المرجعية الدينية وهموم المسلمين اليوم
داود سلمان الشويلي
((وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)).
[التوبة - 122 ]
كثرت في الاونة الاخيرة بعد رحيل السيد محمد حسين فضل الله (مرجع ديني جعفري لبناني الولادة والنشأة) تساؤلات من مثل (من يأخذ من يده راية تحديث الفقه؟)،ومن الذي سيملأ الفراغ بعد رحيله ، وكتابات تؤكد على اعتدالية مرجعيته .
صحيح ان مرجعية المرحوم فضل الله تتصف بالاعتدال والتحديث الى حد ما، الا ان هذا لا يعني عدم وجود مراجع اخرين تحمل مرجعيتهم مثل هذا الاعتدال وهذا التحديث.
هذا القول يدعونا الى معرفة الاسباب التي دعت مرجعيته الى ان تتصف بهذه الصفات.
ومن تلك الصفات واهمها هو انه رحمه الله ينحدر من مجتمع كان وما يزل هو المجتمع العربي الوحيد تقريبا الذي تعايشت فيه القوميات والديانات والمذاهب الدينية والمدارس الفلسفية والا جتماعية وغيرها دون انغلاق فيما بينها ، وكذلك الانفتاح على الاخر مهما كان نوعه وثقافته ، وهو المجتمع اللبناني.(1)
ومن خلال انفتاح هذا المجتمع على الاخر ، العربي والغربي ، من مسلمين وغيرهم من الديانات الاخرى ، تزود السيد بثقافة واسعة ، مما جعل افق تفكيره منفتخا ، وآلياته تتصف بالعلمية والموضوعية فضلا على عقلانيته.
ومن خلال ذلك، كانت مرجعيته الى حد ما مرجعية معتدلة ، مجددة .
والسؤال المطروح هو هل انتهى بانتقال السيد فضل الله الى جوار ربه هذا الاعتدال وذلك التجديد ؟ وهل افتقرت مرجعيات المذهب الجعفري (الشيعي الامامي الاثني عشري) من رجال يتصفون بهذه الصفات ؟
بالتأكيد سيكون الجواب كلا.
لانه فما زال هذا المذهب يفتح باب الاجتهاد ، وما زال العقل يقوم بدور فعال في ذلك الاجتهاد ، وفي فكر بعض رجاله الذين انفتحوا على الاخر بكل عناوينه ومدارسه ، وخير مثال على ذلك هو مرجعية الامام الشيخ حسين المؤيد (عراقي الولادة والنشأة) ، دون ان ننسى مراجع اخرين اخذت على عاتقها التجديد والتصحيح في فكر هذا المذهب.(2)
ان المرجعية اليوم لم تعد خاصة بتبيان الحلال والحرام ، بل دخلت في مفاصل الحياة كافة ، وان التطور الذي حصل في الحياة العامة على كافة الاصعدة ، يتطلب من الذين يتصدون الى المرجعية (بما لها من علاقة بتقريب الدين الى العامة من المسلمين ) ان يكونوا اولا وقبل كل شيء منفتحين على الاخر ، وبفهم ووعي كاملين ، وهذا لا يعني وضع ما هو ديني خلف الظهر وتجاوزه ، وتقديم تنازلات غير مشروعة لهذا الاخر، بل الانطلاق من اساسيات الدين وعدم تجاوزها مهما كانت الاسباب والدوافع ، وهذا يأتي من خلال:
- الفهم الواعي و الصحيح للنص (المقدس) ،(3) قرآن وحديث نبوي موثق صحيح من حيث السند والمتن.
- الفهم الواعي والصحيح الى ان غير القرآن الكريم والحديث النبوي، هو فكر رجال متولد تحت تأثير زمكانية اللحظة التاريخية ، وظروف المجتمع ، مع تداخل وتأثير ما هو سياسي وايديولوجي فيه ، لهذا فكل ما جاءنا من الاجيال السابقة يجب النظر فيه ومراجعته ، لانه قول رجال ونحن رجال كما يقول الامام ابو حنيفة، كالتفاسير ، وكتب الصحاحات ، وكتب التاريخ.
- استخدام المناهج الحديثة في مقاربة النص المقدس .(4)
- النظر الى ما نقتله كتب التاريخ القديمة من حوادث، نظرة موضوعية علمية متجردة من أي لبوس سياسي او ايديولوجي.
- الابتعاد كليا عن الفكر التفويضي والغالي والتعصبي والتكفيري والتواكلي، والاحتكام الى العقل الذي مجده الله سبحانه في قرآنه الكريم ، والموضوعية العلمية .
هذه الاليات وغيرها التي ترى هذه الدراسة انه من الضروري ان يعمل بها من يتصدى الى المرجعية في وقتنا الحاضر خاصة ، هي آليات نجدها عند الكثير من مراجع التقليد ، ومنهم سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد .
فسماحته – مثلا – لا يرتكن الى ما وصله من حديث نبوي في كتب الصحاحات لكافة المذاهب ما لم يعرض هذا الحديث او ذاك الى الآليات التي تؤكد صحته سندا ومتنا ، وكذلك، وهو المهم ،عدم تعارضه مع ما جاء في القرآن الكريم ، وموافقته لفطرة الناس (العقل والمنطق السويين) التي فطرها الله فيهم.
اضافة لذلك ، فقد اسقط الكثير من الاحاديث والروايات التي رواها المفوضة والغلاة والتي ما زالت في محل تبجيل عند البعض على الرغم من ان شيوخ المذهب الاوائل وعلماء الرجال قد اخرجوا رجال سند تلك الروايات والاحاديث من خانة المصداقية والوثوقية ، بل انهم كفروهم ايضا.
فضلا عن ذلك ، فقد وضع سماحته الكثير من الحوادث التاريخية تحت مجهر النقد ، كما عمل الكثير من المراجع ورجال الدين الذين سبقوه او جايلوه ، وخرج بنتائج مفيدة تخدم الاسلام والمسلمين.
وفرق سماحته بين العقيدة الاسلامية الحقة ، ذات المرجع القرآني ، وبين الكثير من العقائد ، او المفاهيم والمعتقدات التي اراد لها البعض ان تترسخ عند المسلمين على انها عقيدة دينية منزلة من الله سبحانه .
وسفـّه سماحته ، بل كفّر ، الكثير من الممارسات والطقوس التي يقوم بها بعض المسلمين على اعتبار انها طقوس وممارسات اسلامية ، وهي غير ذلك.
ان المسلمين ، والشيعة الامامية الاثني عشرية خاصة ، بحاجة ماسة في ايامنا هذه الى مثل هذه المرجعية خدمة لوحدة الامة الاسلامية والمسلمين ، خاصة وحاجتها الى نبذ الطائفية السياسية ، والسب والشتم للكثير من الصحابة ، لا لشيء الا لاسباب سياسية ايديولوجية.
الاحد، 26 كانون الأول، 2010
الهوامش:
1– وكذلك السيد علي الامين اللبناني الولادة والنشأة.
2– يمكن مراجعة كتابنا رجال التصحيح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري.
3 - ان الاسلام لم يطلق على كتابه السماوي - القرآن - صفة المقدس كما فعل اليهود والنصارى ، بل هو قرآن مجيد وقرآن كريم ، الا انني استخدمت هذه الصفة من باب المجاز لتأكيد قدسية مفترضة له عند المسلمين كافة.
4 – ممن استخدم تلك المناهج من الكتاب العرب :نصر حامد ابو زيد ، محمد اركون، محمد عابد الجابري ، محمد شحرور ، وغيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق