التناص الابداعي مع القصة القرآنية
الشاعرة سجال الركابي وقصيدة ( حذار )
قراءة : داود سلمان الشويلي
القصيدة:
((يوسُف حَذارِ
أُخوَتكَ
ما عادَ البِئرُ
يرضيهم
ولا الذِئبُ يعنيهُم
سَيصلبوكَ في وَضحِ
النَهار
وُيولمون لحمكَ
بِكُل إفتِخار
فَحذار)).
تحت اشتراطات قصيدة نزار قباني تكتب الشاعرة سجال الركابي اغلب قصائد
ديوانها ( صوب بستان النخيل ) ، دون ان تقسر ذائقتها الشعرية للوصول الى الحدود
القبانية للقصيدة وتقليدها تقليدا اعمى .
الديوان يضم ( 59 ) قصيدة متفاوتة الطول ، وقد صدر عن الدار العربية
للعلوم ناشرون عام 2012.
انها تقدم في قصائدها بوح عاشقة للوطن وناسه ، وللاخر المعشوق الذي تخاطبه في
احدى قصائدها قائلة:
* ((إختيار
أنتَ مُخَيّر
أما تَتكلّم
أو تَسمَعْ
الإثنين كَثير
لا تَطمَعْ)).
في اغلب قصائدها نرى القافية في كثير من الاحيان تسحبها الى نقطة تحول
في افكارها ، اذ نجدها تقسر ذائقتها الشعرية لقول شيء تأتي به القافية على الرغم
من انها تريد شيئا اخر، كما في قصيدة ( ألفجرُ آتٍ) :
* (( كَم مِن نجومٍ هَوَت
وزهورٍ قَبلَ أوانهِا ذَبُلَت
كَم مِن دُموعٍ إنهَمَرَتْ
وقلوبٍ إنفَطَرَت
في بلادي
حينَ أيادٍ تطاولت
وعيونٍ خانَت أو تَهاوَنَت
كُلُّ نَجمٍ هوى
أو زَرعٍ قبلَ أوانهِ ذوى
سَيورقُ أُمنيةً
ويَصدَحُ أُغنيةً
لِفجرٍآتٍ ولا رَيْبَ فيهِ
فَجرٌ وَديعٌ بلا صَخَب
ويَتلاشى الغِلُّ والغضَبْ)).
او قصيدة ( نامَ عبّود)
:
* (( نَم
عبّود نَم
نَم قد
زالَ الألم
ومضى ما
كانَ عَلقَم
عَبق الصفصافِ
تنسَّم
إحلم ببغداد
جَنّة
يجري من
تحتها دِجلة
نَم قريرا
وتبسّم
إنّكَ اليومَ
مُكَرَّم
يا صديقي
ولِتَعلم
فإن أنقطَعَ
الوتَرْ
يبقى في
الروح
يَصدَحُ النَغَم)).
في قراءتنا هذه لقصيدة ( حذار
) سنقدم القصيدة من خلال التناص الابداعي في موضوعها العام مع اسطورة يوسف ، او
كما جاءت القصة في سورة يوسف القرآنية.
القصة القرآنية تذكر ان يوسف ذهب مع اخوته ليرعوا ماشيتهم بعيدا عن مضارب
اهلهم ، وان والده يعقوب توجس خيفة من اصطحاب ابنائه ليوسف ، حيث سولت لهم انفسهم
ليتآمروا ضده ،فيرمونه في الجب ، ويعودوا الى والدهم ومعهم قميصه وقد لطخوه بدم
كذب .
((فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ
فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ
هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
(15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ
وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ
بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ
كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18( وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ
فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ
بِضَاعَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) )).(يوسف)
هذا هو مضمون بداية قصة يوسف القرآنية ، فتكتب الشاعرة قصيدتها
اعتمادا عليها في تناص ابداعي ،لتغير في الحادثة المذكورة في القصة القرآنية ، وفي ذلك ترتقي القصيدة الى ان تكون
ذات قيمة ابداعية مثمرة ، من خلال تغير ما في القصة من فكرة الى افكار جديدة يأتي
بها التناص الابداعي ويولدها.
القصيدة وهي تبدل افكار القصة القرآنية فانها تجعل من يوسف شخصا كامل
الاهلية ولم يعد صبيا ، فتحذره من اخوته ، وهذا اجراء قامت به الشاعرة لصالح
قصيدتها غير ما ورد في النص القرآني ، ولانهم كانوا في النص القرآني قد القوه في
الجب ، وعادوا لابيهم بقميصه وقد تلطخ بدم كذب ، فان هذه الاجراء العدائي لم يهمهم
في شيء وسوف يغادرونه الى ما هو ابلغ منه وهو الصلب.
* ((ما عادَ البِئرُ
يرضيهم
ولا الذِئبُ يعنيهُم
سَيصلبوكَ في وَضحِ
النَهار)).
والصلب هذا لم يكن خاتمة لتآمرهم ضده ، لانهم لن يفيدهم الصلب بشيء ما
لم يولمون لحمه ويقدمونه كوجبة وهم يفتخرون بما قدموه ، ليتوزع لحمه في جوف من
ياكله ، ويضيع قاتله واكله:
* ((وُيولمون لحمكَ
بِكُل إفتِخار)).
ان الشاعرة وهي تأخذ القصة / الاسطورة الى عالم جديد غير عالمها الذي
بنيت عليه، تعرف جيدا ما تقوم به ،لانها تعرف ان زماننا الحاضر وقد كثر فيه
المتآمرون على الاوطان قد غيروا في طرق تآمرهم وراحوا يبتكرون طرقا واساليب جديد ،
منها الصلب واكل لحوم المصلوب بدلا من الرمي في الجب ليلتقطه السيارة فينجوا من
تآمرهم .
الشاعرة بقصيدتها هذه تحذر بلدها العراق بعد ان رأت تكالب الاعداء من
الداخل والخارج ، من التفتيت والتقسيم ، تحذره من اخوته العرب الذين ما اكتفوا بتركه
وحيدا كما ترك اخوة يوسف اخيهم في الجب وحيدا ، وانما اولموا على لحمه الولائم
للاخرين .
لقد كانت الشاعرة وبحس وطني راق ، قد اماطت اللثام من وجه الاخوة
العرب ، وكشفت تعاملهم معه ،وكيف انهم قد تآمروا ضده في سبيل تقسيمه الى دوليات
عرقية ومذهبية ، وقد كانت الشاعرة عند كتابة القصيدة قد اخفت موقفها السياسي
الوطني لحساب القصيدة ، لتأت قصيدتها تنبض
بروح الشعر ، وتحمل في ثناياها روح غنائية عذبه تفتقر لها الكثير من قصائد
النثر التي تكتب هذه الايام.
القصيدة بدأت بلفظة ( حذار ) وانتهت بها ، وما بين اولها واخرها تأتي
القصيدة - على قصرها - مشبعة بغنائية محببة اسستها هذه اللفظة بتكرارها في البداية
والنهاية.
***
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق