الاثنين، 16 أبريل 2012

الثقل الابداعي للقصيدة العربية

الثقل الابداعي للقصيدة العربية

داود سلمان الشويلي

كثيرا ما نقرأ القصيدة – أي قصيدة – وتعجبنا أي اعجاب فنسأل انفسنا ، او لنقل ذائقتنا النقدية ، او ذائقتنا الاعجابية ، ما الذي اعجبنا فيها ؟ فيأتي الجواب – ربما – سريعا: انه البيت الفلاني او الفكرة الفلانية او ما فيها – جميعا – من نظرة مأساوية او مفرحة ، او ... الخ .

ومن الاجابات السريعة : اعجبتني . افرحتني . احزنتني . حركت في نفسي (كذا) من المشاعر . اجابات كثيرة ، الا انها عامة .

ان السطور السابقة ليست من باب وضع نظرية خاصة لما يسمى في النقد الحديث (استجابة القاريء) ولا هي اجابة لسؤال : كيف تتذوق الشعر؟ وانما هي استجابة لسؤال طرحته على ذائقتي النقدية ، هو : ماذا اعجبك بقصيدتي الفرزدق وجرير ؟ ولهذا كتبت هذه السطور ،

ان ما كتبته هنا اسميته (الثقل الابداعي للقصيدة ) أي لو وزنا القصيدة فأننا سنجدها مبنية على بيت واحد هو الذي دارت حوله فكرة –افكار- القصيدة بأجمعها ، وارى ان الذي دعانا للاعجاب بهذه القصيدة او تلك ، ودون شعور ، هو هذا البيت ، اما القصيدة فهي عبارة عن ابيات جاءت تحف بهذا البيت ، او تدور حوله ، او تنوع لصوره .

***

جرير والفرزدق:

هما شاعران معروفان ، ومهما كتبت عنهما لا افيهم حقهما ، الا انني اذكر :

جرير:

(28 - 110 هـ / 648 - 728 م)

هو: جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، أبو حزرة، من تميم.

أشعر أهل عصره، ولد ومات في اليمامة، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفردق والأخطل. كان عفيفاً، وهو من أغزل الناس شعراً.(1)

***

الفَرَزدَق:

(( ...(38 - 110 هـ / 658 - 728 م).

هو :همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس.

شاعر من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة.

وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر أبيه.

توفي في بادية البصرة، وقد قارب المئة .)).(2)

وقال الفرزدق: ((أنا عند الناس أشعرُ العرب، ولرُبَّما كان نزْعُ ضِرسٍ أيسرَ عليَّ من أن أقول بيت شعر )).(3)

لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. ومعنى الفرزدق ((جمع فرزدقة وهو قطع العجين غير مخبوزة ويقال بل الرغيف فرزدقة ويقال إنه فتات الخبز.)).(4)

وجاء في(الحلل في اصلاح الخلل في كتاب الجمل)

((واختلف كلام ابن قتيبة في تلقيبه بالفرزدق:

فقال في أدب الكتاب: الفرزدق: قطع العجين، واحدها فرزدقة، وهو لقب له؛ لأنه كان جهم الوجه.!

وقال في كتاب طبقات الشعراء: إنما لقب بالفرزذق لغلظه وقصره، شبه بالفتيتة التي تشربها النساء، وهي الفرزدقة.

والقول الأول أصح؛ لأنه كان أصابه جدري في وجهه، ثم برئ منه، فبقى وجهه جهماً)).(5)

***

قالوا عن الفرزدق :

قال صاحب(الاغاني)

(( قال ابن سلام: وقال ابن دأب: الفرزدق أشعر عامةً وجرير أشعر خاصةً. وقال أبوعبيدة: كان أبو عمرو يشبه جريراً بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة، قال أبو عبيدة: يحتج من قدم جريراً بأنه كان أكثرهم فنون شعر، وأسهلهم ألفاظاً، وأقلهم تكلفاً، وأرقهم نسيباً، وكان ديناً عفيفاً. وقال عامر بن عبد الملك: جرير كان أشبههما وأنسبهما.

ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني: قال خالد بن كلثوم: ما رأيت أشعر من جرير والفرزدق)).(6)

وقال(( النُّميري:

يا صاحِبيّ دنا الرّواح فسِيرا غَلَبَ الفَرَزْدَقُ في الهجاءِ جريرا)).(7)

وقال المبرد : ((وقيل لبشر بن مروان: أيُّما أشعر، جرير أم الفرزدق أم الأخطل؟ فقال: والله ما كان الأخطل مثلهما، ولكن أبت ربيعة إلا أن تجعله ثالثاً، قال: أجرير أم الفرزدق؟ فقال: إن جريراً سلك أساليب من الشعر لم يسلكها الفرزدق، ولقد ماتت النوار وكانوا ينوحون عليها بشعر جرير. وكان الأصمعي يقول: قال أبو عمرو بن العلاء: الأخطل ثم الفرزدق ثم جرير، وكان أبو عبيدة يقول بمثل قول أبي عمرو. ويروى أن الفرزدق قال للنوار: أنا أشعر أم جرير؟ قالت: إنك لشاعر وإن جريراً والله لشاعر، قال لها: أتُقسمين على جرير! قالت: إنه والله غلبك على حُلوه وشاركك في مُرّه. وسئل ابن دأب عن جرير والفرزدق فقال:

الفرزدق أشعر عامة وجرير أشعر خاصة. وسئل يونس بن حبيب عنهما فقال أبو عبيدة للسائل: أنا أخبرك عنه، الفرزدق أشعر. )).(8)

***

القصيدتان :

1- قصيدة جرير:

هي قصيدة رثاء ، يرثي زوجته (( خالدة بنت سعيد بن أوس بن معاوية بن خلف بن بجاد بن معاوية بن أوس بن كليب، وهي أم حزرة وكان جرير يسمي هذه القصيدة الجوساء - وقيل الحوساء - لذهابها في البلاد.)). (9)

لولا الحياء

جرير يرثي امرأته أمّ حَزْرة:

لولا الحياءُ لـــــهاجَني استعبارُ ولزُرتُ قبركِ والحبيبُ يُزارُ

وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظــــرَةٍ في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ

فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظــرَةً وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدرارُ

وَلَّهتِ قَلبي إِذ عَلَتني كَــــبرَةٌ وَذَوُو التَمائِمِ مِن بَنيكِ صِغارُ

أرعَى النُّجومَ وقد مضتْ غَورِيَّةٌ عُصَـبُ النُّجوم كأنَّهنَّ صِوارُ

نِعمَ القَرينُ وَكُنتِ عِــلقَ مَضِنَّةٍ وارى بِنَعفِ بُلَيَّـــــةَ الأَحجارُ

عَمِرَت مُكـَرَّمَةَ المَساكِ وَفارَقَت مـــــــا مَسَّها صَلَفٌ وَلا إِقتارُ

فسقَى ثرَى جدثٍ ببُرقة ضاحكٍ هـــــزِمٌ أجشُّ وديمةٌ مـــِدرارُ

هَزِمٌ أَجَــشُّ إِذا اِستَحارَ بِبَلدَةٍ فَكَأَنَّما بِجِوائِها الأَنـــــــــــهارُ

متراكب زجِـلٌ يُضيءُ وميضُهُ كالبُلقِ تحت بطونها الأمـهارُ

كانتْ مُكارمةَ العَشير ولـم يكنْ يخشَى غوائلَ أمّ حَزْرةَ جـارُ

ولقد أراكِ كُسيتِ أجــملَ منظرٍ ومع الجَمالِ سكينةٌ ووقــــارُ

وَالريــــحُ طَيِّبَةٌ إِذا اِستَقبَلتِها وَالعِرضُ لا دَنِسٌ وَلا خَوّارُ

وَإِذا سَـرَيتُ رَأَيتُ نارَكِ نَوَّرَت وَجهاً أَغَرَّ يَزينُهُ الإِسفارُ

صــلَّى الملائكةُ الَّذين تُخيِّروا والمُصطفونَ عليك والأبرارُ

وعليكِ مـن صلواتِ ربّك كلَّما ضجَّ الحجيجُ ملبِّينَ وغاروا

يا نظرة لك يوم هاجـتْ عبرةً مِن أُمّ حَـرزة بالنُّميرةِ دارُ

تحيي الرَّوامـسُ ربعَها فتجدُّهُ بعد البــلَى وتُميتُهُ الأمطارُ

وَكَأَنَّ مَنزِلَةً لَـــها بِجُلاجِلٍ وَحيُ الزَبورِ تُجِدُّهُ الأَحبارُ

لا تُكثِرَنَّ إِذا جَعَلتَ تَــلومُني لا يَذهَبَنَّ بِحِلمِكَ الإِكثارُ

كانَ الخليطُ همُ الخليطُ فأصبحوا مُتبدِّلين وبالدِّيار ديـــارُ

لا يلبثُ القُرنــــاءُ أنْ يتفرَّقوا ليلٌ يــــكرُّ عليهمُ ونهارُ

أَفَأُمَّ حَزرَةَ يا فــــَرَزدَقُ عِبتُم غَضِبَ المَليكُ عَلَيكُمُ القَهّارُ

كانَت إِذا هَــجَرَ الحَليلُ فِراشَها خُزِنَ الحَديثُ وَعَفَّتِ الأَسرارُ

لَيسَت كَأُمِّكَ إِذ يَعَضُّ بِقُــرطِها قَينٌ وَلَيسَ عَلى القُرونِ خِمارُ

سَنُثيرُ قَينَكُمُ وَلا يوفى بِــــها قَينٌ بِقارِعَةِ المِقَرِّ مُثارُ

وُجِدَ الكَتيفُ ذَخيرَةً في قـــَبرِهِ وَالكَلبَتانِ جُمِعنَ وَالميشارُ

يَبكي صَداهُ إِذا تَهَزَّمَ مِرجَـــلٌ أَو إِن تَثَلَّمَ بُرمَةٌ أَعشارُ

رَجَفَ المِقَرُّ وَصاحَ فــي شَرقِيِّهِ قَينٌ عَلَيهِ دَواخِنٌ وَشَرارُ

قَتَلَت أَباكَ بَنــــو فُقَيمٍ عَنوَةً إِذ جُرَّ لَيسَ عَلى أَبيكَ إِزارُ

حَدراءُ أَنكَـــرَتِ القُيونَ وَريحَهُم وَالحُرُّ يَمنَعُ ضَيمَهُ الإِنكارُ

لَــــمّا رَأَت صَدَأَ الحَديدِ بِجِلدِهِ فَاللَونُ أَورَقُ وَالبَنانُ قِصارُ

قالَ الفَرَزدَقُ رَقِّـــعي أَكيارَنا قالَت وَكَيفَ تُرَقَّعُ الأَكيارُ

رَقِّع مَتاعَكَ إِنَّ جَدّي خـــالِدٌ وَالقَينُ جَدُّكَ لَم تَلِدكَ نِزارُ

وَسَمِعتُها اِتَّصَلَت بِذُهلٍ إِنَّـــهُم ظَلَموا بِصِهرِهِمُ القُيونَ وَجاروا

دَعَتِ المُصَوِّرَ دَعوَةً مَسموعَةً وَمَعَ الدُعاءِ تَضَرُّعٌ وَحِذارُ

عاذَت بِرَبِّكَ أَن يَكـونَ قَرينُها قَيناً أَحَمَّ لِفَسوِهِ إِعصارُ

أَوصَـــت بِلائِمَةٍ لِزيقٍ وَاِبنِهِ إِنَّ الكَريمَ تَشينُهُ الأَصهارُ

إِنَّ الفَضيحَةَ لَــو بُليتِ بِقَينِهِم وَمَعَ الفَضيحَةَ غُربَةٌ وَضِرارُ

هَلّا الزُبَيرَ مَنَعــتَ يَومَ تَشَمَّسَت حَربٌ تَضَرَّمُ نارُها مِذكارُ

وَدَعا الزُبَيرُ فَما تَحَرَّكَتِ الحُبى لَو سُمتَهُم جُحَفَ الخَزيرِ لَثاروا

غَـــرّوا بِعَقدِهِمُ الزُبَيرَ كَأَنَّهُم أَثوارُ مَحرَثَةٍ لَهُنَّ خُوارُ

وَالصِمَّتَينِ أَجَــــرتُمُ فَغَدَرتُمُ وَاِبنُ الأَصَمِّ بِحَبلِ بَيبَةَ جارُ

أَخزاكَ رَهطُ اِبنِ الأَشَدِّ فَأَصبَحَت أَكبادُ قَومِكَ ما لَهُنَّ مَرارُ

باتَت تُكَلَّتُ ما عَلِمــــتَ وَلَم تَكُن عونٌ تُكَلَّفُهُ وَلا أَبكارُ

سَبّوا الحِمارَ فَسَوفَ أَهجو نِسوَةً لِلكيرِ وَسطَ بُيوتِهِنَّ أُوارُ

إِنَّ الفَرَزدَقَ لَن يُزاوِلَ لُؤمَــهُ حَتّى يَزولَ عَنِ الطَريقِ صِرارُ

فيمَ المِراءُ وَقَد سَبَقتُ مُـجاشِعاً سَبقاً تَقَطَّعُ دونَهُ الأَبصارُ

قَضَتِ الغَطارِفُ مِن قُرَيشٍ فَاِعتَرِف يا اِبنَ القُيونِ عَلَيكَ وَالأَنصارُ

هَل في مِئينَ وَفي مِئينَ سَبَقتُها مَدَّ الأَعِنَّةِ غايَةٌ وَحِضارُ

كَذَبَ الفَرَزدَقُ إِنَّ عودَ مُجاشِعٍ قَصِفٌ وَإِنَّ صَليبَهُم خَوّارُ

وَإِذا بَطِنتَ فَأَنتَ يا اِبنَ مُجاشِعٍ عِندَ الهَوانِ جُنادِفٌ نَثّارُ

سَعدٌ أَبَوا لَكَ أَن تَفي بِجِوارِهِم أَو أَن يَفي لَكَ بِالجِوارِ جِوارُ

قَد طالَ قَرعُكَ قَبلَ ذاكَ صَفاتَنا حَتّى صَمِمتَ وَفُلِّلَ المِنقارُ

يا اِبنَ القُيونِ وَطالَما جَرَّبتَني وَالنَزعُ حَيثُ أُمِرَّتِ الأَوتارُ

ما في مُعاوَدَتي الفَرَزدَقَ فَاِعلَموا لِمُجاشِعٍ ظَفَرٌ وَلا اِستِبشارُ

إِنَّ القَصائِدَ قَد جَدَعنَ مُجاشِعاً بِالسُمِّ يُلحَمُ نَسجُها وَيُنارُ

وَلَقوا عَواصِيَ قَد عَيِيتَ بِنَقضِها وَلَقَد نُقِضتَ فَما بِكَ اِستِمرارُ

قَد كانَ قَومُكَ يَحسَبونَكَ شاعِراً حَتّى غَرِقتَ وَضَمَّكَ التَيّارُ

نَزَعَ الفَرَزدَقُ ما يَسُرُّ مُجاشِعاً مِنهُ مُراهَنَةٌ وَلا مِشوارُ

قَصُرَت يَداكَ عَنِ السَماءِ فَلَم يَكُن في الأَرضِ لِلشَجَرِ الخَبيثِ قَرارُ

أَثنَت نَوارُ عَلى الفَرَزدَقِ خَزيَةً صَدَقَت وَما كَذَبَت عَلَيكَ نَوارُ

إِنَّ الفَرَزدَقَ لا يَزالُ مُقَنَّعاً وَإِلَيهِ بِالعَمَلِ الخَبيثِ يُشارُ

لا يَخفَيَنَّ عَلَيكَ أَنَّ مُجاشِعاً لَو يُنفَخونَ مِنَ الخُؤورِ لَطاروا

قَد يُؤسَرونَ فَما يُفَكَّ أَسيرُهُم وَيُقَتَّلونَ فَتَسلَمُ الأَوتارُ

وَيُفايِشونَكَ وَالعِظامُ ضَعيفَةٌ وَالمُخُّ مُمتَخَرُ الهُنانَةِ رارُ

نَظَروا إِلَيكَ وَقَد تَقَلَّبَ هامُهُم نَظَرَ الضِباعُ أَصابَهُنَّ دُوارُ

قُرِنَ الفَرَزدَقُ وَالبَعيثُ وَأُمُّهُ وَأَبو الفَرَزدَقِ قُبِّحَ الإِستارُ

أَضحى يُرَمِّزُ حاجِبَيهِ كَأَنَّهُ ذيخٌ لَهُ بِقَصيمَتَينِ وِجارُ

لَيسَت لِقَومي بِالكَتيفِ تِجارَةٌ لَكِنَّ قَومي بِالطِعانِ تِجارُ

يَحمي فَوارِسيَ الَّذينَ لِخَيلِهِم بِالثَغرِ قَد عَلِمَ العَدُوُّ مُغارُ

تَدمى شَكائِمُها وَخَيلُ مُجاشِعٍ لَم يَندَ مِن عَرَقٍ لَهُنَّ عِذارُ

إِنّا وَقَينُكُمُ يُرَقِّعُ كيرَهُ سِرنا لِنَغتَصِبَ المُلوكَ وَساروا

عَضَّت سَلاسِلُنا عَلى اِبنَي مُنذِرٍ حَتّى أَقَرَّ بِحُكمِنا الجَبّارُ

وَاِبنَي هُجَيمَةَ قَد تَرَكنا عَنوَةً لِاِبنَي هُجَيمَةَ في الرِماحِ خُوارُ

وَرَئيسُ مَملَكَةٍ وَطِئنَ جَبينَهُ يَغشى حَواجِبَهُ دَمٌ وَغُبارُ

نَحمي مُخاطَرَةً عَلى أَحسابِنا كَرُمَ الحُماةُ وَعَزَّتِ الأَخطارُ

وَإِذا النِساءُ خَرَجنَ غَيرَ تَبَرُّزٍ غِرنا وَعِندَ خُروجِهِنَّ نَغارُ

وَمُجاشِعٌ فَضَحوا فَوارِسَ مالِكٍ فَرَبا الخَزيرُ وَضُيِّعَ الأَدبارُ

أَغمامَ لَو شَهِدَ الوَقيطَ فَوارِسي ما قيدَ يُعتَلُ عَثجَلٌ وَضِرارُ

يا اِبنَ القُيونِ وَكَيفَ تَطلُبُ مَجدَنا وَعَلَيكَ مِن سِمَةِ القُيونِ نِجارُ

***

قصيدة الفرزدق :

جاءت هذه القصيدة ردا على سؤال طرح في وقت ما وفي زمن ما ومن شخصية معروفة عن شخصية معروفة ايضا ، الا ان السائل اراد انكاره مما شاهده من اكبار للناس لهذه الشخصية ، انها قصيدة مدح وتعريف بشخصية .

السائل : هو : هشام بن عبد الملك ابن الخليفة الاموي المعروف عبد الملك .

المكان : بيت الله ، اثناء مناسك الحج .

الزمان : عهد الدولة الاموية .

المسؤول عنه : هو الامام عليّ بن الحسين بن علي السجاد. (10)

المجيب : الشاعر الفرزدق .

تذكر كتب الاخبار:

((وقيل: إنه لما حج هشام في أيام أبيه طاف بالبيت وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أهل لشام. فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟

فقال هشام: لا أعرفه! مخافة أن يرغب فيه أهل الشام. وكان أبو فراس الفرزدق حاضراً فقال: أنا والله أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس، فقال ( القصيدة)

فلما سمع هشام ذلك غضب وحبس الفرزدق، فأنفذ له زين العابدين رضي الله عنه، اثني عشر ألف درهم، فردها وقال: مدحته لله لا للعطاء والصلات. فقال زين العابدين: إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نعود فيه. فقبلها الفرزدق.)).(11)

***

هذا الذي

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا

وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم

كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان: حسن الخلق والشيم

حمال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم

ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم

عم البرية بالإحسان فانقشعت عنها الغياهب والإملاق والعدم

إذا رأته قريش قال قائلها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يغضى حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم

بكفه خيزران ريحه عبقٌ من كف أروع في عرنينه شمم

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

الله شرفه قدماً وعظمه جرى بذاك له في لوحه القلم

أي الخلائق ليست في رقابهم لأولية هذا أوله نعم

من يشكر الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الإسلام والعجم

من جدُّه دان فضل الأنبياء له وفضل أمته دانت له الأمم

مشتقة من رسول الله نبعته طابت مفارزه والخيم والشيم

ينشق ثوب الدجى من نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

من معشر حبهم دين وبغضهمو كفر وقربهم منجى ومعتصم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدم

لا ينقص العسر بسطاً من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا

يستدفع الشروالبلوى بحبهم ويسترقُّ به الإحسان والنعم (12)

***

جاء في كتب الاخبار :

(( قال المدائني في خبره هذا وحدثني أبو يعقوب الثقفي عن الشعبي: أن الفرزدق خرج حاجاً، فلما قضى حجه عدل إلى المدينة فدخل إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام فسلم.

فقالت له: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت! أشعر منك الذي قال:

بنفسي من تجنبه عـــزيزٌ علي ومن زيارته لمــام

ومن أمسي وأصبح لا أراه ويطرقني إذا هجع النيام

فقال: والله لو أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. قالت: أقيموه فأخرج ثم عاد إليها من الغد.

فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس. قال: أنا. قالت: كذبت! صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:

لولا الحياء لعــادني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار

كانت إذا هجر الضجيع فراشها كتم الحديث وعفت الأســرار

لا يلبث القرنــاء أن يتفرقوا ليلٌ يـــــكر عليهم ونهار

فقال: والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه، فأمرت به فأخرج. ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولداتٌ لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها وبهت ينظر إليها. فقالت له سكينة: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت:

كذبت! صاحبك أشعر منك حيث يقول:

إن العيون التي فــي طرفها مرضٌ قتلننا ثم لــم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا )) . (13)

ويذكر صاحب الصناعتين :

(( والمقدّم في صنعة الكلام هو المستولى عليه من جميع جهاته، المتمكّن من جميع أنواعه، وبهذا فضّلوا جريراً على الفرزدق. وقالوا: كان له في الشعر ضروب لا يعرفها الفرزدق.

وماتت امرأته النّوار فناح عليها بشعر جرير:

لولا الحياءُ لها جنِى استعبارُ ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يزارُ

وكان البحتريّ يفضّل الفرزدق على جرير، ويزعم أنه يتصرّف من المعاني فيما لا يتصرّف فيه جرير، ويورد منه في شعره في كلّ قصيدة خلاف ما يورده في الأخرى. قال: وجريريكرّر في هجاء الفرزدق ذكر الزبير، وجعثن، والنوار وأنه قينُ مجاشع. لا يذكر شيئاً غيرهذا.

وسئل بعضهم عن أبي نواس ومسلم، فذكر أن أبا نواس أشعر، لتصرفه في أشياء من وجوه الشعر وكثرة مذاهبه فيه، قال: ومسلم جار على وتيرة واحدة لا يتغيّر عنها.

وأبلغُ من هذه المنزلة أن يكون في قوة صائغ الكلام أن يأتي مرّة بالجزل، وأخرى بالسهل، فيلين إذا شاء، ويشتدّ إذا أراد. ومن هذا الوجه فضّلوا جريراً على الفرزدق، وأبا نواس على مسلم. )).(14)

(( وقيل لبشار: من أشعر الثلاثة؟ فقال: لم يكن الأخطل مثلهما، ولكن ربيعة تعصبت له وأفرطت فيه، وكان لجرير ضروب من الشعر لا يحسنها الفرزدق. ولقد ماتت النوار فكانوا ينوحون عليها بشعر جرير، الذي رثى به أم حرزة، وهو:

لولا الحياء لعــــادني استعبار ولزرت قبرك، والحبيب يزارُ

ولقد أراكِ كسيت أجمل منظرٍ ومع الجمال سكينةٌ ووقــارُ

لا يلبثُ القرناء إن يتفرقـوا ليلٌ يكرُّ عليهمُ ونــــهارُ)). (15)

***

اين الثقل الابداعي ؟

لو تفحصنا قصيدة جريرالتي يرثي بها زوجته التي كان يحبها ، وحسب ذائقتي النقدية ، اوذائقتي الاعجابية ، ان الثقل الابداعي في هذه القصيدة هو بيت ، اما ما تبقى منها فهو ما دار حوله ، أي ان هذا البيت هو قطب الرحى .

يقول :

فلقد أراكِ كُسيتِ أجملَ منظرٍ ومع الجَمالِ سكينةٌ ووقارُ

في هذا البيت يظهر ان جوا سكونيا يلفها ، فهناك الموت واجوائه السكونية ، وهناك الجمال والوقار اللذين تلفهما السكينة، فالسكون هو عالم مسيطر على الجو العام الذي يلف القصيدة ، وهو عالم الموت الذي لف الزوجة بأجوائه .

فالشاعر – الزوج المفجوع يرى تحت الكفن جمال ، ويرى كذلك الوقار الذي كان يلفه في حياتها وهو الان اثناء الموت يلفها ايضا ، انها – حسب نظرة الشاعر / الزوج المفجوع اجمل ما راه .

اما ما تبقى من القصيدة فهو زائد عن الحاجة ، ذلك لان القصيدة حذت حذو ما قبلها من قصائد بوجود مقدمة استهلالية، بالنسبة للابيات التي تقدمت على هذا البيت ، علما اننا لا نعرف العدد الاصلي لابيات القصيدة فالروايات لها تختلف بهذا الجانب ، اما الابيات التي جاءت بعد هذا البيت فهي تنوع للحزن الذي لف الشاعر .

واذا كانت المقدمة الطللية قد استهلت بها القصيدة الجاهلية ، فأن هذه القصيدة وغيرها عند اكثر من شاعر قد استخدمت ظواهر الطبيعة كالمطر والرعد اجواء استهلالية، ما زجتها بما تحمل احاسيس الشاعر / الزوج من مشاعر جياشة تجاه الموت ، وموت زوجته خاصة .

ارى ان ما ثبت في الديوان من قصيدة ذات 82 بيت ليس صحيحا ، وانما الصحيح من القصيدة هو ما ثبته صاحب ( الاشياه والنظائر) والتي جاءت بـ 13 بيتا ، اضافة لما اضافه صاحب (الحماسة البصرية ) من بيت يقول :

كانَتْ إذا هَجَر الضَّجِيعُ فِراشَها صِينَ الحَدِيثُ وعَفَّتِ الأَسْرارُ

والقصيدة التي ذكرها صاحب ( الاشياه والنظائر) هي :

لولا الحياءُ لهاجَني استعبارُ ولزُرتُ قبركِ والحبيبُ يُزارُ

فسقَى ثرَى جدثٍ ببُرقة ضاحكٍ هزِمٌ أجشُّ وديمةٌ مِدرارُ

متراكمٌ زجِلٌ يُضيءُ وميضُهُ كالبُلقِ تحت بطونها الأمهارُ

صلَّى الملائكةُ الَّذين تُخيِّروا والمُصطفونَ عليك والأبرارُ

فلقد أراكِ كُسيتِ أجملَ منظرٍ ومع الجَمالِ سكينةٌ ووقارُ

فعليكِ من صلواتِ ربّك كلَّما ضجَّ الحجيجُ ملبِّينَ وغاروا

كانتْ مُكارمةَ العَشير ولم يكنْ يخشَى غوائلَ أمّ حَزْرةَ جارُ

ولَّهتِ قلبِي إذ عَلَتْني كبرةٌ وذَوو التَّمائمِ من بَنيكِ صغارُ

أرعَى النُّجومَ وقد مضتْ غَورِيَّةٌ عُصَبُ النُّجوم كأنَّهنَّ صِوارُ

يا نظرة لك يوم هاجتْ عبرةً مِن أُمّ حَزْرة بالنُّميرةِ دارُ

تُحيي الرَّوامسُ ربعَها فتجدُّهُ بعد البلَى وتُميتُهُ الأمطارُ

كانَ الخليطُ همُ الخليطُ فأصبحوا مُتبدِّلين وبالدِّيار ديارُ

لا يلبثُ القُرناءُ أنْ يتفرَّقوا ليلٌ يكرُّ عليهمُ ونهارُ

اما ما تبقى من ابيات كثار عن الفرزدق الشاعر والزبير فلا علاقة له بأجواء القصيدة ، بل ارى انه دخيل عليها .

***

قصيدة الفرزدق:

اما لو قرأنا قصيدة الفرزدق فأن قطب الرحى فيها هو :

ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم

مدار هذا البيت هو لفظة (لا) التي تعني النفي ، فالشخص الممدوح (علي بن الحسين السجاد) يتصف بهذه الصفة دون سائر الناس ، فهو لا يلفظ هذه اللفظة عندما يسأل ، واذا لفظها لسبب ما فهي لا تأخذ المعنى نفسه – النفي ، وانما تعني الايجاب ، الا ان هذه اللفظة تأخذ معناها الاصلي في موضع واحد وهو عندما يلفظ الشهادة ، عندما يقول لا اله الا الله .

ولو عدنا للقصيدة ذاتها ، فأن كل الابيات المتبقية والتي اختلف عدد ابياتها حسب اختلاف الروايات فأنها مدح عادي .(16)

***

أيظن

قصيدة نزار قباني

أيظن أني لعبة بيديه؟

أنا لا أفكر في الرجوع إليه

اليوم عاد كأن شيئا لم يكن

وبراءة الأطفال في عينيه

ليقول لي : إني رفيقة دربه

وبأنني الحي الوحيد لديه

حمل الزهور إليّ .. كيف أرده

وصباي مرسوم على شفتيه

ما عدت أذكر .. والحرائق في دمي

كيف التجأت أنا إلى زنديه

خبأت رأسي عنده .. وكأنني

طفل أعادوه إلى أبويه

حتى فساتيني التي أهملتها

فرحت به .. رقصت على قدميه

سامحته .. وسألت عن أخباره

وبكيت ساعات على كتفيه

وبدون أن أدري تركت له يدي

لتنام كالعصفور بين يديه ..

ونسيت حقدي كله في لحظة

من قال إني قد حقدت عليه؟

كم قلت إني غير عائدة له

ورجعت .. ما أحلى الرجوع إليه ..

هي قصة بثوب شعري كغالب قصائد قباني الغزلية ، وهي من قصائد السهل الممتنع كما يقول نقادنا العرب القدماء كباقي شعر نزار. فهو يروي لحظة لقاء فتاة لحبيب سابق كان ان تركها ثم عاد اليها ، فماذا تفعل ؟ الا انها تضعف في تلك اللحظة اما هذا الحبيب الذي جعل منها لعبة .

الا ان البيت الثالث عشر هو محور هذه القصة – القصيدة .

حتى فساتيني التي أهملتها

فرحت به .. رقصت على قدميه

فهذا البيت يصور لنا حالة الجفاء التي كانت بينهما عندما تركها الحبيب، فعندما نسأل لماذا اهملت الفساتين ؟ فأننا نعرف بداهة ان السبب هو الجفاء في علاقة الحب بينهما ، الا ان هذه الفساتين التي كانت متروكة في مكان ما بأهمال قد فرحت ورقصت عند قدمي المحبوب عندما عاد مرة اخرى .

لنتساءل : لماذا رقصت هذه الفساتين ( والبيت يوحي بأن الفتاة قد غيرت اكثر من مرة فساتينها اثناء اللقاء لفرحها يه ) على قدمي الحبيب ؟

ان قاريء شعر نزار قباني يصدمه شيء فيه ، وهو امتهان المرأة . خاصة الحبيبة ، والامثلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا ، الا ان هذا البيت يختصر هذه السلبية من قبل المرأة – الحبيبة وهذا الامتهان لها من قبل الرجل – الحبيب ، حنى وصل الحال بالفساتين ان ترقص على قدميه لا في مكان اخر اكثر احتراما او اكثر شوقا .

***

الهوامش:

1- حسب تعريف قرص الشعر.

2- حسب تعريف قرص الشعر.

3- البيان والتبيين.

4- المبهج في تفسير اسماء شعراء الحماسة – ابن جني.

5- الحلل في اصلاح الخلل في كتاب الجمل.

6- الاغاني.

7- التذكرة الفخرية.

8- الفاضل في اللغة والادب – المبرد.

9- منتهى الطلب في اشعار العرب – القصيدة طويلة تكمل.

10- هو: (( علي بن الحسين - زين العابدين ( عليه السلام ) كنيته أبو محمد ، أمه شاهزنان بنت كسرى بن يزدجر بن شهريار ، ولد يوم الخميس الخامس من شعبان 38 ه‍ قبل استشهاد جده أمير المؤمنين بستين. )). انظر: ((الإمام الحسين عليه السلام - الحاج حسين الشاكري ص 7)).

11- (اعلام الناس بما وقع للبرامكة )وكذلك: (الجليس الصالح الكافي) وكذلك: الحماسة المغربية)وكذلك : (المحاسن والمساوئ)وكذلك: (المستجاد من فعلات الاجواد) و(ثمرات الاوراق في المحاضرات)و( مراة الجنان وعبرة اليقظان ).

12- ( وللقصيدة روايات اخري جمعتها في بناء واحد :

هذا سليلُ حُسين وابنِ فاطمةٍ بنتِ الرَّسولِ الَّذي انجابَتْ بهِ الظُّلَمُ

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا عليُّ رسولُ الله والدهُ أمستْ بنورِ هداهُ تهتدي الأممُ

هذا الذي عمهُ الطيارُ جعفرُ والمقتولُ حمزةُ ليثٌ حبهُ قسمُ

هذا ابنُ فاطمةَ الغراءَ ويحكمُ وابنُ الوصيّ الذي في سيفهِ النقمُ

هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهلهُ هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلهمُ

هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

في كفه خيزران ريحه عبقٌ من كف أروع في عرنينه شمم

يغضى حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم

ينشق نور الهدى من نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم

مشتقة من رسول الله نبعته طابت مفارزه والخيم والشيم

ينجاب نور الهدى عن نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظُّلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا

الله شرفه قدماً وعظمه جرى بذاك له في لوحه القلم

من جدُّه دان فضل الأنبياء له وفضل أمته دانت له الأمم

وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم

كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان: حسن الخلق والشيم

لا يخلف الوعد ميمونٌ نقيبته رحب الفناء أريبٌ حين يعتزم

حمال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم

ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم

عم البرية بالإحسان فانقشعت عنها الغياهب والإملاق والعدم

من معشر حبهم دين وبغضهمو كفر وقربهم منجى ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويسترقُّ به الإحسان والنعم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدم

لا ينقص العسر بسطاً من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم

يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم خلق كريم وأيد بالندى هضم

أي الخلائق ليست في رقابهم لأولية هذا أوله نعم

من يعرف الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم

13-الاغاني.

14- الصناعتين.

15- المذاكرة في القاب الشعراء.

16- انظر : (اعلام الناس بما وقع للبرامكة )و (الجليس الصالح الكافي) و (الحماسة المغربية).

المرجع والمصادر:

آ – الكتب المطبوعة :

1 - البيان والتبيين/ ط3 – الجاحظ – تح : عبد السلام محمد هارون – مؤسسة الخانجي – القاهرة – د0ت0

2 – التعليقات والنوادر – ابو علي هارون بن زكريا الهجري – تح : د 0 حمود عبد الامير الحمادي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1987 0

3 – الرواية التاريخية / ط2 – جورج لوكاش – ت : د0 صالح جواد كاظم – دار الشؤون الثقافية العامة – العراق – 1986 0

4 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – ط2– د 0 مصطفى الشكعة – دار العلم للملايين – بيروت – 1975 0

5 – الشعر العراقي في القرن السادس الهجري – مزهر عبد السوداني – دار الرشيد للنشر – بغداد – 1980 0

6 – العراق في التاريخ – مجموعة كتاب – دار الحرية للطباعة – بغداد – 1983 0

7 – مختار الصحاح – محمد بن ابي بكر الرازي – دار الكتاب العربي – بيروت – د0ت0

8 – معجم النقد العربي القديم / ج2 – د 0 احمد مطلوب – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1989 0

9-الاغاني.

10- الصناعتين.

11- المذاكرة في القاب الشعراء.

12 - اعلام الناس بما وقع للبرامكة .

13 - الجليس الصالح الكافي.

14 - الحماسة المغربية.

15- المبهج في تفسير اسماء شعراء الحماسة – ابن جني.

16- الحلل في اصلاح الخلل في كتاب الجمل.

17- التذكرة الفخرية.

18- الفاضل في اللغة والادب – المبرد.

19 - منتهى الطلب في اشعار العرب .

20 - الإمام الحسين عليه السلام - الحاج حسين الشاكري ص 7.

21 - المحاسن والمساوئ.

22 - المستجاد من فعلات الاجواد.

23 - ثمرات الاوراق في المحاضرات.

24 - مراة الجنان وعبرة اليقظان.

ب – الاقراص الليزرية :

1- الشعر ديوان العرب – الاصدار 0 ,2 لعام 2000 0 الاشراف العام : محمد احمد السويدي – ابو ظبي 0

2– مكتبة التاريخ والحضارة .

الدادائية والسريالية في الشعر العربي القديم

الدادائية والسريالية في الشعر العربي القديم

داود سلمان الشويلي

يموت رديُِ الشعرِمن قبلِ اهله

وجيده يحيا وان ماتَ قائله

دعبل الخزاعي

قيل لابي تمام : لما لا تقول ما يفهم ؟

فأجاب : وانت ، لم لا تفهم ما يقال ؟

مدخل:

1 0 تطورت القصيدة العربية خلال مسيرتها الطويلة ، وكان لذلك التطور عوامل واسباب عديدة ، ربما اهمها ظهور الاسلام في حياة العربي البد وي القبلي ، وعلى الرغم من ان النقاد العرب القدامى قد جعلوا من هذا سبب سلب في تلك المسيرة ، الا انهم نسوا او تناسوا ، ان هذا الظهور قد مكّن الحياة العربية من الانتقال من حياة البداوة الى حياة المدنية ، بمختلف صور تلك الحياة واشكالها ومجالاتها ، وكان الشعر واحداً من ابداعات الحياة العربية التي هي الاخرى قد انتقلت من حال الى حال ، فظهر الشعر العذري ، اذ لم يكن له – قبل الاسلام – وجود مستقل ، ومن ثم راح الشعر ، خاصة في العصرالاموي المتأخر ، يتقد بأطراد ، خاصة على مستوى بناء القصيدة ، فتهيأة ذائقة شعرية جديدة ، جعلت من بعض شعراء العصر العباسي الى امتلاك تلك الذائقة التي نظرت لبناء القصيدة العربية نظرة جديدة ، كما ظهر ذلك في شعر مسلم بن الوليد وابي نواس ، اذ تحولت عندهم ( عمارة ) القصيدة العربية ذات الطوابق العديدة ، الى (عمارة ) جديدة ، فقدت بعض ( طوابقها ) ، وخاصة المقدمة الطللية 000 حتى اذا اذا جاءابو تمام ، راحت الذائقة الشعرية تلك تعمل عنده مهيا’ الى توليد ما سمي بشعر الفكرة ، ثم راحت القصيدة العربية تسير بشعاب وطرق عديدة ومتنوعة ، فحملت بيت طيات ابياتها الافكار الفلسفية ، والحِكَم ، مع استقلال تام لاغراض الشعر ، فتولدت عند ذاك قصائد المديح والغزل والوصف ذات الاستقلالية التامة 0

ان ما تريد ان تصل اليه السطور السابقة ، هو التأكيد على ان الذائقة الشعرية قد اصبحت حبلى بما هو مغاير لما كانت عليه 0

ان عوامل كثيرة دفعت النفسية العربية – بصورة عامة – والنفسية الشعرية ومن ثم الذائقة الشعرية ، بصورة خاصة ، الى البحث عما هو مغاير لم ألفته تلك النفسية ، اذ رافقت الانسان العربي حالات من القلق والحيرة والشك بما هو عليه الواقع المعاش ، فدفعت بها الى حالة البحث عما هو جديد ، أي الى التغيير نحو الاحسن ، أي الثورة على ذلك الواقع المرفوض ، او الهروب الى ماهو مضاد ، ومن ثم النكوص 0 وكان عالم الشعر ، والذائقة الشعرية ، عند بعض الشعراء الاكثر تحسساً ، اول المبادرين للثورة على ذلك الواقع ،او الهروب منه ، على الرغم من ان اكثر اصحاب الثورة على الذائقة الشعرية القديمة ، هم الاكثر ارتباطأ بالقيمين على الحياة المعاشة ـ بكل صورها واشكالها ،وتنوعاتها ـ والتي وجهت الثورةاليها ، من خلال شعر المديح والرثاء خاصة 00 أي بمعنى اخر ،ان الشاعر الثائر على الذائقة الشعرية القديمة ( المحافظة ) هو الشاعر نفسه الذي قدم المديح للخلفاء والامراء الذين كان من واجبهم المحافظة على حالة الحياة القديمة ، ومن ضمنها الشعر .. من مثل : مسلم وابي نواس وابي تمام والمتنبي …

واذا كنا لانريد في هذه السطور ان نستطرد في الحديث ،ونبحث عن الأسباب ،الاان سبباً واحداً يمكن ذكرة ، هو المال الذي يقف وراء ذلك، وهذا ماسنأتي على ذكره في السطور القادمه 0

2ـ من المستحيل ان ندرج شاعر من شعراء العربية ولد قبل اكثر من الف سنة تحت لافتة الشعر الدادائي اوالسريالي ، ليس لأن هذا الشعر عربي المولد واللسان والثقافة 000الخ فحسب ، وانما لسبب بسيط ، هو اننا لا يمكننا احياءالموتى بعد هذه الفترة الطويلة لنتركهم يعيشون اجواءاوربا الحرب العالمية الاولى ، مع شعراء من مثل : تزارا ، واراغون ، وبريتون ، وسوبو 000الخ ، ليأخذوا باسباب حضارتهم وثقافتهم ، ويتأثرون – او يؤثرون – بما كتبو من شعر ينضوي تحت هذه المدرسة او تلك 0

اذا كان هذا منطقاً سليماُ ، فما الذي يجعلنا ان نصنف بعضصور هذا الشاعر او ذاك ، بأنها صور دادائية ، او ان نقول ان هذا الشاعر او ذاك يندرج فيما يكتب تحت لواء السريالية ، كما لو كان هذا الشاعر تزارا الروماني ، او اراغون الفرنسي ! ؟

هذا ما ستجيب عنه السطور القادمة 0

*** ***

الدادائية ودادائية ابي العبر:

الدادائية ، مدرسة ادبية / فنية ، ظهرت ابان وبعد الحرب العالمية الاولى فياوربا ، وحمل لواءها مجموعة من الادباء والفنانين ، وهي ذات منازع ومشارب متنوعة ومتعددة 0

ولما كنا لا نريد – هنا – ان نؤرخ لهذه المدرسة ، الا اننا يمكن ان نعرّف بها ، فنقول : ان تسمية هذه المدرسة بـ ( الدادائية ) قد جاء مصادفة عام 1916 ، من خلال فتح معجم لاروس(1) اذ كلمة دادا قد ظهرت (( مطبوعة اول مرة في المقدمة التي كتبها " هيوكوبول " للعدد الاول من مجلة " كاباريه فولتير " الذي ظهر في حزيران 1916 0 لقد استعملت هذه الكلمة في لغات متعددة لتعطي معاني مختلفة ومتعددة 0 فهي تعني " التأك المتحمس " باللغة السلافية ، وتعني " الاستغراق " بالفرنسية ، وتعني " الحصان الخشبي " بلغة الاطفال ، بذلك كانت احدى الكلمات المناسبة لأثارة غضب البرجوازية 0 لقد كانت هذه الكلمة " بياناً " بحد ذاته ))(2 )

ويقول عنها احد اقطابها ، الشاعر ( تزارا ) الروماني ،انها ولدت من ((تمرد كان مشتركأ بين المراهقين ،تمرد كان يطالب الفرد بتبن كامل لضروريات طيعتة العميقة ، من دون اكتراث للعلوم السائدة من تاريخ ومنطق أو علم اخلاق . ان الشرف والوطن وعلم الأخلاق والعائلة والغن والدين والحرية والاخاء وما إلى ذلك من المفهومات التي تستجيب لضرورات انسانية ،لم يبق منها غير هيا كل تقليدية اخرغت من محتواها الجوهري )) (3)

انها دعوه لتحرير من كل قيد ،مهما كان منشآن ،ورفض للواقع ولما هو معيش ،لهذا نجد (جيد) يقول : (( اني افكر بتناسقات جديدة ،نجن كلمات اكثر دقة وحرامة ، من بلا بلاغه ولايجث عن برهنة شىْ (……)

آه من سيحرر ذهني من سلاسل المنطق الثقيلة ؟ آني أحس بزور اكثر انفعالات صراحة حالما يتاح لي التعبير عنه )) (4)

ومن خلال قراءة الفقرتين السابقتين وقراءة ادبيات هذة المدرسة يمكنه القول ان (الدادائية ) كانت موجة من التمرد والثورة ضد كل قيم الاخلاق والأعراف ، وابتعادأ عما توصلت الية البشرية ـ على مدى تاريخها الانسانى الطويل من قيم واخلاق ومفاهيم ، وتاريغ وعلوم …. الخ لان كل ذلك قد زلزلت بها الحرب الكويتة الاولى في نفوس البشرية ، وخاصة في نفوس اولئك الشياب الذين تبنوا مااسموة بعد ذلك بـــ (الدادائية )

تقول ((سوزان بيرنار )) : (( وقد أمكن القول ان حركة دادا حينما اتخذت اللغة هدفأ لها كانت تقصد النضام الاجتماعي في الوقت عينة )) (5) الاان الدادائية لم تعمر طويلأ ، اذا اكتسبتها السريالية ، كأ ي مدرسة أدبية اوفنية اخرى على مدى تاريغ الابداع الانساني 0

ولو عدنا الى العصر العباسي ، الى زمن الخليفة ( المتوكل ) ، والى مدينة سر من رأى ، لالتقينا بشاعر كان له دور الريادة - بوعي او دون وعي في كتابة قصيدة تمتثل لبعض شروط القصيدة الدادائية ، هذا الشاعر هو : ابو العباس بن محمد بن احمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، الذي ولد (( بعد خمس سنين خات من خلافة الرشيد )) ( 6) وقد لقب بحمدون الحامض ، وكني بأبي العباس ، وابي العبر ، وقد كان يزيد على هذه الكنية (( في كل سنة حرفا ً حتى مات ، وهي ابو العبر طرد طيل طليري بك بك بك )) 0(7)

وبعد ان عرف في محيط مدينته شاعراً ، ترك (( الجد وعدل الى الحمق والشهرة به 0 وقد نيف على الخمسين ، ورأى ان شعره مع توسطه لا يتفق مع مشاهته ابا تمام والبحتري وابا السمط ابن ابي حفصة ، ونظراءهم )) 0 (8 ) وقد (( كسب بالحمق اضعاف ما كسبه كل شاعر كان في عصره بالجد )) 0(9 )

وقد وصفه البعض على انه : (( ليس بجاهل وانما يتجاهل ، وان له لأدبا ً صالحا ً وشعرا ً طيبا ً )) 0 (10 )

ومن اخباره ، ان والده كان لا يكلمه 0 وعندما سئل عن ذلك ، قال : (( فضحني كما تعلمون بما يفعله بنفسه ثم لا يرضى بذلك حتى يهجنني ويؤذيني ويُضحك الناس مني ! فقالوا له : واي شيء من ذاك وبما هجنك ؟ قال : اجتاز علي منذ ايام ومعه سلم فقلت له : ولأي شيء هذا معك ؟ فقال : لا اقول لك فأخجلني واضحك بي كل من كان عندي 0 فلما ان كان بعد ايام اجتاز بي ومعه سمكة ، فقلت له : ايش تعمل بهذه ؟ فقال : اني000 ، فحلفت لا اكلمه ابدا ً )) 0(11)

ومن اخباره ايضا ً ، انه كان (( يجلس على سلم وبين يديه بلاعة فيها ماء وحمأة ، وقد سد مجراها ، وبين يديه قصبة طويلة وعلى رأسه خف ٌ وفي رجليه قلنسيتان ومستمليه في جوف بئر ، وحوله ثلاثة نفر يدقون بالهواوين حتى تكثر الجلبة ، ويقل السماع ويصيح مستمليه من جوف البئر : من يكتب عذبك الله ! ثم يملي عليهم فأن ضحك احد ممن حضر قاموا فصبوا على رأسه من ماء البلاعة ان كان وضيعا ً ، وان كان ذا مروءة رش عليه بالقصبة من مائها ن ثم يُحبس في الكنيف الى ان ينفض المجلس ، ولا يخرج منه حتى يغرم درهمين )) 0(12 )

زقد استخدم ابو العبر الفاظ القاذورات كثيراً في ما وصلنا من شعره ، وارى انه سبق الكثير من الشعراء في هذا الجانب ، خاصة شعراء الفكاهة ، كالفضل بن هاشم البصري الذي عده محمد بن داود الجراح في كتابه ( الورقة ) اول من ذكر مثل تلك الالفاظ في الشعر 0 (13)

قال ابو العبر :

في أي سلح ٍ ترتَطم وبأيّ كفّ ٍ تلتطم

ادخلتَ رأسك في الرَّحـِم وعلمتَ انكَ تنهزم

وقال لاحدهم : (( اذا حدثك انسان بحيث لا تشتهي ان تسمعه فأشتغل عنه بنتف ابطك حتى يكون هو في عمل وانت في عمل )) 0(14 )

*** ***

شعره:

قليلة هي القصائد التي وصلتنا من شعره ، اذ لا تعدعلى اصابع اليد الواحدة ، وهي من المقطوعات القصيرة جدا ً ، قالها الشاعر هاجيا ً او مستهزء بالاخرين ، اذ احجمت كتب نقادنا وكتابنا القدامى من ذكره او ذكر شعره خاصة وان الاغاني وهو الكتاب الوحيد الذي ذكره على حد علمي لا يذكر لنا ما كتبه الشاعر من قصائد غير هذه المقطوعات القليلة ، ان كان ذلك قبل ان يتحول من الجد الى الحمق او بعد ذلك 0

عندما سئل عن سبب كتابته لمثل تلك الاشعار ، قال لسائله : (( ياكشخان اتريد ان اكسد انا ، وتنفق انت ، وايضا ً اتتكلم ؟ تركت العلم وصنعت في الرقاعة نيفا ً وثلاثين كتابا ً ، احب ان تخبرني لو نفق العقل اكنت تُقـدًّمُ على البحتري )) 0(15)

ومن اشعاره : (16)

باضَ الحبُّ في قلبي فواويلي إذا فــــــــرّخْ

ومــــــا ينفعني حبي اذا لــــــم اكنس البربخ

وان لـم يطرح الاصـ ـعُ خَرجَيهِ على المطبخ

وقال هاجياً قاضيين : ( 17 )

رأيتُ مــــنَ العجائبِ قاضيين هما احدوثةٌ فــــي الخافقين

هما اقتسما العمى نصفين فذا كما اقتسما قضاءَ الجانبين

هما فالُ الـــزمانِ بِهَلكِ يحيى اذا افتتح القضاء بأعورين

وتحسبُ منهما من هــزَّ رأسا لينظر في مواريثٍ وديــــن

كأنك قد جعلت عليه دنــــــــــاً فتحت بِزالهُ من فردِ عــين

*** ***

دادائية ابي العبر:

لم تذكر لنا المصادر قصائد هذا الشاعر ذات الاتجاه الدادائي ، وربما كان ذلك لنفرة الناس من مثل تلك القصائد ، خاصة وانه قد وصِف بالحمق ، ولما لسلوكه المشين من تأثير على ذلك 0

وعندما سئلأ عن تلك الحلات التي كان يكتب فيها شعره ، قال : (( ابكر فأجلس على الجسر ومعي دواة ودرج ، فأكتب كل شيء اسمعه من كلام الذاهب والجائي والملاحين والمكارين ، حتى املأ الدرج من الوجهين ، ثم اقطعه عرضا ً وطولا ً والصقه مخالفا ً فيجيء منه كلام ليس في الدنيا احمق منه )) 0 (18 )

ولو تقدمن الف سنة الى امام ، أي الى زمن ولادة القصيدة الدادائية ، الى حيث نجد واحدة من قصائد الدادائيين ، وهي قصيدة (corset mystere) (( مؤلفة من قصاصات صحفية مأخوذة ومجمعة على نحو تعسفي والاستخدام " الشعري " الذي يزعم الدادائيون عمله من المواضيع المبتذلة والامثلة الجاهزة تصب في الاتجاه نفسه الذي سبق ان اشار اليه لوتريامون )) 0 (19)

كتب : تريستان تزارا " قصيدة (( القصيدة )) التي يقول فيها :

(( من اجل كتابة قصيدة دادائية ))

(( خذ صحيفة

خذ مقص

اختر من تلك الصحيفة مقالا ً له الطول الذي تنوي اعطاءه لقصيدتك

قطع المقال

ثم قطع بعناية كل واحدة من الكلمات التي تشكل هذا المقال وضعها في كيس

حرك بهدوء

ثم اخرج كل قصاصة الواحدة تلو الاخرى حسب النظام الذي خرجت فيه من الكيس

انقل بعناية

وسوف تشبهك القصيدة )) (20 )

لو لا قلة معلوماتنا عن قراءات " تزارا " للعربي العربي ، لقلنا ان هذا الشاعر قد نفذ تعليمات ابو العبر في كتابة القصيدة ، اذ ان الخطتين متطابقتان 0 (21 )

الم تكن كنية ابي العبر لوحدها قصيدة دادائية ؟ اذ بعد ان قام الشاعر بعملية انحلال للغة وتفكيك لها ، قال :

(( ابو العبر

طرد طيل

طليري

بك000بك000بك ))

فيما تقول احدى قصائد الدادائيين ، والتي اصطلحوا عليا تسمية (( قصائد صوتية )) : (22)

(( آ ، أو ، اويو يو يو

يو يو يو

دررر دررر دررر غ رررر غ ررر

قطع من مدة زمنية خضراء تحوم في غرفتي

أ أو أو أي أي أي أي أو آ او أي أي أي جوف ))

ويقول ابو العبر: (23)

ويأمــــــــر بي الملك فيطرحني فـــي البرك

ويصطادني بـــالشبك كأني مــــــــن السمك

ويضحك كك كك ككك ككك كك ككك كك ككك

ان الصوتية ، من اهم ما كتبه شعراء الدادائيةفي اوربا ، وانا على يقسين تام ان هنالك قصائد قد انشأها ابو العبر حسب مخططه في كتابة الشعر والذي هو شبيه لمخطط " تزارا " (( من اجل كتابة قصيدة دادائية )) والى ان نجد في كتب تراثنا العربي القديم مثل هذه القصائد يحق لنا ان نقول ان ابا العبر هو اول شاعر دادائي عربي ، ان لم يكن اول شاعر دادائي 0

*** ***

السريالية:

اذا كنا في القسم الاول من هذه الدراسة ، قد قرأنا ما وصلنا من كتابات الشاعر العباسي ابو العبر ، على انه كتابات دادائية ، ان كان ذلك في الشكل او في المضمون ، في اللغة او في الافكار التي حملتها ، او وقفت خلفها ، فأننا في هذا القسم سنقرأ بعض قصائد شعرنا العربي القديم التي يمكن ان نضعها في خانة الشعر السريالي بالمفهوم العام للكلمة 0

والسريالية (surrealism) (24 ) والتي يمكن ترجمتها بـ ( ما فوق الواقع ) 0 ومن هذا المعنى ، يمكن القول ، ان ما كتب تحت هذه اللافتة يعبر عن رفض للواقع او الهروب منه ، وان هذا الرفض ، وذاك الهروب يستدعي اللاعقلانية واللاوعي في التعامل مع الاشياء ، خاصة اذا عرفنا ان الشاعر ، كما يعبر عنه سقراط : (( ضوء ، شيء مجنح مقدس ، وهو لايبدع ما لم يلهم ويفقد وعيه ، ويبطل فيه عمل العقل )) 0 (25 )

يقول احد مؤسسي السريالية ، واهم اقطابها في فرنسا ، الشاعر بريتون ، بأن السريالية : (( اسم مؤنث ، آلية نفسية ذاتية خالصة تستهدف بواسطتها التعبير ، ان قولا ً ، وان كتابة ، وان بأية طريقة اخرى ، عن السير الحقيقي للفكر ، هي املاء من الذهن في غياب كل رقابة من العقل ، وخارج اهتمام جمالي او اخلاقي )) 0 (26)

وهذا لايعني الطلاق الكلي والنهائي من الواقع والعيش في عالم اللاوعي واللاعقل ، ذلك لأن السرياليين ، ومن قبلهم الدادائيين ، كانوا ك (( واقعيون في تفصيلاتهم ، لكنهم لا يجمعون صورهم ابدا ً في كل ٍ واقعي ، بل هم كما الحال في احلامنا يترجمون هواجس وتضمينات اللاوعي مشغوفين بالاعتباطية والرؤى المرعبة )) 0 (27)

ولم يكن الشعر العربي ، طيلة عمره المديد من الشعر الجاهلي حتى ىخر قصيدة كتبت في زمننا الحاضر ن شعرا ً عقليا ً ن ينبع من الوعي ، ويتحرك في حدود الواقع والمنطق ، بل طان وما يزال يأخذ من هذا ومن ذاك ، وما يزل اساسه المتين الذي ينبع منه - على الرغم من تحولاته وتبدلاته هو وادي عبقر ، وجنياته ، ومن ثم الالهام 000الخ ، انه - أي الشعر العربي خارج الواقع وخارج العقل ، وفي الوقت نفسه ، هو ينبع من داخلهما ويتحرك بين آثاثهما ، انه ليس ببعيد عنهما ، ولا هو بالقريب منهما 0

يقول الفنان ( بول كلي ) : (( اعتدنا في الماضي ، ان نمثل الاشياء المرئية على الارض ، اشياء اما يستهوينا النظر اليها ، او تلك التي نرغب في ان نراها ، نحن اليوم نكشف عن الحقيقة الكامنة وراء الاشياء المرئية ، وبذا نبرهن على ان ما يُرى ان هو الا حالة منفصلة في علاقتها بالكون ، وان هناك حقائق اخرى مجهولة كثيرة )) 0(28)

لم يكن هذا القول سوى ترديد لما جاء به الجرجاني قبل اكثر من الف سنة عن(( معنى المعنى ))

، وما يفيض به هذا المصطلح مما سودت له المقالات والكتب عن الايحاء ، وان الشعر لا يقرر وانمكا يوحي ، وهذا هو ما هدفت اليه الدادائية ومن بعدها السريالية ، اذ انها ركزت على (( الايحاءات النفسية اكثر من الاهتمام بخلق اعمال فنية )) 0 (29 )

وقد اشتغل اغلب فحول الشعراء العرب بما له علاقة بقضية التلقي ، وفي منطقة التأثير النفسي والذهني ، ولم يكن ذلك بعيداً عن مؤسسي الدادائية والسريالية بعد ان رفضوا الواقع ، وما كتب عنه ومنه من شعر ، لأن المهم بالنسبة اليهم (( لم يكن العمل الفني ذاته ، بل الهزة التي يستطيعون خلقها ، والارتباك الذي يسببونه في الذهن )) 0 (30 )

ولما كان الابداع ، فعل انساني لا يقف الزمان ولا المكان عائقا ً في طريقه ، فأن اشتغال شاعر عربي قبل اكثر من الف عام في منطقة اشتغل فيها شعراء آخرين وفي لغة ومن حضارة وثقافة مغايرة لما عند وحول ذلك الشاعر ، لم يكن من الامور العسيرة ، او من ( سابع المستحيلات ) كما يقال اذا اخذنا بنظر الاعتبار فحولة ذلك الشاعر ، حسب المفهوم السابق للفحولة ، وعبقريته وقوة ابداعه ، انه الشاعر المتنبي ، الذي قال عن شعره :

انام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم

وقال مفتخراً بشعره :

وما الدهر الا من رواة قصائدي اذا قلت شعراً اصبح الدهر منشدا

ويقول كذلك :

امط عنك تشبيهي بما وكأنه فما احد فوقي وما احد مثلي

وقال عنه الشاعر ادونيس : (31)

(( اتعجب ، لا بالريشة

يكتب، لا بيديه ،

بل بالكون ))

واذا كان هدف الدادائية ، هدم الواقع ورفضه رفضاً نهائياً ، فأن السريالية جاءت لتفصل الحياة عن ذلك الواقع ، و (( لجأت الى طريقة ايحائية في التعامل مع الواقع المرفوض ، كانت في البداية تعمل بغية التهرب من شروطه الى النقيض ، ثم صارت تعمل في النهاية كما تبلور ذلك في كتابات بروتون على اقامة معادلة حاذقة بين الواقع واللاواقع ، بين الوعي واللاوعي ، بين الحلم الفردي والحلم الجماعي ، لتصير وسيلة خلاص انسانية في المعنى الفعال )) 0 (32 )

*** ***

سريالية ابي الطيب المتنبي:

سوف تكون قراءتي لبعض ابيات المتنبي ذاتها القراءة التي قرأت من خلالها بعض شعر ابي العبر ، عندما وجدته قد اشتغل في منطقة قد اشتغل فيها وعليها شعراء الدادائية والسريالية 0

وعندما قال المتنبي وهو يصف ركباً من الجمال يسير في الصحراء : (33)

نحن ركب ملجن فـــــي زي ناس فوق طير لها شخوص الجمال

من نبات الجديل تمشي بنا في الـ بيد مشي الايام فـــــــي الآجال

فأنه كان يعرف بحسه الابداعي ، انه ليس ناقلا ً لما يراه ، ولا ينبغي له ان يكون كذلك ، على الرغم مما قيل عن الشاعر بأنه رائيا ً ، او نبيا ً ، وانما عليه ان يكون كما قيل عن امثاله من فحول الشعراء ، هادما ً للواقع ومعيدا ً بنائه من جديد ، وهذا ما دعت اليه السريالية في ان (( تمر في شرطين لتأكيد نفسها : الهدم الكلي للواقع الراهن ، ثم اعادة ترتيب عناصره بالطريقة الاقرب الى تحريره في الداخل كما في الخارج )) 0(34 )

الم تفيض قصائد المتنبي بما يحمل القاريء للتيقن بأن هذا الشاعر كان همه تدمير الواقع من خلال تدمير الانظمة المنطقية التي تحكمه ، فأي منطق يجعل من المشبه به مشبها ً ، وبالعكس ؟ واي منطق يجعل من ( الجـِمال ) مشخصة بالطيور ؟

لقد كان الشاعر في هذا البيت مدهشاً ، وهذا ما كان عليه الشعراء المجددين ، وهذا ما ارادت السريالية ان تصل اليه ، أي في قدرة الاثنين الشاعر المجدد ، والسريالية الى الوصول اليه من عملية الادهاش التي تأتي من تداخل الصور الشعرية ، وتفكيك العلاقات التي تربط عناصر النص ، وكذلم ، وهو الاهم تفكيك البنية اللغوية 0

في هذا البيت ، يرسم المتنبي لوحة تشكياية واقعية ، وفي الآن نفسه تخييلية لموكب يضم راكبي الجـِمال وهو يسير في الصحراء 0

فالموكب كما هو في الصحراء حدث واقعي ، حسي ، والراكبون يرتدون الزي العربي ، ويغطون اجسادهم بالعباءة العربية ، ووجوههم مغطاة باللثام ، الا ان المتنبي لا يرى ما هو مرأي من قبل الاخرين ، وانما كما يقول رامبوعنه ، انه يقوم بـ (( رؤية ملا يرى ، وسماع ما لا يسمع )) (35) وفي الوقت نفسه ، يعيننا على ان نرى تلك الرؤية التخييلية لذلك الموكب 0

اذن ، فالشاعر يقوم بتحويل الواقع الى خيال ، والخيال الى واقع ، أي يحول الصورة الواقعية ، المنطقية ، الى صورة متخيلة ، غير واقعية ، يجمع بين عناصرها اللامنطق ، فيصبح ( الخداع البصري ) الذي تقوم به حواسه - و بالتفاعل مع المحيط - ، هو الفاعل الوحيد في تلك الرؤية ، فضلا ً عن دور المخيلة ،وما يضفيه جو الصحراء في النهار ، وما يضفيه السراب الخادع للعين من كسر للرؤية ، يدفع بالمخيلة الى ان ترى ما هو واقعي بلباس غير واقعي ، ذلك لأن الخيال (( بأعتباره الرباط الذي يصل عالم الانسان الداخلي النفسي بعالم الواقع الخارجي )) 0 (36 )

اما اذا كان مسير الركب ليلاً ، فأن اجواء ليل الصحراء يجعل المكان اكثر ( خرافية ) واسطورية ، بما يتجسد فيه بفعل عامل التخيل من رؤىشبحية ، لتصورات سابقة عن الجن والاشباح والطناطل 000الخ 0

ومن الطريف ، ان ناقدا ً عربيا ً كالجاحظ ، قد انتبه لهذا الامر ، وسبق رامبو بألف عام عندما فسر هذه العملية بكل عقلانية وعلمية ، وجاء بالعبارة ذاتها التي استشهد بها رامبو في ان الشاعر يقوم بـ (( رؤية ولا يرى وسماع ما لايسمع )) 0 قال الجاحظ وهو يكذب ما اشيع حول شياطين الشعر : (( واذا استوحش الانسان تمثل له الشيء الصغير في صورة الكبير وارتاب وتفرق ذهنه وانتقصت اخلاطه فرأى ما لايرى وسمع ما لايسمعوتوهم على الشيء اليسير الحقير انه عظيم جليل )) 0 (37)

ان الصورة الواقعية للركب كما يمكنها ان تكون ، وفي مرلأى الانسان ، يمكن رسمها هكذا :

نحن ركب من الانس في زي جن فوق جمال لها شخوص الطير

هنا تلعب الاستعارة ، والتشبيه دوراً كبيراً في رسم هذه الصورة السريالية في بيت لبمتنبي الذي يشبه ناس الركب بالجن ، وفي الوقت نفسه يستعير للصورة الانسية ، الصورة ( الجنية ) ، اذ تحول العباءة المتطايرة في هواء المسير ، واللثام ، الانسي الى ( جني ) وفي الوقت نفسه يشبه المتنبي واسطة النقل ( الجـِمال ) بالطير في سرعة حركته وتقلبه في الهواء ، اذ تتراءى له ( الجـِمال ) وكأنها تطير في اجواء الصحراء لخفتها ، ولما يفعله المكان من تأثير على الرؤية 0

لكن المتنبي ، هذا الشاعر العظيم الذي يرى ما لا يرى ، المجدد الدائم ، يستعير الخيال السريالي قبل السرياليين بألف عام ، ليقدم من خلاله ما يحس به وما يراه ، لأنه لا يرتضي بما تراه عيناه من صور ( واقعية ) ، وانما يجعل من مخيلته ( المعمل ) الابداعي لانتاج صور مغايرة للواقع دون ان تبتعد عنه 0

ان السريالية كنزعة انسانية ، ما هي الا عملية (( تحطيم جميع الحواجز التي تحدد الفرد ، جاعلة منه غريبا ً عن ذاته 0 فالسريالية ترفض الموانع ، والتعارضات الثنائية ( عقل جنون ، واقع استيهام ، طفل بالغ ، يقظة حلم 000 ) انها تفترض اوليا ً انسانا ً استعاد وحدته ، في حالة ابتكار وخلق ٍ دائمين )) 0 (38 )

لنتساءل ، هل كان المتنبي قد زهد بالواقع فطلقه وطلق معه ما كان ينظمه العقل له ، وكذلك حالات الوعي التي كانت تنظم له شاعريته ؟ فراحت الرغبات الدفينة تفعل فعلها في نظم الشعر بعيدا ً عن الواقع والعقل والوعي ، وقريبا ً من عالم الاحلام ، وما هو خارق ، مع العلم ان من معاني السريالية هو (( الواقعية الخارقة )) 0 (39)

ان قلق المبدع الحقيقي لا يرتكن للخمول والسكينة والدعة ، واستقبال كل شيء بحيادية 0 وشاعر مثل المتنبي ، صاحب الروح القلقة ، والطموح الى شيء كان يريد الوصول اليه ، والكثير الاسفار ، والذي حاول ان يجعل من نفسه نبيا ًُ ، ان كان ذلك حقيقة ام كان من خلال تفسير شعره (40 ) مثل هذا الانسان المغامر ، انسان غير منسجم ن ليس مع محيطه فحسب ، بل ومع ذاته ايضا ً0 مما يدفعه الى رؤية ما لا يرى وسماع ما لا يسمع ، ومن ثم قول ما لا يقال 0

ان اول ما فعله المتنبي في بيته الشعري اعلاه ، هو انه نحت كلمة ( ملجن ) من حرف الجر ( من ) ومن الاسم المجرور ( جن ) ، فأضاف بذلك الى المعجم العربي لفظة جديدة ، اضافت غرابة فوق غرابة بناء عناصر هذا البيت ، فأعطى للصورة الشعرية بعداً سرياليا ً 0

وثانيا ً ، عكس المتنبي المألوف الذي تعودنا عليه في التشبيه ، فجعل المشبه بدلا ً من المشبه به مع حذف اداة التشبيه 0

وثالثا ً ، ان قاريء هذا البيت ، يفترض ان ما يصوره الشاعر ، هو موكب للجن ، وليس موكبا ً انسيا ً ، فعكس الواقع الى خيال ، والخيال الى واقع ، ومن هذا جاء دفاع السرياليين عن الخيال (IMAGINATION) وعن دوره في الذائقة الشعرية ، فـ (( بدأت السريالية بالدفاع عن استسلام الانسان للخيال من اجل غاية صريحة هي اكتشاف ابعاد جديدة لعقل الانسان وحساسيته وانفعالاته)) 0(41 ) وان الخيال هو : (( الرباط الذي يصل عالم الانسان الداخلي النفسي بعالم الواقع الخارجي )) 0 (42 )

*** ***

صور سريالية اخرى:

رسم المتنبي صورة سريالية لتراقص النور النافذ من بين اوراق الاشجار ، والساقط على جسم الشاعر ، فيقول في قصيدة (( شعب بوان )) : (43 )

فسرت وقد حجبن الحر عني وجئن من الضياء بما كفاني

والقى الشرق منها في ثيابي دنانيراً تفر مـــــــــن البناني

لها ثمر تشير اليك مـــــــــنه بأشربة وقفن بـــــــــلا أوان

*** ***

صور سريالية لشعراء عرب:

قدم مهيار الديلمي وصفا ً سرياليا ً للناقة والصحراء وظواهرها الطبيعية ، وكأنه يشرح لنا بيت المتنبي السابق ، فيقول : ( 44 )

كأنها تحت الدجـــــى جنية راكبها في ظهرها نجمٌ هـــبطْ

لا تطأ الارض وان تسهلت لوطأة الدائس الا مـــــــا تخط

كأنما اربعُها مـــن خفة ٍ ‍‍! واحدة ٌ في السير حين تختلط

تجري فتدمي أُذنــها بيدها كأنــــــــــــما بسنبكيها تشترط

ويقول ذو الرمة ، راسما ً لوحة سريالية لراحل في سواد ليل الصحراء : (45 )

ولــــيل كأثناء الرويزي جبه بأربعة والشخصُ في العين واحدُ

احمُّ عـِلافيٌّ ، وابيض صارم واعيَسُ مهريُّ ، واشعث مـــاجد

فيما يرسم شاعر آخر ، صورة سريالية تفرضها عليه مخياته التي راحت تعمل بعيدا ً عن الواقع ( مائدة الطعام التي تضم الخبر واللبن والتمر والزبد )فكان عمل هذه المخيلة قد جعل عناصر هذه المائدة بصور شتى 0

فقد جعل من الخبز المغموس باللبن ( الرائب ) رجالاً ، ومن البرني ( من اجود انواع التمور ) جيادا ً ، والزبد فرسانا ً يمتطون هذه الجلد 0 فأية صورة سريالية هذه التي رسمتها مخيلة هذا الشاعر !؟

يقول : ( 46 )

الا ليت خبزا ً قد تسربل رائبا ً وخيلا ً من البرني فرسانها الزُّبدُ

ويصور مسلم بن الوليد من خلال رحلته للممدوح ، ( الآل ) - السراب وكأنه يركب على صهوات ( الجبال ) ، أي ان الجبال تشبه النوق التي سيقت الى النحر في يوم عيد 0 قال : (47)

كأن اعلا مها والآل يركبُها بُدنٌ توافى بها نذرٌ الى عيد

***

الهوامش:

1 - قصيدة النثر 228 0

2 الحداثة 1/ 286 287 0

3 قصيدة النثر 228 0

4 المصدر السابق 227 0

5 المصدر السابق 231 0

6 الاغاني 2/ 224 0

7 - المصدر السابق 227 0

8 - المصدر السابق 224 0

9 - المصدر السابق 224 0

10 - المصدر السابق 225 0

11 - المصدر السابق 228 0

12 - المصدر السابق 227 0 ويمكن متابعة ما سجل عن سلوكيات الدادائيين في تلك الفترة ، وما تناقلته اخبارهم من افعال لا تختلف عما قام به ابو العبر 0

13 موسوعة البصرة الحضارية 382 0

14 الاغاني 20 / 231 0

15 - المصدر السابق 225 0

16 - المصدر السابق 227 0

17 - المصدر السابق 230 231 0

18 - المصدر السابق 228 0

19 قصيدة النثر 229 0

20 - المصدر السابق 229 0

21 من الجدير بالذكر ان الاديب عصام محفوظ مؤلف كتاب ( السوريالية وتفاعلاتها العربية ) قد قام بما قام به ابو العبر وتزارا من جمع لمقالات من كتب او صحف ، اذ تناول قصيدة لسمير صائغ في مجلة ( مواقف ) وطوى الصفحة الاولى على بعضها ليصير بأمكانه قراءة الصفحة المزدوجة 9 11 وهكذا مع روايات وقصص اخرى 0

22 قصيدة النثر 230 0

23 الاغاني 228 0

24 اول من استخدم هذا المصطلح الشاعر ابولينير عام 1917 0 انظر الحداثة - 1 / 298 0

25 عصر السريالية 14 0

26 بيانات السريالية 41 0

27 مئة عام من الرسم الحديث 123 0

28 - المصدر السابق 126 0

29 - المصدر السابق 123 0

30 - المصدر السابق 121 0

31 امس المكان الان 0

32 السريالية وتفاعلاتها العربية 13 14 0

33 قال شاعر من الجن يدعى ( ابو هدرش ) :

وادلجُ الظلماءَ فـــي فتية ٍ مِلْجـِن فوقَ الماحل العَربَسيس

فــــي طاسم تعزفُ جنانهُ أقفَرَ إلا مـــــــــن عـفاريت لِيس

تحملنا في الجُنحِ خيلٌ لها اجنحةٌ ، ليست كخـــيل الا نيس

واينق تسبقُ ابصاركـــــم مخلوقةٌ بــــــــين نعامٍ وعيس

( رسالة الغفران 299 )

34 السريالية وتفاعلاتها000 14 0

35 ثورة الشعر الحديث 106 0

36 عصر السريالية 284 0

37 الحيوان 6/ 164 0

38 السريالية : نصوص ومناقشات 9 0 مأخوذ من الصوفية والسريالية 0

39 بيانات السريالية 39 0

40 وهو القائل :

ما مقامي بأرض نخلة الا كمقام المسيح بين اليهود\

وقيل انه اقنع بعض الناس في الشام بنبوته 0 ويقول المعري : وحُدثتُ انه كان اذا سئل عن حقيقة هذا اللقب ، قال : هو من النَّبْوَه، أي المرتفع من الارض 0 وكان قد طمع في شيء قد طمع فيه من هو دونه 0 وانما هي مقادير ، يديرها في العلو مير ، يظفر بها من وفق ، ولا يُراع بالمجتهد ان يخفق 0

وقد دلت اشياء في ( ديوانه ) انه كان متألهاً ، ومثل غيره من الناس متدلَـِهاً ، فمن ذلك قوله :

ولا قابلا ً الا لخالقه حكما ً )) رسالة الغفران 419 0

وقد جعل (اندريه بريتون ) من الشاعر نبيا ً 0 الحداثة 1 / 299 0

41 - عصر السريالية 292 0

42 - المصدر السابق 284 0-

43 شعر المتنبي 0

44 شعر مهيار الديلمي 0

45 شعر ذي الرمة

احم : اسود ، يعني الرحل 0

علافي : منسوب الى علاف حي من العرب يعملون الرحال 0

الابيض : السيف 0

الاعيس : الابيض ، يعني بعيره 0

اشعث : يعني نفسه 0

46 البخلاء 253 0

47 شعر مسلم بن الوليد0

48 0 الصوفية والشعر

المصادر:

1 - قصيدة النثرمن بودلير الى ايامنا سوزان بيرنار ت : د0 زهير مجيد مغامس دار المأمون 1993 بغداد - 1993 0

2 الحداثة مالكلم بري و جيمس ماكفارلن ت : مؤيد حسن فوزي دار المأمون بغداد 1987 0

3 موسوعة البصرة الحضارية مجموعة باحثين جامعة البصرة البصرة ب 0ت 0

4 السريالية وتفاعلاتها العربية عصام محفوظ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط1 1987 0

5 بيانات السريالية اندريه بروتون ت : صلاح برمدا وزارة الثقافة والارشاد القومي دمشق 1978 0

6 مئة عام من الرسم الحديث جي 0 إي 0 مولر و فرانك ايلغر ت : فخري خليل دار المأمون بغداد 1988 0

7 امس المكان الآن : مخطوطة تنسب الى المتنبي يحققها وينشرها ادونيس بيروت / لندن دار الساقي 1995 0

8 رسالة الغفران ابو العلاء المعري تح : د0 عائشة عبد الرحمن ط3 دار المعارف مصر 1963 0

9 ثورة الشعر الحديث ج1 د0 عبد الغفار مكاوي الهيئة المصرية العامة للكتاب مصر 1972 0

10 عصر السريالية والاس فاولي ت : خالدة سعيد منشورات نزار قباني بيروت 1967 0

11 - الحيوان الجاحظ القاهرة 1938 0

12 البخلاء الجاحظ دار صادر ودار بيروت بيروت 1963 0

13 الصوفية والسريالية ادونيس دار الساقي ط1 1992 0

14 - القرص الليزري : الشعر ديوان العرب – الاصدار 0 ,2 لعام 2000 0 الاشراف العام : محمد احمد السويدي – ابو ظبي 0

وضم القرص اضافة الى شعر الشعراء العرب كتاب الاغاني0

ملاحظة : لم ترد اية معلومات عن هذه المصادر في القرص 0