الأحد، 15 يونيو 2014

الرمزية النقدية والدرس الاخلاقي حسن البصام و ومجموعته القصصية (البحث عن اللون ) انموذجا

الرمزية النقدية والدرس الاخلاقي
حسن البصام و ومجموعته القصصية (البحث ع


ن اللون ) انموذجا
داود سلمان الشويلي
((نظرت إلى ثوب زوجتي.. صرخت في سري: يا إلهي إنه اللون الذي أبحث عنه، الآن أراه متألقاً زاهياً، وهو نفس الثوب الذي أبهرني وحلق لونه الغرائبي، في فضاء مخيلتي، ولم أستطع الإمساك به !!!.)).
هذه نهاية قصة ( البحث عن اللون ) وهي بداية للبحث عن ( شيء ) ما مفقود من ذاكرة الشخصية لحين ايجاده ، وهذه ثيمة اشتركن فيها اغلب قصص المجموعة هذه.
في الرحلة اليومية للشخصية المركزية للقصة ، نلتقي معه بالكثيرين ، الا انه يبحث عن شيء ما يفتقده، انه رسام يبحث عن لون ليلون ثوب فتاته التي رسمها ، فيجده في لون ثوب زوجته ، انه لون زاهي متألق ؟
ان الرحلة اليومية للالتقاء بالمراة ، اي امراة ، لن تفيده بشيء ، فلا التي امتنعت عن الذهاب معه الى مكان ما بسبب وفاة احد الائمة ، وهي اشارة ذكية من القاص ، حيث ينتقد سلوك بعض الناس ، ولا اي امرأة اخرى .
ان الدرس الاخلاقي الذي نستخلصه من القصة هو ان البحث عن المراة وما عندها ، هو بحث لا جدوى منه ، لان ما نبحث عنه موجود عندنا ، في زوجاتنا اللاتي معنا في السراء والضراء.
في قصة ( المعلم ) يبحث الاستاذ ( عدنان كعكه ) عن الحقيقة التي دفع ثمنها كثيرا من حياته عندما سب ( السلة) ، فكيف يعود الى الوظيفة والان الكل يحتاجون ان يسبهم جميعا ( السلة والعنب ) :
((سألته: أستاذ عدنان.. لماذا لا تعود إلى الوظيفة، مثل أقرانك الذين سبـّوا سلة العنب؟ أجاب بسؤال: مالذي إختلف، السلة ام العنب؟
أجبته: السلة والعنب. قال: إذن أعود إلى سب السلة والعنب.. لا يهدأ لي بال حتى أرى رقبتي حرة لا يطوقها شئ حتى وإن كانت قلادة من شعاع القمر.. وأن لا يثقل رأسي حمل حتى وإن كانت خيوط حرير.. أو أحمل على رأسي سلة لا يشتهي ما فيها فمي.. )).
في قصة (خارطة الذئاب) يبحث شخصية او شخوص القصة عن مخرج لما اصابهم ، فقد باتت الاحلام تعكس الواقع اليومي لما يعيشونه:
((حتى في الأحلام، تجثم على أنفاسنا، كوابيس لها أنياب.
فقد رسمتنا الذئاب خارطة لأحلامها.)).
انها رمزية كما في اغلب قصصه  ، رمزية تحمل بين طيات كلماتها ، وجملها السردية ، افاقا واسعة في نقد الواقع :
(( الحالة المحيرة التي لم أجد لها تفسيرا، هي أن هؤلاء الأشخاص الذين تكتلت مجاميعهم في جبهة واحدة، لا يطرأ تغير على سلوكهم وطبائعهم بتغير الأحداث، مغروزة جذورهم في التحدي، والعناد، والتطرف.. لقد كنت مخطئا إلى حد ما، حين إعتقدت، أن إرادتهم تخفي في أعماقها، الرغبة للوقوف مع الحقيقة أينما كانت، حتى وإن كانت كما يقال في فم الذئب.. ولا تسجد جباههم إلا للخالق، ولا يهادنون.)).
في قصة ( الرجل الملثم ) نقدا لما وصل له الواقع الذي يعيشه ، نقد مكشوف غير موارب ، نقد لاذع لقضية باتت منتشرة في ايامنا هذه ، نقد للسلوك الشخصي لبعض الموظفين حين يلبسون قناع التدين امام الناس ، وهذا مرده لبناء المساجد – كما يرى بطل القصة - قرب الدوائر الحكومية ، وهي اشارة مستبطنة لما فيها من رمزية عالية .
في قصة (إعتراف رجل خارج المستطيل) تتساءل الشخصية : ((هل يرتدي المرء قبعة الغباء بمحض إرادته؟ وهل تقيه إشتداد حرارة القيظ، في عراء هذا الزمن؟)).
في هذه القصة نقد لحالة ما ، ان الشخصية لا ترتكن الى حالها وتبقة سلبية تنتقد الاوضاع،  بل انها تثور على ذلك الحال الذي وجدت نفسها فيه : ((وقبل أن يدعوني للجلوس خلفه، مددت يدي بقوة نحو الجزء الأعلى من المستطيل، وهشمته تهشيما دامياً..)).
وهكذا يستطيع القاص البصام من رسم شخصية قصصية موجبة تجد في وضعها حالة لا يمكن الركون اليها فتثور وتحطم اغلالها.
في قصة (يوم الميلاد) تبحث الشخصية عن الاخر ، فبعد بحث مضن ، وبعد تنقل في المكان والزمان ، يجد الرجل ( الذكر ) امرأته ( انثاه ) ، وتجد المراة الرجل .
 ان مقدمة القصة ليس هو موضوع نهايتها : ((تتساقط الأوراق خفيفة كالظل ورقة بعد أخرى، ولا يبقى سوى الجذع تفر منه الطيور، تاركة ذروقها الجافة.. الورقة الأخيرة هي جواز مرور إلى عالم آخر.. يظل الجذع عاقراً لا يصلح لشئ))، ذلك لان القاص ارادنا ان نرحل معه داخل نفس شخصياته القلقة : ((قال أحد الموظفين: يا لها من مصادفة غريبة !! تصوروا إن عيد ميلاد (ضحى) كان نهاريوم أمس، وقد نسيت هي الأخرى، فهرعت من مكتبها مسرعة، ثم رجعت مثقلة بعلب الحلوى، احتفالاً بعيد ميلادها؟؟)).
في قصة ( الضيف ) نلتقي بشخصية كشخصية قصة (إعتراف رجل خارج المستطيل ) شخصية نسائية تراقب الرجل جامع القمامة ، وفي يوم ما تدخله بيتها وتعريه لتجده (...) .
((إلا أنها خطت خطوة قاطعة نحوه، واصطحبته مرة إلى بيتها.. أجلسته على حافة السرير، ومن ثم تعرى الجسد المسود، فحرك في نفسها غريزة كامنة، حاولت كتمانها لكنها لم تستطع.. صرخت كمن أصابها حادث جلل، هز كيانها، وخرجت راكضة تحاصرها الجدران، ثم ألفت نفسها تعدو وسط الشوارع .)).
انها لا تبقى امنيتها حبيسة نفسها ، فتثور على حالتها ، الا انها تصطدم بواقع غير ما كانت تتمناه ، كانت تبحث عن شيء عند رجل ( القمامة ) الا انها لا تجده ، فتخرج مهرولة الى الشارع ، وفيه ايضا ، لهول ما وجدت.
تنقل لنا قصة ( الهاتف ) بحث من نوع خاص ، رجل مجنون يبحث عن شخص يكلمه في الهاتف ، ويعثر عليه بصوت مأمورة الهاتف التي تحدثة في الهاتف ، عندها يفرح :  
((ـ ألو..
ـ انا قدوري.
ـ كيف حالك قدوري، كنت بأنتظار مجيئك، لماذا لم تأت؟ أيعقل أن تكون قد نسيتنا، لا ياقدوري أنا زعلانة عليك، الأطفال يبكون لغيابك تعال أرجوك.
ـ سأجيء حالاً، الآن أنا قادم إليك.
أغلق سماعة الهاتف، وهرع صوب الشارع راكضاً، وقد إنحنى على الأرض بعد إن قطع شوطاً في الجري، ليلتقط سيجارة نصف عامرة.. وإرتكن إلى زاوية.. وراح يشعلها نافثاً دخانها نحو فضاءات ضائعة.)).
لفد وجد ما كان يبحث عنه  في صوت غير صوته.
تذكرنا قصة ( عشبة سوداء ) باسطورة جلجامش وصديقه انكيدو وحبيبته عشتار والعاهرة شمخة، وكيف انهما يرحلان بعد ان سمعا اصوات تاتيهم من بعيد ، وقد تناص القاص معها ، وذلك باخذ الاطار العام لها واستخدامه بصياغة جديدة، وكذلك استخدام الشاعر محمد سعيد الحبوبي الذي نصب له تمثالا في اكبر ساحة في المدينة ، حيث يرافقهم في جولتهم داخل المدينة.
القصة وهي توظف الاسطورة وتطوعها للفن القصصي ، فانها تقدم نقدا لما يدور في الزمن الذي كتبت به ، اذ سمعتها من لسان القاص وهو يتلوها في احدى اماسي اتحاد الادباء في ذي قار قبل اكثر من عشرين عاما .
انها تقدم نقدا لما كان يحدث ، وكذلك للعدو الامريكي في حربة ضد العراق عام 1991 .
وهكذا يصور القاص رحلة البحث عن الحقيقة ، من خلال ما يقدمه من نقد لما يراه على انه هو الحقيقة ، وتنتهي القصة وقد سجن ( حمد ) لانه كما قال صارخا:
((ـ لا.. لا.. لا.. دعوني أسيل في مجرى صدورهن قطرة عطر.. وخذوا عمري كله، ليس بمقدوري أن أكذب وأتوب.. )).
في قصة ( عقرب الثواني) ياخذنا القاص في رحلة مع صديقة وزميله في العمل ( عبد الله ) الذي وجد علبة في مكب النفايات، وعند فتحها يستنشق رائحة مسته بالجنون.
وهذه القصة هي نقد لما خلفه العدوان الامريكي البشع للعراقي ، انه الجنون ، الجنون الذي يدفع بعبد الله الى رمي ساعة الحائط ليدمي زجاجها المتطاير عائلة جيرانه .
انه بحث عن الراحة النفسية ما بعد العدوان الامريكي ، الا انه بحث دون جدوى ، ولكن الزمن يمر كما في كل مرة ((باستثناء عقرب الثواني،هو الوحيد الذي ظل يدور، في قلب الساعة.. ساخناً ولونه أحمر.. وعلى الرغم من تهشّم زجاج الساعة، وإطارها الخارجي الضخم، إلا أنها ظلت محتفظة بحركة ماكنتها.)).
في قصة (ثقب طري) يبحث بطلها عن الخلاص ، حيث وجده في موته ((في أحد الأيام وجدنا نظارتيه اللتين يخفي خلفهما عماه تحت قدميه، بينما كان جسده مسترخياً خلف مكتبه وفي الجانب الأيسر من صدره ثقب طري، ودم ساخن.. لم نسمع أي صوت كان كل شيء قد تم بهدوء.)).
عندما تفقد شيئا دون ان تهتم به ، فان البحث عنه يصعب كثيرا ، فقصة (قصة لم تكتمل )  هي البحث عن مفقود في زحمة الواقع الكاذب .
يضع اثنان من الاخوة والدتهم التي ورثت ثروة زوجها في دار العجزة ، ودون ان يعطوا معلومات عنها يهربون ، وبعد يوم تموت في المستشفى فتسجل باسم ثان ، وعندما يعود ابناؤها للسؤال عنها ، تنكر ادارة الدار وجودها او تسلمها ، وعند البحث عن اسمها لم يجد الاخوة ما يدل على وجودها في الدار .
القصة نقد لاذع للبحث عن شيء ما بطرق غير سوية ،وتحمل القصة رمزيتها في انها تشير الى حالة عامة بدأ البعض من ابناء الشعب العراق ممارستها.
ان قصص مجموعة ( البحث عن اللون ) للقاص والشاعر حسن البصام ( من اصدارات مؤسسة المثقف العربي – استراليا – 2014 ) ، تقدم نفسها كنصوص سردية تأخذ طابع الرمزية الانتقادية ، وتقدم الدرس الاخلاقي لما يمكن ان يكون عليه شخوص نصوصها القصصية .
.




.

















ليست هناك تعليقات: