الأحد، 15 يونيو 2014

فليحة حسن والقصيدة ألايروتيكية !

فليحة حسن والقصيدة ألايروتيكية !



داود سلمان الشويلي
((توطئة:قبل أن تشير أصابع المنون صوب أبي، جاء إليَّ ذات حنين ليهمس لي:
« أي بنيتي احتفظي بهذا ، فهو العلامة على أصلك ، ودونه ستبقين مقيمة مع غير بني جلدك !»
وأخذته لأرى حجراً ما هو بحجر وإشارات لم افهم كنهها وخطوطا دقيقة لا ادري الى أين تصل أو توصلني ، 
قال : «هو من جد جدي توارثه ويعود الى ملك الحبشة الذي ابنه بلال – وأكد الحبشي مؤذن الرسول – «أخذته ، وبحقيبتي صرتُ احمله وكان صغيراً ، غير إن مَنْ كان يقاسمني حياتي تحت مسمى زوج ، رماه – كما اخبرني – في بالوعة البيت ظناً منه انه مضروب عليه سحر! 
ومن ذاك اليوم وأنا أعيش غربات متراكمة 
فكتبت هذه القصيدة كشفاً لسر لوني أنا المولودة في (بانيقيا) روحاً وحزناً وشعراً !)).
هذا ما كتبته الشاعرة مقدمة لاحدى قصائدها المنشورة في موقع الحوار المتمدن.
ولنقرأ معا قصيدة ثانية لها وصفتها بـ (قصيدة أيروتيكية !)، عنوانها )أبي وأمي )
تقول فيها :
* (( تلكزني براءتي
وهي تشير لتجعد فراش أرضي 
........
بينما السرير ببلاهة شراشفه 
ينزوي مطروداً في ركن الغرفة !
وتستطيل ابتساماتهم مع طيش الأغطية 
....
....
هما وحدهما (والفراش (
اثبتا لي براءتي وبلادة السرير المرتب 
....
....
....
وحتى بعد أن ورّثاني (الأثاث) والأطفال ....والتجاعيد تحت العينين !
لما أزل تحيرني استطالة ابتساماتهم كلّما صنع الفراش له أثرا في السجاجيد 
بينما أنام بتوسط أولادي 
فوق سرير مرتب بليد ؛)).          
للايروتيكية سفر طويل في الادب والتاريخ العربي والاسلامي خاصة ، وعندما جاء الاسلام كثر الحديث عنها بصورة مباشرة او غير مباشرة بعد ذلك ، وقد ناقش القرآن الايروتيكية بصورة عامة او خاصة ، ووضع لها قوانين وتشريعات وحدود وشروط ، وتلا ذلك ايضا ما سمي في الادبيات الاسلامية باحاديث النبي ، ومنقولات الصحابة ، خاصة المنقولات التي جاءت على لسان السيدة عائشة زوج النبي من احاديث سمعتها – او قيل هكذا – من فم النبي وكلها او بعضها تنقل لنا في خبايا الفاظها ما يمكن ان نطلق عليه مصطلح الايروتيكية ، والتي يمكن ان ندعوها بالايروتيكية الاسلامية.
عن عائشة ((حتي تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .)).
بعدها كتب في الايروتيكية الاسلامية رجال دين كبار مثل الرازي ، والجاحظ ،   والسيوطي ، والنفزاوي ، وغيرهما الكثير .
كل هذه الكتب ( راجع دراستنا الطويلة : الجنس في التراث العربي - ودراسات اخرى) قدمت الايروتيكية الاسلامية بمواصفاتها وشروطها الاسلامية ، وبالقواعد التي وضعها الاسلام دينا وفكرا والتي صاغت قواعد الاحترام لمبادئ سلوك عام  للانثى والذكر.
ومن الصفات التي يتصف بها هذا الارث الايروتيكي ، وهو ارث ضخم جدا ، انه ابعد كل ما له علاقة بما يسمى ( ادب المواخير ) او ( الاباحية ) الا ما ندر – الذي يمكن ان نعده من ادب المجالس الليلة -، اي انه ابعد الجسد من ان يكون هو الحصيلة النهائية لمتحصل وحيد ، اذ ناقش هذا الارث الكبير الايروتيكية من خلال وضعها في موضع انساني ،لا حيواني ، مما جعل لها شروطا انسانية ، وكذلك فانه سمى الاشياء بمسمياتها ، ولم يختف وراء تسمية مضلله ،او رمزية.
الشاعرة والكاتبة فليحة حسن لها دراسات كثيرة عن الايروتيكية ، ولها قصائد اسمتها ( قصائد ايروتيكية) مثل هذه القصيدة التي نحن بصدد قراءتها قراءة تنطلق مما حفلت به الايروتيكية الانسانية والاسلامية من معان سامية في جعل الكائن الحي يتمتع بانسانيته بصورة مثيرة وجنسية بعيدا عن عالم الغريزة الحيوانية والسلبية في امتلاك الجسد الاخر.
تثير قصيدة ( ابي وامي ) لفليحة حسن مسالة مهمة نعيشها نحن البشر كمسالة انسانية يومية وهي العلاقة بين الرجل ( الذكر ) والمرأة ( الانثى ) ونوعية هذه العلاقة والتي تسميها الشاعرة عندما تصف قصيدتها هذه بـ (قصيدة أيروتيكية ) ،وما تتركه من امور مادية في الاشياء ، ومعنوية فينا .
بداية تسمي الشاعرة قصيدتها هذه بـ ( قصيدة ايروتيكية ) ، وهذا معناه انها وصفت الموضوعة التي عالجتها فيها بانها ( ايروتيكية) ،اي (متعة)او( مثيرة للشهوة الجنسية)، اي ان ما في القصيدة سينصب نحو ( المتعة) والمتعة الجنسية خاصة ، اي ان ما تثيره من امور هو شعور واحاسيس متبادلة بين رجل ( ذكر ) وامرأة ( انثى ) ، وليس موضوعا خارج هذه الدائرة ، هذه المشاعر وتلك الاحاسيس تأتي من فعل يحدث بين اثنين ، ولا يحدث هذا الفعل في الفراغ بل انه يحدث على ( فراش ) ارضي ، بين كائنين انسانيين لاتربطهما علاقة حيوانية ، بل علاقة جنسية انسانية.
مرتان تذكر القصيدة السرير ، مرة كمطرود ، ومقصي:
* ((بينما السرير ببلاهة شراشفه 
ينزوي مطروداً في ركن الغرفة !)).
ومرة كسرير مرتب لكنه بليد:
* ((فوق سرير مرتب بليد ؛)).
السريران ليس لهم علاقة بما يجري على فراش بعيدا عنهما.
الفراش ، وفي كليهما يكون مجعدا ، او يصنع اثرا في السجادة التي تحته.
* ((وهي تشير لتجعد فراش أرضي )).
* ((لما أزل تحيرني استطالة ابتساماتهم كلّما صنع الفراش له أثرا في السجاجيد((.
الفراش هنا بعيد عن السرير ، اذ ان السرير ظل مبعدا عما يجري على الفراش الذي انتزع منه ، فظل مطرودا ومقصيا وبليدا ، والفراش هو الارض التي تحصل عليها العملية الجنسية بين الذكر والانثى، فكان ان تجعد ، وصنع له اثرا ي السجادة المفروشة اسفله.
ولو عدنا الى شكل القصيدة الكتابي ( الطباعي ) لرأيناها قد استخدمت فيها اسطر منقطة .
اذ تتكون القصيدة من اربع مقاطع شعرية غير متساوية الطول او عدد الابيات ، تفصل بين مقطع واخر اسطر فيها نقاط ، بين المقطع الاول والثاني سطر واحد ، وبين الثاني والثالث سطرين ، وبين الثالث والرابع ثلاثة اسطر.
هذا التقسيم الهندسي للقصيدة منحها بعدا ايقاعيا غير مرئي ، فاغنت بذلك القصيدة من ناحية الدلالات فيها ، وتوليد المعاني.
ان استخدام هذا الشكل في الكتابة ( = الطباعة ) منح لغتها اضافة لما قلناه طاقة تبليغية بصرية ، من ناحية ، ومن ناحية اخرى طاقة تبليغية سماعية ، لان هذه الاسطر ما هي الا توقفات في قراءة النص .
التقطيع في النص بواسطة هذا الاستخدام لاسطر النقاط يعطي النص زخما مطردا في اللغة والايقاع ،ومن ثم في رسالته التبليغية البصرية والسمعية ، لهذا نراه مرة يستخدم سطرا واحدا من النقاط ، اذ يحدث التوقف لفترة قصيرة ، ومرة اخرى لفترة اطول من الاولى ، وثالثة اطول من الاثنين .



ليست هناك تعليقات: