الجمعة، 5 أغسطس 2011

(( اختلاف أمتي رحمة)) مرة اخرى



(( اختلاف أمتي رحمة))

مرة اخرى

داود سلمان الشويلي

في دراسة سابقة لي بالعنوان نفسه ، ذكرت مجموعة من الامثلة الفقهية التي يظهر فيها الاختلاف الحاصل بين فقهاء المسلمين ، والتي تقف بالضد من دلالات هذا الحديث النبوي ، فضلا عن انها – أي الامثلة – تخالف صريح القرآن الكريم ، ومن هذه الامثلة هو زواج العمة على ابنة اخيها او اختها ، او زواج الخالة على ابنة اخيها او اختها وبالعكس ، فيما ذكر سبحانة محرمات النساء في سورة النساء ، فقال:

((*حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما * والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما)) . [23 - 24 ]

ولم يذكر تلك الزيجة على انها من المحرمات ، بل انه سبحانه في الاية/ 24 قد اكد على ان كل النساء اللاتي لم يذكرهن في الاية/ 23هن محللات شرعا عدا المحصنات .

اما تحريم هذه الزيجة فقد جاء بحديث نبوي (أن صح) ، مع العلم ان من واجبات النبي (ص) التي ذكرها الله في كتابة لم يكن التشريع من بينها ، فهو (ص) : مبلغ ، و نذير ،و مبين .

وقد ناقش العلماء ذلك – أي الوظيفة التشريعية للنبي (ص)- قديما وحديثا ،واختلفوا فيما بينهم ، وقال جلهم بان النبي (ص) له ان يشرع ، اعتمادا على احاديث نقلت بطريقة العنعنة ، دونت بعد اكثر من مئة وخمسين عاما من وفاته ، الا ان الاخبار لم تنقل لنا ما هي تلك التشريعات ، اذ كان الرسول عندما يسأل عن مسألة ما ينتظر الوحي لينزل بالاجابة ، ولم يقل شيئا من عندياته ، وهذا ما اكدته بعض ايات القرآن.

ومن يقرأ الصحاحات والمسانيد والسنن وكتب الحديث الاخرى لكافة المذاهب لا يجد فيها تشريعا قد شرعه النبي (ص) ، واذا اخذنا بالمبدا القائل بان مقام الرسول ليس هو مقام النبي (ص) بالمعنى العام والدلالة، فهناك فرقا كبيرا بينهما، او كما قال عنهما اوزون في كتابه (جناية البخاري): (1)

((ففى مقام النبوة يقوم محمد النبى بالاجتهاد والعمل حسب المعطيات والإمكانيات والأرضية المعرفية السائدة، ويصحح له من خلال ذلك المقام، لذلك نجد أن التصويب يكون دائما من مقام النبوة كما فى قوله تعالى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم} (التحريم-1). {يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين أن الله كان عليما حكيما}(الأحزاب-1). {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض...} (الانفال-67). {لقد تاب الله على النبى والمهاجرين...} (التوبة-117). لذلك فإن الأحاديث الواردة عنه سميت بالأحاديث النبوية.

أما فى مقام الرسالة والتى تشمل كافة التشريعات والأوامر التى أمره بها الله-عز وجل-عبر جبريل الأمين فى القرآن الكريم، فهو معصوم فيها من الوقوع فى الخطأ، وقد عصمه الله من ذلك، وعليه فإن الطاعة فى القرآن الكريم هى للرسول، {قل أطيعوا الله والرسول}(آل عمران-32). {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول... واحذروا...}(المائدة-92). {من يطع الرسول فقد أطاع الله...}(النساء-80).

وقد جاء أمر الاقتداء بالرسول فى الصلاة والزكاة من مقام الرسالة كما رأينا فى الآية الكريمة السابقة، لذلك فإنه لا يوجد لدينا أحاديث رسولية، لأن رسالة سيدنا محمد (ص) هى القرآن الكريم، وقد وعى الصحابة ذلك فلم يكتبوا عنه عندما كان يحتضر على فراش الموت ما أراد أن يوصيهم به لأنه قد أدى رسالته ممثلة بالذكر الحكيم المحفوظ فى السطور والصدور )).

اما ما روي من سنة فعليه – كما يقول اوزون - من مثل ان النبي (ص): ((أول إنسان يأكل باليمين أو يأكل التمر أو يستخدم العود الهندى أو يحتجم أو يبكى على وفاة ابنه أو ينام على جنبه الأيمن أو يقبل النساء... أو... أو... إلى غير ذلك.)) فهي ليست تشريعا ، لان النبي (ص) قد اشترك بافعاله تلك مع الكثير من الناس ولم ينفرد بها، وان اكثر المسلمين يخالفون تلك السلوكيات والافعال ، ولم يقعوا في المعصية او الاثم .

اما بالنسبة لكيفية الصلاة وعدد ركعاتها واوقاتها، ونسبة الزكاة ،فهما ليست تشريعا نبويا ، وانما هما تشريع الهي.

جاء في المصادر عن كيفية الصلاة ، ان جبريل هو الذي علم النبي (ص) الكيفية ، وحتما – تبعا لذلك – ان تحديد نسبة الزكاة كانت من قبل الله ، نزل بها جبريل.

اذا ، النبي (ص) لا يشرع، وانما يجتهد ، ويتشاور مع المؤمنين في مسائل كثيرة ذكرتها لنا المصادر ، و يعمل (( حسب المعطيات والإمكانيات والأرضية المعرفية السائدة، ويصحح له من خلال ذلك المقام )).(2)

بعد هذه المقدمة ، وبعد ان وضّح سبحانه محللات النساء ، هل يحق للنبي ان يشرع خارج منظومة القرآن ،والوحي ؟

حاشاه ان يفعل ذلك .

((وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب * فاطر السماوات والارض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرءكم فيه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير * له مقاليد السماوات والارض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شئ عليم * شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب * وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب * فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير)). [الشورى 10- 15 ]

ولكن من اين جاء هذا الحديث ؟ وكيف اختلف المسلمون في روايته ؟

ستبحث هذه الدراسة رواية الحديث عند فرقتي الشيعة – الامامية والزيدية – فقط ، لانهما ينهلان – كما هو معروف - من معين واحد ، عن النبي ، عن علي بن ابي طالب، عن الحسن والحسين ، عن علي بن الحسين ، ثم يفترقون ويحتلفون.

الحديث عند الشيعة الامامية:

جاء في ( وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 20 - ص 486 – 496):

(( - باب عدم جواز تزويج بنت الأخ على عمتها وبنت الأخت على خالتها نسبا ورضاعا الا باذنهما فان فعل بطل ويجوز العكس بغير اذن

1 - محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا تزوج ابنة الاخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا باذنهما وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير اذنهما .

ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم نحوه إلا أنه قال : لا تنكح ثم قال : وتنكح.

ورواه في ( العلل ) عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد مثله.

2 - وعن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها إلا باذن العمة والخالة .

3 - محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن بنان بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه ، موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن امرأة تزوج على عمتها وخالتها ؟ قال : لا بأس وقال : تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضى منهما فمن فعل فنكاحه باطل .

ورواه الحميري في ( قرب الإسناد ) عن عبد الله بن الحسن ، عن علي بن جعفر مثله إلى قوله : لا بأس.

ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله.

4 - وعنه ، عن بنان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ان عليا ( عليه السلام ) اتى برجل تزوج امرأة على خالتها فجلده وفرق بينهما أقول : حمله الشيخ على عدم الرضا وانتفاء الاذن لما مضى ويأتي وجوز حمله على التقية لان جميع من خالفنا يخالفنا في هذه المسألة .

5 - وبإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن إسماعيل ، والحسن بن علي جميعا ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : تزوج الخالة والعمة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما .

6 - وبالاسناد عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلا باذنها وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير اذنها .

7 - وعنه ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها .

أقول : تقدم الوجه في مثله.

8 - وعنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة .

ورواه الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب مثله محمد بن علي بن الحسين بإسناده ، عن الحسن بن محبوب مثله.

9 - وعنه ، عن مالك بن عطية ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا تتزوج المرأة على خالتها وتزوج الخالة على ابنة أختها .

10 - وفي ( العلل ) : عن علي بن أحمد ، عن محمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس ، عن عبد الرحمن بن محمد الأسدي ، عن أبي أيوب الخراز عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إنما نهي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة والخالة فإذا أذنت في ذلك فلا بأس .

11 - ونقل العلامة في ( المختلف ) وغيره عن ابن أبي عقيل أنه روى عن علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى ( عليه السلام ) عن رجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها ؟ قال : لا بأس لان الله عز وجل قال : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ).

أقول : هذا محمول على الاذن لما مر.

12 - أحمد بن محمد بن عيسى في ( نوادره ) : عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا تنكح ابنة الأخت على خالتها وتنكح الخالة على ابنة أختها ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها وتنكح العمة على ابنة أخيها.

13 - وعن النضر بن سويد ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا تنكح الجارية على عمتها ولا على خالتها إلا باذن العمة والخالة ولا بأس ان تنكح العمة والخالة على بنت أخيها وبنت أختها .)).

يتوضح من الاحاديث اعلاه ما يلي :

1 – يجوز الجمع بصورة عامة . ( الاحاديث : 1 ، 2 ، 3 ، 5 ، 6 ،10 ، 11 ، 13). بشرط اذن الكبيرة. (3)

2 – لا يجوز زواج المرأة على خالتها ولا على عمتها مطلقا. (الاحاديث : 7 ، 8، 9 ، 12 ) ، وعدم الجوار جاء بسبب نفسي واجتماعي (( إجلالا للعمة والخالة فإذا أذنت في ذلك فلا بأس .)) (الحديث : 10) . وبالمقابل يجوز العكس.

3 – اما جلد الامام علي للرجل الذي تزوج امرأة على خالتها (الحديث: 4) فقد حمله الشيعة على التقية: (لان جميع من خالفنا يخالفنا في هذه المسألة.)!!!

الحديث عند الشيعة الزيدية:

جاء في (مسند زيد بن علي - ص 306): (4)

(( حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي ( ع م ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تتزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى )).

نتساءل : كيف ولماذا اختلف الاخوة الذين نقلت عنهم الاحاديث (ابو جعفر الباقر ، وزيد بن علي) في رواية حديث سمعوه عن والدهم علي بن الحسين زين العابدين؟

فالروايات المنقولة عن ابي جعفر الباقر تجّوز هذا الجمع ، فيما رواية زيد لا تجوزه ، وهما قد سمعا الحديث عن والدهما علي زين العابدين.

فهل حلل الباقر ما حرمه الله نقلا عن ابائه ؟

او ان الذي حرم ما حلله الله نقلا عن الاباء هو زيد؟

وهل ما روي عن الباقر كان صحيحا ، فيما الذي روي عن زيد غير صحيح ، او جاء بتأثير الاحاديث السنية؟ (5)

ام ان ما روي عن الباقر لم يكن صحيحا ، وكان من وضع الرواة ، وان ما روي عن زيد هو الصحيح؟

سؤال لم اجد له جوابا ، سوى في الايتين 32 ،33 ، من سورة النساء ، وهو الجواز ، وبلا شروط ، وان كان هناك شرط ما فقد يأتي من باب مراعاة الحالة النفسية والاجتماعية للعمة والخالة (درجة اعتبارية)، وليس في ذلك تشريع الهي ، أي من مقام النبوة لا من مقام الرسالة.

ترى هذه الدراسة ان حديث الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها وبالعكس ، حديث موضوع ، للاسباب التالية:

1 – ان القرآن الكريم لم يذكره في محرمات النساء.

2 – ان النبي (ص) لم يشرع خارج المنظومة التشريعية الالهية.

3 – اختلاف رواة الحديث من حيث الحلية.

------------------

الهوامش:

1 – زكريا أوزون - جناية البخارى - إنقاذ الدين من إمام المحدثين.

2 – المصدر نفسه.

3 - لم يحرم من فقهاء ومراجع الامامية هذه الزيجة اطلاقا سوى سماحة المرجع الديني الشيخ حسين المؤيد اعتمادا على ما نقله عن الزيدية من حديث نبوي.

وفي رسالة لي ذكر سماحته : انه لا يأخذ من السنة الا بما جاء عن رسول الله ، لهذا فقد اعتمد الفقه الزيدي (!!!).

و يقول سماحته عن استنباط الحكم الشرعي : ((فانت اليوم لا تجد في المرويات ما ينقل عن امير المؤمنين علي وعن الحسن والحسين وزين العابدين عليهم السلام الا النزر اليسير فضلا عن المرويات عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، بينما حين ترجع الى مصادر الشيعه الزيدية تجد ان اهم مصادرهم هو مسند الامام زيد عليه السلام وهو يحتوي على الاحاديث التي يرويها زيد عن ابيه السجاد عن الامام الحسين عن علي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فتستطيع ان تحظى بكم من الاحاديث عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم واهل بيته الاولين الامر الذي لا تجد نظيره في الكتب الاربعة )) . – راجع : موقعه الالكتروني ، وكتابنا : التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي - الفكر الاجتهادي الشيعي نموذجا - الكتاب الاول - التصحيح والتجديد الاجتهادي في المذهب الشيعي عند المرجع الديني سماحة اية الله الامام الشيخ حسين المؤيد.

4 – القرص المدمج :مكتبة أهل البيت (ع) - الإصدار الأول - مسند الإمام زيد للإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام - منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت لبنان.

و جامع مسند الإمام زيد المسمى ( المجموع الفقهي )هو عبد العزيز بن إسحاق البقال ، ، كان في حدود الستين وثلاثمائة ، عاش تسعين عاما ، توفي لعشر خلون من شهر ربيع الآخر سنة 363 . و عبد العزيز روى عن أبي القاسم علي بن محمد النخعي روى عنه أبو الحسن الدارقطني ، وقد نسبه الدارقطني في ترجمته إلى آدم عليه السلام .

5- راجع : (صحيح البخاري - البخاري - ج 6 - ص 128 – 133) و (صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 4 - ص 135 – 140 ).

‏الجمعة‏، 29‏ تموز‏، 2011

الافطار بسبب العطش بين الحيلة والرخصة الشرعية



الافطار بسبب العطش بين الحيلة والرخصة الشرعية

داود سلمان الشويلي

يقول الله في محكم كتابه الكريم :

(( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون *شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)). [البقرة: 183 - 185 ]

تمر على العراق والكثير من بلدان العالم الاسلامي ، موجة حر شديد ، وقد حل الشهر الفضيل ، شهر رمضان ، شهر الصيام ، وابناء العراق يعيشون ازمة الكهرباء في لهيب هذا الصيف القاتل. وليس من هدف هذه الدراسة القصيرة بيان فقه الصوم ، وانما هدفها بيان الرخصة القرآنية للافطار في هذا الشهر الفضيل .

فالصوم، كما هو معروف: (( الامساك عن أي فعل ، أو قول كان .

و شرعا : هو الامساك عن الأكل ، والشرب ،والجماع ، من الصبح إلى المغرب ، مع النية )). (1)

وقد ذكرت الايات الكريمة اعلاه الامور التي يرخص فيها الافطار ، وهي:

- المرض.

- السفر.

- امور اخرى لمن يطيقه.

واذا كان الافطار بسبب المرض اوالسفر معروفين لكل المؤمنين ، الا ان الامور الاخرى لمن يطيق صيامه قد غابت عن الكثير من عامة المؤمنين لاسباب كثيرة ، اهمها عدم قيام الفقهاء ببيانها وتوضيحها جيدا.

واكثر عارض يلاقيه الصائم هو ارتفاع درجة حرارة الجو التي لا تطاق - و التي نعيشها الان - إذ من الناحية الطبية يساعد ارتفاع درجة حرارة الجو على زيادة التعرق ، والتعرق يقلل من كمبة السوائل في جسم الانسان ، و الدم خاصة ، فيصبح الدم كثيفا ،و لم يكن القلب قادرا على ضخه وتوصيله الى سائر اعضاء الجسم و الدماغ خاصة، فيصاب الا نسان بالاعياء ومن ثم الاغماء ، وربما الموت، فراح المؤمنون يبحثون عند الفقهاء عن الرخصة الشرعية للخروج من هكذا اشكال.

ولما كانت الكثير من الفضائيات تبث برامج خاصة بالاستفتاء ، ظهر احد المعممين على احدى الفضائيات تلك وقد اجاب من سأله عن الرخصة الشرعية بحيلة لم ينزل بها الله من سلطان ، حتى باتت هذه الحيلة ترددها بعض الالسن لا على انها حيلة وانما على انها رخصة شرعية.

كانت اجابة هذا المعمم : ان من يريد التخلص من الصيام في حرارة هذا الجو ، عليه ان يسافر بمقدار المسافة الشرعية للافطار (ثمانية فراسخ)، وعليه ان يقسم هذه المسافة الى قسمين ، الاول للذهاب والاخر للاياب في ذلك اليوم ، ونسي هذا المعمم ان الله سبحانه قد قال في سورة ال عمران / 54 : ((ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)). وكذلك نسي ان السورة نفسها قد بينت الرخصة الصحيحة.(2)

قال سبحانه: ((وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) ومعنى هذه الاية كما ذكرها الكثير من الفقهاء والمفسرين هو:

جاء في (رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 3 - ص 55 ):

(( ... ومن بلغ من الهرم إلى حد يتعذر معه الصوم فلا صيام عليه ولا كفارة ، وإذا أطاقه لكن بمشقة شديدة يخشى المرض منها والضرر العظيم كان له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من طعام .

وكذلك الشباب إذا كابد العطاش الذي لا يرجى شفاؤه ، فإن كان العطش عارضا " يتوقع زواله أفطر ولا كفارة تلزمه ، وإذا برئ وجب عليه القضاء .

والحامل والمرضع إذا خافتا ولديهما من الصوم الضرر أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد من طعام)) .

وجاء في ( الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 - ص 116):

(( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين " قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش ، وعن قوله عز وجل : " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " قال : من مرض أو عطاش )).

و في (منهاج الصالحين - السيد السيستاني - ج 1 - ص 334):

(( وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص : منهم الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا تعذر عليهم الصوم ، وكذلك إذا كان حرجا ومشقة ولكن يجب عليهم حينئذ الفدية عن كل يوم بمد من الطعام ، والأفضل كونها من الحنطة ، بل كونها مدين ، بل هو أحوط استحبابا ، والظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ والشيخة إذا تمكنا من القضاء ، والأحوط الأولى لذي العطاش القضاء مع التمكن ومنهم الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد ، وعليهما القضاء بعد ذلك ، كما أن عليهما الفدية أيضا ، ولا يجزئ الاشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها )).

وجاء في (صحيح البخاري - البخاري - ج 2 - ص 238):

(( وقال ابن نمير حدثنا الأعمش حدثنا عمرو ابن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم فأمروا بالصوم )) . (3)

وفي (مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 5 - ص 246 ):

(( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه قال ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام )).

اذن ،قد بين سبحانه لنا الرخصة الشرعية للافطار لغير المريض والمسافر ، ولا داع للحيلة الشرعية ، اذ قال : ((وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) وقد بين الرسول ومن بعده الفقهاء في كتبهم من هم الذين يطيقونه الا انهم لا يصومون ، وهم :

- كبير السن .

- ذو العطاش الذي لا يرجى شفاؤه ، و ذو العطش العارض.

- الذي يجد في صيامه مشقة.

- الحامل والمرضعة.

فذو العطاش العارض – كما في ايامنا هذه – وكذلك ،الذي يرى في صيامه مشقة، عليهما الافطار ومن ثم القضاء او الكفارة حسب ما حددته الروايات اعلاه.

فماذا نقول لهذا المعمم الذي يعلّم المؤمنين الحيلة؟ لا نقول له الا ما قاله الله سبحانه: ((ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين )).

‏الاحد‏، 31‏ تموز‏، 2011

الهوامش:

1 - القاموس الفقهي - الدكتور سعدي أبو حبيب - ص 218.

2 – ونسي – كذلك - هذا المعمم ان المشقة التي ستحصل لهذا السائل عند سفره اكثر مما لو بقي في داره وصام يومه ، لان في السفر مشقة ما بعدها مشقة ، خاصة في ايام ارتفاع درجة حرارة الجو في بلدان المسلمين.

ونسي - كذلك - النية والقصد من السفر ، هل على المؤمن ان يضع في قصده انه يسافر لاجل الافطار ؟ واي سفر هذا؟ انه كذب على الله ، والله سبحانه يقول : ((فإنه يعلم السر وأخفى )). [طه : 7 ]

3 - في حديث اخر ينقله البخاري ، جاء فيه: ((... عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان ان يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينا فمن شهد منكم الشهر فليصمه)). (صحيح البخاري - البخاري - ج 5 - ص 155 .).