الثلاثاء، 17 يونيو 2014

اللغة الايحائية والمفارقة في (جاري الكندي) لكريم الزيدي





اللغة الايحائية والمفارقة في (جاري الكندي) لكريم الزيدي

قراءة: داود سلمان الشويلي

القصيدة:
* (( اليوم
صباحا
طرق الياب
قال
رجاء
جاري
لاتقل بلغتك لي
السلام عليكم
قلت
ماحدث ياجار
قال
رايت في التلفاز
احدهم
يقول
السلام عليكم
ويفجر
حزاما ناسف)).
كريم الزيدي شاعر تسعيني ، وقد اغترب منذ التسعينات من القرن الماضي حتى حط الرحال في كندا ،ونشر قصائد كثيرة ، الا انه ما زال متعلقا بالعراق ،وبالناصرية المدينة الاثيرة عنده .
كتب الزيدي قصيدته (جاري الكندي) التي سنتحدث عنها في هذه السطور تحت تأثير خوفه على عراقه ومدينته من حوادث الزمان ، وحوادث الزمان - وبصورة مستمرة - اليوم هي التفجيرات التي طالت مدن العراق كافة ، فكانت هذه القصيدة بما تنطق به من لوعة والم وحزن هي الصرخة العالية في وجه مثل هذه الافعال التي اماتت فينا حتى استخدام عبارات التواصل الاجتماعي اليومي وهي ( السلام عليكم ).
تتصف القصيدة بما تتصف به قصيدة النثر من وحدة عضوية في الموضوع، وكثافة واقتصاد في اللغة ، وايحائية في المفردات، ورؤية سردية شفافة ، وايقاع خارجي ياتي من خلال مرتكزات كثيرة اهمها : تكراره لعبارات مثل : ( جاري ، يا جار ) و ( السلام عليكم ) و ( قال ، قلت ، يقول ، تقل).
 تتألف القصيدة من اربع حركات ينتظمها خيط سردي على شكل حوار ثنائي الاطراف ، حوار قصير بين شخصين ، احدهما اجنبي ( كندي ) وهو الباديء بالكلام ، والثاني عربي عراقي وهو الذي يشاركه الحوار القصير هذا .
الحركة الاولى :
*(اليوم
صباحا
طرق الباب)
تبدأ هذه الحركة بتحديد وقت ومكان الفعل ، فالوقت صباح هذا اليوم ، وهو وقت جميل ورائع ،والمكان هو قرب الباب ،المكان الذي يكون فيه الكلام قصيرا، والمتحاوران واقفين وعلى استعجال من امرهما.
الحركة الثانية:
* (قال
رجاء
جاري
لاتقل بلغتك لي
السلام عليكم)
يبدأ الحوار بكلمة رجاء، ثم بطلب عدم نطق الشخص المحاور لعبارة ( السلام عليكم ) باللغة العربية .
من هنا تبدأ القصيدة بجعل المتلقي يعيش الدهشة لانه سيسأل نفسه : لماذا هذا المنع وعدم استخدام عبارة بدء التواصل الاجتماعي باللغة العربية؟
الحركة الثالثة:
* (قلت
ماحدث ياجار)
بين الحركة الثانية والحركة الثالثة تتحول القصيدة من حالة ما قبل ان تكون شعرا الى حالة شعرية ، حيث الدهشة والانبهار في ما كان قبل الحركة الثانية وما سيأتي بعد الحركة الثالثة.
ان العبارة التي تحملها الحركتين الثانية والثالثة فيها امرا ما ،وعلى المحاور الاول ان يجلي هذا الامر كي يعرفه المحاور الثاني ، لان العبارة تحمل بين كلماتها امرا غامضا ،ملغزا ، تترك المحاور الثاني في حالة اندهاش ، وتترك المتلقي كذلك يعيش هذه الحالة لا على انها حالة عادية في التواصل الاجتماعي فحسب ، بل لانها حالة شعرية بامتياز من خلال الدهشة التي تتركها ،والمفارقة التي تاتي بها، والتي تبنى من خلالها قصيدة النثر، لان الطلب مشروط بعدم تلفظ العبارة ( السلام عليكم) باللغة العربية .
في الحوار هذا في الحركتين الثانية والثالثة تنشأ حالة الترقب ، وانتظار ما سيؤول اليه الحوار القصير المستعجل، حيث يعيش المحاور الثاني حالة الترقب والانتظار ، ومن ثم كسر حالة الترقب والانتظار باجابة المحاور الاول، لان استجابة القارئ المتلقي  ستغذي(( توق الانسان الى الانعتاق مما هو كائن الى ما ينبغي ان يكون )) . ( مفهوم الشعر – د. جابر عصفور – ص287) ، والذي ( ينبغي ان يكون ) هو اجابة المحاور الاول.
الحركة الرابعة:
* (قال
رايت في التلفاز
احدهم
يقول
السلام عليكم
ويفجر
حزاما ناسف)
في هذه الحركة ينجلي كل شيء ، وحالة الترقب والانتظار التي عاشها المحاور الثاني والمتلقي ستسجيب له القصيدة ، عندها تزول الدهشة والترقب ، لان كلمة (السلام عليكم) المنطوقة باللغة العربية لها ارتباط شرطي بانفجار الحزام الناسف ، بمفهوم الفيلسوف  الروسي برداييف للارتباط الشرطي.
من هذه القصيدة عرفنا خشية المحاور الاجنبي (جاري الكندي) من هذه العبارة.
استخدم الشاعر الزيدي في قصيدته (جاري الكندي) ، كل ما تتصف به القصيدة النثرية من مواصفات ومميزات ،وتبقى هذه القصيدة علامة فارقة فيما كتبه الزيدي من شعر.
اللفظة في هذه القصيدة غير منعزلة عن مدلولها المباشر او الايحائي ،ولو اخذنا العبارة الاخيرة وربطناها في العبارة التي ذكرت في الحركة الثانية لعرفنا مدى الخشية والخوف من الحديث باللغة العربية ، اذ اللفظ ومدلوله او ما يوحي به من مدلول قد اصبحا تعبيرا عن الكل اللغوي.
وهكذا يبدأ الكره والخشية والخوف عند الرجل الكندي الذي يمثل بصورة غير مباشرة الاجانب عامة من ناطقي العربية لانهم يحملون حزاما ناسفا ، والمسلمين بصورة عامة ، لان عبارة (السلام عليكم) تمثل العرب والمسلمين.



ليست هناك تعليقات: