الأربعاء، 10 أغسطس 2016

القصيدة الملمعة ... الشعراء رشيد مجيد و فائق الخالدي انموذجا



نشرت جريدة ( العراقية ) الصادرة في استراليا اليوم 4 / 5 دراستي عن قصيدة الملمع بعنوان (القصيدة الملمعة ... الشعراء رشيد مجيد و فائق الخالدي انموذجا ) شكرا للدكتور موفق ساوا.
القصيدة الملمعة ... الشعراء رشيد مجيد و فائق الخالدي انموذجا
قراءة : داود سلمان الشويلي
في احدى حلقات برنامج تلفزيوني تحدث الشاعر البصري فائق الخالدي ، المقيم في الامارات العربية ، ومن خلال هذا الحديث تعرفنا على شاعر رقيق ، مقتدر من ادواته الشعرية ، من حيث الافكار و الصور ، واللغة ، والبناء الشعري..
ومن ضمن ما قدمه هذا الشاعر (القصيدة الملمعة )، التي هي مزيج من الشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى ، والشعر المكتوب باللهجة العامية العراقية.
وهذا النوع من الشعر لم يكن حديث النشأة ، وانما انتشر في العراق – على حد علمي المتواضع - في النصف الاول من القرن الماضي ، الا انه لم يكن بالصورة التي كتب فيها الشاعر الخالدي قصائده الملمعة ، وانما كان – وقتذاك وما يزال – يكتب بطريقة الشطرين ، شطر باللغة العربية الفصحى والشطر الثاني يكتب باللهجة العامية .اما الخالدي فهو يكتب هذا النوع من الشعر بتقسيم القصيدة الى قسمين ، قسم يكتب باللغة العربية الفصحى ، والقسم الثاني باللهجة العامية.
هذ النوع من الشعر اول من كتب فيه الشاعر العراقي القدير المرحوم رشيد مجيد ، ابن مدينة الناصرية ، مركز محافظة ذي قار ، المدينة المبدعة التي رفدت الحركة الفكرية والثقافية والفنية والسياسية في العراق برجال كثيرين .
الشاعر رشيد مجيد - ودون ان نبخس الشاعر الخالدي حقه الابداعي – هو صاحب اول قصيدة كتبت بهذا النوع من الشعر حسب علمي، وقد قدمت دراسة عن تجربته هذه في كتابي المعنون (رشيد مجيد ... انسانا وشاعرا – ودراسات اخرى) المنشور على مواقع الشبكة العنكبوتية ،وقد اخبرني الزميل الشاعر مسلم الطعان انه اول من كتب في هذا اللون في الثمانينات ، ولما كنت غير مطلع على تجارب الشاعر الطعان ، ولتأخر زمن ظهور قصائد الشاعر الخالدي ساحتفظ برأي الذي مفاده ان الشاعر رشيد مجيد هو اول من كتب في هذا اللون الشعري ، وفي هذه السطور سأعيد نشر قصيدة الشاعر رشيد مجيد و الدراسة التي كتبتها عنها خدمة لحركة هذا النوع من الشعر ، ولاعطاء الناس حقهم في الريادة.
***
* وحشتيني ، وحشتيني،
عمر واتعدت ايامه وجيتيني،
اجيتيني على غفلة .. وندهتيني
مثل تايه لكه دربه ... لكيتيني
بعد ما ضاعت سنيني
لكيتيني ... على تراب العمر لَمّن
جِزَ وكتي ، و لمّن ذِبلَت رياحيني
اجيتيني وانا احلم .. يناسيني
اجيتي و الصبا موَذّح(1)
و لا واحد يواسيني
راني شاعر ملوّع
تعالي ...لو ذكرتيني
زماني العَرَّفج بيَّ وعرفتيني
بعد ما عتكت (2) ايامي ... لكيتيني
مثل طير اهتده إلوِكره
اهتديتي لي .. بعد غربه وبعد هجره
اهتديتي لي .. وانا مسودن (3) كضت (4) عمري سواديني( 5)
اهتديتي للهوه ، وإذعنتِ لامره
وهذاك آنه لَمَن جيتي
ويا محله حنين الحلوه للعشره
" تمايزتي " (6 ) بقاياي واشفقتِ
على ما فاتني منها لتغريني
فأسلمتِ لسلطاني
وفي عينيك الحاحٌ.. ترى ماذا
وراء الناس في هيكلها الطيني؟
وهذا المنزوي خلف حناياه؟
اذا حنّ... فلا طهري يزكيه
ولا رجس الشياطين
وقد جئتِ كمن يبحث عن شيء
توارى في دجى الماضي
وفي اشلاء سبعيني
وها قد مرت الايام .. لا انتِ
ولا صوتك يأتيني
فأين الالق الساجي؟
وتلك الاعين الوسنى؟
............
.............. الخ (7)
***
طلب مرة مني – الشاعر رشيد مجيد - ان اكتب مقدمة لقصيدته (اسم الله) ذات النمط الشعري الجديد (لغة وافكارا وبناء).
كانت القصيدة تنتقل فيها اللغة - اذا جاز لنا ان نسمي اللهجة المحكية ايضا لغة - (والافكار) بين مقطع شعري واخر بسلاسة فنية، ودار نقاش طويل بيني وبين الشاعر ، كنت من مشجعيه في ابداع مثل هذه النصوص ، وكان هو مهووسا بها ، واكبر همّ كان يشغله ان لا يرى مشروعه هذا النور قبل وفاته ... وعدته ان اكتب تلك المقدمة ... ومما كتبت في شهر ت1 من عام 1992:
يستدعي - النوع الجديد - الذي بدأ يكتبه الشاعر رشيد مجيد اكثر من وقفة ، ويطرح اكثر من سؤال .
فالشاعر رشيد مجيد ، له تجربة طويلة تمتد على مساحة خمسين عاما من الشعر ، وله دواوين ستة مطبوعة ، وضعف العدد مخطوطا .
اذكر انه سألني قبل اكثر من اربعة اشهر عن كيفية كتابة (الشعر العامي) ... وقد دار حديث بيننا بهذا الخصوص ، وقتها سألته ان كان يزمع كتابة (القصيدة العامية) فأجابني قائلا : انتظر .
وانتظرت اياما ، حتى فاجأني بقصيدة تجمع بين اللغة الفصحى ، وبين اللهجة العامية التي هي الاخرى تتصف بقربها من الفصحى والتي اثير حولها قبل اكثر من عقدين من السنين نقاشا طويلا ، وسميت وقتها بـ (اللغة الثالثة) ، او لغة الصحافة ، او لغة المثقفين ، والتي تتصف ببعدها عن حوشي الكلام واعجمية اللفظة والمفردة ، وتركيبها - النحوي والصرفي- قريبا من التركيب اللغوي الفصيح .
انه نوع جديد، يختلف عن النوع الذي سمي بـ (الشعر الملمع) ، اذ ان هذا النوع يستدعي عمود الشعر الذي يبدأ صدر بيته فصيحا ، فيما يكون عجزه باللهجة العامية ، ومثل هذا الشعر له غاية محددة ، هي (الهزل).
ان قصيدة رشيد مجيد – الجديدة - والتي يحاول نشر بعض نماذجها على اساس انه اول من كتبها - كما يقول - ستبقى مجالا لابداء الرأي حولها ... ونحن في هذه السطور اذ نقف عند هذا الحد ، فأننا نطالب الزملاء الشعراء والنقاد والمهتمين بالادب الى دراسة هذه القصيدة الجديدة ، وابداء الرأي والملاحظة حولها)) .
سألته مرة عن مشروعه هذا ، فأجاب قائلا : (( لا ادري هل يحق لي ان اسميه مشروعا ؟او انها محاولة قد يكتب لها البقاء ، او انها تموت ساعة ميلادها ؟ ومع هذا ، فهي لا تخلو من انها محاولة كبقية المحاولات التي استطاعت ان تقف على قدميها رغم كل المعوقات وهذا ما اتمناه ، واذا لم يتحقق ذلك ، فهي على الاقل لا تخلو عن كونها محاولة ، وانها ستبقى من خصوصيات الشاعر ، ومع الايام فقد تجد لها منفذا لتطل به على القراء، علما بأن للادب الشعبي ، كما للادب العربي قراؤه ، وقد يلتقي القارئان مع هذا النموذج من الشعر )) .
وظل الشاعر يكتب هذا النوع من الشعر ، حتى اصبح له منه اكثر من ديوان مخطوط .
***
وهذه قصيدة اخرى للشعر رشيد مجيد بعنوان :((اسم الله ، اسم الله))
* (اسم الله ... اسم الله )
كلمة خوف تنسل الى شفة امرأة
يتملكها الاشفاق ، فلا تتذكر ((غير الله))(8)
من غير استئذان خرجت ،
وبغير استئذان دخلت ،
قلبا اغلقتُ منافذه ،
تلك الكلمة ، ما اعذبها؟
وهي تطل على شفتيك .. ((اسم الله ، اسم الله))
***
يا محلاها من تتخطى ابخوف ورغبه
يا محلاها بياقوت الفم ،
خمره بكاس القبله العذبه ،
يا محلاها ، ويا مِسعَد ذاكَ اليشربها ،
ويطفي النار المستعره ابكلبه وملتهبه ،
يمته اشوفج يمته؟ واشوف الدنيا ابعينج؟
***
هذا الصوتُ الدافئُ والهمسة والنجوى،
والبوح المتلفتُ في شفتيك ...
***
وللتوثيق ، فقد كتب الشاعر مسلم الطعان قصيدة بعنوان" أرتمي في صمتِكَ الأبهى....!" في هذا اللون الشعري، حيث تنكسر فيها رتابة اللغة بتحويل وصف المشاعر بين الفصحى ، الى اللهجة العامية ، فيحس المتلقي بهذا التحويل والتغير من خلال تفجير ما في مخيال الشاعر من مشاعر واحاسيس ، فتاخذ مدى رحبا ، فيكون المخيال عند ذاك يعيش حالة الحرية من ضوابط اللغة الفصحى ، فيقدم صورا ورؤى وخيالات شعرية كثيرة وواسعة المدى.
* أيُّها العالقُ كالحزنِ
على هدبِ المحالْ
أرتمي في صمتِكَ الأبهى
ويدهشُني السؤالْ
أيُّ أرض ٍ رتّلتْ أنفاسَها
حيثما فجّرتَ نهراً في الرمالْ؟!
يا لحنْ نازلْ على اشفافْ الخيالْ
غرّدْ ابروحي محبّه
او كُبَرْ شجره من الجمالْ....
أرتمي في صمتِكَ الأبهى
ويدهشُني السؤالْ.... الخ.
ان تجربة الشاعر المرحوم رشيد مجيد في كتابة قصيدة تجمع اللغتين ، الفصحى والعامية ، قد وجدت صداها عند شاعر الفصحى والعامية الدكتور مسلم الطعان وذلك في كتابة قصائد تجمع هاتين اللغتين معا ، لان اللغة تحمل الافكار والرؤى والتصورات ،حيث هي وسيلة للتواصل ، ولعكس الافكار وايصالها بشكلها الصحيح ، اللغة هي اداة المعرفة " الشعرية " التي تقدمها القصيدة المكتوبة بهذا الاسلوب ، وقصيدة الطعان مليئة بهذ الافكار ، والرؤى ، والتصورات.
ان هذه القصيدة ستبقى مجالا لابداء الرأي حولها 000 ونحن في هذه السطور نطالب الزملاء الشعراء والنقاد والمهتمين بالادب الى دراسة هذه (القصيدة الجديدة) وابداء الرأي والملاحظة حولها 0
الهوامش:
1 - موذّح : مسرع .
2 - عتكت : عتقت ، اصبحت قديمة .
3- مسودن : مجنون .
4 - كضت : انتهت .
5 - سواديني : جنوني .
6 - وضعت كلمة تمايزتي بين قوسين لانها حلقة الانتقال من اللهجة العامية الى اللغة
لفصيحة .
7 - جزء من قصيدة (بعد ان غاب القمر ) نقلتها عن مسودة للقصيدة التي كتبها الشاعر بتاريخ 25 / 2 / 1994 .
8 – (غير الله) تلفظ كما تلفظها العامة ، بجر حرف الغين ،وبدون لفظ الف اسم الجلالة.