الأربعاء، 10 أغسطس 2016

كتاب : الشعر الشعبي العربي في دراسة معاصرة - تقديم ومناقشة)




نشرت جريدة ( العراقية ) الصادرة في استراليا دراستي عن كتاب ( الشعر الشعبي العربي في دراسة معاصرة ) لمؤلفه الباحث محمد الخالدي بعنوان ( كتاب : الشعر الشعبي العربي في دراسة معاصرة - تقديم ومناقشة) شكرا للدكتور موفق ساوا
كتاب : الشعر الشعبي العربي في دراسة معاصرة - تقديم ومناقشة
تقديم ومناقشة : داود سلمان الشويلي
للشعر العامي في الوطن العربي دور كبير وبارز في نقل التجربة الشعورية والعيانية لابناء الامة العربية في شرقها وغربها ،اذ لم تكن في يوم ما عاطلة عن كتابة ما تحس به من رؤى واحلام ، ان كان ذلك على المستوى الذاتي ، او كان على مستوى الموضوعي العام .
فقد نقلت لنا اللهجة العامية كل ما يجيش في افكار بعض من ابناء الشعب من احاسيس ومشاعر واحلام ورؤى وقدمتها لنا بالفاظ مبنية بناء شعريا ، كما قدم الشعر العربي تلك المشاعر والاحاسيس والرؤى باللغة العربية الفصحى .
الشعر العامي هذا الذي يعرف قائله ، والذي يسمى خطأ - كما ارى - بالشعر الشعبي ، كمصطلح ، يطلق على ما نكتبه من شعر باللهجة العامية له امتداد طويل في تاريخ الامة العربية .
وقد كتب عن هذا الشعر الكثير من الدراسات والبحوث واخرها هي دراسة الشاعر والصحفي الاستاذ محمد الخالدي التي صدرت في جزئين عام 2010 عن مؤسسة البلاغ في سوريا تحت عنوان (الشعر الشعبي العربي في دراسة معاصرة ) والتي توزعت على سبعة ابواب ، كل باب يضم فصولا عدة .
ففي الباب الاول الذي قسمه الاستاذ الخالدي الى خمسة فصول هي : الاول : اللغة العامية . والثاني : الادب الشعبي . والثالث : الشعر الشعبي العربي ومراحل التطور . والرابع : مدارس الشعر الشعبي العراقي .والخامس : اقسام الشعر الشعبي العراقي.
اما الباب الثاني فقد ضم اربعة فصول هي : الاول :رؤيتنا للشعر الشعبي . والثاني : الشعر الشعبي الحديث في العراق . والثالث :قصيدة النثر الشعبية . والرابع : رؤيتنا للقصيد الشعبية الحديثة .
والباب الثالث اشتمل على الفصول التالية ، الاول :اتجاهات الشعر الشعبي العربي . والثاني : اتجاهات القصيدة الشعبية العراقية . والثالث : الشعر الشعبي وصلته بجنوب العراق . والرابع : لماذا يتمتع الشعر الشعبي بقاعد شعبية ؟ والخامس : النقائض في الشعر الشعبي العراقي .
اما الباب الرابع فقد ضم الفصول التالية : الاول : الزهيري بين النشأة والتطور . والثاني : نماذج من الزهيري العربي . الثالث : اشكال نظمية اخرى في الزهيري . الرابع : الزهيري بين الابداع والتكلف . الخامس : الزهيري المخالف . السادس : الجناس ووحدة الموضوع .السابع : ملحق فن الزهيري .
في الباب الخامس عشرة فصول هي : الاول : من فنون الشعر الشعبي العربي . الثاني : الشعر النبطي . الثالث : الزجل . الرابع : الزجل المصري . الخامس : الدوبيت . السادس : الدوبيت الرجزي السوداني ؟. السابع : شعر الحميني اليمني . الثامن : المعنى اللبناني . التاسع : الفنون التراثية في النقب . العاشر : فن المهداد العماني .
وفي البالب السادس الذي ضم تسع فصول هي ، الاول : الابوذية العراقية ... نشأتها ... تطورها ... انواعها. الثاني : العتابة – نشأتها ... جذورها التاريخية ... انواعها . الثالث : النايل العراقي في ميزان الحقيقة . الرابع : حقائق جديدة عن الميمر . الخامس : مباحث في شعر الدارمي . السادس : المجرشة مالها وما عليها . السابع : التجليبة متى و اين ظهرت ؟ الثامن : لمحات عن النصاري . التاسع : مجزوء الهزج.
وفي الباب السابع الذي ضم الفصول التالية: الاول :الرثاء في الشعر الشعبي العربي . الثاني : حسجة الشعر ام شعر الحسجة؟
الباب الثامن احتوى على نصوص من اللشعر الشعبي العراقي.
الباب التاسع فقد ضم مختارات من اللشعر الشعبي العربي .
***
المناقشة :
1 - في الفصل الثاني ، من الباب الثاني ، و المعنون ( الشعر الشعبي الحديث في العراق ) يتحدث الباحث عن واقع الشعر الشعبي قبل خمسينات القرن الماضي وما بعدها ، اي يتحدث عن ثورة الشعر الحر في الشعر الفصيح والشعر العامي ، ليجعل الشاعر مظفر النواب الذي يسميه ( سياب القصيدة ) على رأس ( حركة شعرية شعبية جديدة ) .
ولما كان حديثنا عن الشعر العامي العراقي، فانه هو الاخر قد حاول ذلك تحت تأثير عدة عوامل من اهمها ( ثورة !!!) الشعر الفصيح ، وكتابة قصيدة التفعيلة على ايدي السياب ونازك الملائكة فكانت الشرارة الاولى قصيدة عامية عراقية جديدة تختلف شكلا عما سبقها على يد الشاعر سعدي يوسف ، اذ كتبت دراسة " مدخل لدراسة القصيدة الشعبية الحديثة" (حصل خطأ في كتابة العنوان اذ ابدلت الحديثة بالقصيرة ) ونشرتها في مجلة الثقافة التي يصدرها د. صفاء خالص ، في ع 6 / س 6 / حزيران 1976 ، و تناولت فيها التجديدات التي حصلت عند الشاعر العامي العراقي الذي يكتب بالطريقة القديمة : كالمجازيء ، والمبتكرات كنوعين جادين من انواع محاولاته للتجديد .
في هذه الدراسة استطعت ان اصحح خطأ شاع بين دارسي الشعر العامي العراقي الحديث وهو عد قصيدة " للريل وحمد " على انها اول قصيدة كتبت على الطريقة الحديثة ، حيث توصلت الى ان الشاعر " سعدي يوسف " هو اول من كتب قصيدة عامية حديثة ، وقد استندت على ثلاث ادلة : الاول ان قصيدة سعدي هي اقدم من قصيدة النواب تاريخيا ، وثانيا: التكنيك الحديث المستخدم فيها ، وثالثا: المضمون المعاصر ، وبالتأكيد فان هذه الملاحظات سوف تغير من الافكار التي كانت سائدة الى يومنا هذا بين دارسي الشعر العامي العراقي الحديث.
يقول الشاعر سعدي يوسف في قصيدته :
* مثل ما تمتلي الانهار
مثل ما تطلع الوردة
مثل ما تشتعل بعد الشرارة النار
شعبنا تحرروكسر قيودة وثار
شعب لو راد طلعة الشمس ... تطلع
لو راد الصناعة يبني المصنع
... الخ . ( مجلة المثقف – ع 15 / ك2 / 1960 )
اذ كتب النواب ثلاث مقاطع من قصيدته " للريل وحمد " عام 1956 واكملها عام 1959 ، وكتب سعدي قصيدته عام 1959 اي انهما كتبا قصيدتيهما كاملتين في عام واحد ، الا ان قصيدة " للريل وحمد " كتبت على النمط القديم ( الموال ) وهو من بحر البسيط :
مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن 
* مرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل ..
وسمعنه دك اكهوه ، وشمينه ريحة هيل .
اما سعدي فقد كتب قصيدته مستفيدا من شكل القصيدة الحديثة الفصحى على بحر الهزج ، بتفعيلة صافية مزدوجة :
مفاعيلن / مفاعيلن
مثل ما تمتل لا نهار
مثل ما تط / لع لوردة
ان ما تريد قوله الدراسة هو ان ثورة التجديد في القصيدة العامية الحديثة والتي بدأها سعدي يوسف ، وجدت من يكتبها من الجيل المثقف وقتذاك، وقد اكدنا في دراسة سابقة لنا ( راجع مقدمة لدراسة ثورة الشعر العامي العراقي الحديث – جريدة الراصد ومجلة الثقافة) على مجموعة من الخصائص التي تميزت بها القصيدة العامية الحديثة والتي لها علاقة بالشكل والمضمون ، ومن يريد الاستزادة الاطلاع عليها .
وكذلك كتب الشاعر صادق الصايغ قصيدته ( اغنية على الاعشاب ) وهو في براغ بتاريخ 20 / 2 / 1960 ، اي بالتاريخ نفسه ، وقد نشرها في مجلة " المثقف " العدد / 18 / تموز – اب/ عام 1960 ، يقول فيها :
(( يا كمر الانهار
خيوطك عبير اذار
خيوطك على كلبي شرانق من مطر
غزلن اله اسوار
خيوطك مطر اخضر،
اغرك بدمعي يا كمر اذار ،
... الخ )).
نصل الى نتيجة هي : ان النواب شاعر مجدد ، الا انه لم يكن رائدا في هذا التجديد ، حيث من يقرأ اغلب قصائد ديوانه " للريل وحمد " يجد انها كتبت على النمط الشعري القديم ، مثل قصيدة ( للريل وحمد ) وقصيدة ( فوك التبرزل ) وقصيدة ( ايام المزبن ) وغيرها التي كتبهما الشاعر على النمط الشعري القديم ، الا انها تحمل مضمونا جديدا ، وصورا جديدة ، وافكار جديدة ، فيما تحمل قصائد سعدي وصادق اضافة لهذا كله، الشكل الجديد وهو شكل قصيدة التفعيلة التي بدأ بها السياب .
***
2 - يجمع النقاد والدارسون على ان قصيدة النثر في العراق قد بدأ بكتابتها عام 1920 الشاعر والصحفي روفائيل بطي ، او على اقل تقدير لم ينشر او يعرف ان احد الشعراء كتب في هذه القصيدة قبل بطي ونشرها عام 1925 في ديوان " الربيعيات " . ( راجع صحيفة طريق الشعب - رواد قصيدة النثر.. محاولة للتأصيل / نبيل عبد الأمير الربيعي - 19 شباط 2014 ).
اما في اللهجة العامية فلم تنشر او تقرأ ، او تعرف قصيدة النثر في هذه اللغة ( اللهجة ) قبل عام 1970 حسب علمي ، وانني من هذا المنبر الراقي ادعو الاخوة الشعراء والمهتمين ان يبحثوا لعلهم يجدوا ما يخالف قولي هذا .
في الجزء الاول من كتابه ( الشعر الشعبي العربي في دراسة معاصرة ) ،خصص الاستاذ الباحث محمد الخالدي الفصل الثالث من الباب الاول لقصيدة النثر المكتوبة باللهجة العامية ، و قال في ذلك الفصل : ( ... ومع اننا لم نجد – لحد الان – نصا نثريا شعبيا يمكن اعتماده او دراسته دراسة موضوعية وفنية ، الا ان هذا لا يمنعنا من تتبع جذور هذه الظاهرة على قلتها عسى ان نستطيع فك بعض رموزها وطلاسمها التي ما زالت غامضة ) ج1 ص 129 .
وااثناء ذكره عن التجارب والمحاولات الاولى لقصيدة النثر العامية في العراق ، قال انه " قيل " ، اي انه سمع من قال ان بعض رواد الشعر العامي قبل السبعينات من مثل : صادق العلوي ،وجميل فهد ، وكريم تعبان ، ومظفر النواب ، وغازي مجدي ، وعلي الشباني ، وطارق ياسين ، واخرون قد كتبوا في هذا اللون ، وفي الوقت نفسه فانه لم يجد نصا مكتوبا او منشورا لاؤلئك الشعراء ، وقد اخذ هذا القول من الشاعر عريان سيد خلف في اللقاء الذي اجرته معه جريدة الفرات النجفية بتاريخ 20 ايلول 2000 .
وانا اؤكد ان لا نص نثري منشور او متداول بين الناس لهؤلاء .
ثم يذكر نصا للشاعر عريان السيد خلف نشر في ديوانه " كبل ليلة" المطبوع عام 1975 ، وبعدها يذكر نصين للشاعر خيون دواي الفهد نشرا عام 2000 في جريدة الاتحاد واطلق الشاعر اسم " قصيدة دادائية " على النص الاول ، والاخر اسماه " القصيدة السريالية " .النصان قد كتبا عام 1996.
وقد كان لزاما على الباحث الاستاذ الخالدي ان يبحث اكثر في الصحف والمجلات ، لان صحيفة الراصد نشرت لي قصيدة نثر من الشعر العامي بعنوان " قراءات مترجمة في عيون انسه " بتاريخ 26 / 11 / 1972 ، التي مطلعها : ( الماي يمشي ، عيوني بيضه اتزفله ممشاه ومسيره ... كل شي بيه يمشي اعله ذراته ويشده ...الكاع طينه ، اتوزع الذراته ذره ... الخ ) .
و بتاريخ 18 / 11 / 1972 نشرت نصا في جريدة الوركاء بعنوان " سواجي الشوك ... وعيون زهرة " ، وقد قرأت النص بصوتي في برنامج الشعر الشعبي الذي يعده و يقدمة المرحوم الشاعر العامي شاكر السماوي يوم الاحد 1 / 4 / 1973 . من اذاعة بغداد . ومطلع هذا النص : ( بين جفني وبين جفنج ، جان لون الشمس يحمر ،ويروي كل العطش بيها ، ويمرك ابين الاهداب التثكل اشما مر عليها حسنج انت الشوكاني ... الخ ) .
وكتبت قصائد في هذا اللون هي قصيدة " تموز وحمرة الشفاه " بتاريخ 26 /2 /1973 ،والتي اقول في مطلعها : ( تيهتني، وذابت الوجنات من حر الدموع ... وتيهتني ...بدربك الصبير لو جف كل مطر ، منه المطر بالروح ينزل كطره كطره ... الخ ).
و قصيدة " مع شهرزاد في الليلة الثانية بعد الالف " التي كتبتها بتاريخ 22 / 11 / 1972 وهي قصيدة طويلة ،و مطلعها : ( جان وجهج شمعة تضوي ، وليل يعشك كل ضواهه ،وجانت عيونج السودة تحجي سالوفة حجينه ... وجنتي انت ابين عيني ، وجنت انه ابين شفتج ، ورده تسبك اثر ورده ... الخ ) والتي اذيعت من اذاعة بغداد في حينها.
وغيرذلك من القصائد العامية النثرية ، مثل قصيدة " وجه حبيبتي " التي كتبتها بتاريخ 5 / 8 / 1973 .
وقد كان الشاعر المرحوم شاكر السماوي قد ذكر اثناء تقديم قصيدتي" مع شهرزاد في الليلة الثانية بعد الالف " في برنامجه الشعري ، انها من الشعر " الشعبي " المنثور .
ان مثل هذه القصائد المنشورة وهي حين تطبع في الصحف تأخذ شكلا اخر غير ما كتبت فيه . 
حيث انها ترتب ترتيب قصائد التفعيلة ، ولمن يطلع عليها دون قراءتها يظن انها من شعر التفعيلة ، الا ان قراءتها تبين للمطلع نثريتها ، كما حدث مع بعض مقاطع قصائدي المنشورة .
ان ذكر هذه القصائد جاء من باب الامانة العلمية ، وربما فات الاستاذ الباحث الوصول لها في مصادرها الصحفية .