الخميس، 24 يونيو 2010

التصحيح والتجديد الاجتهادي في المذهب الشيعي- المرجع الديني سماحة اية الله الامام الشيخ حسين المؤيد انموذجا - ج2

التصحيح والتجديد الاجتهادي في المذهب الشيعي
المرجع الديني سماحة اية الله الامام الشيخ حسين المؤيد انموذجا

ج2(1)
(الشفاعة في فكر الامام الشيخ حسين المؤيد)

داود سلمان الشويلي
يمر الفكر الشيعي الاثني عشري اليوم بازمة ذاتية وموضوعية ، فهو من حيت انه فكر يعتمد الاجتهاد ، والعقل ايضا ، فهو فكر منغلق في الوقت نفسه ، و المتأخرون ما زالوا يعيدون ما قاله الاوائل في اكثر من منحى وقضية ، وشاعت فيه الخرافات والغلو .
واذا كان هذا الفكر الى ما قبل سنوات قد تحصن في الحوزات العلمية (في النجف وقم) وبين المختصين فقط ،فإن ثورة الاتصالات والانترنيت وثقافة السيدي جعلته اكثر انفتاحا، ليس على الاخر فحسب ، بل انفتح امام ابنائه العامة والخاصة ، فارتفع عنه الغطاء (كما صور غورباتشوف في كتابه البيروسترويكا في نهايات القرن الماضي الشعب السوفياتي المضغوط في قدر يغلي) ، وانكشف المستور ، وراحت الفضائيات تزيد الطين بله تنشر ما لم ينزل الله به من سلطان ، فإنبرت بعض اصوات خاصته – وما اقلهم – الى اعادة النظر فيما قيل ، لمنحه الحيوية في زمن اصبح فيه العالم كالقرية العصرية، ومن بين هذه الاصوات المرجع الديني الامام سماحة الشيخ حسين المؤيد.
وقد قدم كاتب هذه الدراسة قبل اشهر ، دراسة عن مناحي التجديد الاجتهادي والفكري عند الامام المؤيد ونشرها على مواقع الكترونية عديدة ، فها هو الجزء الثاني منها ، الذي يسلط الضوء على واحدة من اهم المسائل العقدية في الفكر الديني العالمي والفكر الاسلامي خاصة والشيعي الاثني عشري على الخصوص ، وهي مسألة الشفاعة.
***
من المسائل العقدية التي اشتركت فيها الاديان كافة – السماوية والوضعية – هي مسألة الشفاعة ، واخذت لها مساحة واسعة في الدراسات الفلسفية والكلامية(2)، وباتت عند المؤمنين - بتلك الاديان- شغلهم الشاغل وحلمهم الذي يرجون التحقق يوم الاخرة،ليفوزوا الفوز العظيم ، انها صارت ثقافة عامة منذ فجر التاريخ الى يومنا هذا.
الا ان الاختلاف الذي وقع بين الاديان ومن ثم بين المذاهب داخل كل دين في هذه المسألة، جعلها تتربع على عرش الدراسات تلك ، ومن ثم وضع لها الكثير من الاحاديث(3)- على صعيد الدين الاسلامي - التي تؤيدها من خلال الشافع والمشفوع اعتمادا على العشرات من الايات القرآنية ، فراحت كافة المذاهب الاسلامية تضع الاحكام لها ، وتتفنن بذكر من يشفع ومن الذي يشفع له.
ووضعت الاسئلة:
- هل هي خاصة بالمؤمنين ام لغيرهم، خاصة اصحاب الكبيرة ؟
- من هم المشفعون ،هل الانبياء يشفعون ام ان النبي محمد (ص) فقط يقوم بهذا الدور ، وهل هناك غيرهم؟
وهناك من وسع وهناك من ضيق .
وقد ناقش الفكر الشيعي هذه المسألة وتوصلوا الى ان من يقوم بالشفاعة هم : الأنبياء والشهداء والعلماء ص6 ، و القرآن ص22 ، والصالحون، والمؤمنون ،وخاصة النبي (ص) والائمة .
(( والشفاعة ثبتت عندنا للنبي ( ص ) وكثير من أصحابه ولجميع الأئمة المعصومين وكثير من المؤمنين الصالحين . . .)) كما يقول الطوسي ص26 .
و قال الامام على بن ابي طالب( لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة) كما يذكر الصدوق ص20.
وقال الشيخ المفيد : (( اتفقت الإمامية على أن رسول الله ( ص ) يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمته ، وأن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته ، وأن أئمة آل محمد ( عليهم السلام ) كذلك ، وينجي الله بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين )). ص25.
وفي اجابة للمرجع الديني السيد علي السيستاني عن سؤال جاء فيه: ( لمن الشفاعة الكبرى يوم القيامة ؟ 1 - الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - ؟ 2 - فاطمة الزهراء - عليها السلام - ؟ 3 - علي بن أبي طالب - عليه السلام - ؟) قال :
(( رسول الله - ص - صاحب الشفاعة الكبرى ففي الأحاديث أن الأنبياء أيضا بحاجة إلى شفاعته والمراد من الشفاعة أن ولايته أي متابعته والإيمان به لو لم ينضم إلى العمل لم ينفع . ولا يبعد أن يقال أنها بهذا المعنى لا تختلف بالنسبة إلى الرسول (ص) ، فإنه كما لا ينفع العمل من دون ولائه (ص) كذلك لا ينفع من دون ولائهم سلام الله عليهم)) .( استفتاءات - السيد السيستاني - ص 242 - 243).
وجاء في تفسير الإمام العسكري (ع) - المنسوب إلى الإمام العسكري (ع) - ص 37 – 38:
(( ... شفاعة المؤمنين : فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسعة وتسعين رحمة فيرحم بها أمة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة حتى أن الواحد ليجئ إلى مؤمن من الشيعة ، فيقول : اشفع لي . فيقول : وأي حق لك علي ؟ فيقول : سقيتك يوما ماءا . فيذكر ذلك ، فيشفع له ، فيشفع فيه ، ويجيئه آخر فيقول : إن لي عليك حقا ، فاشفع لي . فيقول : وما حقك علي ؟ فيقول : استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار . فيشفع له ، فيشفع فيه ، ولا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه ، فان المؤمن أكرم على الله مما تظنون )).
في هذا التفسير يتخصص المؤمن بالشيعي فقط.
ومن هذا الفهم الشيعي للشفاعة ، تأثرت الحياة الدنيا للشيعة ، حتى وصل الامر الى القول ان زيارة ضريح الامام الحسين تدخل صاحبها الجنة، وغير ذلك، فبدأ الاتكال ، وضاعت الفرائض الالهية.
(( عن أبي عبد الله ( ع ) قال : من زار الحسين بن علي ( ع ) في شهر رمضان ومات في الطريق لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة آمنا )).(موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 4 - ص 299 – 304 – ط الأولى 1423 – 2002 م - دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان - شارع دكاش)
عن جعفر بن محمد ((من جاءه خاشعا محتسبا مستقيلا مستغفرا فشهد قبره في احدى ثلاث ليال من شهر رمضان أول ليلة من الشهر وليلة النصف وآخر ليلة منه تساقطت عنه ذنوبه وخطاياه)). (المصدر السابق)
((وروى عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) إني سمعتك وأنت تقول : كل شيعتنا في الجنة على ما كان منهم . قال : صدقتك كلهم والله في الجنة قال : قلت جعلت فداك إن الذنوب كثيرة كبار . فقال : أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي ولكني والله أتخوف عليكم في البرزخ . قلت : وما البرزخ ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة))0 (ثلاث رسائل ، العوائد والفوائد - السيد مصطفى الخميني - ص 37)
واخيرا يقول محرر (الشفاعة حقيقة إسلامية) في صفحته الاخيرة : ((وأن الرسول ( ص) والأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) والصالحين والعمل الصالح والقرآن والملائكة كلهم يشفعون للذين يستحقون الشفاعة))
***
تعريف الشفاعة:
تعرف (4)الشفاعة لغة : (شفع شفعا ، الشئ صيره شفعا أي زوجا بأن يضيف إليه مثله ، يقال كان وترا فشفعه بآخر " أي قرنه به " . وتقول " شفع لي الأشخاص " أي أرى الشخص شخصين لضعف بصري ، وشفع شفاعة لفلان ، أو فيه إلى زيد : طلب من زيد أن يعاونه وشفع عليه بالعداوة : أعان عليه وضاده . وتشفع لي وإلي بفلان أو في فلان : طلب شفاعتي).
اما اصطلاحا فهي : (نوع من الدعاء والرجاء)و (رفع العقاب عن المذنبين) ص10.
هذا يعني ان طرفا ثالثا يسمى الشافع دخل في الوسط بين الطرف الاول المتشفع منه (المشفع) والطرف الثاني المتشفع له.
وهو ما يسمى مجازا بـ (الواسطة) بين طرف واخر، او في مفهوم المشركين قبل البعثة بمعنى :(المتخذينهم زلفى ، أي المتقرب بهم ) مع العلم ، يقول القرآن الكريم:
(وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (سـبأ:37)
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر:3)
وقد وردت الشفاعة وتصريفاتها في القرأن الكريم في اكثر من اية:
*(لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) (مريم:87)
*(يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109)
*(وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (سـبأ:23)
*(قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزمر:44)
*(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف:86)
*( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:48)
*( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:123)
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة:254)
*( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (النساء:85)
*( كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين * فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة *فرت من قسورة ).(38 - 51 )
*( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين * الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون *ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون *هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون). (50 - 53 )
*( ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ) (الروم:13)
*( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) (الزمر:43)
*( فكبكبوا فيها هم والغاون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) (الشعراء : 94 - 101)
*(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18)
*( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255)
*(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام:51)
*(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) (الأنعام:70)
*(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3)
*(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة:4)
*(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (غافر:18)
***
اذن، من يملك فعل الشفاعة هم :
- مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً.
- إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً.
- إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ.
- إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ.
والمنفي عنهم الشفاعة:
- من يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ.
- لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ.
- المشركون.
- المجرمون.
- اِلظَّالِمِونَ.
- الذين نسوا الدين.
- الكافرون.
- الممتنع عن الانفاق.
- المفترون.
- الغاوون .
- جنود إبليس أجمعون .
- المكذبون بيوم القيامة.
- اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.
فيما الفكر الشيعي يذكر بلا دليل موثق اؤلئك الذين يملكون الشفاعة (بإذن الله) وهم:
- النبي (ص).
- السيدة فاطمة الزهراء.
- الامام علي بن ابي طالب و الائمة.
- الشيعة المؤمنون.
- الشهداء.
- العلماء.
- الصالحون.
وحتما ان الشهداء والعلماء والصالحين هم فقط من الشيعة طالما خص الشيعة من المؤمنين فقط .
دراستنا هذه تناقش هذه المسألة عند الامام الشيخ حسين المؤيد ، الذي رفع راية الاصلاح في المذهب الشيعي (5) فضلا عن انه صاحب مشروع اصلاحي وطني واسلامي .
***
الشفاعة عند الشيخ المؤيد:
ناقش الشيخ هذه المسألة انطلاقا من قواعد اساسية ذكرها الشيخ، منها :
1- ان الشفاعة قضية تعيش في وجدان الناس و تنعكس على سلوكهم و طريقة تفكيرهم و نظرتهم الى الأمور ، و هي مضافاً الى أنها تلتقي مع نزعة في نفس الانسان تميل الى التشبث يأطواق النجاة و ان على مستوى الامل ، فانها اتخذت بدوافع سياسية و مصلحية أيضاً لتبرير تصرفات الظالمين و من على شاكلتهم و ترميم صورتهم بين الناس و تسكين خواطرهم ازاء ما يصدر عنهم من سيئات.
2- إنّ تكوين مفهوم صائب عن الشفاعة يجب أن يمر عبر التركيز على ما ورد في القرآن الكريم و جعله الأساس الذي بناءً عليه يتم التعامل مع ما ورد في الشفاعة من أحاديث فلا يؤخذ الا بما ينسجم و المعطيات الموجودة في القرآن الكريم ، و يترك ما عدا ذلك وان كان له سند معتبر ، لأن اعتبار السند لوحده لا يكفي في حجية الحديث و انما يجب التأكد من سلامة المتن أيضاً على أساس عدم التنافي مع محكمات القرآن الكريم و مسلمات العقل و الفطرة .
ومن هذه المنهجية العلمية / الواقعية (بدوافع سياسية و مصلحية) ، ناقش الشيخ الامام مفهوم الشفاعة فكانت (نظريته) او رأيه الذي لا يبتعد عن القرآن الكريم .
***
وان نظرية الشيخ الامام ، تعتمد على :
1 - أن الأصل و القاعدة العامة في الثواب و العقاب و الجزاء هيَ الإيمان و العمل.
2 - ان للشفاعة دوراً في يوم الجزاء و ان لم تكن الأصل و القاعدة لكنها عامل مساعد .
3- ان قرار الشفاعة بيد الله تعالى وحده ، فهو مالك الشفاعة و اليه يرجع أمرها ، و ليس هناك تفويض عام بها لأحد من دون الله عز و جل.
4- إن الشفاعة يوم القيامة لا تكون الا بإذن من الله عز و جل في ذلك اليوم فليس لأحد أن يبادر بالشفاعة لأحد.
5- ان تأثير الشفاعة يتوقف على أمرين :- الأول :- اذن الله تعالى بالشفاعة . الثاني :- رضاه بها .
6- انّ الشفاعة لا تكون في كل المجالات.
7- أنّ الاذن بالشفاعة لن يعطى الا اذا ارتضى الله تعالى الشفاعة للمشفوع له، و لعل هذه الغيبية تأتي في سياق يربي الناس على عدم الاتكال على الشفاعة بدلاً من العمل.
8- لم يذكر القرآن الكريم تفاصيل المجالات التي تقبل فيها الشفاعة.
9- لم يتحدث القرآن الكريم عن تفاصيل الشافعين.
ونفهم من اعلاه :
انها بيد الله، ولا تفويض عام بها الا لمن يرتضيه و يأذن له الله، ليست عامة ،وعلى المؤمن ان لا يتكل عليها لان ايمانه وعمله هما العاملان المساعدان في الحصول عليها.
فيتوصل الشيخ الى نتيجة مفادها :
1 - أن الشفاعة قضية محدودة بحدود معينة و انها ترتبط باذن الله تعالى و لها مجالات معينة و لا تكون الا في حق أشخاص معينين .
2 - لا بد أن تعرض أحاديث الشفاعة على هذه المعطيات القرآنية فيقبل منها ما لا يتعارض و هذه المعطيات تعارض بيناً و يرفض الباقي .
وهاتان النتيجتان (أي محدودية الشفاعة وصحة الاحاديث) لم يضعهما نصب عينيه كل من ناقش هذه المسألة من فلاسفة وكلاميين ومفسرين وغيرهم.
وقد انتبه الشيخ الى قضية كانت غائبة عمن ناقش هذه المسألة وهي قضية التوبة المفتوح بابها امام المؤمنين ، ومن خلالها يمكن للعبد ان يراجع اعماله فيتوب ولا ينتظر الشفاعة الاخروية.
*(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طـه:82)
اذن فالشفاعة ، كما يقول الشيخ الامام :
((ليست ذلك الباب المفتوح على مصراعيه ليكون طوق النجاة للمجرمين و الآثمين ليتعلقوا به ، و ليست رجاءً يعوّل عليه من لا يريد أن يسعى و يتواكل عن العمل إتكالاً على الشفاعة ، كما أنها ليست باباً ضيقة تختص بالمتقين فقط دون غيرهم ، فإن هذا الاختصاص لا تدل عليه آيات القرآن الكريم ، و قوله تعالى ( و لا يشفعون الا لمن إرتضى ) المقصود به من ارتضى للشفاعة و ليسَ من ارتضى بمعنى من اتقى و رضي عنه لتكون الشفاعة خاصة بالمتقين لان هذا الفهم لا ينسجم مع ما يفهم عرفاً من معنى الشفاعة و من الجو العام لآيات الشفاعة و قيودها الموحي بالشفاعة لمن يحتاج اليها في درء العذاب أو تخفيفه ، و هذا لا يتنافى مع استحقاق المذنب للعقاب الاخروي حتى تلك الذنوب التي يستحق عليها الخلود في النار لأنه قد يكون له من الأعمال و المواقف ما يفتح له معها باب الشفاعة عند الله تعالى في التخفيف أو المسامحة . نعم كل ذلك في إلاطار الذي لا يخرج بالشفاعة عن مقتضى فلسفة المعاد و عن القاعدة الأساسية في الجزاء)).
***
اخيرا :
نسأل: من هم الشافعون عند الله ، من غيره سبحانه؟
هم من ارتضى الله لهم الشفاعة.
ومن هم اؤلئك؟
انهم في غيب الله .
-------------------------
الهوامش:
1- نشر الجزء الاول على مواقع الكترونية عدة.
2- انكرت المعتزلة الشفاعة ، لتأكيد العدل الالهي.
3 - رأيي في الاحاديث النبوية : انها ما زالت غير موثقة وغير متفق عليها بين المذاهب الاسلامية ، وسبق ان قلت هذا الرأي في اكثر من دراسة ، لهذا اعتبر كل حديث موضوع ما لم يثبت العكس.
4 - (الشفاعة حقيقة إسلامية - مركز الرسالة ) سأعتمد هذا المصدر كونه يناقش الشفاعة من وجهة نظرالمذهب الشيعي المتداول في مصادره المعتمدة ، ونقارنه بمفهوم الشفاعة من وجهة نظر شيعية اخرى ، هي وجهة نظر الامام المؤيد في اجابته للسائل عن الشفاعة. وسأذكر الصفحة فقط من المصدر اعلاه عند الاخذ منه، ما لم اذكر غير ذلك.
5 - لا ننكر ان هناك رجال دين شيعة من المراجع او الذين اقل منهم درجة حوزوية ، لهم مشاريعهم اصلاحية داخل هذا المذهب.

15/6/2010


ليست هناك تعليقات: