الأحد، 15 يونيو 2014

نساء ورجال البصام قراءة في مجموعة ( وشم على جبين نخلة )


نساء ورجال البصام
قراءة في مجموعة ( وشم على جبين نخلة )
داود سلمان الشويلي
يقول ارنست كاسير: (( ثمة تداخل بين الشعر والحقيقة وبين الاسطورة والواقع ، والاثنان متطابقان )). – الدولة والاسطورة -
في دراسة سابقة تحت عنوان ( شعراء على الفيس بوك ) قدمت ثلاثة نماذج من شعر حسن البصام ، وقلت عنه : (  اما الشاعر حسن البصام الذي كان سابقا احد السرديين في القصة القصيرة ،فهو قاص وشاعر ثمانيني ، يكتب القصيدة الطويلة التي تفيض بكل ما هو عذب ).
واليوم ساقدم الشاعر من خلال اخر منشوراته وهو ديوانه الاخير الذي يحمل عنوان (وشم على جبين نخلة) .
ساتناول الديوان من خلال ما يقدمه من فهم خاص للمراة وللرجل ، على الرغم من ان هذا الفهم هو فهم شعري، ينبثق من الشعور المتأجج عند البصام لحظة كتابته لقصائده.
وهنا يبرز سؤال عن مدى صدق الشاعر فيما يتناوله في شعره ، فهل يكون صادق الشعور فيما يقول ، ام ان ما يقوله يمكن عده من تخاريف الشعراء؟ ((... وأنهم يقولون ما لا يفعلون)).
في الشعر يغيب الشعور الواعي للشاعر لينهض شعوره اللاواعي ، مهما كان مصدر او منبع هذا الشعر ، ان كان من وادي عبقر، او من شيطان او شيطانة خاصة به ،او كما يقول ريفاتير ((من تحول جملة شعرية حرفية صغرى الى اسهاب مطول ومعقد وغير حرفي )) – مدخل الى السيموطيقيا 2 / 68 - ،او من اية جهة كانت ،وعندها يبدأ اللاوعي بقول الشعر،عندها تنتفي الحاجة الى مطالبة الشاعر بالصدق الواقعي ، الحقيقي، وانما يسأل الشاعر عن الصدق الفني فقط.
فماذا نجد عند شاعر (وشم على جبين نخلة) من فهم شعري للرجل والمرأة ، بعد ان كتب قصائده بحالة اللاوعي المفترضة في الدراسة؟ وهل نطالبه بالصدق الواقعي ام الصدق الفني في قول الشعر؟
يتمحور فهم الشاعر للرجل والمرأة في الاتي :
في قصيدة "الاصابع"، يضع البصام النساء (هكذا بالجملة) بدلا من شرايين اصابع الرجل ، انهن الحافظات لحيوية الرجال ،" الدم "، ولهذا يرى البصام ان الله حلل الزواج باربع نساء لكي يتاح له ان يمارس اقصى درجات الحب (...)، لان في الحب يحفظ الرجال، وبهذا تكون المراة هي الحافظة للرجل ، انها الوسيلة التي يحفظ بها الرجل حياته .
* ((لان النساء شرايين أصابع الرجال
فقد أوصى الله باربع
ليتاح العمل بأقصى حب)).
وهذا فهم خاص بالشاعر مصدره لاوعيه ، في فهم النساء على انهن شرايين اصابع الرجل ، تلك الاداة التي وضيفتها التحسس ، المرأة المحركة للرجل ، المهيمنة .
وفي قصيدة( رجل يكره المرأة )، نجد المراة التي تمثل الغواية ، انها سبب قتالنا (الرجال) ، اي سبب نهايتنا.
 صحيح انها كانت القطرة الاولى التي نزلت من السماء ،الا انها نزلت لشيء واحد وهو :غوايتنا نحن الرجال ، ولتتركنا في عراك دائم ثم تودعنا.
* ((اول قطرة من السماء امراة
يتعفر وجهنا بغبارغوايتها)).
وهي صور شعرية تتناسل في القصيدة عن المرأة في لا وعيه ، فالمرأة كانت اول قطرة تنزل من السماء لغوايتنا ، وهي المحركة والمهيمنة.
وهي نهر جارف نرمي به انفسنا لا لشيء، وانما لكي يحتوينا ،هكذا تغوينا لتقتلنا.
* ((النهر امراة)).
***
المرأة هي الباقية والرجال هم الموتى ، لا بالمعنى الحرفي للفظة الموتى وانما بالمعنى المجازي لها لان ذلك يحدث في مصنع استخدام اللغة اللاواعي :
* ((الشراشف نساء
والموتى دائما هم الرجال)).
***
وفي قصيدة(لوحة ) يقول الشاعر عن اللوحة  انها (انثى ) ، اما الاطار فهو ( الرجل ) ، وتلك اللوحة فيها الالم يشع منها ، اذن المراة هي الالم ،وعندما تترك اللوحة، تسقط لينسكب لون وجهها .
 هكذا هي لا شيء بدون الرجل الذي هي التي تغويه ، وهي المهيمنة عليه:                   
* (( اللوحة انثى
تشع منها الوان  الالم
وتغرد على اشجارها الاحلام
والاطار رجل )).
***
مرأة حسن البصام التي تشكل انموذجا لنساء العالم ، تضع على وجهها الاقنعة ، انها تغير من صفاتها ، تصبح شيء لا يمكن ان نعرفه :
* (( تستطيع ان تضع على وجهها
أقنعة ..
مساحيقا  ..)).
***
في قصيدة (الاصابـع) المراة هي الشرايين في اصابع الرجل ،الشرايين التي تحمل الدم ، سائل الحياة ، وبين ان يضمها الرجل ، وبين ان تقوم بتطويقة كالخاتم ، تبقى خشيتها من ان الرجل يصبح ( وقحا ) خارج من سيطرتها ويمشي ( على حل شعره ) ، لانها امرأة مهيمنة عليه:
* (( الأصبع رجل
ومن أجل أن لايمشي على ( حلّ شعره)
اخترعت المرأة الخاتم لتطويق رقبته
ليحد من تلفته
فالأصبع وقح بالفطرة )).
***
في قصيدة (الاخرس) يختلق البصام امرأته ، اسطورة فريدة هذه المرأة ، فهي خالقة لكل فعل عند الرجل بحيث يبقى هذا الرجل لا يرى دربه من كثرة ما تفعله هذه المرأة = الملكة = الاسطورة ، انها تلجمه (تلصقين على فمه شريطا) ليبقى مشدوها امامها، ومشدودا لها.
ان مركز مدار الرجل تلك المرأة التي خلقها البصام في قصيدة (الاخرس).
وهذه نسخة اخرى من نساء البصام الا انها نسخة غير واقعية ، اسطورية  ، انها مخلوقة خلقا .
* (( وحدها أقدامك الحافية
تلامس طرق القلب المغلقة)).
هي ملكته تفعل به كل شيء:
* ((تصبحين وحدك ملكة
اذ تحكمين عينيه على نبضك
واذنيه على اسمك
وتلصقين على فمه شريطا)).
فهو مكبل ومشدودا لها:
* (( اعتقي لساني
وخلصي رقبته من طوق الخجل
يود أن يقول الكثير
في سمائه سحب معدة للمطر
هيئي له واحة للنماء
وأفتحي قلبك كي ينهمر)).
***
اذا كانت المرأة الاولى عند البصام مغوية للرجال ، والمرأة الثانية هي كل شيء لانه خلقها خلقا ، فالثالثة هذه التي يكرهها الرجل .     
في قصيدة (رجل يكره المرأة) يجعل من الرجال عبارة عن اغفاءة ومن النساء الاحلام، الاحلام التي تتسع لكل شيء ،لكن الاحلام هذه عبارة عن كوابيس ، اذن المرأة كالكابوس للرجل ، ما دامت مستمرة بغواياتها.
بماذا نخرج من حصيلة لفهم البصام للرجل والمرأة؟
المرأة هي :اول قطرة من السماء ، وهي النهر ،والورقة التي تحتضن اسرارنا ، وهي الشراشف ، وهي التي ترمم الرجال، وهي اعداؤنا الذين يبتسمون لنا،وهي التي تندف الحصى ليكون فراش الرجل الاثير،وهي
ظالمة أو مظلومة ، وهي القاتلة بدافع الحب والغيرة ،وهي الحياة والموت، وهي فتيل السعادة التعاسة .
هذه هي المرأة بنظر البصام وهي فوق ذلك يظل عقلها في (.....)وعقل الرجل اودعه عقل المرأة كما يودع القط لحمة، فما على الرجل الا ان يقبل يدها حين تجثو تحت نصفها.
***
وتبقى المراة عند البصام والرجل كذلك هما كما في قصيدة( الفتنة بصقة شيطان)، المرأة فتنة وشيطان ، والرجل يبتسم امام شيطنتها لا يستطيع فعل شيء:
* ((الفتنة بصقة شيطان
والابتسامة الخالية من النقوش رجل
واذا ما دققنا في مشية امراة
على ساحل القلب
سنرى هرا يتزحلق على نار الخطيئة
او كرة تتقاذفها ارجل الشياطين)).






ليست هناك تعليقات: