الثلاثاء، 17 يونيو 2014

زوجتي ليست طبيبة لكنها تحب الاغاني السبعينية الاصيلة (تراث السبعينات الغنائي)


زوجتي ليست طبيبة لكنها تحب الاغاني السبعينية الاصيلة
(تراث السبعينات الغنائي)

داود سلمان الشويلي
 للغناء العراقي في السبعينات سحر ادهاشي كبير ، ان كان هذا السحر متأت من الجملة الشعرية التي تكون فيه الكلمات مترابطة بسحرية ادهاشية عالية ، او من خلال الجملة اللحنية المبنية بجمال اخاذ اسر، او من الصوت المؤدي الذي ياخذنا الى افاق وعوالم سحرية عالية الابهار في نطريب تنسى فيه الروح عالمها التي تعيش فيه لترتاد عوالم سحرية اخاذة ، وتخيلية مدهشة. ومن القنوات الفضائية التي تبث برامجها المرئية والصوتية قناة ( ...... ) المختصة ببث اعلانات الادوية ، والاعشاب الطبية ، واعلانات العمليات الجراحية ، واخبار الطب ،هذه القناة الفضائية - وهي مفارقة كبيرة - تبث كخلفية لاعلاناتها الطبية اغاني عراقية من فترة السبعينات ، ذات المواصفات العالية في الاداء واللحن والكلام والتي ما زالت تتصف بقوة البنيان والاساس والتأثير. ان المفارقة التي تظهر بين تخصص القناة و وظيفتها ، وبين ما تبثه من اغاني هو ايضا فيه سحر للعالم الذي يتشكل بين القناة وجمهورها المحب والهاوي لسماع هذه الاغاني. في مطبخ بيتنا جهاز تلفزيون - وما اكثر اجهزة التلفزيون وتنوعها – كما في ( هول ) بيتنا جهاز اخر، والمكانين هما عالم زوجتي التي فقدت ابنها الشهيد الملازم حسام بيد الارهاب عام 2004، فراحت تبحث عنه او عن ذكراه في عالم تلك الاغاني التي تحمل بين طياتها الحزن الشفيف والتي امتازت به الاغنية العراقية الاصيلة وحافظت عليه الاغنية السبعينية ، الا ما ندر وهو قليل ، والرومانسية الجميلة التي فقدتها اغاني هذا الزمان. الحزن الشفيف الذي اقصده هو ما امتازت به الاغنية السبعينية ذات الروحية الرومانسية الهادئة، والعفوية الابداعية وليس المجانية التي كتبت بها ، هذا الحزن لم يكن مفتعلا او خارج منطقة كلماتها ، بل هو نابعا من صميم كلماتها ومن داخل ذاك الترابط المذهل الذي يربط الكلمة بالتي تليها او قبلها، لتنشئ الجملة الشعرية المبنية بناء جماليا فريدا يدهش المتلقي ، لتنقل الحزن الذي نشأ عند ابناء المجتمع منذ ان بنى السومريون زقورة اور الى يومنا هذا. ظلت الاغنية السبعينية متطابقة و عناصرها الابداعية من كلمات والحان واداء ،اذ كانت تقوم على نصوص شعرية كبيرة ، والتي بنيت بصنعة احترافية تفهم الذائقة السمعية للمتلقي ،ترافقها جملة لحنية عراقية متطابقة والروح العراقية التي تستمع لها ، و تنطلق باصوات غنائية كبيرة ومقتدرة ، اتعب حنجرتها المران واجتياز لجان الفحص . من اهم ما تتصف به الاغنية السبعينية هو هذا الشجن الذي شع من القصيدة الغنائية التي حملت الاغنية السبعينية على اكتافها، وصيغت عنه ومنه وله الحانا جميلة ورائعة ، واداه صوت غنائي مقتدر. و الرومانسية التي تتصف بها تلك الاغنية لم تكن رومانسية مبتذله ، او باردة ، بل كانت رومانسية تصدر من قلب الشاعر لتصب في اذن الملحن الذي يصوغ منها الحانا جميلة ورائعة ، لتخرج من حنجرة مؤدي قادر مقتدر فتدخل اذن المتلقي لتخاطب احاسيسه ومشاعره ، كل ذلك ابعد هذه الاغنية عن اسفاف الاغاني السريعة والخفيفة التي انتشرت في وقتنا هذا ، بغياب الرقابة الفنية الشعبية التي افتقدت لها الكثير من القنوات الفضائية. من الفنانين الذين غنوا اغنية السبعينات والتي تبثها تلك القناة وتستمع لها زوجتي بكل حرقة والم اغاني المطربين : ياس خضر ، حسين نعمه ، فاضل عواد ،سعدون جابر، سعدي الحلي ، حميد منصور. والمطرب ياس خضر قد احب صوته المستمعين من كل طبقات الشعب العراقي ، وقد استطاع ان يمرن ويطوع صوته كثيرا على اداء الاشعار العامية الطويلة ، فاكتسب صوته قابلية وقدرة متميزة على الاداء الجيد في انسيابية وتلقائية عفوية . اما المطرب حسين نعمة فانه يؤدي الالحان الصعبة بصوته الرخيم ، وحنجرته القوية ، وطبقته الصوتية الواسعة التي تؤدي المقامات الصعبة والنادرة. والمطرب فاضل عواد يمتلك صوتا جميلا ، ويجيد الغناء باللون البغدادي والريفي على السواء ، ويتميز صوته بشجن اخاذ وعذوبة محببة الى الروح التي تعيش معه عالم ساحر متخيل . اما المطرب سعدي الحلي فانه يعد مدرسه غنائيه متميزة بحد ذاته ، وصوته يتميز عن غيره من الاصوات بخصوصيه ينفرد بها ، اذ يمتلك خامة صوتيه نادرة ومميزه. اما المطرب حميد منصور فانه يمتاز بصوت دافئ رخيم ، وقد استطاع هذا المطرب ان يعيد الاغاني الرائعة والجميلة لمطربات ومطربين قدامى واجاد في ذلك لما يمتلكه من صوت يمتد لمساحات واسعة. ومن الملحنين الذين صاغوا الحان تلك الاغاني والتي استمرت الى يومنا هذا ، وستكون تراثا غنائيا مليئا بالثراء والغنى في يوم ما ، الملحن طالب القرغولي الذي تمتاز الحانه بالمقدمات الموسيقيه الطويله، اذ تعتبر هذه ميزه جديده في الاغنيه العراقيه في حينه ، وقد قدم الحانا لقصائد شعرية طويلة ، ناجحة وما زالت تستمع لها الاذن العراقية . قدم الفنان طالب القرغولي الحانا رائعة وجميلة من مثل : (جذاب) ،(ليل البنفسج) ،(حسبالي)،(فرد عود ) ، (ويا كمر) ،(اتنه اتنه)،(اعزاز) (انه وانته) ، ) وداعا ياحزن ) ، ( تعال لحبك) ، ( حن وانا احن) ، ( حاسبينك ) ، (شضحيلك) و(عذرني) و(طير الحباري) و(يانورا) و(اعذرني ولا تزعل) و(يم داركم)،وغيرها من الاغاني الجميلة والرائعة. وكذلك الملحن محسن فرحان الذي قدم الحان كثيرة وراقية لاغاني: (غريبة الروح) ، ( لابيه اعفون هلي) ، ( كوم انثر الهيل) ، ( المطار) ، ( انت العزيز تغيرت) ، ( كرستال ) ، (عيني عيني) ، ( يامسيت العافية ) ، ( لتصدك اليحجون) وغيرها من الاغاني التي لم تبارح ذاكره المستمع العراقي . والملحن كوكب حمزه الذي قدم الحان (شوك الحمام)، ( أبنادم) ، ( الگنطرة بعيدة ) ، وغيرها الكثير من الالحان الجميلة والرائعة. ومن الملحنين في تلك الفترة ، الملحن جعفر الخفاف الذي قدم الكثير من الالحان لمطربي تلك الفترة ، مثل اغاني : ( نحب لو ما نحب) ، ( عاش من شافك ) ، ) دار الزمان وداره ( ، (ما إله حدود( ، (بالله ســلم ســـلام ) ، (آن الأوان) ، (مجرد كـلام)) ، ( مرة ومرة ) ، ( تعتب علي) ، ( تريد الصدك لولاله) ،( عرفت روحي أنه) ، (تحياتي ). وكذلك الملحن محمد جواد اموري الذي قدم الحانا لاغاني كثيرة ما زالت تحن لسماعها الاذن العراقية ، من مثل:( كلايد ) و(صبر شموع) واغنية (هاي وحده وياك يلناسينه) ،(توصيني) ، وغيرها. والملحن كمال السيد الذي قدم الحانا رائعة وجميلة من مثل: ( المكير ) ، (ويل كلبي اشهل مصيبة) واغنية (لعيونك الحلوات) واغنية (يسألوهه عليه الناس) ، ( مابدلك والنبي)، (يا ريحان) ،(كون السلف ينشال)، (كصيت المودة) ، وغيرها من الالحان. وكذلك الملحن نامق اديب الذي قدم اغنية (تايبين) ، واغنية (مجروحين)، وغيرها من الالحان الجميلة. ومن الشعراء الذين كتبوا كلمات اغاني تلك الفترة ، الشعراء : زامل سعيد فتاح ، زهير الدجيلي ،كاظم الركابي ، ناظم السماوي، جبار الغزي ،طاهر سلمان ، حسن الخزاعي ، وداود الغنام ، وابو سرحان ، وعريان سيد خلف ، وكاظم الرويعي ، وغيرهم. هذه الاغاني وما تحمله من كلمات ولحن هي تراثنا الغنائي لفترة السبعينات من القرن الماضي والتي ما زالت تجد اذنا تستمع اليها بكل مشاعر واحاسيس الانسان العراقي وهو يعيش احلك الضروف منذ قيام الدولة العراقية . ما زالت زوجتي تسمع تلك الاغاني من تلك القناة الفضائية لما فيها من حزن شفيف ، ورومانسية جميلة وهادئة تغلفان كل اغاني تلك المرحلة فتبكي ابنها الشهيد بهدوء وتوحد ، اذ تبدأ عيناها بذرف الدموع المالحة و الحارقة دون ان تنبس بكلمة واحدة. تحية لتلك الاغاني الجميلة والرائعة ، وتحية لتلك القناة التي تعيد بثها باستمرار فتذكرنا بها في زحمة الاغاني الهابطة لعشرات مطربي هذه الايام ، وتحية لزوجتي وهي تبكي ابنها الشهيد للروح الرومانسية والحزن الشفيف وقوة الكلمات واللحن الجميل التي تمتاز به تلك الاغاني.




ليست هناك تعليقات: