الأربعاء، 18 يونيو 2014

دراسات في الشعر العامي : 5

دراسات في الشعر العامي : 5


بعض قضايا الشعر العامي العراقي
داود سلمان الشويلي
(( الشعر ضرورة ... و اه لو اعرف لماذا .)).
                                                      - جان كوكتو -
الشعر العامي العراقي ليس منقطع الجذور ، ولم يكن في يوم ما بعيدا عن الواقع والحياة المعاشة والهموم الكبرى للانسان العربي ، وطنية كانت او قومية او انسانية،ومن خلال هذين المنطلقين ، يمكن النظر اليه كجنس ابداعي / ادبي لا يختلف عن شقيقه الفصيح سوى باداة التوصيل اذا عدت اللغة – كمفهوم عام لها – اداة للتوصيل في الشعر كما  في الاجناس الكتابية الاخرى ابداعية ام غير ابداعية.
لم يعرف تاريخ دقيق لبدء الكتابة في اللهجة العامية على الرغم من ان الدكتور حسين نصار يؤكد : (( الشعراء الشعبيون - في الجاهلية – ينظمون مشاعرهم باللهجات التي يتحدثون هم بها مع اقربائهم وافراد قبائلهم )) ( الشعر الشعبي العربي – د. حسين نصار – ص 33 ) فضلا عن ان ما يؤكده الدارسون من ان ( الرجز ) هو احد بحور الشعر العامي وقتذاك .
ولا اريد – هنا – ان اخوض في بحر لا يعرف له قرار ، اذا علمنا ان الشعر الفصيح الذي كتب في عصر ما قبل الاسلام  والذي وصل الينا ، قد كتب بلهجة قريش او قريبا منها ، تلك اللهجة التي كتب بها القران ، ( وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم ) اما اللهجات الاخرى فقد ازيحت وابعدت خاصة بعد ان تمت عملية استنساخ القران قي زمن الخليفة عثمان بن عفان ، وبتقادم الايام اضمحلت تلك اللهجات الى حد ما ونشأت لهجات اخرى كان لعامل الجغرافية دور في تحديدها وتصنيفها ، فضلا عن عوامل اخرى لا مجال لذكرها.
ان ما تريد ان نصل اليه هو التأكيد على ان شعر المعلقات قد كتب بلهجة عربية قرشية ، او قريبة منها ، ولهذا شك الدكتور طه حسين في كتابه عن الشعر الجاهلي باصالة هذا الشعر.
في السطور السابقة حاولت التأكيد على  ان الانسان – وفي اي مكان – راح يفكر ويكتب الشعر ويغني باللغة التي يتحدث بها ، اي باللهجة التي تنساب على لسانه ، اما ما جاء بعد ذلك من تعقيد لها في النحو والصرف في حوالي القرن الثالث الهجري فانه جاء بهدف مقدس هو الخوف على القران ، اي كان للجانب الديني دورا في وضع تلك القواعد ، ومن ثم بقاء اللغة العربية الى يومنا هذا .
واذا كان الاسلام والقران خاصة قد جعل من لهجة قريش هي اللغة التي تداولها العرب - والعرب المسلمون خاصة - فاننا لا نستطيع هذا اليوم ان نجعل العرب يتحدثون بلهجة عربية واحدة للاسباب والظروف المعروفة على الرغم من وجود القران بينهم مكتوبا او متلوا ، وكذلك الحديث النبوي ،والشعر العربي القديم والنثر العربي.
لهذا فان الحديث عن الشعر العامي العراقي، او اي شعرعامي عربي ، ليس هو دفاعا عنه امام من يريد النيل منه بحجة واهية هو انه ضد اللغة العربية وضد العروبة  والقران ،  ذلك لان الشعر العامي هو الشعر الذي يمثل خير تمثيل (شعور واحساس ) الناس – ولا اقول ابناء الشعب او العامة من الشعب – لان اللهجة العامية وعلى الرغم من تعددها في القطر الواحد الا انها تعد وسيلة التواصل والتفاهم بين الناس العامة منهم والخاصة ، وكذلك هي لغة اللاشعور والحلم.
واذا كنا مع الراي الذي يرى ان اللغة هي كائن حي يتطور بتقدم الزمن وتطور الحياة ، فاللهجة العامية هي الاخرى تتطور وتنمو وتتغير محاولة الاقتراب من اللغة الفصحى لاسباب وظروف كثيرة ربما اهمها التعليم والاتصالات ....الخ.
واذا كان حديثنا في السطور السابقة قد انصب على اللهجة واللغة فاننا في السطور التالية سنتناول قضية اخرى من قضايا علاقة الشعر العامي بالشعر الفصيح ، وهي تاثير حالة التطور الي اصابت الشعر الفصيح على الشعر العامي .
لقد مر الشعر العربي بتجارب ومحاولات عديدة لكسر الطوق الذي قننه الفراهيدي وقيد فيه الذائقة الابداعية الابتكارية العربية  مما ادى الى سد باب الابتكار وصيرها تسبح في البحور التي قيدها ( راجع مقالنا تقعيد الشعر المنشورفي مجلة سطور الالكترونية ) .
ولما كان حديثنا عن الشعر العامي العراقي، فانه هو الاخر قد حاول ذلك تحت تأثير عدة عوامل من اهمها ( ثورة !!!) الشعر الفصيح ، وكتابة قصيدة التفعيلة على ايدي السياب ونازك الملائكة فكانت الشرارة الاولى قصيدة عامية عراقية جديدة لا تختلف شكلا عما سبقها على يد الشاعر النواب – وهو شاعر يكتب الشعر الفصيح ايضا – حيث كتب مقاطع قصيدته عام 1956 م واكملها عام 1959م فكانت قصيدة " الريل وحمد " التي كتبت بشكل كلاسيكي وهو وزن " النايل " الذي يوزن بوزن بحر البسيط ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ) :
* مرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل ..
وسمعنه دك اكهوه ، وشمينه ريحة هيل .
ان ما تريد قوله هو ان ثورة التجديد في القصيدة العامية الحديثة والتي بدأها النواب وجدت من يكتبها من الجيل المثقف  وقتذاك، وقد اكدنا في دراسة سابقة لنا ( راجع مقدمة لدراسة ثورة الشعر العامي العراقي الحديث ) على مجموعة من الخصائص التي تميزت بها القصيدة العامية الحديثة والتي لها علاقة بالشكل والمضمون.
وهكذا ظلت هذه القصيدة هي بداية لكتابة الشعر العامي الحديث– قصيدة التفعيلة -  ، فيما كانت هناك قصيدة ، وكان هناك شاعر كتب الشعر العامي الحديث قبل مظفر النواب ، سنتحدث عنه في دراسة قادمة.

ليست هناك تعليقات: