الأحد، 6 يوليو 2014

استلهام قصة يوسف شعريا... قصائد بعض الشعراء انموذجا



نشرت صحيفة ( طريق الشعب ) على صفحتها الثقافية دراسة لي عن استلهام الشعراء : الشاعر عبد الخالق الركابي ، الشاعرة د. سجال الركابي ، الشاعرة زينب الخفاجي ، الشاعرة شذا عسكر نجف ،الشاعر المصري محمد السيد ، لقصة يوسف ، تحت عنوان (استلهام قصة يوسف شعريا... قصائد بعض الشعراء انموذجا )) ... شكرا لمحرر الصفحة الروائي عبد الكريم العبيدي :
استلهام قصة يوسف شعريا... قصائد بعض الشعراء انموذجا
قراءة : داود سلمان الشويلي
الاسطورة هي (فالاسطورة تعبير ادبي عن انشطة الانسان القديم الذي لم يكن قد طور بعد اسلوباً للكتابة التاريخية يعينه على تسجيل احداث يومه ، فكانت الاسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه خلاصة فكره)). (راجع : الاسطورة والتاريخ في التراث الشرقي القديم – د . محمد خليفه حسن احمد -  دار الشؤون الثقافية العامة – 1988 - ص 23 ).
    كثيرا ما اعجبتني قصة يوسف - كقصة - منذ صغري، عندما كنت استمع اليها بصوت قاريء القرآن، ان كان ذلك في مجالس العزاء الحسينية ، او كان ذلك في مجالس الفاتحة ، حتى بتنا انا واترابي وقتذاك نتفكه بالطريفة التي تذكر: ان شخصا غريبا زار مدينتنا الجنوبية في شهر محرم الحرام (عاشوراء) واندهش من كثرة مجالس العزاء (الحسينية)، اذ كانت اغلب المجالس تلك - وقبل بدء الملا ( قاريء التعزية) بقراءة التعزية - يُتلى فيها القرآن ، وكانت السورة القرآنية التي تُتلى عادة (بواسطة آلة التسجيل) هي سورة يوسف ، وقيل ان هذا الشخص عندما عاد لمدينته سأله معارفه عما رآى في سفرته لمدينتنا ، فقال لهم: ان اهالي المدينة نصبوا مجالس عزاء كثيرة على طفل صغير قد اكله الذئب.(راجع كتابنا : تجليات الاسطورة - قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني – منشور على مواقع الانترنيت). 
 ثم بدأ جيلنا يختصر القصة على انها قصة طفل تاه من عائلته و عثروا عليه بعد سنوات.
هذه قصة يوسف التي عرفناها في فترة الصبا ، وهي اسطورة وقصة ، حيث ذكرت في التوراة والتلمود والقران ، فيما راحت قبل الاسلام تتداول في الجزيرة العربية وما حولها كأسطورة تزجى بها مجالس ليالي الصحراء الطويلة.
تقول القصة القرانية التي اساسها مذكور في التوراة والتلمود اليهوديتان ، و يمكن بناء بعيداً عن التزويقات الادبية الفنية ، فالنص يذكر يوسف صبي يعيش مع عائلته ،
يرى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له فقال له الاب: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا .
    لما رآى اخوة يوسف من ابيهم محبة ليوسف اكثر من محبته لهم، حسدوا يوسف ، واتفقوا على ان يقتلوه ، ذهبوا به و ألقوه في البئر، ، ثم عادوا الى ابيهم عشاء وهم يبكون، وبيدهم قميصه ملطخا بدم كذب ، قالوا :تركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ،  قال الاب : بل سولت لكم أنفسكم على ذلك.
التقط يوسف بعض السيارة من البئر، وباعوه على عزيزي مصر ، وعندما كبر هامت به زوجة العزيز عشقا (همت به) ، و راودته عن نفسه، وغلقت الابواب بعد ان هيأت له مضجعا ، وقالت : هيت لك ، رفض يوسف اغواءها له ،هرب منها فجذبته  (وقدت قميصه من دبر) و بينما هما كذلك فاجأهم العزيز عند الباب ،فقالت لزوجها : ما جزاء من أراد بأهلك سوء؟ قال الزوج : يسجن أو يعذب  ، قال يوسف: هي راودتني عن نفسي ، و (شهد شاهد من أهلها ) وقال : (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين،وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) ، كان قميصه قد قد من دبر ، قال:(إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ).
وشاع امر الواقعة بين نساء المدينة فلمنها على ذلك ، وأعدت لهن مجلسا،وآتت كل واحدة منهن سكينا وفاكهة، وقالت ليوسف :( اخرج عليهن) ، خرج يوسف  ( فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) ،.
هذا الجزء من الاسطورة / القصة هو الذي استلهم في اغلب قصائد شعراء هذه الدراسة .
ابتداء من قصيدة الشاعر عبد الخالق الركابي ، وانتهاء بقصيدة الشاعر محمد السيد مرورا بقصيدة الدكتورة سجال الركابي ، وقصيدة الشاعرة زينب الخفاجي ،وكذلك الشاعرة شذا عسكر نجف ، نجد قصة يوسف ماثلة امامنا ولكن بثوب جديد ، حيث استلهمها الشعراء وقدموها باسلوب وطريقة ورؤى وافكر جديدة .
فالشاعر عبد الخالق الركابي يقول في قصيدته :
* (( يا يوسفُ لا تحزنْ في بئركَ:...
لم يبقَ لكَ سوى أخوتك
وذئبٍ سيحملُ جريرتكَ زوراً
وقميصٍ سيقدّ، ذاتَ يومٍ،
من دبرٍ)).
يستلهم واقعتين حدثتا ليوسف هما رميه في البئر، وتمزيق قميصه .
الحادثة الاولى بسبب الحسد تآمروا عليه اخوته ،واذا كانت الحادثة سابقة وقد حدثت في الزمن الغابر ، فما زالت تحدث في يومنا هذا ، حيث تتمثل بترك العراق من قبل اخوته العرب امام الذئب ليفترسه حقيقة لا كذبا كما حدث في الماضي .
والحادثة الثانية هي تمزيق قميصه من الخلف ( دبر ) ، حيث يسقطها الشاعر على واقعة معاصرة ، اذ تآمروا على العراق اخوته والاجانب وهو لم يفعل شيئا والقميص يشهد على ذلك .
لقد كان الشاعر الركابي مدركا جدا لما حدث الى العراق والهجمة الشرسة عليه التي ادت الى غزوه واسقاط بغداد .
يوسف عبد الخالق المعاصر ، هو يوسف القديم نفسه ، ولكن الشاعر يواسيه لان الامور التي حدثت له سابقا ما زالت تحدث له في ايامنا هذه ، و ما زالت مؤثرة فيه في الحاضر ، لا انفكاك منها .
***
اما قصيدة الشاعرة سجال الركابي فقد استلهمت القصة بعدة محاور ، لنقرأ ما تقول:
* ((يوسُف حَذارِ
أُخوَتكَ
ما عادَ البِئرُ يرضيهم
ولا الذِئبُ يعنيهُم
سَيصلبوكَ في وَضحِ النَهار
وُيولمون لحمكَ
بِكُل إفتِخار
فَحذار)).
تغير الشاعرة في الحادثة المذكورة في القصة / الاسطورة ، وفي ذلك ترتقي القصيدة الى ان تكون ذات قيمة ابداعية مثمرة ، من خلال تغير ما في القصة من فكرة الى افكار جديدة يأتي بها التناص الابداعي ويولدها.
القصيدة وهي تبدل افكار القصة القرآنية ، فانها تجعل من يوسف شخصا كامل الاهلية ولم يعد صبيا ، فتحذره من اخوته ، وهذا اجراء قامت به الشاعرة لصالح قصيدتها غير ما ورد في النص القرآني ، ولانهم كانوا في النص القرآني قد القوه في الجب ، وعادوا لابيهم بقميصه وقد تلطخ بدم كذب ، فان هذه الاجراء العدائي لم يهمهم في شيء وسوف يغادرونه الى ما هو ابلغ منه وهو الصلب.
* ((ما عادَ البِئرُ يرضيهم
ولا الذِئبُ يعنيهُم
سَيصلبوكَ في وَضحِ النَهار)).
والصلب هذا لم يكن خاتمة لتآمرهم ضده ، لانهم لن يفيدهم الصلب بشيء ما لم يولمون لحمه ويقدمونه كوجبة وهم يفتخرون بما قدموه ، ليتوزع لحمه في جوف من ياكله ، ويضيع قاتله واكله:
* ((وُيولمون لحمكَ
بِكُل إفتِخار)).
ان الشاعرة وهي تأخذ القصة / الاسطورة الى عالم جديد غير عالمها الذي بنيت عليه، تعرف جيدا ما تقوم به ،لانها تعرف ان زماننا الحاضر وقد كثر فيه المتآمرون على الاوطان قد غيروا في طرق تآمرهم وراحوا يبتكرون طرقا واساليب جديد ، منها الصلب واكل لحوم المصلوب بدلا من الرمي في الجب ليلتقطه السيارة فينجوا من تآمرهم .
الشاعرة بقصيدتها هذه تحذر بلدها العراق بعد ان رأت تكالب الاعداء من الداخل والخارج ، من التفتيت والتقسيم ، تحذره من اخوته العرب الذين ما اكتفوا بتركه وحيدا كما ترك اخوة يوسف اخيهم في الجب وحيدا ، وانما اولموا على لحمه الولائم للاخرين .
***
الشاعر الاخر الذي استلهم قصة / اسطورة يوسف هو الشاعر المصري محمد السيد في قصيدته ( الى يوسف ) التي تتكون من اربعة  اجزاء .
في الجزء الاول يدعي الاخوة ان يوسف هو الذي قتل نفسه ولاعلاقة بالذئب بمقتله ، وهذا مخالف لما في القصة / الاسطورة ، اذ ان الشاعر كما الشاعرة سجال الركابي يخالف ما جاء في الاسطورة فانه يقول :
* (( فالأسطورة القديمة
ما عادت تليق بنا
ما عادت تلبى طموحنا)).
فالاسطورة لم تلبي طموحه في شرح ما يحدث في الزمن المعاصر.
في الجزء الثاني يحذر الاب يوسف من الذئب الجديد لانه انسان في ثوب ذئب ، حيث الغدر من طبائعه  ، و (يُقتل بلا هوادة ... يُذبح بلا هوادة).
واذا كانت القصة الاسطورة تذكر ان يوسف هم بها كما همت به الا ان برهان ربه ابعده من الوقوع في الفاحشة فان الشاعر في الجزء الثالث ، ومن خلال النسوة يعيد ليوسف انسانيته التي اهدرها الرب في تجنب حبها والهم بها .
* ((الولد المبارك هم بها
هم بنبع الحب بها
والنسوة اللاتى قطعن أيديهن
تطهرن من سحرهن
ورددن إليه أنوثته
رددن عليه إنسانيته
وما كان برهان ربه إلا مددا .))
وفي الجزء الرابع تأكيد على طبيعة الانسان في الحياة وهي الغدر الذي سيبقى الى ابد الابدين ، حيث يقتل الانسان اخيه الانسان كما قتل قابيل هابيل من قديم الزمان:
*  ((   إن عاد يوسف مرة أخرى
اقتله
لا تقل الذئب أكله
وتمادى فى غيك الجديد
دافع عن الانسان
بقتل الانسان
وقل لذئابك : هل من مزيد ؟!)).
وفي الجزء الخامس نرى هناك فريقين احد هذين الفريقين وهم اخوة يوسف اصبحوا يصنفون كأعداء له ، ويطالبوا بقتله لاي سبب وتحت اي ذريعة ، وهذ ما يذكرنا ببروتوكولات حكماء صهيون التي تكشف عن خطة سرية (للسيطرة على العالم) والتي تعتمد على العنف والحِيَل والحروب والثورات وترتَكز على(الثورات والحروب والفوضى،  الهيمنة على التعليم والصحافة والرأى، السيطرة على التجارة وتدمير الدين، ابعاد السياسة عن مضمونها ،إبعاد القوانين عن مضمونها، بذر العملاء وتدمير الأخلاق،تغييب الوعى لدى الشعوب،انتشار الجهل،  ابادة المجتمعات السابقة واعادة بناءها في شكل جديد - المختار من الله (شعب الله المختار)ـ، تثبيت النسل الداودى (نسل الملك داود" ).
والفريق الاخر هو يوسف ، الصبي الذي لا حول له ولا قوة ، ويرمز للشعوب العربية التي اصبحت لا حول لها ولا قوة.
***
اما الشاعرة زينب الخفاجي فقد استلهمت جزءا مهما من القصة / الاسطورة ، وهو جلسة الوليمة التي اعدتها زليخة لنساء مدينتها اللاتي تحدثن عن حبها ليوسف :         
* ((لاشيء بعدك احتاج إليه
لا يغريني قميص
إن اقبل أو أدبر
ولا أبواب تغلق أو لا تغلق
فالضوء الممتد إلى الضوء ..حبيبي
شاعرة أنا ..
ولكن ليست محنة كبيرة
أن لا أجيد كتابة الشعر يوما
لأني معك اكبر
من الشعر كله
ومن أبحره وقوافيه
واكبر من كل القصائد المنثورة بين حنايا الورق
أعطيتهم بالأمس متكئاً وسكيناً
فلما رأوك
قالوا حاشا لله ما هذا وطناً
هذا هو الألقْ ..)).
وتنهي قصيدتها ، والوليمة ( المتكأ والسكين ) ، بان ما تراه النسوة هو الوطن الجميل المتألق دوما ، حيث يتماهى الوطن مع يوسف في ذروة القصيدة وفي ذروة قول الشاعرة.        
***                                                              
ولمحت الشاعرة شذا عسكر نجف الى القصة / الاسطورة تلميحا عندما ذكرت في قصيدتها ( تأوهات ) ما قامت به  زليخة من عمل لتهيئة الاجواء لها وليوسف فقالت مخاطبة الدهر انها – اي الشاعرة - ( هيت لك ) ايها الدهر لترى :
* ((شَدّت بها الخاصرة
وقالت للدهر ~هيت لك ~
أ شهد تجَلُّدَ العراقية ..)).
حيث انها خاطبت الدهر بانها هيأت له ما يدعوه لان يشهد ( الشهادة والمشاهدة ) على  تجلد المراة العراقية في ايام المحن والمصاعب.
***
ان الشعراء الاربعة  الذين استلهموا قصة / اسطورة يوسف التوراتية – القرانية كانوا واعين جدا لما قالوه من شعر ، الشاعر العراقي عبد الخالق الركابي ، والشاعرة العراقية د.سجال الركابي ، والشاعرة زينب الخفاجي ، الشاعرة شذا عسكر نجف ، قد انزلوا القصة / الاسطورة من علياء التاريخ واسقطوها على يومنا المعاصر هذا ، مع تغير في الافكار العامة لتصلح لما يريدون الحديث عنه وهو الوطن.
اما الشاعر المصري محمد السيد ، فكان هو الاخر مدركا لما فعله بالقصة /الاسطورة التاريخية ، حيث برهن باشد الافكار الشعرية على ظلم الانسان للانسان ، وما زال هو يمارس قتل اخيه الانسان كما حدث في الجريمة الاولى بقتل هابيل.







ليست هناك تعليقات: