الثلاثاء، 17 يونيو 2014

الجمال المروع ..." القيامة عند شاعرين"





الجمال المروع ..."  القيامة عند شاعرين"

داود سلمان الشويلي
تعددت وتنوعت صور يوم القيامة عند البشر ، وراحت احلامهم في اليقظة تصور لهم ذلك اليوم بصور ورؤى عديدة ومتنوعة ، حتى بات ذاك اليوم مؤثثا باثاث متنوع  وزاخرا بما هو مادي وما هو روحي من الصور والرؤى التي لا تخطر على بال.
و يوم القيامة يوم مشهود ومعروف في الديانات التي تسمى سماوية ، الا انها تختلف من دين الى اخر في الغاية والممارسة المتنوعة والعديدة.
يوم القيامة، أو اليوم الآخر، أو يوم الحساب، حسب الدين الإسلامي هو نهاية العالم ، والحياة ، ويسمى بيوم القيامة لقيامة الأموات ، وبعثهم لحسابهم ، وثواب الصالح ، وعقاب الطالح  من البشر والحيوان عند بعض الفرق الاسلامية.
يقول القرآن :
وينتظر معظم المسيحيين مجيء المسيح ثانية، و يقوم الموتى، حيث يثيب الله الصالحين بملكوت أبدي سعيد.
(وسيمسح  الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في بعد لان الامور الاولى قد مضت).(   رؤيا يوحنا 21-4)
هذا هو المفهوم العام ليوم القيامة في الديانتين المسيحية والاسلامية لاني افترضت ان يكون جار الشاعر الزيدي مسيحي ، فيما الزيدي مسلم ، وكذلك الشاعر سعد جاسم .
نتساءل : كيف نظر الشاعران لهذا اليوم ، يوم القيامة ،مع الاحتفاظ برأي كل شاعر به؟
يقول الشاعر كريم الزيدي في قصيدته :
* (( جاري الكندي
ازعجني في السؤال
متى يحين يوم القيامة
اليوم
فجرا
وانا
اكدس تلال الدموع
لاسوقها
للغيوم
قلت له
سيكون يوم القيامة
قال كيف
قلت
اطلب من حبيبتي
ان تفتح عينيها على وسعهما
وتحدق للسماء
انذاك
الله
يعلن يوم القيامة)).
تأتي قصيدة الزيدي كجواب لتساؤل الجار الكندي ، الذي يسأل عن موعد يوم القيامة، حسب مفهومه لذلك اليوم لانه يدين بدين المسيحية ، او على الاقل  يتثقف بثقافة المجتمع الذي يدين بذلك الدين بصورة عامة ، هل هو سيحدث فجر ذلك اليوم ، وكأن هذا الجار يعرف موعده ؟ وهو السؤال ذاته الذي طرح في القرآن:( سأل سائل بعذاب واقع). [المعارج :  1 ]
ولكن الزيدي وهو واحد من ابناء مجتمع مسلم ، الا انه يتثقف بثقافة تختلف عن ثقافة المجتمع المسلم ، يطلب من جاره ان يطلب من حبيبة الشاعر (ان تفتح عينيها على وسعهما / وتحدق للسماء) فعند ذاك سيقع يوم القيامة الذي يسأل عنه.
ماذا يحصل عندما تفتح الفتاة عينيها ، كما كان يعتقد الشاعر الزيدي؟
هل عيون حبيبة الشاعر هي عيون "ميدوزا" لتكون نظرتها بداية لفتح ابواب الجحيم ، كما كانت " ميدوزا " السابقة تحول من تراه الى حجر؟ ام ان عينيها المفتاح الذي تنفتح به ابواب السماء ليعلن الله يوم القيامة في ذلك اليوم؟
ان الزيدي ينظر الى ذاك اليوم نظرة جمالية ،لا نظرة الفكر الديني له ، انه السحر الذي ستضفيه نظرة حبيبته الواسعة الى السماء ،الجمال الذي ستتركه هذه النظرة على الاشياء ، انها نظرة تفاؤل.
فيما تأتي قصيدة الشاعر سعد جاسم كتقرير عما يحصل في الواقع ، اي ان القيامة واقعة هي الان ، انها قيامة العراقي اليومية.
ان قصيدة الشاعر سعد جاسم تنبض بالخراب والموت المجاني.
فالعراقي يموت ذبيحا  وحيدا ، او حرقا ، او سحلا وذلا ،او خنقا ،ليستمر نزيفه ونحيبه ، انه الموت المجاني ، الموت الذي يسميه الشاعر بالغبي ، انه الموت الذي يصبح كالهباء في طوفان الالام والعذاب.
قيامة الشاعر سعد جاسم هي قيامة كئيبة لانها تنقل لنا الواقع بكل مآسيه ، وظلمه ، وحرقته ، ودمويته .
اما قيامة الشاعر كريم الزيدي فهي قيامة تختلف عن قيامة الشاعر سعد جاسم ، انها تنبض بروح الحياة ، بالجمال ، لان الشاعر حول واقعه الدموي بواقع جميل ، واقع العيون المفتوحة التي تدفع الله الى ان يعلن قيامته ، وقيامته شيء اخر غير ما هي عند الشاعر سعد جاسم .
يقول الشاعر سعد جاسم:
* (( كلُّ عراقيٍّ
على لائحةِ الغيبِ
مكتوبٌ ومُلقى
يموتُ ذبيحاً
يموتُ وحيداً
ويموتُ حرقا
كلُّ يومٍ
لنا قيامةٌ
نموتُ بها
سحلاً
وذلاً
ونموتُ خنقا
إلهي ...
الى مَ النزيفُ؟
الى مَ النحيبُ؟
الى مَ سنبقى؟
نموتُ غباءً
نموتُ هباءً
وكأننا ...
في لجّةِ الطوفانِ
أشباحٌ وغرقى ؟)).
الشاعران نظرا الى القيامة كل بمنظاره الابداعي الخاص، فالزيدي وجدها في استمرار الحياة ، في نبضها الذي لا يهدأ ،فيما ينتجه الموت من حياة ،انها قيامة شعب يرى الحياة في كل شيء ، انه العنقاء التي تعود للحياة بعد كل موت لها ، انه تموز الذي ينهض بعد كل موت ليعيش حياته من جديد .
اما الشاعر سعد جاسم فقد كانت عيناه تنقل لنا عذاباتنا اليومية مع الموت المجاني(كلُّ يومٍ / لنا قيامةٌ / نموتُ بها) ، في ذلك النزيف المستمر ، القبح كله ، فجاءت القصيدتان احدهما تكمل الاخرى ، حيث يقع الموت لتبدأ الحياة ، تنبعث حياة اخرى من جديد ، من ركام الموت ، لانه بعد الطوفان تبدأ الحياة ثانية جميلة جديدة.









ليست هناك تعليقات: