الأحد، 6 يوليو 2014

القصة الومضة ... ملاحظات اولية



نشرت مجلة ( الثقافي ) دراستي عن قصة الومضة تحت عنوان ( القصة الومضة ... ملاحظات اولية ) شكرا للشاعر علاء حمد:
http://althakife.blogspot.dk/2014/06/blog-post_7888.html
القصة الومضة ... ملاحظات اولية 
داود سلمان الشويلي
القصة الومضة هي : لحظة زمنية ، أو مشهدٌ قصير جدا ، أو موقفٌ سريع جدا، أو إحساس شعريّ خاطف يمّر في  الذّهن ويصوغُهُ القاص بكلمات قليلةٍ.
و هي نوع من انواع السرد المتعارف عليها في فنون السرد ، كالقصة القصيرة جدا ، والقصة القصيرة ،والاقصوصة ، والرواية .
 وهي ايضا وسيلة من وسائل التجديد السردي، أو شکل من أشکال الحداثة في الفن السردي تعبر عن هموم ومشاغل واماني وتطلعات القاص لتناسب مبدأ الاقتصاد والتكثيف الذي يحكم عصرنا هذا عصر السرعة في كل شيء .
بدأت الكتابة لهذا النوع في اواخر النصف الثاني من القرن الماضي ، وكانت على شكل ق.ق.ج حتى وصلت الى ان تكون القصة الومضة ، اذن هي وليدة القصة القصيرة جدا ، وابنها الشرعي ، لما للتحولات الفكرية و الفنية من اثر كبير في نشأتها ، وكذلك ما تتطلبه الحياة اليومية ذات النزعة السريعة جدا في كل شيء من منازع الحياة، وكذلك ما للتأثيرات الاجنبية على الاداب العربية.
كتب عن القصة الومضة الكثير ، وحاول اغلب الكتاب مثل مجدي شلبي ، وتبعه بعد ذلك الاخوان في ( نادي ذي قار للقصة الومضة ) الى حد ما ، و الشرط الاول من(شروط النشر في الرابطة العربية للقصة الومضة) خاصة بشرط الثمان كلمات ، وبعدها غادروا هذا الشرط ، وغيرهم من كتاب هذا النوع ، الذي بقي دون تحديد دقيق لها ، اذ اختلفت الاراء حولها.
والومض ، والومضة لغةً من«وَمضَ»وَمَضَ ( المعجم الوسيط) البرق ـِ ( يَمِضُ ) وَمْضاً، ووَمِيضاً، ووَمَضَاناً: لمع خفيفاً وظهر. فهو وامِض، وهي وامضة.( أَوْمَضَ ) البرق: وَمَضَ. وـ فلان: رأى وميض برق أو نار. وـ أشار إشارة خفيّة رمزاً أو غمزاً. وـ المرأة بعينها: سارقت النظر.
اذا هي السريعة في اخذ الابصار ،والمخفية بالاشارة والايحاء الرامز و الغامز ، لتكون مدهشة .
الومضة مثل مصباح الفلاش يومض وينطفئ بسرعة، واي قصة تأتي بهذا الاسلوب هي ومضة ، وهذه الومضة السريعة تحمل الكثافة والادهاش.
فالقصة الومضة هي نوع من السرد الجديد الذي يعتمد علی التکثيف باعتمادها علی معنی واحد ، و دقة في التعبير ،و علی کلمات قليلة تحمل المعنى ،  بإيحاء و دلالية مقتصدة مکثفة، و ولا تأخذ بالوصف الموقف لعملية السرد ، و ايراد التشبيهات .
القصة الومضة تختلف عن فن التوقيعات ( التي جعلها شلبي اساسا لها ) التي يذيل بها الخلفاء، والامراء، والملوك الرسائل ، لان التوقيعات هذه وفي اغلب الاحيان تكون مسهبة الى حد ما  ، او ان تكون شعرا اطول مما تتصف به الومضة.
ومن المعلوم ، ان وضع قوانين وشروط صارمة يقتل الابداع ،اذ بدأ الشعر دون شروط مسبقة ، ولا قوانين، وبعد ذلك بقرون جاء الفراهيدي وقنن الوزن في بحوره الخمسة عشر ( عدى ما اضافه الاخفش ) حيث قتل بفعله هذا الابداع ، ورغم ذلك خرج لنا شعر غير الاول ،مثل : الموشحات ،والمرسل ،والتفعيلة ،والنثري ، وغيرها من الانواع ، وفي القصة كذلك ، اذ ظل الباب مفتوحا امام الابداع ، وكذلك في الرواية .
وتتميز القصة الومضة  بمجموعة من السمات و الخصائص ، منها :
الوحدة العضوية :
يجب ان تتسم القصة الومضة بالوحدة العضوية ، اذ انها قصة  متکاملة متداخلة في الفعل السردي و الدلالي، و الشعوري .
يقول فلاح العيساوي : (قيدوه بحبال الطائفية، قطعها بسيف الوحدة.).
 الإيحاء و عدم المباشرة:
اي أنها لا تعبر تعبيراً مباشراً عن مضمون واضح، و إنما تقدم مضمونها القصصي بطريقة موحية ، اي انها توحي بمعان كثيرة ، وعلى المتلقي ان يستقبل المعنى والدلالات التي يرغب.
تقول احلام قدور: (ارتشف خمر نظراتها؛ بات ليله سكراناً .).كم هي المعاني والدلالات التي يستشف منها المتلقي ؟                                                           
البنية القصيرة ( الاقتصاد) :
حيث الدلالة والمعنى يحددان بنيتها المتكونة من عدد من الكلمات.       
تقول نوال الجبوري : (خبأ قرشَهُ ليومٍ أسود؛ اِزدادتْ أيامُهُ بياضاً.).
المفارقة:
لا اريد ان ادخل في تعريفها ، خاصة المفارقة التصويرية ،فقد سبقني الكثير من الدارسين لها.
يقول ايمن خليل : (غاص في خضم أوهامه؛ طفت حقيقته.).      
الادهاش :
وهو هدف القصة الومضة ، اذ بفقدانه تفقد القصة وميضها البارق ( الفلاش )، لهذا فان الخاتمة المدهشة هي التي تكون بعيدة كل البعد عما تحمله القصة الومضة من فكرة مباشرة ، او عارية ، او مضمون ما .
يقول عمرو بكري : (أعطته ترياق الحياة، غادر دارها جاحدا.).بين ان تعطيه اسباب الحياة ، وبين مغادرته دارها جاحدا، يكون الادهاش حالة يعيشها المتلقي.
***
اما عن علامات الترقيم التي هي وضع رموز اصطلح عليها بين علماء اللغات بين الكلمات ، أو الجمل ؛ لتعيين مواقع ابتداء الكلام ، وفصله ،اوالتوقف منه، وبيان بعض الأغراض الكلامية، تيسيراً لعملية الإفهام على القارئ عند القراءة ، فهي ليست من اللغة العربية بشيء ، وكل مخطوطاتنا ثبل هذه الفترة تفتقد لها.
تذكر المصادر ان استخدامها كان قبل حوالي مائة عام بعد أن نقلها عن اللغات الأخرى أحمد زكي باشا بطلب من وزارة التعليم المصرية في حينه، وقد تم إضافة ما استجد من علامات، وإشارات فيما بعد.
وياتي ذكر علامات التنقيط التي اخذت حيزا كبيرا في مناقشات كتاب ودارسي القصة الومضة العراقيين ، خاصة بعد ان تأسس (نادي ذي قار للقصة الومضة )، و(مجموعة المسابقة الأسبوعية للقصة الومضة/ جامعة ذي قار) .
 ومن رأي المتواضع ان الابداع القصصي سيثقل كاهله بهذه الامور التي جعلها البعض من الشروط الاساسية للقصة الومضة ، وسيكون المبدع كذلك امام ثقل كبير يقوم بوقف انسابية ابداعه ومنتجه الادبي السردي .
لهذا علينا ان لا نثقل كاهل مبدعنا، ولا كاهل ابداعنا بمثل هذه الامور التي هي صنيعة الغرب بسبب اختراع الطباعة عندهم ولا معرفة للغة العربية بها منذ القدم ، حيث ظلت تقدم نفسها ومعانيها ودلالاتها بيسر وسهولة .
***
كذلك الذي يثقل كاهل الابداع والمبدع اثناء الانتاج ( اثناء كتابة القصة الومضة ) هو وضع شرط مرعاة كتابة الهمزة ، مع العلم انها من جديد الكتابة بالعربية ، اذ انها لم تكن فيها حتى عندما وضعوا النقاط على الحروف ، ولولا الفراهيدي الذي جاء متاخرا عن تدون الكتب باللغة العربية ، ووضع لها رمز راس حرف عين صغير، لظلت الهمزة بعيدة عن تناولنا.
***

خلاصة القول، ان القصة الومضة هي قصة النهاية ، فعندما تكون النهاية مدهشة ، وتحمل مفارقتها ، كانت القصة هي قصة ومضة بامتياز ، لان عدد الكلمات ( الاقتصاد اللغوي ) ، وايحائية تلك الكلمات ،ووحدتها العضوية ، يكون كل ذاك ممهدا لهذه النهاية المدهاشة.

ليست هناك تعليقات: