التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي
- المذهب الشيعي الامامي خاصة-
المسلم – المؤمن - الامامة
آب 2010
داود سلمان الشويلي
-------------------------------------
قال الامام علي بن ابي طالب :
(( لا حكم الا لله ، كلمة حق يراد بها باطل . نعم لا حكم الا لله ،ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة الا لله ، ولكن لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل، ويجمع بها الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر))
– نهج البلاغة-
-----------------------------------
مقدمة:
في ايام رمضان المباركة لهذا العام ( 1431هـ - 2010م) قدمت قناة المستقلة كعادتها كل عام برنامج (الحوار الصريح بعد التراويح ) من تقديم د. محمد الهاشمي ، بوجود ضيوف عدة على امتداد حلقاته ، بدء من سماحة العلامة السيد علي الامين ، والشيخ حسن الحسيني، ود. سعد الرفيعي ، وتداخل معهم هاتفيا سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد ،وغيره ، ثم استضاف البرنامج الشيخ حامد الربيعي ، وعى الهاتف الدكتور ثامر الميالي من قم ، وكان موضوع الحلقات عن الامامية ،المعتقد الشيعي الامامي الاثني عشري.
وقد لخص احد موقع الانترنيت ما جرى من حوار الحلقات الاولى منه حول ذلك ، وانصبت بعض الردود على هذا الملخص ، وربما على ما جاء في الاصل.
تضمنت الردود ثلاثة مسائل تطرقت اليها الحلقات الاولى من البرنامج ،هي:
- الاولى: عن الامامة.
- الثانية : عن المؤمن والمسلم.
- الثالثة: عن تفسير الايات ، ودلالاتها.
اما من اراد النيل من ضيوف البرنامج فقد حملت الردود – التهمة الجاهزة عند متطرفي الشيعة دون دليل – وهي تهمة العمالة فقط ، دون مناقشة اراءهم المناقشة الهادئة والموضوعية ومقارعة الحجة بالحجة ، والدليل بالدليل.
وإذ اقدم هذه الدراسة/ المناقشة اعتمادا على ما جاء من طرح على موقع ياحسين الالكتروني ، فإنني اقول ان حلقات البرنامج قد تابعتها كافة سوى القليل منها ، وانني إذ اشد على يد المقدم د. محمد الهاشمي، وعلى ايدي سماحة السيد علي الامين وسماحة الامام الشيخ حسين المؤيد لما طرحوه من افكار جديدة دون تعصب اعمى ، ودون قول غير مسؤول ، معتمدين الادلة القرآنية والادلة الحديثية الموثقة ، فإنني اقول اننا بحاجة ماسة الى مثل هذه البرامج التي تقرب بين ابناء الامة الاسلامية في عصرنا الحاضر من خلال طرح المسائل الخلافية ومناقشتها النقاش الهادئ والموضوعي للوصول الى الحقيقة ، والحقيقة ضالة المؤمن ، ومن الله التوفيق والسداد، انه نعم المولى ونعم النصير.
الاربعاء، 25 آب، 2010
***
الامامة
(( الإمامة : قد أنبأناك أن هذا هو الأصل الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين ، وهو فرق جوهري أصلي ، وما عداه من الفروق فرعية عرضية كالفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم كالحنفي والشافعي وغيرهما)).
- أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 221-
(( فالإمامة ليس أصلا من أصول دين الإسلام ، وإنما هي أصل لمذهب التشيع ، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة ، والمعاد ، ولكنه ليس شيعيا)) .
- محمد جواد مغنية - الشيعة في الميزان - ص 268-
------------------------------------
1 - هناك فرق كبير بين امامة نبي الله ابراهيم – مثلا- وإمامة علي بن ابي طالب وابنائه كما يفهما الشيعة، امامة سياسية - دينية.
(( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)). [البقرة :124 ]
ولم تذكر لنا المصادر ، والقرآن الكريم حتى ، ان ابراهيم تسلم السلطة السياسية ، الإمرة ، الخلافة ، المُلك طيلة حياته ، ولهذا فإن الاستشهاد بهذه الاية للتدليل على امامة الائمة غير صحيح من ناحية الامامة السياسية / الخلافة.
2 – ان الامامة لم تكن من العقائد ، وليست من اصول الدين ،وانما هي مضافة عليهما من الفكر الاسلامي ، انها موضوع من الموضوعات التي ( لا يجب التقليد فيها) .(1)
وقد اختلفت المذاهب والفرق الاسلامية بين ان تكون الامامة عقيدة وبين تكون مقولة جاء بها متكلمي الفرق الاسلامية، وكذلك بين ان تكون لعلي بن ابي طالب بالنص ، او لغيره من قريش بالشورى، وبين ان تكون خاصة بقريش او بالمسلمين كافة.
3 – واذا كان السيد علي الأمين والامام الشيخ حسين المؤيد قد اتفقا على أن "الإمامة" ليست أصلا من أصول الدين كالكثير من رجال الدين الشيعة الذين سبقوهم ، كمحمد جواد مغنية ، و السيد فضل الله ، رحمهم الله، وغيرهما وأن صفة "المؤمن" ليست خاصة بمن يؤمن بها ، او كما يقول الشيخ كاشف الغطاء: ((فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عند هم مؤمن بالمعنى الأخص ، وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم ، تترتب عليه جميع أحكام الاسلام ، من حرمة دمه ، وماله ، وعرضه ، ووجوب حفظه ، وحرمة غيبته ، وغير ذلك ، لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلما ( معاذ الله ) .)) (2).
وكذلك قول الدكتور سعد الرفيعي بعدم اعتقاده بما جاء في مركز الأبحاث العقائدية للسيد علي السيستاني عن هذا الموضوع ، إذ كفر – المركز - بإجابته عمن سأله حول من لم يعتقد بها ، قال انه كافر مخلد في النار، وهذ القول يتناقض وقول مغنية وغيره ، فضلا عن انه من غيبيات الله سبحانه.
4 - و ايضا ،وردت اراء كثيرة عن فقهاء وعلماء دين امامية تنفي موضوعة الامامة من ان تكون اصلا من اصل الدين، كرأي السيد محمد باقر الصدر (الذي ذكره السيد الامين) ، وفحواه : ( أن إمامة أهل البيت لم تبلغ في وضوحها درجة الضرورة).
ويجب الانتباه الى لفظة الضرورة ، ووضع اكثر من خط احمر تحتها.
5 - وقال الشيخ حامد الربيعي الباحث الجعفري ، في حلقات البرنامج المتأخرة عن فتوى مركز الأبحاث العقائدية : ان هذه الفتوى مخالفة بشكل واضح مع القرآن الكريم ويطلب من السيد السيستاني بالرد عليها والبراءة منها ، كما طالب السيد الامين بالمطالبة نفسها.
6 - ولما كان البحث في الفكرالاسلامي ، بصورةعلمية وموضوعية ، يطالبنا – ذلك البحث - عندما نختلف في الاراء عن مسألة ما ، ان نحتكم الى صريح القرآن الكريم والرسول (ص)، كما طالبنا الله سبحانه:
*((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)). [النساء:59]
فيجب ان نعود الى دستور الاسلام ، كلام الله في ذلك.
7 - اما بالنسبة لخطبة غدير خم، فتختلف المصادر في ايراد نصها (3)، فمنها من تذكر ان الرسول (ص) عنى فيها على ما ينص على الولاية السياسية (الخلافة) للامام علي بن ابي طالب ،ومنها ما تذكر كلاماغير ذلك، ومنها ما يفهم ان معنى الولاية هو الصحبة والنصرة ،خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الجملة التي جاءت بعد جملة (اللهم وال من والاه) هي جملة (عاد من عاداه) ، ومنها ما تذكر انه لم يذكر ان معنى الثقل الثاني هو العترة، وانما ذكر ان الرسول قد قال ثلاث مرات : اهل بيتي، وهنا تدخل نساؤه بهذا المعنى اعتمادا على معنى اهل البيت التي وردت في القرآن الكريم بشمول الزوجة ، ومنهم من قال ان تعبير اهل بيتي يشمل اعمام النبي (ص) من ال العباس وال عقيل الذين لا تجيز عليهم الصدقة .
والولي كما جاء في ( الفروق اللغوية - أبو هلال العسكري - ص 577 – 579) :
(( الفرق بين الولي والمولى :
أن الولي يجري في الصفة على المعان والمعين تقول الله ولي المؤمنين أي معينهم ، والمؤمن ولي الله أي المعان بنصر الله عز وجل ، ويقال أيضا المؤمن ولي الله والمراد أنه ناصر لأوليائه ودينه ، ويجوز أن يقال الله ولي المؤمنين بمعنى أنه يلي حفظهم وكلاءتهم كولي الطفل المتولي شأنه ، ويكون الولي على وجوه منها ولي المسلم الذي يلزمه القيام بحقه إذا احتاج إليه ، ومنها الولي الحليف المعاقد ، ومنها ولي المرأة القائم بأمرها ، ومنها ولي المقتول الذي هو أحق بالمطالبة بدمه . وأصل الولي جعل الثاني بعد الأول من غير فصل من قولهم هذا يلي ذاك وليا وولاه الله كأنه يلي أمره ولم يكله إلى غيره ، وولاه أمره وكله إليه كأنه جعله بيده وتولى أمر نفسه قام به من غير وسيطة وولي عنه خلاف والى إليه ووالى بين رميتين جعل إحداهما تلي الأخرى والأولى هو الذي الحكمة إليه أدعى ، ويجوز أن يقال معنى الولي أنه يحب الخير لوليه كما أن معنى العدو أنه يريد الضرر لعدوه . والمولى على وجوه هو السيد والمملوك والحليف وابن العم والأولى بالشئ والصاحب ومنه قول الشاعر :
ولست بمولى سوأة أدعى لها * فإن لسوآت الأمور مواليا
أي صاحب سوأة ، وتقول الله مولى المؤمنين بمعنى أنه معينهم ولا يقال إنهم مواليه بمعنى أنهم معينوا أوليائه كما تقول إنهم أولياؤه بهذا المعنى .
الفرق بين الولي والنصير :
أن الولاية قد تكون بإخلاص المودة ، والنصر تكون بالمعونة والتقوية وقد لا تمكن النصرة مع حصول الولاية فالفرق بينهما بين )).
ولو عدنا الى لفظة الولي ومشتقاتها في القرآن الكريم، وقد اشبعت نقاشا ، لرأينا انها تؤكد على انه لا ولي لأي مسلم غير الله ،خاصة ان الاية 74 من سورة التوبة تؤكد ان البشر على الارض لا ولي لهم سوى الله ، ويقول سبحانه في سورة محمد الاية 11: (( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم )).
وهنا تأتي مولى بمعنى النصرة، بقرينة الاية التي سبقتها والاية التي جاءت بعدها.
ويقول في السور الاخرى :
- (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)).[ بقرة: 120 ]
- (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)).[ بقرة: 257 ]
- (( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي شفيع لعلهم يتقون )).[ انعام: 51 ]
- (( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون)).[ انعام: 70 ]
- (( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير)). [ توبة 74 ]
- (( إن الله له ملك السماوات والارض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)). [ توبة: 116 ]
- (( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولاواق)). [ رعد: 37 ]
- (( وما أنتم بمعجزين في الارض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير )). [ العنكبوت: 22 ]
- (( الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون)). [ سجدة: 4 ]
- (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير * أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير)). [ شورى:8 - 9 ]
- (( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد)).[ شورى: 28 ]
- (( وما أنتم بمعجزين في الارض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)).[ شورى 31 ]
- (( ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل )). [ شورى: 44 ]
- (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)). [ تحريم: 4 ]
وهو خطاب موجه الى بعض زوجات النبي (ص) فهل يمكن ان يكون جبريل وصالح المؤمنين والملائكة اوصياء للرسول مع الله؟ انما تعني انهم ناصروه.
وقد جاءت لفظة (ظهيرا) تسكت لسان من قال ان الولي هو الخليفة والحاكم السياسي.
اما الآيات التي ذكرت في سورة المائدة فأنها تؤكد على ان المؤمنين جميعا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون هم الاولياء ،وانا هنا ارى غير ما يراه البعض من المفسرين في ان المقصود بالراكعين، هم الذين يعطون الزكاة اثناء الصلاة ، لاسباب:
- ان مثل هذا العمل هو خروج عن صلاة الرجل المؤمن علي بن ابي طالب ، الواقف في الحضرة الالهية ، انها صلاة الخشوع والتعبدد الصافي .
- ان الزكاة لا تعطى بشكل كيفي ، وانما تعطى سنويا وبحساب معروف ، واذا قيل ان فعل الامام جاء من باب الصدقة ، فهذا القول مخالفا لصريح الاية .
اذن فمعنى الاية ، ان من يعطي الزكاة عليه ان يكون خاشعا – راكعا - لتنفيذ واجب الهي ، وان تردف الزكاة بالصلاة ، أي بالدعاء والحمد والشكر.(4)
- (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )). [ مائدة 56 ]
اذن لا ولي الا الله والرسول والذين امنوا ، فلا يصدق ان الرسول (ص) قد ذكر في كلمته السابقة - حسب المصادر الشيعية- ان عليا مولا للمسلمين ، أي بمعنى وصيا عليهم ،ولو كان ذلك صحيحا فأن المعنى الذي كان يقصده الرسول غير معنى الولاية = الخلافة ، أي ربما يكون بمعنى الصحبة والمؤاخاة والحب، خاصة ان الامام علي لم يذكر في حياته ما يؤكد هذه الوصية، وهذا الكتاب الجامع لخطبه (نهج البلاغة) وغيره من المصادر لاتذكر مرة واحدة ان الامام علي بن ابي طالب قد ذكر تلك الوصية، ،حتى في محاججته للخلفاء الذين سبقوه لم يذكر ذلك ، ولمعاوية قبل معركة صفين، فضلا عن محاججة السيدة فاطمة للخليفة ابي بكر عن ارث والدها في فدك لم تذكر ذلك ولم يمض سوى زمن قصير جدا على موت النبي ، اما القصة الاسطورية التي تذكرها بعض المصادر بان الامام علي سأل بعض الصحابة عن تلك الوصية ،وانهم اجابوا بالايجاب سوى صحابي واحد اجاب بالنفي او بجواب اخر يفهم منه انه نسى الخطبة تلك ،وان الامام علي قد دعى الله عليه ،وان الله حقق ذلك الدعاء ،فهي امر لا يمكن تصديقة من قبل أي عاقل (5) . يضاف الى ذلك امتناع علي عن قبول البيعة بعد مقتل عثمان اكثر من مرة حتى اضطره المسلمون على قبولها ، كما ذكر في خطبة له في (نهج البلاغة ج 2 - ص 222 ) : ((وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل وسقطت الرداء ووطئ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب )) .
وبذلك، فأن عليا بسكوته عن تلك الوصية قد خالف نص الرسول(ص) الذي هو وحي من الله ،وحاشاه من ذلك ،على الرغم من ان المصادر الشيعية تذكر ان الدافع في امتناع علي عن المطالبة في تنفيذ امر الله هو وحدة المسلمين (!) وهذا امر عجيب في ان يمتنع علي بن ابي طالب عن تطبيق امر الله في سبيل قضية دنيوية ، والذي يجب ان يحصل هو العكس ، كما فعل في محاولته لتنحية معاوية عن ولاية الشام بعد توليه الخلافة، وقولته المشهورة عن ذلك :(( وذلك عند ما أشار عليه أن يكتب لابن طلحة بولاية البصرة ولابن الزبير بولاية الكوفة ولمعاوية بإقراره في ولاية الشام حتى تسكن القلوب وتتم بيعة الناس وتلقى الخلافة بوانيها ، فقال أمير المؤمنين لا أفسد ديني بدنيا غيري )). (6)
لماذا لايقول هذا القول ذلك عندما بويع ابو بكر بالخلافة ، وكان الاسلام وقتها قريب عهد بالوحي ، وكان عليه ان يحاجج المسلمين بأنهم لا فرق بينهم وبين اصحاب الردة ، فالاثنان سواسية في الردة ؟
ام كان عليه ان ينتظر سنوات لكي يتقوى معاوية، ويمتلك شبه دولة ليقول هذا القول ؟
فضلا عن ذلك لايوجد في احاديث الائمة الموثوقة وغير المرسلة خاصة - التي وصل بعضها الينا - ، ما يشير الى تلك الوصية ،وعدم وجود وصية موثقة توثيقا صحيحا في كتب الشيعة بتسليم الامامة من امام الى الذي يليه .
فالخليفة الراشد علي بن ابي طالب لم يوص لابنه الحسن ، وانما قال لاصحابه عندما استشاروه أنه سيترك الامر لهم (راجع نهج البلاغة) ، وكذلك يمكن القول نفسه لاغلب الائمة، ابتداء من الحسين الذي لم يوص لابنه المريض علي السجاد، وانما كانت وصيته الى اخته زينب لتحافظ على الاطفال والنساء في واقعة الطف.
و كذلك ، لم يذكر في رسالته الى من كتبوا له من الكوفين ان امامته لهم هي حق منصوص من الله .
يقول في الرسالة : (( من حسين بن علي إلى الملاء من المؤمنين والمسلمين : أما بعد فان هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم : انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق .
وقد بعثت اليكم أخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي ، وأمرته ان يكتب الي بحالكم وأمركم ورأيكم ، فان كتب الي أنه قد أجمع رأى ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم علي مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا ان شاء الله ، فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والاخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام )).(7)
فكل الرسائل والخطب والكلمات التي جاءت عن لسان الحسين كما ذكرت في مقتله برواية ابي مخنف المعتمدة ، لم تشر الى الوصية الالهية .
ومن اطرف ما قرأت حول هذه المسألة في مصادر الشيعة ، هو الاحتكام الى الخرافات في تثبيت الامام ، وليس النص كما يزعمون .
فيذكر صاحب الكافي : (( جاءت اليه أمرأه من شيعة علي والحسن والحسين ، وقد بلغت من العمر عتيا، فقالت: أتيت علي بن الحسين عليهما السلام وقد بلغ بي العمر الكبر الى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعا وساجدا أو مشغولا بالعبادة فيئست من الدلاله فأومأ الي بالسبابة فعاد الى شبابي ...الخ )) .(8)
ويذكر كذلك : (( لما قتل الحسين ارسل محمد بن الحنفية الى علي بن الحسين وقال له: قتل ابوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك ، وولادتي من علي عليه السلام ، في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك ، فلا تنازعني في الوصية ولا الامامة ولاتحاجني .... فرد عليه علي بن الحسين ـ أنطلق بنا الى الحجر الأسود حتى نتحاكم عليه ونسأله عن ذلك ، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود ، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: أبدأ أنت فابتهل الى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر ، ثم سل فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ، ثم دعا الحجر فلم يجبه .... ثم دعاالله علي بن الحسين عليهما السلام .... فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين ، فقال: اللهم ان الوصية والامامة الى علي بن الحسين ...)) .(9)
ونقلوا عن موسى بن جعفر أنه لما حصل خلاف بينه وبين أخيه عبد الله ــ وكان أكبر ولد جعفر ــ خلاف بالامامة: (( أمر موسى بجمع حطب في وسط الدار وأرسل الى أخيه عبدالله يسأله أن يصير اليه ، فلما صار اليه ومع موسى جماعة من الامامية ، فلما جلس موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق و لا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا ً ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه ورجع الى المجلس ، فقال لأخيه عبد الله : إن كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فأجلس في ذلك المجلس ...)) .(10)
وذكر الكليني في الكافي قصه أخرى لاثبات امامة موسى بن جعفر:(( بأن شخصا جاء الى موسى بن جعفر فسأله عن الامام من هو؟
(( فقال: ان أخبرتك تقبل ؟
قال: بلى جعلت فداك.
قال: أنا هو.
قال: فشئ أستدل به .
قال: أذهب الى تلك الشجرة ـ وأشار بيده الى أم غيلان ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : اقبلي
قال: فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ، ثم أشار اليها فرجعت)). (11)
وقد أثبتت أمامه محمد بن علي الرضا في القصة التالية التي يذكرها الكافي : ((أنه جاء اليه شخص فقال : والله اني أريد أن أسألك مسأله واني والله لأ ستحي من ذلك فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني ، تسألني عن الامام ؟ فقلت: هو والله هذا فقال: أنا هو فقلت : علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت و قالت: إن مولاي امام هذا الزمان وهو الحجة ... الخ )).(12)
اليست هذه خرافات واساطير ما انزل الله بها من سلطان ؟
اما صريح القرآن الكريم ، فليس فيه آية واحدة تنص على الولاية بالنص ، او انها من اصول الدين والاعتقاد.
بل جاءت ايات تؤكد على الشورى.
ويجمل العلامة السيد علي الامين رأي بعض العلماء حول الولاية ، ان كانت دينية او سياسية ، فيقول:
(( ان الاصل في الفقه السياسي الشيعي انه لا ولاية لاحد على احد الا من خلال تعاقد ينشأ عن التوافق والتراضي بين الافراد والجماعات ، على صيغة من صيغ الحكم والادارة ، وهذا الاصل الاولي يدحض لوحده ما شاع في العقود الاخيرة من نظريات حول ولاية الفقيه، او الولاية السياسية العامة للفقيه .يؤكد السيد الامين على خطى اساتذة الفقه الكبار من الشيخ الانصاري الى الميرزا النائيني ،ومن السيد موسى الصدر الى الشيخ محمد مهدي شمس الدين ان المقصود بالولاية في زمن غيبة المعصوم (النبي او الامام ) هو ولاية الحاكم (والحاكم بمصطلح الفقه هو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ) على من لا ولاية له، وليس الحاكمية السياسية )).(13)
***
الايمان والاسلام
1 - (( الاسلام والإيمان مترادفان))
- كاشف الغطاء-
2 - ((... وأن كل مؤمن فهو مسلم و ليس كل مسلم مؤمنا))
- الشيخ المفيد -
المؤمن والمسلم:
ان المقولتين اعلاه متضادتان ، إذ تفرق المقولة الثانية بين الاسلام والايمان ، فيما المقولة الاول تساوو بينهما ، و ان من يضع هذه التفرقة بين المسلم والمؤمن عليه ان يأتي بالدليل ، بنص قرآني او من الحديث النبوي الموثق.(14)
يقول الشيخ كاشف الغطاء في أصل الشيعة وأصولها - ص 210 – 211:
(( والاسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد ، والنبوة ، والمعاد . فلو أنكر الرجل واحدا منها فليس بمسلم ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوة سيد الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، واعتقد بيوم الجزاء من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر فهو مسلم حقا ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، دمه وماله وعرضه حرام . ويطلقان أيضا على معنى أخص يعتمد على تلك الأركان الثلاثة وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني الاسلام عليها وهي خمس : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد . وبالنظر إلى هذا قالوا : الإيمان اعتقاد بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، ( من آمن بالله ورسوله وعمل صالحا ) . فكل مورد في القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، يراد به الاسلام والإيمان بالمعنى الأول ، وكل مورد أضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني)) .
ويقول كذلك ص211: (( فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عند هم مؤمن بالمعنى الأخص ، وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم ، تترتب عليه جميع أحكام الاسلام ، من حرمة دمه ، وماله ، وعرضه ، ووجوب حفظه ، وحرمة غيبته ، وغير ذلك ، لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلما ( معاذ الله ) . نعم يظهر أثر التدين بالإمامة في منازل القرب والكرامة يوم القيامة ، أما في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء ، وبعضهم لبعض أكفاه ، وأما في الآخرة فلا شك أن تتفاوت درجاتهم ومنازلهم حسب نياتهم وأعمالهم ، وأمر ذلك وعلمه إلى الله سبحانه ، ولا مساغ للبت به لأحد من الخلق )).
فيما يقول الشيخ المفيد في أوائل المقالات - ص 48:
(( واتفقت الإمامية على أن الاسلام غير الإيمان ، وأن كل مؤمن فهو مسلم و ليس كل مسلم مؤمنا ، وأن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، ووافقهم على هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث . وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا أن كل مسلم مؤمن وأنه لا فرق بين الاسلام والإيمان في الدين)).
وشتان بين القولين ، وكلاهما لرجال دين شيعة امامية اثني عشرية معتبرين.
***
الايمان المطلوب:
خاطب الله سبحانه المؤمنين بعشرات الايات البينات مبينا فيها الايمان المطلوب من قبله سبحانه، وهذا الايمان:
- الايمان بالله:
*((ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار)). [آل عمران :193 ]
- الايمان بالله والرسل:
*((ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم)). [آل عمران :179 ]
*(( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما)). [النساء: 152 ]
*(( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)). [الحديد:19 ]
- الايمان بما انزله الله:
*(( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون* ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)). [البقرة: 41 - 42 ]
*(( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين * ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون)). [الزخرف:69 - 70 ]
- الايمان بالله واليوم الاخر:
*(( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما * إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما)). [آل عمران:39 -40 ]
*(( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)). [المائدة:69 ]
*(( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون))[البقرة:62 ]
- الايمان بالله والرسول:
* (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)). [الصف:10 - 11 ]
*((إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون)). [الحجرات: 15 ]
*(( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم)). [النور:62 ]
- الايمان بالرسول:
*((الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)). [الاعراف:157 ]
*((أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين)). [يونس :2 ]
*(( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم)). [محمد: 2 ]
وفي ايات اخر، اجمل الايمان المطلوب، فقال سبحانه:
* (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )).[البقرة:285 ]
* (( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا * إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا )).[النساء:136 - 137 ]
والايمان المطلوب، هو الايمان :
- بالله سبحانه.
- بملائكته.
- بكتبه.
- برسله.
- باليوم الاخر.
فالله سبحانه يطالب عباده ان يأمنوا به ، خالقا، رازقا ، محيا ، مميتا ، قادرا على كل شيء ... الخ.
ويطالبنا ان نؤمن بأن هناك خلقا اخر هم الملائكة الذين سيكونون الواسطة بينه وبين رسله وانبيائه، وكذلك يأتمرون بأمره لفعل شيء يريد الله فعله في مخلوقاته.
وكذلك ، يطالبنا ان نؤمن بأنه سبحانه قد وضع شريعة له في خلقه سيرسلها بواسطة الملائكة الى اشخاص من البشر اصطفاهم سبانه ليبشروا بها وليبينوها ويوضحوها لعامة البشر، وهي الكتب السماوية.
وطالبنا كذلك ان نؤمن بالاشخاص الذين اصطفاهم لحمل ونشر و بيان تلك الشريعة المدونة في الكتب.
ومن ثم طالبنا ان نؤمن بإنه سبحانه وتعالى قد جعل يوما لحساب الناس على اعمالهم حسب شرائعه ، هو اليوم الاخر.
هذه مجمل ما اراده الله سبحانه من ايمان.
بعدها راح يخاطب من امن بكل ذلك على انهم هم المؤمنون ، فنزلت عشرات الايات التي تخاطبهم وتطالبهم بتنفيذ شرائعه ، نذكر منها:
(( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)). [البقرة:178 ]
(( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )).[البقرة:183 ]
(( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم * يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون)). [البقرة:218 - 219 ]
(( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون)). [البقرة:254 ]
(( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)). [البقرة:277 - 279 ]
(( إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا *يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)). [النساء:58 - 59 ]
*(( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا *وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا )).[آل عمران:71 - 72 ]
* (( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا)). [النساء:76 ]
* (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما * إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا * والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا * يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما * لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا )).[الاحزاب:56 - 60 ]
*(( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)). [آل عمران:135 ]
(( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)). [الانفال:45 ]
* (( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم)). [البقرة:282 ]
*(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)). [آل عمران:102 ]
*(( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)). [آل عمران:19 ]
*(( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما *ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا * إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما * ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما * ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شئ شهيدا)). [آل عمران: 29 - 33 ]
* (( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا)). [آل عمران:43 ]
هذه الايات البينات وغيرها العشرات نزلت على المؤمنين قبل ان تنزل اية التبليغ وفوق كل ذلك انه سبحانه وتعالى بشرهم بـ :
- هداية الله:
*((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )).[البقرة:257 ]
اقول: بالهداية وليست بالخلافة ، الولاية السياسية، لان الله ليس بحاكم بسياسي.
- الدخول في رحمة الله:
*(( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما)). [النساء:175 ]
- وقوف الله معهم ونصره لهم:
*(( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)). [الانفال:46 ]
*(( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا * وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا)). [الاحزاب:9 -13 ]
*(( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم)). [الانفال:74 ]
- التكفير عن السيئات:
*((والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم )).[محمد: 2 ]
- دخول الجنة:
* (( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون)). [البقرة:25 ]
*(( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)). [البقرة:82 ]
*(( لذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا)). [آل عمران:57 ]
*(( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم)). [التوبة: 20 - 22 ]
*(( لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم)).ُ [التوبة: 88 - 89 ]
اما الذين على عكس المؤمنين الذين وصفهم الله سبحانه بحزبه ، أي الذين لا يؤمنون بالله وبرسوله ، فهم مغلوبين من قبل المؤمنين:
*(( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)).[المائدة:56 ]
ماذا نستفاد مما قلناه في السطور السابقة ؟
الذي نستفاده منه هو ان الذين امنوا بما اراد الله سبحانه منهم ان يؤمنوا به ، هم ممن تنطبق عليهم صفة ومفهوم الايمان .
وكما قلت ، ان تلك الصفة قد وصفوا بها من قبل الله قبل اية التبليغ ، وقبل خطبة غدير خم، وكل من امن بما طالبه الله سبحانه ان يؤمن به هو مؤمن ، ابتداء من المبعث النبوي وحتى قيام الساعة.
اما الاسلام كمفهوم ، فهو سابق لما جاء به النبي محمد (ص) :
* (( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)). [الحج:78 ]
ولما كان ابراهيم هو ابو الانبياء ، فحتما يكون الذين يؤمنون بإبنائه من الرسل والانبياء وكتبهم هم مسلمون ، بقرينة قول الملائكة – ضيوف ابراهيم - انهم لم يجدوا في قرية لوط الا بيتا واحدا مسلم وهو بيت لوط:
* (( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)). [الذاريات: 36 ]
والقرينة الثانية ، قول فرعون :
*(( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )).[يونس:90]
اذن ، فكل البشر الذين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر هم مسلمون بقرينة قوله (ص ) ، كما جاء في القرآن الكريم:
* (( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين * وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين * وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون)). [النمل:91 - 93 ]
والقرينة الاخرى، قوله سبحانه:
* (( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)). [فصلت: 33 ]
من اعلاه يتضح لنا ان المسلم هو المؤمن والعكس صحيح .
***
اكمال الدين والتبليغ
بسم الله الرحمن الرحيم
* (( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)). (المائدة:1 - 3 )
* ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)). (المائدة:67)
سأناقش المسألة من وجهة نظر قرآنية و عقلية ومنطقية ، في آن معا.
اسأل: هل الدين الاسلامي جاء خاصا بمحمد (ص) وابناء بنته السيدة فاطمة وابن عمه، ام انه جاء للناس كافة؟
القرآن الكريم – كلام الله – يقول انه جاء للناس كافة:
*((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) .(سـبأ:28) الا تكفي هذه الاية ردا على من يجعل الدين خاصا بهذا البيت من ناحية النبوة والخلافة ، فضلا عن الايات التي ذكرتها في السطور السابقة، ومنها ما تؤكد على ان المؤمنين اولياء بعض؟
وليس من المعقول ولا المنطقي ان يرسل الله سبحانه وتعالى رسولا بدين الهي جديد خاص بعائلة واحدة لم تذكر فيه ولو لمرة واحدة.
ذكر الشيخ حامد الربيعي في احدى حلقات البرنامج (ليلة الخميس على الجمعة 2 – 3/9/ 2010) ان الرازي ذكر ان اية التبليغ نزلت على النبي (ص) ليبلغ المسلمين ولاية علي بن ابي طالب ، فرد عليه السيد الامين (هاتفيا) بأن رأي المفسر الرازي هذا كان الرأي الاخير من بين اراء عشرة اوردها الرازي حول هذه الاية.
ولما رجعنا الى تفسير الرازي وجدنا كلام السيد الامين دقيقا وصادقا ، خاصة بترجيح الرازي للرأي القائل : ((واعلم أن هذه الروايات وإن كثرت إلا أن الأولى حمله على أنه تعالى آمنه من مكر اليهود والنصارى ، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم ، وذلك لأن ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير لما كان كلاما مع اليهود والنصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبية عما قبلها وما بعدها )).
فضلا عن ذلك ، لو رجعنا الى نهاية اية التبليغ ، وقوله سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فهذا يعني ان هذه الاية خاصة بالكافرين وليس بالمسلمين ، أي ان الله يطالب النبي (ص) التبليغ واكماله الى الكافرين ، على الرغم– كما يقول سبحانه – من انه سبحانه لا يهدي الكافرين ، الا انه سبحانه اراد القاء الحجة عليهم وهو سبحانه يعرفهم انهم لا يبحثون عن الهداية ، فهو سبحانه لن يهديهم.
وقوله سبحانه كذلك: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ولم يقل من المسلمين او من المؤمنين، ولو كان الخطاب الموجه في هذه الاية يراد به تبليغ ولاية علي بن ابي طالب – وهي خاصة بالمسلمين - لكان الله سبحانه عصم نبيه منهم ان رفضوا اوامره .
وهكذا نصل الى حقيقة الخطاب ومراميه في هذه الاية كما وصل اليه الرازي في تفسيره.
اما اية اكمال الدين، فإنها صريحة واضحة وضوح الشمس بقرينة الايات التي سبقتها والايات التي لحقتها ، في ان الله سبحانه قد ااكمل دينه الذي سماها نبيه ابراهيم الاسلام ، واتم نعمته على المسلمين، بحيث انه سبحانه لم ينزل بعدها قرآنا وقد مات رسول الله (ص) بعد ذلك بحوالي اقل من ثلاثة اشهر.
ولو نظرنا الى الايات التي سبقتها والايات التي جاءت بعدها لوجدناها ايات مترابطة الدلالة والمعنى ، وهي تتحدث عن اهل الكتاب، لان المؤمنين لا خوف عليهم.
(( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم * ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون * يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين * قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين * إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)). ( المائدة:65 - 69 )
***
واخيرا يبقى هذا البرنامج وموضوعاته المطروحة على بساط البحث رائدا في إعمال العقل وتحريك الفكر الاسلامي والشيعي خاصة ، بعيدا عن عاطفة مريضة لا تغني ولا تسمن.
***
الهوامش:
1 – علي الامين - زبدة التّفكير في رفض السبّ والتّكفير – ص20 .
2 – أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 210 – 221.
3 – قرأت ثلاثة مصادر امامية معتبرة فوجدت فيها اختلافا واضحا في ايراد نص الغدير ،منها: (الروض النضير في معنى حديث الغدير - فارس حسون كريم - ص 21 - 28)و (الغدير - الشيخ الأميني - ج 1 - ص 10 – 16) و (مدخل إلى دراسة نص الغدير - الشيخ محمد مهدي الآصفي - ص 104 – 112).
4 - جاء في : غريب الحديث - ابن قتيبة - ج 1 - ص 15 – 16:
(( وقال أبو محمد رحمه الله أصل الصلاة الدعاء قال الله عز وجل " وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " أي أدع لهم . وقال تعالى " ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول " أي دعاؤه فسميت الصلاة بذلك لأنهم كانوا يدعون فيها ويدلك على ذلك الصلاة على الميت إنما هي دعاء له ليس فها ركوع ولا سجود . فالركوع الانحناء يقال للشيخ أذا انحنى من الكبر قد ركع قال لبيد [ من الطويل ] أليس ورائي إن تراخت منيتي * لزوم العصا تحنى عليها الأصابع أخبر أخبار القرون التي مضت * أدب كأني كلما قمت راكع وقد يجوز أن يسمى الراكع ساجدا غير أنه لم يستعمل في الصلاة لأن السجود أيضا إنما هو التطامن والميل معا . يقال سجد البعير وأسجد إذا خفض رأسه ليركب وسجدت النخلة إذا مالت وهذه نخل سواجد أي موائل . والركوع هو سجود العجم لساداتها وإنما قيل للواضع جبهته بالأرض))
5 - الكاتب لا يعتقد باعتقادات البعض بحدوث المعاجز اوالكرامات للبشر ، انها خاصة بالانبياء والرسل.
6- برنامج المعجم العقائدي ـ الاصدار الأول - نهج البلاغة ج 4 - خطب الامام علي عليه السلام ص 76 .ومن المناسب ان نذكر: ان كتابات الشيعة المدافعة عن الامام علي بن ابي طالب في هذا الامر او غيره ، كانت تحط من شخصيته العربية الاسلامية، وهناك الكثير من الامثلة التي لا مجال لذكرها هنا .
7 - مقتل الحسين(ع) - أبو مخنف الازدي- ص17- شبكة الشيعة العالمية ، وكذلك القرص المدمج مكتبة اهل البيت.
8- الكافي في الأصول ، باب مايفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة - ج1 - ص 347.
9 - المصدر نفسه- ج 1 - ص 348 ، الكافي، و أعلام الورى للطبرسي ص258و259 .
10 - كشف الغمه للأربلي- ج3 - ص73.
11 - الأصول من الكافي- ج1 - ص 253، و أعلام الورى للطبرسي- ص302 .
12 - الاصول من الكافي- ج1 - ص353.
13- على سبيل التقديم – د. سعود المولى - مقدمة كتاب ولاية الدولة ودولة الفقيه – السيد علي الامين – 2007 – ص4.
جاء في ( منية الطالب - تقرير بحث النائيني ، للخوانساري - ج 2 - ص 232 – 237) :
(( أن للولاية مراتب ثلاث : إحداها - وهي المرتبة العليا - : مختصة بالنبي وأوصيائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، وغير قابلة للتفويض إلى أحد ، واثنتان منها قابلتان للتفويض . (...) وأما القابلة للتفويض : فقسم يرجع إلى الأمور السياسية التي ترجع إلى نظم البلاد ، وانتظام أمور العباد ، وسد الثغور ، والجهاد مع الأعداء ، والدفاع عنهم ، ونحو ذلك مما يرجع إلى وظيفة الولاة والأمراء . وقسم يرجع إلى الإفتاء والقضاء ، وكان هذان المنصبان في عصر النبي والأمير صلوات الله عليهما ، بل في عصر الخلفاء الثلاثة لطائفتين ، وفي كل بلد أو صقع كان الوالي غير القاضي ، فصنف كان منصوبا لخصوص القضاء والإفتاء ، وصنف كان منصوبا لإجراء الحدود ونظم البلاد والنظر في مصالح المسلمين . نعم ، اتفق إعطاء كلتا الوظيفتين لشخص واحد لأهليته لهما ، إلا أن الغالب اختلاف الوالي والقاضي ، ولا إشكال في ثبوت منصب القضاء والإفتاء للفقيه في عصر الغيبة ، (...) والمهم إثبات الكبرى ، وهي ثبوت الولاية العامة للفقيه في عصر الغيبة ، فإنها لو ثبتت بالأدلة المعتبرة فالبحث عن الصغرى لغو ، لأنها على أي حال من وظيفة الفقيه )).
والنتيجة التي يصل اليها:
((فإن الحكومة ظاهرة في الولاية العامة ، فإن الحاكم هو الذي يحكم بين الناس بالسيف والسوط ، وليس ذلك شأن القاضي )) .
14 - راجع دراستي : التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي – الكتاب الاول.
D_alshwely@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق