داود سلمان الشويلي
ليس من مهام هذه السطور ان تقدم دراسة عما وجه للكتب الجامعة للحديث النبوي – في كافة مذاهب الاسلام – من نقد منذ عدة قرون ، او ما ردّ من احاديثها ، بقدر ما تريد ان تدرس دلالة حديث واحد ونحن ندخل القرن الواحد والعشرين ، وفي زمن الفضائيات وشبكة الانترنيت وثورة الاتصالات، والامة الاسلامية قد كثر فيها الاختلاف ، و زادت الفرقة بين ابنائها ، وهذا الحديث هو : (اختلاف أمتي رحمة).
إذ حيرني هذا الحديث - على الرغم من تثبيته في صدر اغلب دراساتي التي تناولت الفكر الديني الاسلامي - لاسباب منها :
ان الكثير من الايات القرآنية تدعو الى وحدة المسلمين ، أي عكس دلالاته :
(( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)). [ ال عمران:103 ]
(( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ).[ ال عمران :105 ]
وكذلك الكثير من الاحاديث النبوية – ان صحت – تؤكد الوحدة وعدم الاختلاف ، منها الحديث:
(( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى )).
فيما هذا الحديث يؤكد في احد معانية على الاختلاف ، و في الوقت نفسه يؤكد على ان هذا الاختلاف هو رحمة ، فكيف يستقيم ذلك؟.
وقد ناقش علماء المسلمين من كافة المذاهب هذا الاشكال، خاصة عندما طرحت تساؤلات عن الرحمة وعكسها النقمة ، وفيما اذا كانت الوحدة عند ذاك تعني النقمة.
فما الذي جعل هذا الحديث يصمد طيلة هذه السنوات (1) ، ويبقى محفوظا في المصادر و الصدور ، وهو يخالف ما يريده الله سبحانه؟
واذا كان الكثير من رجال الدين والدارسين يعولون على هذا الحديث على اهمية الاجتهاد في حياة المسلمين، وكذلك في الخروج الشرعي من محنة الاختلاف الحاصل بين فقهاء الامة الاسلامية بما له علاقة بالاحكام الشرعية خاصة ، فانني لا اجد في ذلك صوابا في الاختلاف حول الاحكام المنصوص عليها في القرآن (حبل الله)على اقل تقدير.
و بعيدا عن الاختلافات العقدية، يمكن رصد مجموعة من الاختلافات الحاصلة بين المسلمين بما له علاقة بالحلال والحرام في نكاح النساء (2) ، والاطعمة (صيد البر والبحر) (3) ، والصلاة (4)، ورؤية الهلال لمعرفة بداية ونهاية الشهور (5) ، على سبيل المثال لا الحصر.
***
امثلة من الحياة اليومية:
مثال / 1: جاء رجل مسلم يتعبد الله على مذهب يحلل اكل لحم الارنب، وسمك (الجري) الى صديق ، او نسيب ، او قريب ، من مذهب يحرم اكلهما ، بهدية ، إما سمكة من نوع الجري ، و إما ارنبا ، فهل من الشرع والاخلاق والاداب ان يرد الهدية هذه ؟
اتساءل: هل في ذلك رحمة؟ (6)
مثال /2 : تزوج رجل يتعبد الله من خلال مذهب يجوّز له الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها، او العكس(7) بإمرأة من مذهب لا يرى حلية ذلك الجمع (8) ولاسباب عديدة (العقم مثلا) ارادت زوجته نفسها ان يتزوج باخرى ، فاحب الزوج ان يتزوج بعمتها او خالتها ، او العكس ، لحبه لزوجته ولا يريد امرأة غريبة ان تكون ضرتها ، فهل توافق عائلة هاتين المرأتين إعطاء ابنتهم زوجة لذلك الرجل ليجمع بينها وبين خالتها او عمتها ، او العكس؟
بالتأكيد الجواب : كلا.
اتساءل: هل في ذلك رحمة؟
مثال /3 : ان الصلاة ركن من اركان الاسلام ، ولها اوقتها المحددة ، وبعيدا عن مسألة الجمع بين صلاتين او عدمه ، ستتناول هذه الدراسة مسألة الاختلاف بين المسلمين في وقت صلاة المغرب خاصة، لما لها من علاقة بوقت الافطار عند الصيام .
فالشيعة يرفعون اذان المغرب ومن ثم يقيمون الصلاة ويفطرون عند غياب الحمرة المشرقية ، فيما السنة ، يتقدمون عليهم ، فيرفعون اذان المغرب ويقيمون الصلاة عند سقوط قرص الشمس عن الأفق.(8)
فإذا كان المسلمون مختلفون في وقت الصلاة التي شرعها الله في محكم كتابه ، فكيف نريد من المسلمين ان يتوحدوا وهم مختلفون في اداء هذه الفرض ؟
اتساءل: اين هي الرحمة في ذلك؟
لم اجد لتأويل ذلك الحديث – ان صح - والوصول الى دلالته مخرجا - على الرغم من كل التخريجات التي جاء بها السلف من علماء الاسلام - سوى في لفظة (الاختلاف) التي لها معنى اخر معروف معجميا وهو ليس المخالفة، وانما (التردد) على شخص (او جهة) ما للبحث عن العلم والتزود منه.
اذن ، الحديث يؤكد على البحث عن العلم و التزود منه، وليس الارتكان الى ما بين ايدينا ، من خلال السؤال والمحاججة، والبحث عن الدليل وغير ذلك.
اذن، علينا ان نتأكد من صحة الاحاديث – خاصة بما يتعارض مع صريح القرآن الكريم - على الرغم من ان الكثير من العلماء المسلمين قالوا كلمتهم في الكثير منها . (10)
--------------------------------
الهوامش:
1 - راجع على سبيل المثال ، مناقشة الحديث في: (شرح مسلم - النووي - ج 11 - ص 91)، و : (فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج 1 - ص 271)
2 - قال تعالى في سورة النساء/23 :" حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما ".
و وقع الاختلاف في مسألتين ، هما:
الاولى : مسألة الرضاعة : فكل مذهب اسلامي شرّق وغرّب في عدد الرضعات التي تسبب التحريم.
الثانية: الجمع بين البنت وعمتها او خالتها ، او العكس . اذ اختلفت المذاهب في حلية اوحرمة هذا الجمع ، ومن يريد معرفة اكثر حول هذه المسالة فليراجع كتب الفقه لكافة المذاهب، مع العلم ان الله لم يذكر ذلك في هذه الاية.
ورب قائل يقول : ان الرسول (ص) قد بين ذلك في سنته.
نرد عليه قائلين : ولماذا اختلف المسلمون في هذه السنة النبوية؟
هل جاء هذا الاختلاف تحت تلك اللافتة / الحديث (اختلاف امتي رحمة) ؟ ام جاء من لافتة اخرى ذكرها الكليني في الكافي ص 67 عن الامام ابي عبد الله – حسب اسناده - :
(( ... قال : ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة ، قلت : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ ؟ قال : ما خالف العامة ففيه الرشاد)).
3 - قال تعالى: " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون" [المائدة:96 ].
4 – "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" [البقرة:238 ] .
"وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" [هود:114 ] .
"أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ".[الاسراء:78 ]
5 – راجع دراستنا (الاهلة الشرعية - بين الرؤية البصرية والحسابات الفلكية - وحدة الامة الاسلامية في فكر الامام الشيخ حسين المؤيد ) .
6- للذوق البشري – بعيدا عن حلال الاطعمة وحرامها - امر اخر لا يتدخل فيه الشرع سوى بما يؤدي الى التهلكة .
7– يحلل فقهاء الشيعة هذا الجمع مع الفارق في ايهما الزوجة الاولى لان في ذلك شروط. راجع على سبيل المثال : المقنعة - الشيخ المفيد - ص 504. و : وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 20 - ص 486 .
و : منهاج الصالحين – ج3 – السيد السيستاني .
فيما يحرم بقية المسلمين هذا الجمع . راجع : صحيح البخاري - البخاري - ج 6 - ص 128. و : صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 4 - ص 135 .
8 - كل فقهاء الشيعة يحللون هذا الزواج المتبادل ، الا ان الفضائيات نقلت لنا تحريم احد المعممين الشيعة الغلاة و المتعصبين ذلك، لان المرأة او الرجل – حسب قوله – غير موالين للامام علي .
9 - افتى المرجع الديني الجعفري سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد ، بصحة صلاة المغرب بمجرد سقوط قرص الشمس عن الأفق . راجع مناقشة هذه المسألة في كتابنا : التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي - عند سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد - الكتاب الخامس – المستدرك ، منشور على شبكة الانتلانيت.
10- جاء في (نماذج من الأحاديث الموضوعة أو المشكوكة - مركز المصطفى (ص) ) : (( قال الحافظ العراقي : " حديث اختلاف أمتي رحمة : ذكره البيهقي في رسالته " الأشعرية " تعليقا وأسنده في " المدخل " من حديث ابن عباس بلفظ : إختلاف أصحابي لكم رحمة . وإسناده ضعيف ". وقال الحافظ محمد بن طاهر : " في ( المقاصد ) : إختلاف أمتي رحمة . البيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل بلفظ : إختلاف أصحابي لكم رحمة . وكذا الطبراني والديلمي : والضحاك عن ابن عباس منقطع ، وقال العراقي : مرسل ضعيف ". وصرح محمد ناصر الدين الألباني المعاصر بأنه لا أصل له ، ونقل كلمات جماعة في ذلك )) .
فيما جاء في كتب الشيعة عن الامام الصادق ان الاختلاف هذا مصدره اختلاف البلدان . (راجع على سبيل المثال : علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 85).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق