يخبرنا به الشاعر، وهو المضمون الكلي والتفصيلي لقصائد الديوان.
***
تضم المجموعة ستة عشر قصيدة ، كلها كتب على شكل قصيدة التفعيلة ، وبتنظيم دقيق لقافية اغلب قصائد المجموعة، الا انه – الشاعر - لم يكن قسريا في استخدام تلك القافية، لهذا جاءت منسابة كأنسياب ماء النهر ، تحمل بين مفرداتها بوح الشاعر ، الانسان المحتار في القرن العشرين .
في هذه السطور سندرس تجليات التناص الابداعي في قصيدة (ما رواه الهدهد).(3)
***
تفتتح القصيدة - كما تفتتح بعض سور القرآن - بحروف مقطعة ، وكذلك كما يستخدم الكهان والصوفية الحروف في كتاباتهم (4) ، وكلا من الكاهن والشاعر والصوفي الى حد ما هو رائي ونبي .
وهذا بحد ذاته تناص لعوالم هي وعالم الشاعر على خط واحد ، فأسلوب القرآن الكريم ، يضعه دارسو بلاغته بين النثر والشعر ، فلا هو نثر ولا هو شعر ، الا انه يرتبط بنثر الكهان بأكثر من وشيجة، منها السجع ، وفي الوقت نفسه ، فإن اسلوب الكتابات الصوفية تأخذ من الاثنين الكثير من اسلوبهما ، وها هو الشاعر حازم رشك يتناص من حيث الشكل على اقل تقدير مع الجميع.
من ( الف) دهرك نازفا لـ ( الياء)
وبـ ( نون) كونك حكمة الاشياء
وبـ ( ميم) (من)
رؤياك محض تكشّف
وبـ (فاء) (كيف)
كفاية للرائي
***
وفي مقطع آخر يشبه (الشاعر = بطل النص = الشخصية التي تتحدث عن نفسها) جذعه (هو نفسه) بجذع النخلة التي هزتها السيدة مريم العذراء (كما ورد في القرآن) ، الا انه جذع نخلة هارب من السيدة مريم ، أي ان لا فائدة ترجى منه ،و في الوقت نفسه فهو راض ٍ بإسراء جبريل به.
وهنا يعيدنا الى قضية الهدهد ، والطير بصورة عامة ، والى قضية الهروب الى البعيد البعيد .
فهو جذع هارب ، وهروبه الى خارج المكان .
*هرّبت جذعي قبل مريم
نازحا
ورضيت من جبريل بالاسراء
والاسراء هو انتقال من مكان الى اخر.
***
ولم يكتف الشاعر بهذه التناصات القرآنية . فها هو يشبه فعله الخاسر ، كما صور هروبه من حاضره ، بإنطفاء النار التي آنس منها سيدنا موسى ،(( وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا فقال لاهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى * فلما أتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى)). ( طه : 9 -12 )
*احرقت ناري في لعلي
انست رئتاي خوفا
فانطفأت إزائي
يا لسوء حظ الانسان الذي تنطفيء الجذوة المشتعلة في نفسه ، لإعتماده على (لعل) ، فبدلا من ان يجد مبتغاه انطفأ امامه كل شيء.
***
ويتناص النص مرة اخرى مع القرأن وقصة زوجة العزيز وكيدها ، ونساء مملكتها، الا ان النص بهذا التناص يريد ان يخبرنا بسخرية القدر وما يخفيه لنا من امور، كما تعودناه في تناصاته الاخرى.
فعندما تنطفيء الجذوة المشتعلة في النفس ، وعندما تعد كل شيء استعدادا لما تأمل ان يأتيك ، لا تحصد سوى الخيبة.
*اعددت متكأ لموجة أحرفي
وشحذت سكيني بكيد نسائي
رملت خارطتي
بقيح حقائبي
وحقنت غربة زاجلي
بدعائي
اصغيت
هدهدك الطليق نحرته
إذ لم يعد بالخبز للفقراء
***
وتستمر تناصات القصيدة مع القرآن ، لتصور لنا اخفاقات الشاعر وخيباته ، دون ان يقع في التصوير المباشر لصور القصيدة ، وليكون التناص له اسلوبا وآلية لتقديم قصيدة غير مباشرة ، وفي الوقت نفسه ، قصيدة غير متهمة بالسرقة ، وغير مثقلة بالتنصيص ، والاقتباس، وغير ذلك.
وفي مقطع شعري اخر ،ينهي الشاعر قصيدته وتناصاته بقول ما يجب ان يقال، بعد قراءة القصيدة وتناصاتها:
*ما عدت اعلم
بين ان اطأ الثرى تيها
وبين اغوص في احشائي
إذ تبقى حيرة الشاعر وضياعه ، ولم تفد به اخبار الهدهد.
***
فمع القرآن ، تناص الشاعر في قصيدته هذه مع اكثر من قصة قرآنية ، او شخصيه ، او حدث.
فنجد مثلا ، انه استخدم اضافة لما سبق ، شخصية النبي عيسى ، النبي يوسف واخوته ،فتية السجن مع يوسف ، الذئب .
***
فضلا عن التناص مع القرآن ، هناك تناصات مع اجناس ادبية اخرى ، كالحكاية الشعبية مثلا .
في حكابة شعبية تتداولها السنة اهالي المدن الواقعة على ضفاف النهر في جنوب العراق ، تذكر هذه الحكاية ، ان وحشا يخرج من النهر ليلتهم الاطفال ، وقد اطلقوا عليه اسم (عبد الشط )، وهذه الحكابة ذات جذور اسطورية سومرية نابتة في ثقافة ابناء الناصرية (السومرية) التي ينحدر منها الشاعر.
في هذه القصيدة يتشبه (ولا اقول يتماهى) الشاعر (بطل النص) بعبد الشط هذا ، الا انه لم يكن ذلك الحيوان المفترس ، بل هو حيوان يطرح الاسئلة فقط، وهذا يذكرنا بإسطورة ابي الهول ، او وحش طيبة كما جسدته اسطورة اوديب ، عندما يطرح السؤال على المارة ، ومن يخطيء في الاجابة يفترسه.
يبني الشاعر تناصه الابداعي من خلال السخرية ، فبينما عبد الشط وحشا مفترسا ، يتحول الى سائل عن امر صاغه الشاعر بكل الفة وحميمية وهو السؤال عن انجاب الثريا من نثيث الماء:
*انا عبد شطك
قل لامي كيف انجبت الثريا
من نثيث الماء؟
***
واخيرا ، كان النص الشعري (ما رواه الهدهد) نصا شعريا مكثفا، استخدم الشاعر التناص في بناء صوره الشعرية .
وكان الشاعر موفقا على تقديم مثل هذا النص على مساحة قصائد ديوانه الاول.
***
الهوامش:
1 - قال ابن زيد في تفسيره:(( أول ما فقد سليمان الهدهد نزل بواد فسأل الانس عن مائه ، فقالوا : ما نعلم له ماء ، فإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالجن ، فدعا الجن فسألهم ، فقالوا : ما نعلم له ماء وإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالطير ، فدعا الطير فسألهم ، فقالو : ما نعلم له ماء ، وإن يكن أحد من جنودك يعلمه فالهدهد ، فلم يجده ، قال : فلذاك أول ما فقد الهدهد .
* لاعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين.(21 (
وقال كذلك في قوله: أو ليأتيني بسلطان مبين، قال: بعذرأعذره فيه.
* فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين .(22 )
قال ابن زيد في قوله : أحطت بما لم تحط به، قال : ما لم تعلم .
*إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم [23 ] * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون [24 ] * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخب ء في السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون [25 ]
قال ابن زيد في قوله: الذي يخرج الخب ء في السموات والارض، قال : خب ء السماء والارض : ما جعل الله فيها من الارزاق ، والمطر من السماء ، والنبات من الارض ، كانتا رتقا ، لا تمطر هذه ولا تنبت هذه ، ففتق السماء ، وأنزل منها المطر ، وأخرج النبات )).
(تفسير ابن زيد - تفسيرابن زيد - عبد الرحمن بن زيد بن اسلم - المستل من تفسير الطبري - اخرجه وعلق عليه ووثق مصادره: داود سلمان الشويلي)..
2 - الذي لا يمكن الوقوف عليه في النص الا اعتماداً على ذاكرة المتلقي 0 (راجع كتابنا : الذئب والخراف المهضومة).
3 - صحيح ان الشاعر لم يثبت تاريخ كتابته لكل قصيدة ، الا انني اذكر ان الشاعر قد قرأ هذه القصيدة في تسعينات القرن الماضي.
4 - مع اختلاف الغاية .