الجمعة، 17 ديسمبر 2010

ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية- من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد

ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية
من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد

داود سلمان الشويلي

(( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوى الجاهلية )).
(( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب )).
الرسول الاعظم (ص)

بداية علينا ان نؤكد على مسلمات انسانية ، وهي مسلمات اخلاقية قيمية متعارف عليها انسانيا ، اولها : ان الظلم حالة غير انسانية.
وثانيها : ان الوقوف بوجه الظالمين حق تكفله الشرائع الانسانية منذ بداية وجود الظالمين عبر التاريخ.
وثالثها : هو تمجيد هذا الواقف بوجه الظالم والظالمين .
اما على المستوى الديني – الدين الالهي لا الفكر الديني – (1) فقد جسد الدين تلك المسلمات الانسانية من خلال تقنينها وتشريعها ضمن البنية الدينية الالهية المنزلة.
ووقفة الامام الحسين بن علي ضد ظلم يزيد بن معاوية وما يمثله كملك من ملوك الدولة الاموية (2)، لا تخرج من تلك المسلمات الانسانية والدينية كذلك ،فهي وقفة او نهضة او ثورة ضد الظلم والظالمين – مهما كان نوع هذا الظلم ومن قام به – ، وتمجيد الامام الحسين من قبل المسلمين كافة والانسانية ايضا هو حق انساني وشرعي ، بل هو من المسلمات التي يعاب عليها أي مجتمع عند نسيانها او تناسيها .
في هذه السطور لا نريد ان ننتج قولا تم انتاجه قبلنا الاف المرات عن واقعة الطف ، الواقعة التي وقفها الامام الحسين واهل بيته وصحابته امام جيش الظلم والظالمين ، انما هدفنا هو استنطاق رأي فقهاء ومراجع الشيعة عما يرافق ذكرى التمجيد من ممارسات ( كاللطم وضرب الرؤوس بالسيوف والقامات ، وضرب الظهور بالسلاسل )اطلق عليها خطأ مصطلح الشعائر الدينية ، او الاسلامية ، او الحسينية ، وراحت مكبرات الصوت في الجوامع والحسينيات والمساجد تصدح بالاية القرآنية ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) [الحج -32 ]. عادين تلك الممارسات شعائر الهية.
ان الفقيه والمرجع الشيعي الجعفري الذي ستستنطق سطورنا رأيه الشرعي في الممارسات المرافقة للاحتفال بالذكرى السنوبة لواقعة الطف ، هو الامام الشيخ حسين المؤيد ، علما ان سماحته لم يخرج عن الرأي الشرعي للكثير من شيوخ المذهب الذين تصدوا لتلك الممارسات لتنزيه المناسبة مما يشينها من امور هي غريبة عنها وعن الفكر الاسلامي والعربي خاصة. (3)
***
بداية يقول سماحته عن واقعة الطف : ((لاشك في ان نهضة الامام الحسين عليه السلام لم تكن حدثا تاريخيا عابرا أو واقعة مأساوية كسائر الوقائع العادية التي تحفل بها الازمنة, وانما كانت واقعة من اهم الوقائع الكبرى التي يهتز لها الوجدان الانساني وتطبع بصماتها على الناس . وقلما يظفر المتأمل في سجل التاريخ بحادثة كحادثة كربلاء , وقضية كقضية أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام في اثارتها للوجدان الجماهيري وتحريكها للعاطفة الانسانية بصورة مستمرة وبالزخم نفسه الذي زلزلت به ساحة الاحداث في المقطع الذي وقعت فيه تلك الملحمة الخالدة التي ترائت للناس اسطورة في ماعرضته من مشاهد وسطرته من معاني وخلفته من آثار . وقد خلقت هذه الحادثة قاعدة جماهيرية متصلة تبنتها وتعهدت بالنضال في سبيلها هدفا وفكرا ومنهجا ورصيدا وعملا ،وكان لهذا الامر دوره في ادامة هذه القضية وترسيخها في الالباب والقلوب ، انها ظاهرة تناغم أخاذ بين هذه القضية التي توقد بحرارتها النفوس فتطفق تعبر عما يجول فيها من رؤى ومشاعر وبين هذه النفوس التي جندت لأداء وظيفتها ازاء هذه القضية كالزيت يحترق بالنار فيمونها لتبقى شعلتها ملتهبة وملهبة مادام له وجود . ))
وفي الوقت نفسه ، يعرض سماحته ما تعرضت اليه ذكرى الواقعة عبر التاريخ من ممارسات غير صحيحة لا شرعا ولا قيميا ولا اخلاقيا.
يقول سماحته : ((وقد تعرٌضت هذه القضية لافراط وتفريط ، أما التفريط فهو المحاولات غير المبررة لجعلها من الحوادث التأريخية العادية أو شبه العادية واعطائها طابعا محدودا وتسطيحها ، فضلا عن محاولات انسائها واقتلاعها من سجل الذكريات ، بل منع البعض من اظهار الحزن والبكاء وانشاد المراثي مدخلا لها في الجانب الشخصي للقضية وكانها من قبيل التفجع على موت انسان مع انها ليست كذلك جزما ,فان الحزن والبكاء والرثاء لاجل المظلومية امر تنزع اليه النفس الانسانية حسب فطرة الله التي فطر الناس عليها فكيف يحول الشارع بحكم بين النفس وما فطرت عليه وهذا غير التفجع لحادثة الموت نفسها حيث ان الموت هو قدر الله الماضي على جميع خلقه . وهذا يعبر عن جانب التفريط في القضية وهو امر لايتقبله منطق التاثير التاريخي . واما جانب الافراط فهو الذي يتعامل مع هذه القضية من خلال تضخيم بعض تفاصيلها استنادا الى روايات ضعيفة أو التركيز على جانب الماساة والمغالاة في تحريك العاطفة الانسانية ليتحول التعاطي معها الى حالة الانفعال العاطفي واهمال المحتوى العظيم والثر الذي يتصل بفلسفة هذه النهضة ودراسة ابعادها المتنوعة واستخلاص العبر والدروس منها واستنطاقها لتبقى الحادثة الملهمة على الدوام . وقد يصل هذا التركيز العاطفي الى درجة التعبير عن العاطفة وابراز التـفاعل مع المأساة بألوان واشكال من الممارسات التي تعطي صورة مشوهة عن الطريقة المعقولة في احياء الذكرى فتوجد انعكاسا سلبيا على الذكرى نفسها,بل يتسرب من خلالها الوهن الى القاعدة الفكرية التي تنطلق منها )).
من خلال هذا الطرح الشرعي يؤشر سماحته مكامن الخلل الذي اصاب ذكرى واقعة الطف / القضية من خلال ما رافقها من ممارسات هجينة عنها عملت بالضد مما اريد لذكرى تلك الواقعة على ان تبقى على مر التاريخ – بحسن نية او بدونها ، ولكنها بجهل مطبق - فكانت تلك الممارسات قد عملت على :
- تسطيح للقضية الاصل ومحدوديتها .
- محاولة نسيانها.
ومن ادوات ذلك :
- استنكار الموت – الحق الطبيعي والالهي – والجزع من الاستشهاد في سبيل قضية ما.
- المغالات في المأساة.
- صيرورة العاطفة الانسانية المسيطر عليها من قبل العقل الى انفعال عاطفي يعمي البصر والبصيرة عن كل شيء.
***
يستنكر سماحته تسمية تلك الممارسات بالشعائر ، الحسينية او الدينية او الاسلامية .
يقول سماحته اجابة عن سؤال حول ذلك:
(( لا يعد التطبير في حد نفسه شعيرة دينية ، لأن الشعيرة الدينية هي ما جعله الله تعالى من معالم دينه وعلائمه ، وليس التطبير كذلك ، فإنه لم يجعل شرعا من معالم الدين وعلائمه ، وإنما هو من مخترعات الناس وما تواضع عليه البعض لإظهار التفجع على الإمام الحسين عليه السلام ، مع أنه ليس من المصاديق المشروعة ولا الراجحة للتفجع ، ذلك أن مورد النصوص الواردة في هذا الباب هو عناوين خاصة معينة كالحزن والبكاء والتعزية والرثاء وهي عناوين لا تنطبق على مثل التطبير ولا تتسع له ، ولو فرض وجود إطلاق في هذه النصوص أو غيرها فإنه لا يشمل مثل التطبير وضرب السلاسل وما جرى مجراهما ، لانصراف الإطلاقات عنهما عرفا لعدم كونهما من المصاديق المنظورة في العرف العام والمتعارفة عقلائيا في هذا المجال ، مضافا إلى بعدها عن مذاق الشارع حسب المرتكزات المتشرعية ،الأمر الذي يوجب إنصراف الأذهان العرفية عنها في زمان صدور النصوص)) .
***
من خلال هذا الطرح الشرعي بحديه العلمي والموضوعي(العقلاني) ،يمكننا ان نقترب كثيرا من رأي سماحته الشرعي في ممارسة هذه الطقوس ونحن نعيش ايام شهر محرم الحرام – شهر عاشوراء – وذكرى استشهاد الامام الحسين وبعض اهل بيته وصحابته في واقعة الطف في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام قبل اكثر من الف وثلثمائة عام .
بداية يقول سماحته عن تلك الممارسات : (( إن هذه الأفعال تسيء إلى صورة الدين والمذهب وتشوه المضمون الحقيقي لإحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام ، ولا شك في ذلك لا سيما في زماننا هذا ولو في الجملة فتكون محرمة بالعنوان الثانوي . وهكذا يتضح أن التطبير وما جرى مجراه لا يندرج في شعائر الدين ولا في العناوين الجائزة أو الراجحة .)).
يفتي سماحته بحرمة القيام بتلك الممارسات ، فيقول :
1 – ((أن التطبير حرام شرعا فإن الذي أقدم على تطبير غيره يلحقه الإثم لأنه إرتكب من الناحية التكليفية فعلا محرما وإن لم يترتب عليه شيء من الناحية الوضعية حسب ما ذكرناه.)).
2 - (( لا يجوز التطبير و ضرب الزناجيل . و في ذلك إشكال شرعي ، فإن التطبير و ضرب الزناجيل عمل محرم ، و ليس ذلك من الشعائر الحسينية ، و اذا أتى الشخص به على أنه من الشعائر يكون مبتدعاً و يأثم إثمين إثماً لحرمة العمل نفسه ، وإثماً للابتداع .
ولا يعتبر من الشعائر الحسينية ، و طول الممارسة لا يجعلها شعيرة ، و إنما هي عادة خاطئة و عمل محرم .((
***
وينبه سماحته الى من يريد ان يتصيد في الماء العكر ، ويجعل من فتاوي رجال الاصلاح من فقهاء ومراجع ومن تصدى لتلك الممارسات نغمة يعزفها لاستدرار عاطفة العامة من الشيعة ، فيقول :
(( إن المعارضة للتطبير وما يجري مجراه ليست معارضة للشعائر الحسينية ومن الخطأ الفاحش أن ينظر إليها على أنها معارضة للشعائر الحسينية بل هي دعوة إصلاحية لتنزيه الشعائر الحسينية وإبرازها بالصورة الصحيحة والناصعة . ولماذا يتم إختزال إحياء قضية كبرى بمستوى قضية الإمام الحسين عليه السلام بمجموعة من الأساليب التي لم يرد بها نص شرعي ولا يقبلها العرف العقلائي العام وإنما جرت عليها العادة في فترة متأخرة من الزمن)).
ويتساءل بإندهاش ونحن معه : (( لماذا كل هذا التضخيم والتهويل والتشنيع على جهود المصلحين الهادفين إلى تنقية التراث وإصلاح الأفكار والسلوك . ولعل كثيرين يتذكرون الضجة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على مصلحين أجلاء لمجرد بيانهم لرأي أدى إليه إجتهادهم وتفكيرهم العلمي كتلك الهجمة التي واجهها الشيخ محمد الخالصي رحمه الله لمجرد أنه أفتى بعدم مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة . والهجمة الشرسة التي واجهها الإمام السيد محسن الأمين رحمه الله لمجرد أنه أفتى بلزوم تنزيه الشعائر الحسينية من الممارسات الدخيلة)) .
و يؤكد سماحته بشجاعة العالم الواثق من نفسه ومن مبانيه الفقهية: ((الإصلاح يشق طريقه مهما كانت المصاعب جمة ولا سيما في عصرنا عصر العلم والثقافة والرشد)).
***
يرى سماحته انه من المطلوب شرعا لايقاف مثل تلك الممارسات :
1 - النصح بترك التطبير [و]هو نصح في محله ونحن ندعم الدعوة إلى ترك التطبير.
2 - [ان] ما تفعله بعض المراكز الصحية في يوم عاشوراء من فتح باب التبرع بالدم هو أمرسديد وفيه ثواب جزيل وخدمة إنسانية وهو بديل صحيح ومناسب عن الممارسات غير الصحيحة وغير المشروعة .
3 - وختاما يقول سماحته : (( أتركوا التعصب للعادات والأعراف غير السليمة التي هي ليست من الأمور التي جاء بها الدين الحنيف أو أقرها ، وليس من الصحيح الجمود أو التعصب لأمور أو أساليب أقصى ما يقال فيها إنها من اختراعات بعض العوام ظنا منهم أو اعتقادا بأنها وسيلة صحيحة للتعبير عن التفجع على الإمام الحسين عليه السلام وإحياء قضيته العادلة .
وليس من الصحيح التعاطي مع الأساليب بنحو التعاطي مع المبادئ وإن التمسك يجب أن يكون بالمبدأ وبالحكم الشرعي وليس بالأسلوب الذي يمكن إستبداله بما هوخير منه وأجدى ، وليس ترك أسلوب معين أو إستبداله بأسلوب آخر محرما أو مكروها فلماذا التشدد والتعصب لأساليب معينة جرت عليها العادة في فترة من الزمن على حساب الأساليب الناجعة والمرغوبة ، ولا شك أن التطبير وما جرى مجراه يسيء إلى القضية أكثر مما يخدمها أو يحييها.
إن الدفاع عن الشعائر الحسينية لا يكون بالدعوة إلى الأساليب المسيئة وغير المشروعة أو العادات التي تجاوزها الزمن ، وإنما يكون بالعمل على إحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام وتحريكها في الوجدان والحياة بوصفها مدرسة بأبعادها الدينية والسياسية والإجتماعية وذلك بالأساليب التي تخدم هذه القضية ولا تسيء لها . كما إنه ليس من الصحيح مجابهة المخالفين للتطبير بما يخرج عن الشرع والأخلاق ليس إلا لأنهم دعوا إلى تنزيه الشعائر وإصلاحها فلا بد أن يحترم الرأي الأخر ولا تحاكم النوايا)).
***
الهوامش:
1- ان الاديان كرسالة الهية منزلة جاءت بعد تكون الافكار الانسانية مهما كان نوعها.
2 - ربما يستغرب البعض من تسميتي للقائمين بإدارة الدولة الاسلامية في الفترة الاموية بالملوك ولم اطلق عليهم مصطلح الخلفاء ، وهذا الاستغراب ان وقع منهم فهو استغراب يجب ان يوجه الى النبي (ص) لانه هو الذي اكده في حديثه عن ان الخلافة التي تمتد ثلاثين عاما وبعدها تصبح ملكا عضوضا .
3 - راجع كتابنا : رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري المنشور على مواقع الانترنيت.
ملاحظة :
المصدر الرئيس لفتاوي سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد موقعه الالكتروني: http://www.almaiad.com/cous.htm

ليست هناك تعليقات: