السبت، 7 أغسطس 2010

من يأخذ من يده راية تحديث الفقه؟

من يأخذ من يده راية تحديث الفقه؟


داود سلمان الشويلي

انا افهم جيدا ان الكتابة عن موضوع ما ، تختلف كليا عن الكتابة في الموضوع ذاته .
ان كتابة مقالة او دراسة عن موضوع ما ، يعني انك تدرس حالة هذا الموضوع من الخارج ، تصفه مثلا .
اما كتابة مقالة او دراسة في الموضوع ، فمعناه انك تدخل في دقائقه ، وتفاصيله، لتستجلي علاقاته الداخلية ،على الاصعدة كافة.
في مقالتي هذه اجابة عن سؤال طرحته مقالة الدكتور احمد الشعلان بعنوان(من يأخذ من يده راية تحديث الفقه ؟) نشرها بعد وفاة المرجع الديني العربي (اللبناني) السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله .
كنت قد كتبت دراسة مطولة امتدت على مساحة ثلاثة كتب، درست فيها مظاهر تجديد وتصحيح الفكر الاجتهادي الشيعي ، متخذا من فكر المرجع الشيعي العربي (عراقي الجنسية) الامام الشيخ حسين المؤيد ميدانا لبيان حقيقة ذلك التجديد والتصحيح في ذلك الفكر الذي ما زال باب الاجتهاد فيه مفتوحا ، اسميتها ( التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي - الفكر الاجتهادي الشيعي نموذجا ).
والامام الشيخ حسين المؤيد ( 1965 ) مرجع ديني ، من عائلة عراقية عربية، كان والده طبيبا من جهة ، ومن جهة اخرى ينحدر من عائلة دينية، وهو شخصية معتدلة منفتحة على الواقع ، وصاحب استقلالية، و له مشروع نهضوي ، في الحياة العامة و في الفقه.
درست في الكتاب الاول التصحيح والتجديد في المذهب الشيعي عند المرجع الديني سماحة اية الله الامام الشيخ حسين المؤيد .
اما الكتاب الثاني من هذه الدراسة فقد حمل عنوان : (التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي - عند المرجع الديني سماحة اية الله الامام الشيخ حسين المؤيد - نحو مشروع وطني وقومي واسلامي معاصر) .
والكتاب الثالث كان عنوانه : (التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي - الفكر الاجتهادي الشيعي نموذجا- مقارنة بين الفكرالاجتهادي للامام الشيخ حسين المؤيد وبين الفكر الاجتهادي الاتباعي).
اما هذه المقالة ، فهي عمن يأخذ من يد السيد فضل الله راية تحديث الفقه كما سأل الدكتور احمد الشعلان.
***
لا نريد ان نغمض عيوننا عن الكثير من الفقهاء ورجال الدين من الشيعة ممن حملوا راية التجديد والتصحيح في الفكر الشيعي على امتداد تاريخه ،وقدموا مشاريعهم – مهما كان نوعها – الاصلاحية ، كالامين، والمظفر، وكاشف الغطاء، والصدرين الاول والثاني على سبيل المثال، الا ان تلك المشاريع اما جوبهت بالرفض لاسباب كثيرة ، وإما ظلت حبرا على ورق .
الا انه ، ومنذ نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي ، بدأ تاريخ جديد في تجديد وتصحيح المنظومة الفكرية الاجتهادية عند الشيعة على يد احد الفقهاء المراجع العرب ، وهو سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد ، والذي – وان زامل رفيقه المرحوم السيد فضل الله لسنوات في حمل راية الاصلاح تجديدا وتصحيحا - سيبقى هو الحامل لتلك الراية ما دام لم يظهر شخص اخر – مهما كانت مؤهلاته العلمية في الفقه وسائر العلوم الساندة لهذا الفقه – يساند ويعاضد الامام المؤيد.
***
ولكي نكون اكثر قربا مما قلناه في السطور السابقة ، فإننا نذكر ، ان سماحته قد حمل تلك الراية للاسباب التي وجدها في المنظومة الفكرية الاجتهادية ، او في الفهم الصحيح للحوزة العلمية (1)، او في السياسة، ومنها :
- وجد ان الاجتهاد قد وصل الى حد اصبح بابه شبه مقفل ، إذ راح المتأخرون يكررون ما قاله الاولون دون فحص علمي للادلة التي بنيت عليها اقوال السلف.
- ان الكثير من الروايات والاحاديث التي اعتمدتها المنظومة الاجتهادية الشيعية ما زالت غير مفحوصة فحصا دقيقا من ناحية السند والمتن.
- ان الكثير من تلك الروايات والاحاديث تتضارب والقرآن الكريم.
- ان الكثير من المؤثرات الخارجية – كالغلو والتفويض والخرافة والاسطرة مثلا – قد دخلت على فكر هذه المنظومة فأثرت فيه ، واخرجته من عقلانيته المعهودة في الاجتهاد الشيعي.
- ومن خلال فكر اسلامي بحت ، ومن اجل بناء امة اسلامية واحدة ، وجد سماحته ان الامة الاسلامية في وقتنا الحاضر تمر بأزمة كبيرة تهددها في وحدتها ، فرفع سماحته راية الوحدة ، ان كان ذلك على صعيد الفكر او على صعيد الممارسة (بين السنة والشيعة على سبيل المثال).
- اما على الصعيد السياسي ، وبعد الاحتلال الامريكي على العراق ، وقيام الاحتلال ببناء مشروع سياسي انخرط فيه من انخرط ، كانت لسماحته مشاريع نهضوية على صعيد العراق (الميثاق الوطني العراقي) الذي قال في مقدمته :
((ومن خلال نظرة موضوعية تدرس هذه الأزمة دراسة علمية، يمكننا تقديم تحليل منطقي يضع اليد على عوامل هذه الأزمة ومناشئها ، وهي ثلاثة عوامل رئيسة:-العامل الأول :- احتلال العراق,وما أوجده هذا الاحتلال من تداعيات خطيرة ، وما أدى اليه من واقع مقيت ابرز مفرداته باختصار:-
1- سلب السيادة العراقية.
2- تفكيك بنية الدولة العراقية.
3- هندسة وبناء وضع سياسي جديد له مفاعيله المجتمعية بعيدا عن رأي وإرادة الشعب العراقي وفي مناخ غير طبيعي.
4- الانتهاكات التي جرت وتجري على يد المحتل والتدخلات التي يقوم بها من خلال هيمنته الاحتلالية)) .
ومن مفردات هذا المشروع ، كما يقول واضعه:
((1- رفض الوجود العسكري للقوات الاجنبية وعلى رأسها القوات العسكرية الامريكية والبريطانية واعتبار هــــذا الوجود في واقعه احتلالا عسكريا للعراق بغض النظر عن كل الصيغ التي تسبغ عليه.
2- المطالبة والعمل على انهاء الاحتلال بكل الوسائل المشروعة والمجدية وتحرير العراق من الوجود العسكري للمحتل في أقصر فترة زمنية ممكنة .
3- تحرير الارادة والقرار السياسي العراقي من كل اشكال التقييد والهيمنة والعمل على استعادة استقلال العــــراق وسيادته الكاملة غير المنقوصة على مختلف الاصعدة.
4- رفض كل اشكال التدخل الاجنبي المعاكس لمصلحة الشعب العراقي وللمشروع الوطني العراقي دوليا كان أو اقليميا.
5- الاعتراف بمشروعية مقاومة الاحتلال كحق انساني وقانوني كفلته الشرايع الدينية والقوانين الوضعية والاعراف الدولية.والتفريق بين المقاومة المشروعة والاعمال الاجرامية التي تستهدف الابرياء وتضرب أمن المجتمــــع العراقي والمدانة بمقتضى كل القيم والاعراف.
6- ضرورة الحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا ورفض كل المشاريع التقسيمية وكل ما من شأنه زعزعة الوحدة العراقية أو تمزيق النسيج الاجتماعي الواحد لأبناء الشعب العراقي.وبالتالي رفض الفدرالية سواء أقيمت علــــــــى أساس عرقي أو طائفي أو جغرافي، وتأمين الخصوصية الكردية من خلال الحكم الذاتي الذي يحافظ على وحـــــــدة العراق وإندماج الاخوة الاكراد في الشعب العراقي الواحد، وضمان خصوصية الاقليات الاثنية بما ينسجم ووحــــدة العراق ارضا وشعبا .
7- ابراز الهوية العراقية الوطنية الجامعة لابناء الشعب العراقي، والانتماء العربي والاسلامي للدولة العراقــــــــية.
8- الحفاظ على الهوية الحضارية الاسلامية للعراق والعراقيين مع التأكيد على حقوق كافة الأقليات الدينية والعرقية.
9- اعتماد المواطنة العراقية كأساس في التعاطي مع مختلف الشؤون الحياتية.
10- اتخاذ الكفاءة والنزاهة معيارا في تولي المناصب السياسية والادارية بغض النظر عن الانتماء الديني والمذهبي والعرقي ، ورفض الطائفية السياسية.
11- ضرورة تلاحم وانسجام أبناء الشعب العراقي ومكوناته والحفاظ على النموذج التأريخي والفريد للتعايش بين العراقيين، ونبذ النعرات المفرّقة، والعمل على تمتين وتعميق أواصر الإخوة العراقية.
12- كتابة دستور للعراق يجسد حالة الوفاق الوطني للأمة العراقية ليصلح إطارا سياسيا للدولة والمجتمع العراقي.
13- حل كافة المليشيات والتأكيد على أن حفظ الأمن والاستقرار هو وظيفة أجهزة الدولة,ورفض دمج المليشيات في قوى الجيش والشرطة والأمن.
14- بناء القوة العسكرية للعراق على أسس وطنية عقائدية تمثل المنظومة الوطنية العراقية،وأبعادها عن التجاذبات السياسية.
15- بناء دولة المؤسسات والقانون، وان يكون الحكم للمؤسسات الدستورية لا لفرد أو حزب أو جهة أو تيار.
16- ضمان التداول السلمي للسلطة في دائرة مفتوحة تعطي فرصا لازمة لكل الكيانات والشخصيات السياسية بما يضمن المشاركة الجماهيرية والتأثير الشعبي في صنع القرار، ورفض كل أشكال احتكار السلطة أو الاستئثار بها لقوة أو مجموعة قوى في دائرة مغلقة.
17- إنهاء مشاكل ومعاناة الشعب العراقي ، والحفاظ على ثرواته ، وضمان تطبيق العدالة الاجتماعية، والعمل على تحقيق التنمية بالأساليب الصحيحة والبرامج الناضجة المفضية إلى ازدهار الشعب العراقي ونهضة العراق.
18- التأكيد على الدور الفاعل والحيوي لكل مؤسسات المجتمع المدني والبنى الاجتماعية في العراق لا سيما الطبقة المثقفة والعشائر العراقية التي تلعب دورا فاعلا في حفظ وحدة العراق وصيانة الانتماء العربي والإسلامي له، وابراز الهوية الوطنية العراقية الجامعة)).
وكذلك ، كان له مشروعه القومي والاسلامي الوحدوي على صعيد الامتين العربية و الاسلامية.
ولاجل ذلك تحرك سماحته بين رجال العراق الوطنين وانشأ تجمعا سياسيا مناهضا للاحتلال وعمليته السياسية اسماه (التيار الوطني العراقي) بغية اخراج العراق من ازمته التي ادخله فيها الاحتلال ومشروعه السياسي.
ففكراصلاحي ، تجديدي ، تصحيحي ،كالفكر الذي يحمله سماحته لهو جدير بأن ينهض بالامتينالعربية و الاسلامية من كبوتهما ، ولهو جدير بأن يخرج العراق – ابن هاتين الامتين – من عنق الزجاجة التي وضعها فيه الاحتلال ومشروعه السياسي ، وليعود العراق الى سابق عهده ، البلد الذي لا تنهض الامة العربية بدونه ، ولا الامة الاسلامية ، وليكمل مسيرته الحضارية على كافة الاصعدة .
ان الراية التي خشي الدكتور احمد الشعلان ان تظل دون حامل لها ، هي راية ما زالت اكف الخيرين تحملها ، واذا كانت في يوم ما كف السيد فضل الله رحمه الله تحملها ، فقد حملتها ايضا اكف سماحة الامام المؤيد في الان نفسه ، وما زالت تحملها بعد انتقال السيد فضل الله الى جوار ربه.
ان سماحة الامام المؤيد فرض نفسه بعلمه ووسطيته وانفتاحه داخل الكيان الاسلامي كواحد من كبار مراجع الشيعة الامامية (الجعفرية) في العالم، و أسس مشروعه الفكري – على نطاق الفقه الجعفري او على النطاق القومي والاسلامي – الذي اراد من خلاله تمتين الوحدة الاسلامية وان يكون الشيعة الجعفرية جزءًا فاعلا في المعادلة السياسية والاجتماعية في العراق و المنطقة العربية والامة الاسلامية.
ومن طروحاته الفكرية على صعيد المذهب الشيعي الامامي/ الجعفري ، رفضه الغلو في الائمة ، ورفضه للكثير من الممارسات التي يقوم بها ابناء العامة من الشيعة في شهر محرم (عاشوراء) كالتطبير وضرب الظهر بالسلاسل، واللطم، وكذلك كان له رأي صريح وواضح في ما وصلت اليه الحوزات العلمية خاصة في النجف وحاجتها الى الاصلاح.
كان رأيه في بعض القضايا التاريخية، انها – تلك القضايا – عارية من الصحة ، أي انها تفتقد الى دليل شرعي وتاريخي ، كقضية مثل قضية الهجوم على بيت الزهراء ، وكسر ضلعها، واسقاط جنينها ، وما تبع ذلك من امور اخرجت الامام علي بن ابي طالب من صفاته المعروفة عنه كبطل اسلامي لا يشق له غبار ، وكعربي شهم يحافظ على بيته.
ان جرأة سماحة الامام المؤيد في فحص و نقد الكثير مما اعتبر من ثوابت المذهب الشيعي الاثني عشري ،وبالادلة الشرعية ، ورفضه اسطرة الائمة والواقع الشيعي الممتلئ بالخرافات والاساطير التي ادخلها فيه المفوضة القدامي والجدد على السواء ،جعلت منه مرجعا عربيا كبيرا له اتباع ومريدين ، او ما يسمون حسب تصنيفات الحوزة بالمقلدين.
نقول : ان الطريق طويلة وصعبة امام تصحيح وتجديد المنظومة الاجتادية الشيعية ، والعودة بها الى صفائها الجعفري الاول ، وامام المشاريع الوطنية والقومية والاسلامية الموحِدة ، وكلنا امل في سماحته وفي من يريد ان يشارك في حمل تلك الراية .
‏الاربعاء‏، 04‏ آب‏، 2010
-----------------------------
1 – ما احوجنا اليوم الى شخص كالدكتور خالد محمد خالد الذي وجه رسائل عدة الى شيخ الازهر الجديد (وقتذاك) يطلب فيها منه ان يصحح ما وصل اليه الازهر من امور سلبية .

ليست هناك تعليقات: