الأربعاء، 18 يونيو 2014

عالم الرواية

عالم الرواية

داود سلمان الشويلي
(( بمناسبة رحيل الرواية " دوريس ليسينغ" الحائزة على  جائزة نوبل 2007   يوم 17 تشرين الثاني  2013 )).

ان الحكايات والقصص الشعبي ، هي اللون الادبي - رغم شفاهيته - الذي استطاع ان يتخطى حاجز الواقع الى ما بعده ، فأصبح قادرا على تقديم مادة حية وجميلة لما هو مخالف للعالم الواقعي الذي تعيش فيه الشخصية ( بطل النص ) ، فأصبح عند ذلك يمتلك عالمين ، احدهما عالم الواقع ( العالم المعلوم ) والاخر عالم اللاواقع ( عالم اللا معلوم) والذي مثلته مدرسة التحليل النفسي بـ ( عالم اللاشعور).
كان الانتقال بين العالمين من السهولة بمكان ، كالانتقال بين سطح يابس ، واخر ملئ بالماء ، او كأنتقال انسان حالم . او انسان يقرأ في كتاب ما ، او يتسلى بلعبة ما ، ودون ارادة منه ينتقل تفكيره الى عوالم اخرى ( ذكريات ، رؤى).
سهولة الانتقال من العالم الواقعي الى العالم الاخر في القصص الشعبي قد اتاحتها قدرة التفكير الشعبي في الاعتقاد بالعالم الاخر الذي لا يبعد عن العالم الواقعي (المعلوم ) بشيء... يكون الارتحال اليه سهل بسهولة دخول الدار من بابها .
ان المقدمة القصيرة عن هذين العالمين افرزتها رحلة جميلة وممتعة اثناء قراءتي لرواية ( مذكرات من نجا ) للروائية الانكليزية ( دوريس لسنغ ) وقد جمعت هذه الرواية هذين العالمين ، اضافة لما يرمز له العالم الاخر ( عالم اللاواقع ) جمعا لا نشاز فيه ، حتى ان القاريء لهذه الرواية لا يقع في التباس الانتقال ، وانما يترك البطلة - وهي تنقل له الاحداث- تنتقل بخفة ويسر ، وهو يتابعها في ذلك .
ان بطلة ( مذكرات من نجا ) لا تجد صعوبة في ترك عالمها الواقعي وهي تعيش في احدى الشقق السكنية والانتقال الى ما يقع بعد ذلك الواقع ( العالم الاخر ) اي الانسحاب الى منطقة اللاشعور ( الدخول في عالم التذكر ) كما كان يفعل بطل القصص الشعبي عند انتقاله بكل سهولة ويسر
واذا كان القصص الشعبي لم يطرح مباشرة ثيمة العالم الاخر ، كون هذا العالم الاخر هو رمز لشيء لم تفصح عنه ، فأن بطلة الرواية - التي لا اسم لها - هي الاخرى لم تفصح عما يرمز اليه العالم الذي يقع خلف جدار شقتها ، ذلك الجدار الذي تخترقه بكل سهولة ، كما يحدث في افلام ( كاسبر ) ، الا انها كانت تلمح الى ان ذلك العالم ما هو الا رمز لشيء اخر ، هذا الشيء هو ما تقوم بتشكيله في هيئة شقة بغرف متعددة لكنها شقة قديمة تحتاج الى شيء من الترميم والترتيب ... انه ( اللاشعور ) ... غور في الماضي ... ذلك الماضي الذي يحتاج الى ترميم هو الاخر ليبدو نظيفا مرتبا .
ان الانتقال لما هو خلف الجدار ، والذي يتم دائما اثناء تدخين سيكارة ما بعد الفطور ، والتي هي السيكارة الوحيدة التي سمحت البطلة لنفسها بتدخينها ، ما هو الا انتقال لمرآى مشاهد وصور حية نابضة بالحياة ، انه عالم الذكرى المنسي ... هذا العالم الذي نحتاجه جميعنا لنرمم به سيرة حياتنا الآنية والمستقبلية بما هو مخفي وماض من تلك السيرة ... وهي مهمة صعبة ، الا ان اسلوبها كان مبتكرا والذي استطاعت الكاتبة استخدامه لتقدم لنا حياة بطلتها الماضية ، بعيدا عن اسلوب الرسائل ، او المونولوج الداخلي او الفلاش باك وغير ذلك من اساليب العودة الى الماضي التي استخدمها فن كتابة الرواية منذ نشأته.
انه عالم فني جديد ومبتكر ، يعيدنا الى عوالم الحكايات والقصص الشعبي .
***
ودوريس من مواليد إيران عام 1919من ابوين انكليزيين ،ونشأت في روديسيا ،قم عادت الى موطنها الاصلي انكلترا ،واعتنقت الشيوعية ثم طلقتها، فازت بجائزة نوبل للاداب عام 2007 .
اصدرت : (العشب يغني)، و (الحقيقة الخامسة)، و (جدات) و(مذكرات من نجا)و (المسير في الظل)و (أجمل الأحلام) و(أطفال العنف)، وغيرها من الروايات والقصص القصيرة والدراسات .

ليست هناك تعليقات: