الثلاثاء، 17 يونيو 2014

صورة الجنس في الرواية - رواية ( ابواب الفردوس) لناطق خلوصي انموذجا




صورة الجنس في الرواية - رواية  ( ابواب الفردوس) لناطق خلوصي انموذجا

داود سلمان الشويلي
من "التابوهات" المحذورالخوض فيها في المجال الابداعي يقف الجنس في المقدمة ، عندما يكون الكاتب ممن ليس له القدرة في الامساك والسيطرة على ادواته الفكرية والتعبيرية ، اما الكاتب القادر على ان يمسك بكل ادواته تلك، فيكون عنده الجنس وبكل تجلياته موضوعا يمكن طرحه في عمله الادبي والفني بلا خوف او تردد ، لانه سيعالجه معالجة تبعده عن الاسفاف والسقوط في هوة ما هو مبتذل وعادي .
والرواية هي صورة حية عن / من الحياة ، تدخل فيها المخيلة لتشذبها وتثقفها ، وهي بهذا تبقى صورة واقعية عن الحياة من وجهة نظر الروائي الذي يعيش الحياة بكل تفاصيلها ، انها تسجيل لحيوات البشر ، وما تؤول اليه مصائرهم .
والرواية التي بين ايدينا هي رواية متميزة من خلال موضوعها الذي تطرحه، انه موضوع تقليدي ، الا انه ما يزال ينبض بالحياة في ايامنا هذه، هو موضوع الاخلاق وصورته المتمثلة بالجنس والمال ، هذا الموضوع قد تناوله ناطق خلوصي بحرفية الكاتب السردي المتمكن من ادواته السردية ، فاتى العمل الروائي وقد تضافرت فيه السردية التعبيرية والافكار الحاملة لها تضافرا هارمونيكيا مقتدرا .
الموضوع في هذه الرواية هو موضوع الاخلاق المتمثل بالعلاقات الجنسية غير الشرعية ( من وجهة نظر الدين)، وطرق الحصول على المال في مجتمع النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي .
تعددت صورة الجنس في رواية ( ابواب الفردوس) واتخذت لها اشكالا وهيئات عدة ،فتمثلت هذه الصور في الاشكال الاتية:
* علاقة الابن ( غزوان ) مع :
–  مدرسة الكيمياء ( نهال ).
-   موظفة الكلية ( ام رهيف ).
-  ابنة عمه ( زوجته فيما بعد ).
-   زوجة ابيه الفلسطينية التي قتل والدها لانه جاسوس اسرائيلي ، وهروب اخوها الى امريكا وتجنسه بالجنسسية الامريكية.
* علاقة الزوجة / الام  (ام غزوان ) مع ابن شقيق زوجها .
* علاقة زوجة الاب الفلسطينية مع موظف الشركة.
* علاقة  الزوج نذير الحسيبي مع الخادمة الباكستانية .
* اتهام ابن الخال بمحاولة ممارسة الجنس مع :
-  مع زوجة اخية وابنة عمه.
هنا سنتحدث في هذه السطور عن علاقات غزوان ونزواته الجنسية ، وكذلك علاقة امه بابن اخي زوجها.
***
قبل ان نتحدث عن علاقات ( غزوان ) الجنسية، علينا ان نتعرف عن السبب الذي دفعه الى ان يكوّن مثل هذه العلاقات غير الشرعية.
 فاضافة لحسن منظره الخارجي، (جمال وجهة )، والذي حاولت شقيقته التي تصغره بسنوات ان تستميله اليها ( افعال مراهقة )، الا انه كان يردها بروية وهدوء ، كانت هناك اسبابا دفعته الى اقامة هذه العلاقات المتعددة ، اذ وجد (( نفسه مدفوعا ً اليها ربما عن طيش أواخر فترة المراهقة وبواكير مرحلة الشباب . وكان قد فكـّر بذلك )) .ص136
واول هذه العلاقات هي علاقته بمدرسة الكيمياء ، اذ نجد (غزوان ) قد بنى علاقة عن طريق شقيقته مع مدرسة الكيمياء المطلقة والتي كانت تهواه لفرط جماله ، و ترسل التحايا له مع شقيقته مؤكد له انها تستطيع ان تساعده في درس الكيمياء، وفي فترة الامتحان النهائي يرضخ تحت حاجته تلك الى مدرس يساعده في فهم درس الكيمياء ، فتزورهم في بيتهم ، ويخلوا بها بحجة الدرس.
 يقول الروائي على لسان غزوان : (( هي التي استفزت الكامن في داخله من حرمان فرضه هو على نفسه . احتك فخذها بفخذه بادىء الأمر ولامست أصابعها أصابعه  وهمست له انها كانت تنتظر مثل هذه الفرصة التي بدت كأنها هبطت اليها من السماء (...) . رآها جذلى ، مرتاحة دون أن تشعر بأي ندم . هو الذي شعر بالندم بادىء الأمر ، لكنه ما لبث أن طوى ذلك الندم في زاوية مهملة في ذاكرته . هل هذا باب من أبواب فردوس آخر ينفتح أمامه ؟.))
وانفتح امامه باب فردوسها كما عبر الروائي عن ذلك وتعدد الدخول فيه.
***
العلاقة الاخرى التي اقامها ( غزوان) بسبب وسامته ونزواته هي علاقته مع (ام رهيف ) الموظفة في الكلية التي انتسب لها مع ابنة عمه (  كلية الهندسة ) ، وزوجة الشهيد .
ينقل لنا الروائي ما دار بينهما فيقول : (( مسكت يده ونهضت فنهض هو أيضا ً وقد توهج وجهها فرحا ًورآها تقوده الى غرفة النوم :
ــ ستلبسني أياها أنت أمام المرآة .
(...)
شعر بها تقترب بجسدها من جسده فوجد بابا ً جديداً من أبواب الفردوس ينفتح أمامه )) .  ص72      
ويظل ينهل من هذا الفردوس المفتوح امامه.
***
ومن اول لحظة لمرآى ( ريم) لغزوان ، فكرت في اقامة علاقة جنسية معه دون ان تردعها علاقة النسب التي بينهما ، اذ هي زوجة ابيه.
لقد مرت (ريم) بعلاقة جنسية مع العامل في الشركة وظلت هذه العلاقة حية حتى نهاية الرواية ، اضافة لتاريخ والدها الجاسوس ، وكأن الكاتب يريد ان يقول لنا ان منظومة الاخلاق عندما يسقط بعضها ،فانها تسقط جميعها من الشخص او المجتمع.
ينقل لنا الروائي ما دار في تفكرها من امور جنسية ، يقول :
((ساورها هاجس بالقلق ينمو على مستويين : مستوى علاقتها به  حيث ستجد نفسها لوحدها معه وراء أبواب مقفلة وهي لا تدري إن كانت ستكبح مشاعرها وعاطفتها في ظل غياب زوجها ، ومستوى علاقته بالآخرين ، النساء بشكل خاص ، وهو ما عليه من وسامة آسرة . ستتعب بلا شك لكنه يستحق التعب . ووسط أفكارها داهمها النعاس )). ص99
اذن ستتحكم بـ ( ريم ) الامور الاتية:- الخلوة به،  وسامته ، علاقاته بالنساء الاخريات.
ولكن قبل هذا يتحكم بمشاعرها ماضيها السابق / الحاضر ، وعلاقتها الجنسية بموظف الشركة بعيدا عن الزوج.
وفي هذه العلاقة الحذرة تقوم (ريم) بمحاولات عدة لدعوته لاقامة علاقة جنسية معه : (( رآى يديها تمتدان الى الروب ونظرت اليه فأحس بأنها تريد مساعدته لها في نزعه . عمد الى أن تلامس أصابعه جزءا ً  من عنقها ثم نزل بها الى أعلى صدرها وكأنه يريد أن يقيس ردة فعلها . وجدها تبتسم ثم تهمس :
ــ يبدو لي أنك ستعوضني عن نذير خلال غيابه !
ولم يفهم ما كانت تعنيه )). ص101 ( وراجع ص103 ص104 ص114 ص122).
لقد استعملت في كلامها معه التورية اللغوية ،والرمز الدال على دعوتها له جنسيا، حتى تصل عندها الى المطلوب، فيتكلل بالاتي الذي لا يود الروائي ذكره : (( وجاء مساء الخميس الموعود .  . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . .. . .)) . ص126 حيث يترك نقاط عديدة وكأنه يريد ان يقول انهما مارسا الجنس سوية.
هذه العلاقات الجنسية التي انشأها غزوان اثناء فترة مراهقته والتي بررها بانها نزوة عابرة ، الا انها علاقات محرمة دينيا وانسانيا وتنبع من اخلاق غير سوية تؤشر الى سقوط منظومة الاخلاق عند الفرد والمجتمع ، اضافة لعلاقته مع الخادمة الاجنبية .
***
وسقوط منظومة الاخلاق هذه شملت الام كما شملت الاب ، اذ وصلت العلاقة بين ام غزوان وزوجها نذير الحسيبي الى الحد الذي دفعها لان تقول مع نفسها في لحظة اقرار : (( ــ ليذهب نذير الحسيبي الى الجحيم ! لم يعد يهمني في شيء )). ص76
وتبرر علاقتها الجنسية بهشام على انها(( ووجدت في الوقت نفسه ما يبرر الآن تماما ً انتقامها منه على طريقتها الخاصة . )). ص106
لقد وضعها الروائي في وضع يدفعها الحال فيه الى ان تخون زوجها حسب ما رسمه لها تفكيرها ، اذ مارست الجنس مع ابن اخي زوجها الذي كانت تحممه عاريا عندما كان طفلا ، وتتخيله في صورة اخرى بعيدا عن طفولته.
ينقل لنا الروائي ما حدث بين ام غزوان وبين هشام :
((غابا زمنا ً وخرجت متوردة الخدين ، متورمة الشفتين ، ذابلة العينين ، يتبعها وهو يزرر قميصه . جلست على أريكة الهول وجلس الى جوارها )). ص79 ص70
هذه صورتها بعد ان تمارس الجنس والتي يريد ان يوصلها لنا الروائي ، وهي على العكس من صورتها وهي تعيش مع ابنها وابنتها بعيدا عن الزوج ، وكأن الروائي يريد ان يوصل لنا رسالة في ان الجنس يفعل الافاعيل .
هذه الرسالة صادقة ودقيقة ،وخاصة لو كان الجنس ياتي من غير الطريق الشرعي حسب تقاليد واعراف المجتمع ، والذي يمكن شموله بالمثل الشعبي الشائع ( كل ممنوع مرغوب ).
***
هذه صور للعلاقات الجنسية التي صورها الروائي لكل من الابن غزوان وامه ، فبينما تكون علاقات الابن عبارة عن نزوة مراهق ، تاتي علاقة الام على انها انتقام من الاب لتركها وحيدة والسفر خارج العراق واهمالها اهمالا تاما حتى وهو قربها ، وكل ذلك له علاقة بمنظومة الاخلاق التي تسود المجتمع في زمن الحرب وما تفرزه تلك الحرب من سقوط لهذه المنظومة عند بعض الناس.
الا ان الروائي وهو يبني علاقات هؤلاء الجنسية ،لا ينسى ان ينهيها نهاية حسنة تقع في المجتمع الموقع الحسن .
ان منظومة الدين الاخلاقية هي من يختار الروائي لابطال روايته التمسك بها ويمثلها القرآن ، والمغقرة لله ،  وكأن منظومة الاخرق الانسانية لا تفي بالمطلوب .
ان اختار الروائي لهذه المنظومة جاء منساقا وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه ، اضافة  لتوافق هذه المنظومة والمنظومة الاخلاقية الانسانية .
فنهاية العلاقة الجنسية مع ( ام رهيف) والمدرسة ( نهال) وزوجة الاب ( مريم ) عند ( غزوان) تكون كما صورها لنا الروائي :(( أخرج كيسا ً من حقيبة يدوية كان يحملها وقدمه لها . فتحت الكيس فوجدت علبة خشبية في داخله .. فتحت العلبة  وفوجئت بوجود مصحف بحجم الكف بغلاف مطعّم بالأصداف . نظرت اليه طويلا ً كأنها تسأله عن مغزى هذه الهدية ، وما لبثت أن قبّلت المصحف ورفعته الى جبهتها . أخرج من الحقيبة علبة صغيرة قدمها لها فوجدتها سلسلة ذهبية تنتهي بمصحف ذهبي صغير (...)
ــ هل أطمح في رضاك ؟
ــ بكل تأكيد . لكن قبـّلني عربون علاقتنا الجديدة .
 ومدت له خدها هذه المرة ، فشعر بفيض من الراحة يغمر قلبه . سيفعل مع نهال  ما فعله مع أم رهيف . هديتها ستكون مماثلة لهديتها . والحرباء ؟ آه من الحرباء ! كانت قد وضعته أما خيارين : أما أن يستسلم أو يفقد كل شيء فآثر الخيار الأول على مضض وسيظل ما فعله وشما ً في روحه لا يمحى طوال حياته )).ص137
وبهذه النهاية اسدل الروائي و( غزوان ) ايضا ، الستار على علاقاته الجنسية غير السوية ،وغير الشرعية ( نسبة للدين ) بستار الدين ، اما تلك ( الحرباء ) زوجة والده فقد تكفلت عودته الى البلد، وكذلك الاحداث الجديدة التي مر بها بلده بنهايتها دون ان يخسر شيئا كان يخاف ان يخسره وهي علاقته بابيه وبالناس اجمعين.
فـ (ام رهيف) والمدرسة ( نهال ) يقدم لهن هدية القرآن ، وللقران دلالته الرمزية في ذلك، اذ حسب راي كاتب هذه السطور انه يرمز الى العودة ، او دعوة للعودة، الى الاخلاق والتربية الاسلامية ، لان المجتمع الذي يعيش فيه هو مجتمع اسلامي.
اما نهاية العلاقة بين ( ام غزوان ) و هشام ،فالروائي انهاها بطلب الغفران من الله من قبل الام ، لا من قبل هشام الذي يخاف من ابيه (ص70 )، اي بالعودة للمنظومة الاخلاقية الاسلامية في ان التوبة تمحي ما سبقها من ذنوب ، اذ شعرت مؤخرا ان ما تقوم به هو ذنب لا يقدر ان يمحيه الا الله  : (( يعرف أن لا أحد معها سوى حفيدتها الصغيرة ولم يكن قد التقاها منذ مدة وأتيحت  الفرصة أمامه الآن بعد أن خلا له الجو . (....) تساءل دون أن يخفي عدم ارتياحه :
ــ هل صرت تضجرين مني ؟
ــ  لقد تغير الوضع الآن.   أكثر من مرصد سيترصدنا  . أبوك في المحلات وغزوان ورؤى في الشقة ونسرين وشهاب في الغرفة العلوية .  ولا تنس انني أصبحت جدة . لقد عجّزت ياهشام . )). ص136
 (( ــ سأعود لأكون أما ً لك مثلما كنت من قبل ، وليغفر لي الله ما ارتكبته بحق نفسي وحقك أيضا ً من ذنب )). ص136
الامر نفسه الذي ارادت منظومة المجتمع الاخلاقية ان يعود الجميع لها ، وهي منظومة الدين ، القرآن عند غزوان ، وطلب الغفران من الله عند الام .
هكذا استطاع الروائي ناطق خلوصي ان يعري المجتمع ومنظومته الاخلاقية في فترة من الفترات الحرجة التي مر بها العراق ، حيث افرزت هذه الفترة مثل هذا السقوط الاخلاقي متمثلا باخلاقية العلاقة بين الرجل والمرأة.





ليست هناك تعليقات: