الأربعاء، 9 مارس 2011

وحدة الاديان السماوية - ج2- تقاليد وعادات شعبية توراتية

وحدة الاديان السماوية

الجزء الثاني

تقاليد وعادات شعبية توراتية (*)

داود سلمان الشويلي

هناك عادات وتقاليد شعبية اجتماعية توارثها الابناء عن الاباء منذ القدم، وساعدت عوامل كثيرة (دينية واجتماعية) على ابقائها حية في الثقافة الشعبية العامة،وهذه التقاليد والعادات مصادرها متعددة ، منها ما هو تاريخي يعود الى ازمان وحضارات سابقة ، ومنها ما هو ديني متأت من ديانات وثنية قديمة ، او ديانات سماوية .

وعند قراءة متأنية للتوراة (الاسفار الخمسة وغيرها) نجد الكثير من تلك العادات والتقاليد موزعة بين تلك الاسفار ، والتي ما زالت حية ومؤثرة في الثقافة الشعبية للكثير من الشعوب.

وهذا لا يعني انها ذات اصل يهودي (من مجتمع ابناء اسرائيل = يعقوب)، بل ربما هي عادات وتقاليد مرتحلة من ثقافات شعوب وحضارات اخرى عاش بينها بني اسرائيل وتأثروا بها واكتسبوها كما هو شأنهم دائما .

لقد اصبحت تلك العادات والتقاليد عند البعض من الناس – من غير اليهود - كالوصايا الالهية ، او الامور العلمية لا يأتيها الباطل من امامها ولا من خلفها ، وان الذي يسفهها ، بسبب كونها غير الهية المصدر ، اوبسبب لا علميتها، يعد عند البعض كافرا ، او متخلفا ، مع العلم ان تلك العادات والتقاليد هي المتخلفة .

ومن تلك العادات والتقاليد التي تنخر في جسد ثقافة المجتمع العراقي خاصة (1) ، الاتي منها :

1 - الوحم:

من المعروف ان الابناء يكتسبون صفات الاباء والاجداد (ذكرا او انثى ) ، وقد توصل العلم الحديث الى ذلك من خلال علم الوراثة ، ولا دخل لما هو خارج العائلة الواحدة .

الا ان بعض الناس لهم اعتقاد غير ذلك ، وهو ان الام اثناء حملها تتوحم بشيء ما ، فينتقل هذا الشيء الى طفلها.

فمثلا ، لو ان الام اثناء حملها طلبت بالحاح الحصول على اكلة ما ولم تحصل عليها او حصلت عليها بعد الحاح ، فأن وليدها سيظهر على بدنه ما يشير - رمزا – الى ذلك الشيء.

او لو ان المرأة الحامل أطالت النظر الى شخص ما، كأن تكون عيناه زرقاوين ، فإن وليدها سيولد ازرق العينين ، وهكذا.

الا ان التجارب لم تثبت هذا النهج ، وان كانت هناك حالة او اخرى قد وافقت هذا الوحم ، فليس معنى ذلك انه جاء بسبب ذلك الوحم.

وقد درس هذا الامر ابناء الحضارتين المصرية والرافدينية ، وخرجوا بنتائج علمية اقتصادية كبيرة الفائدة ، في المزروعات والحيوانات مثلا.

وفي منتصف القرن التاسع عشر ، قام العالم مندل بتجارب كبيرة ومكررة على نبتة البزاليا ،وتوصل الى نتائج علمية عظيمة جعلته يضع نظريات علم الوراثة التي طورها العلم فيما بعد حتى توصل الى اكتشاف الحامض النووي (DNA) الذي هو بمثابة شفرة الوراثة التي يحملها الكائن الحي وينقلها الاباء للابناء ، وليس في هذا العلم ما يسمى بالوحم.

هذا الاعتقاد – الوحم – يهودي المنشأ ، وربما أخذ من ثقافة المجتمع الذي عاشوا فيه هم او اجدادهم ، كالمجتمعات الرافدينية ، او المجتمعات المصرية ، او مجتمعات الشعوب والحضارات الساكنة على ارض فلسطين، الا انه وصلنا مدونا في التوراة او الادبيات اليهودية على انه ثقافة يهودية .

تذكر التوراة في سفر التكوين ، ان يعقوب وهو يرعى غنم خاله لابان مقابل الزواج من إبنته ، وبحيلة منه (2)، يستطيع ان يحصل على اكبر عدد ممكن من الاغنام.

يذكر التوراة:

(( - فاخذ يعقوب لنفسه قضبانا خضرا من لبنى و لوز و دلب و قشر فيها خطوطا بيضا كاشطا عن البياض الذي على القضبان

- و اوقف القضبان التي قشرها في الاجران في مساقي الماء حيث كانت الغنم تجيء لتشرب تجاه الغنم لتتوحم عند مجيئها لتشرب

- فتوحمت الغنم عند القضبان و ولدت الغنم مخططات و رقطا و بلقا

- و افرز يعقوب الخرفان و جعل وجوه الغنم الى المخطط و كل اسود بين غنم لابان و جعل له قطعانا وحده و لم يجعلها مع غنم لابان

- و حدث كلما توحمت الغنم القوية ان يعقوب وضع القضبان امام عيون الغنم في الاجران لتتوحم بين القضبان

- و حين استضعفت الغنم لم يضعها فصارت الضعيفة للابان و القوية ليعقوب

- فاتسع الرجل كثيرا جدا و كان له غنم كثير و جوار و عبيد و جمال و حمير )). (التكوين : 30 :37 - 43)

أي ان الاغنام قد توحمت عندما اوقفت اثناء حملها امام القضبان المخططة ، فولدت اغنام مرقطة وهي المتفق عليها.

***

2 - الاربعين:

زيارة الميت في الاربعين:

ما زال بعض المسلمين – في العراق خاصة – وفي مناسبات اجتماعية خاصة ، يعدون اربعين يوما لاجل القيام بشعيرة ما لتلك المناسبة .

فهم يقيمون لموتاهم ذكرى الاربعين (اربعين يوما بعد الوفاة) ، فيوزعون الاكل ثوابا على الميت ، ويقيمون العزاء ،ويزورون قبره ، ومثل هذا الفعل غير اسلامي ، حيث ان ما وصلنا من السنة النبوية يؤكد على ان ايام العزاء على الميت ليس اكثر من ثلاثة ايام ، وهذا ما تؤكد عليه المصادر الاسلامية عند وفاة صحابة الرسول في المعارك خاصة ، واستشهاد الحمزة عم الرسول ، ومن ثم العزاء عليه خير مثال على ذلك.

وفي العراق ، هناك زيارة الاربعين للامام الحسين ، وزيارة الاربعين لقبر الميت من العائلة. (3)

تذكر التوراة ان يوسف عندما توفي والده يعقوب امر: (( عَبِيدَهُ الأَطِبَّاءَ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاهُ. وَقَدِ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَهِيَ الأَيَْامُ الْمَطْلُوبَةُ لاسْتِكْمَالِ التَّحْنِيطِ.)).( التكوين:50 : 2 – 3)

وانتقلت شعيرة التحنيط – وهي ثقافة مصرية – الى ان تكون حزنا على الميت لاربعين يوما.

3 - اربعينية المرأة النفساء:

معرف جيدا من خلال الطب ان المرأة عندما تلد يصاب رحمها ومهبلها الكثير من التهتكات في غشائه وعضلاته ، فتحدث الالام، وتحتاج المرأة الوليدة – النفساء - الى فترة راحة بعيدا عن المجامعة الزوجية . إذ يقول الطب انها لا اكثر من عشرة ايام ، وليس لاربعين يوما كما تقول التوراة ، او كما هي عند النساء .

ومن تقاليد نساءنا - في العراق خاصة - ان تمتنع المرأة عن الاتصال الجنسي خلال اربعين يوما ، ويصفها البعض بأنها نجسة حتى تغتسل وتتطهر، وهذا التقليد اراه مأخوذا من التوراة ، وهو تقليد إما ان يكون اصيلا خاص بالشعب اليهودي (بني اسرائيل) او ان يكون مكتسبا من الحضارات الاخرى.

تذكر التوراة:

(( - و كلم الرب موسى قائلا

- كلم بني اسرائيل قائلا اذا حبلت امراة و ولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام كما في ايام طمث علتها تكون نجسة

- و في اليوم الثامن يختن لحم غرلته

- ثم تقيم ثلاثة و ثلاثين يوما في دم تطهيرها كل شيء مقدس لا تمس و الى المقدس لا تجيء حتى تكمل ايام تطهيرها )).( الاحبار: 12 : 1 – 4 )

***

وعن الرقم اربعين (التوراة مولعة بالارقام ، كالرقم سبعة ، والرقم اثني عشر ، والرقم اربعين) تذكر التوراة ، في مكان اخر ، ان موسى قد اختفى : (( فِي وَسَطِ السَّحَابِ وَصَعِدَ إِلَى الجَبَلِ حَيْثُ مَكَثَ هُنَاكَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً)).( الخروج:24 :18)

***

4 - القتيل في البيداء:

لم تطبق الشرطة ولا يكتفي رجال القانون بما جاء في التوراة من ممارسات لمعرفة القاتل المجهول والتي سنتحدث عنها في السطور القادمة .

هذه الممارسات ما زالت تمارس بين ابناء العشائر في العراق .

فإذا وجد شخصا مقتولا في ارض خالية غير معروفة المالك ، فيقومون بحساب المسافة بين مكان القتل واقرب مَعلـَم (زرع ، او بناء )، ثم يعرفون ملكية هذا المعلم ، فتقع على صاحبه دية المقتول ، ولا يعني هذا ان الشخص صاحب المعلم هو القاتل.

تقول التوراة:

(( - اذا وجد قتيل في الارض التي يعطيك الرب الهك لتمتلكها واقعا في الحقل لا يعلم من قتله

- يخرج شيوخك و قضاتك و يقيسون الى المدن التي حول القتيل

- فالمدينة القربى من القتيل ياخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالنير

- و ينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة الى واد دائم السيلان لم يحرث فيه و لم يزرع و يكسرون عنق العجلة في الوادي

- ثم يتقدم الكهنة بنو لاوي لانه اياهم اختار الرب الهك ليخدموه و يباركوا باسم الرب و حسب قولهم تكون كل خصومة و كل ضربة

- و يغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل ايديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي

- و يصرحون و يقولون ايدينا لم تسفك هذا الدم و اعيننا لم تبصر

- اغفر لشعبك اسرائيل الذي فديت يا رب و لا تجعل دم بري في وسط شعبك اسرائيل فيغفر لهم الدم

- فتنزع الدم البري من وسطك اذا عملت الصالح في عيني الرب )).( تثنية الاشتراع : 21 : 1 – 9 )

***

5 - عذرية المرأة:

ما زالت عذرية المرأة – كما هي من زمان قديم - تشكل هاجسا مؤرقا وكبيرا لعائلتها ولها ايضا ، بل ان شرف العائلة يقاس بحفظ تلك العذرية مهما فعلت المرأة بالسر او العلن من امور تعد مخلة من الناحية الاخلاقية اوالاجتماعيا او الشرعية ، وقد قال سابقا – في النصف الاول من القرن الماضي - أحد اعمدة التمثيل المصري (يوسف وهبي): (ان شرف المرأة كعود الثقاب) ، أي انه يشتعل لمرة واحدة ، وهذا صحيح في ذلك الوقت ، اذ لم تصل عمليات ترقيع غشاء العذرية المزال قبل الزواج . (4)

وعندما يجد الزوج - ليلة العرس الاولى - إن زوجته فاقدة العذرية، فإنه إما ان (يسترها) – يسكت عليها دائما او لاجل محدد يتفقون عليه فيما بينهم – او ان يخرج ويخبر عائلته التي تقوم بإرجاع العروس الى اهلها ، حيث تقتل هناك، اما مباشرة ،ويردد الاهل قائلين (اصبع خاس وقصيناه) او ان بتأكدون من سلامة العذرية ، فإذا كانت العذرية سالمة ، يطالبون اهل العريس بالفصل العشائري ، وعندما تكون النتيجة سلبية يقتلون الفتاة ، ويسمى هذا القتل : القتل غسلا للعار.

جاء في التوراة:

(( - اذا اتخذ رجل امراة و حين دخل عليها ابغضها

- و نسب اليها اسباب كلام و اشاع عنها اسما رديا و قال هذه المراة اتخذتها و لما دنوت منها لم اجد لها عذرة

- ياخذ الفتاة ابوها و امها و يخرجان علامة عذرتها الى شيوخ المدينة الى الباب

- و يقول ابو الفتاة للشيوخ اعطيت هذا الرجل ابنتي زوجة فابغضها

- و ها هو قد جعل اسباب كلام قائلا لم اجد لبنتك عذرة و هذه علامة عذرة ابنتي و يبسطان الثوب امام شيوخ المدينة . (5)

- فياخذ شيوخ تلك المدينة الرجل و يؤدبونه

- و يغرمونه بمئة من الفضة و يعطونها لابي الفتاة لانه اشاع اسما رديا عن عذراء من اسرائيل فتكون له زوجة لا يقدر ان يطلقها كل ايامه

- و لكن ان كان هذا الامر صحيحا و لم توجد عذرة للفتاة

- يخرجون الفتاة الى باب بيت ابيها و يرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت لانها عملت قباحة في اسرائيل بزناها في بيت ابيها فتنزع الشر من وسطك )).( تثنية الاستراع : 22 :13 – 21 )

***

6 - العد والحسد:

من العادات المتفق عليها بين بعض عامة ابناء المجتمع العراقي هو انه عند عد مجموعة من الاشخاص لسبب ما ، يقوم هؤلاء الاشخاص بحك فروة رؤوسهم خوفا من الحسد .

جاء في التوراة:

(( - و كلم الرب موسى قائلا

- اذا اخذت كمية بني اسرائيل بحسب المعدودين منهم يعطون كل واحد فدية نفسه للرب عندما تعدهم لئلا يصير فيهم وبا عندما تعدهم

- هذا ما يعطيه كل من اجتاز الى المعدودين نصف الشاقل بشاقل القدس الشاقل هو عشرون جيرة نصف الشاقل تقدمة للرب )).(الخروج : 30 : 11 - 13).

فبدلا من الفدية ، يقوم الشخص بذلك العمل.

***

الهوامش:

* يجد بعض القراء ان لا علاقة مباشرة بين العنوان الرئيس للدراسة (وحدة الاديان السماوية) وبين العنوان الثانوي (تقاليد وعادات شعبية توراتية)، الا ان قراءتي للكتب السماوية الثلاث لتقديم دراسة عن وحدة الاديان السماوية ، ترشحت من خلال تلك القراءة بعض الموضوعات رأيت من الفائدة تقديم دراسات عنها، لهذا كانت هذه الدراسة وغيرها.

1 - اتحدث هنا عن المجتمع العراقي الجنوبي خاصة ، وهذا لا يعني عدم وجود مثل هذه التقاليد والعادات في بلدان اخرى عربية او غير عربية ، لهذا اهيب بالقاريء العربي ان يغني هذه الدراسة بما يعرفه من تلك العادات والتقاليد ان وجدت في مجتمعه.

2 - في التوراة يقوم الكثير من انبياء اليهود بحيل ماكرة كثيرة.

3 – لا اقصد زيارة قبر الميت في أي وقت كان.

4 – هناك تعبير عامي يستخدمه ابناء المجتمع العراقي بعد ان يقوم الزوج بإزالة عذرية زوجته ، هذا التعبير هو : اخذ وجهها .

إذ يرمزون بالوجه حياء الى غشاء العذرية ، والوجه في الوقت نفسه يرمز لكيان الانسان اجمعه ، وهذا يعني ان الزوج قد إمتلك المرأة شرعا.

5 – ما زالت ام العروس تحضر قطعتي قماش بيضاء صغيرتين تضعهما تحت وسادة ابنتها العروس ليلة الدخلة (الليلة الاولى للعرس) فتقوم الفتاة – العروس، بعد ازالة بكارتها من قبل زوجها بتلطيخهما بدم العذرية ، وتقوم ام العروس بأخذ احدى القطع لتريها والد الفتاة ،شهادة على عذريتها ، وتأخذ ام العريس القطعة الثانية لتريها ابي العريس شهادة على رجولة ابنه .

في السنوات الاخيرة تبقى قطعتي القماش مع العروسين خشية أي اتهام مستقبلا.

‏08‏/03‏/2011

ليست هناك تعليقات: