الاثنين، 27 يونيو 2016

سيميائية الشكل الكتابي في شعر " فاضل فرمان




نشرت صحيفة ( العراق اليوم ) على صفحتها ( بصمة مثقف ) دراستي عن قصائد الشاعر فاضل فرمان تحت عنوان ( سيميائية الشكل الكتابي في شعر " فاضل فرمان"... قصائد " فيس بوك " و " هو " انموذجا) شكرا لمحررها الشاعر تحسين عباس :
كما اعادت نشرها مجلة ( معارج الفكر ) شكرا لصاحبها شينوار ابراهيم:
سيميائية الشكل الكتابي في شعر " فاضل فرمان"
قصائد " فيس بوك " و " هو " انموذجا
قراءة : داود سلمان الشويلي
(( نحن نعرف بأي قدر من العناية والحرص كان مالارميه يصفف الاوراق والجمل الشعرية ، حريصا على التنظيم المضبوط لكل بيت ، وللبياض الذي يحيطه )) . ( تحليل النص الشعري ، بنية القصيدة – يوري لوتمان – ت: محمد فتوح احمد – دار المعارف – القاهرة – 1995- ص106 ).
ان كتابة القصيدة اصبحت مشروعا لقول شيء ما ، او الشعور به ، وهذا الانجاز يتطلب قبل كل شيء تصميما اساسيا ، ومواد انشائية كثيرة وعديدة ،اضافة للارضية الورقية ، او الافتراضية التي يتم الانشاء عليها .
القصيدة عند هذا صارت كالبناء ، اذ يتطلب تصميما يؤسس عليه ، وقد استثمر الشعراء الكثير من التصاميم الهندسية في انشاء قصائدهم ، ليحققوا قدرا من الابداع الذي يعوضهم عما فقدته هذه النصوص الشعرية بسبب تخليها عن وسائل شعرية من مثل عمود الشعر ، او الايقاع التي تمثله القافية ، والوزن ، اضافة الى تحول المتلقي لهذه القصيدة من السماع الى القراءة ، ان كانت القراءة تلك في كتاب ورقي، او على الورقة الافتراضية التي تعرض على الحاسوب ، وبهذا يحقق الشعراء ما يسمى بالايقاع البصري الذي يتكاتف مع الايقاع الصوتي، والدلالي، والتركيبي في تكوين ايقاع القصيدة الام.
بسبب ذلك جاء احتفاء شعراء القصيدة الحديثة ( قصيدة التفعيلة او قصيدة النثر ) بالشكل الكتابي على الورقة التي امامهم لاعتبارات مهمة اهمها انه يعد دالا في بناء مدلوله للوصول الى الدلالة ، وكان من خواص تنظيم الكتابة الشعرية هو الوصول الى حالة التبليغ المؤثر الذي يحرك الفكر.
امامنا قصيدتين للشاعر السبعيني فاضل فرمان ، هما قصيدة ( فيس بوك ) من مجموعته الشعرية ( متى تتفتح الوردة ) ، وقصيدة ( هو ) من مجموعته الشعرية (عزف منفرد على وتر الاربعين) لنتفحص الفضاء الذي اشتغل عليه وتصميمه – لا اراديا - ومن ثم استثمار هذا التصميم ، او ذاك في تقديم القصيدة ، لان في هذا التصميم ارادة في توليد المعاني ودلالاتها .
ان الانظمة التي استخدمها الشاعر في هاتين القصيدتين اراد منها تقنين الشعر، لان في ذلك كما يقول لوتمان ( مصدر سابق) : ( قيمة ذات مغزى ) ، وهذه القيمة هي التي يبحث اغلب الشعراء عنها ، لكي توصل القصيدة المقروءة او المسموعة دلالاتها ومعانيها ، بأقل كلمات ، والكلام البليغ هو ( ما قل ودل ).
ان القصيدتين اعتمدتا على توزيع الوحدات اللسانية ( الكلمات ) المستعملة فيهما على الورقة حسب تصميم معين ، يراد منه التأثير من خلال الايقاع في المتلقي لكي يصل الى الدلالات التي يستخرجها من النص هذا او ذاك .
ان الايقاع هنا يتبع ايقاع النفس في ربطها بين الوحدات الصوتية ، والوحدات النحوية ، والوحدات الدلالية ، لينشيء ايقاعا مغايرا عن ايقاع كل هذه الوحدات .
في قصيدتي الشاعر فاضل فرمان نجده قد صممها– بوعي او غير وعي– بحيث تسلك انظمة كتابية متنوعة ، صوتية ، وبصرية ،ودلالية ،وهندسية وظفها في خدمة القصيدة، ومن هذه الانظمة:
- نظام كلمة – سطر .
- نظام الكلمتين – سطر .
- نظام ثلاث كلمات واكثر – سطر .
- نظام الحرف – سطر .
- تظام التقلص والامتداد للاسطر .
- نظام نثر حروف الكلمة على السطر .
- نظام الجمع بين نثر حروف الكلمة على السطر و التنقيط.
- نظام التنقيط .
وتعتمد هذه الانظمة في بعض صورها على الشكل الايقوني ، اذ تتحول العناصر المهيمنة في القصيدة من الشكل السماعي الى الشكل المرئي ، وتصبح الكلمات دالة على محتوى التعبير ، كما في شكل الدمعة ، وشكل التناثر الافقي للروح ، وجريان الدمع ، ورسم ( يطول ) في القصيدة الثانية .
هذه الانظمة استخدمت في قصائد الشاعر ليزيد من حدة التأثير على المتلقي للوصول الى المعنى الذي يريده المتلقي .
***
في نظام كلمة – سطر ، او كلمتين – سطر ، او ثلاث كلمات واكثر – سطر ،نجد الشاعر قد وظف هذا الانظمة لابطاء عملية السرد في القصيدة ، وكأنه في حلم ، اذ تتهاوى الامنيات على خده .
يقول في قصيدة (فيس بوك ) :
* ((يشاركني
الحلم
والأمنياتْ
قررتُ
أن أكتبَ الكلماتْ
وحين بدأتُ
تهاوتْ على خديَ)).
حيث نجد الشاعر قد وزع كلمات قصيدته على اسطر عديدة منها : ما يضم كلمة ، ومنها كلمتين ، ومنها ثلاث كلمات ، وهكذا .
او للتخصيص في الاخبار ، كما في القصيدة نفسها:
* ((على حائط
هو
بيتٌ
ومنفى
ولوحٌ يلمّ شجون الشتاتْ
تذكرتُ)).
اذ يخصص الحائط ذاك لبيت هو المنفى و هو كذلك لوح فيه شجون الشتات.
***
او تنويع في حالة السرد والاخبار كما في قصيدة ( هو ) :
* ((وكثيرٌ
من الغناء
بكاءٌ
وكثيرٌ
من البكاء
قليلُ)).
حيث ينوع في الغناء والبكاء ، فمرة يكون الغناء الكثير بكاء ، ومرة تكون كثرة البكاء مثل قلته .
***
وفي نظام التقليص والامتداد للاسطر ، نجده قد استخدمه في المقطع هذا من قصيدة ( فيس بوك ) :
* ((عن إسم أم صديقي البعيد
و أسماء حاولتُ
في مرة
أن الملم حزني العظيم
وأبعثهُ
في البريد السريع
فساءلتُ (كوكل)
كل الحزينات من أمهات العراق
الحبيب
الكئيب
فأدرج لي
كلّ ما في العراق
من
الأمهات !!)).
اذ يبدأ المقطع الشعري بخمس كلمات ليصل الى واحدة ثم في المنتصف يصل الى خمس كلمات ليعود في النهاية الى الكلمة الواحدة .
***
في نظام نثر حروف الكلمة على السطر كما في قصيدة ( فيس بوك ) يرسم الشاعر عملية التناثر التي تطال الروح بتفتيت حروف الكلمة افقيا تفصل بينها نقاط ثلاث:
* ((على حائط لصديق بعيد
ت ... ن ... ا... ...ث... ر... تْ الروحُ
في المفرداتْ)).
***
وفي نظام الحرف – سطر ، يفتت الشاعر كلمة الدمع الى حروف يوزعها لتكون كل حرف في سطر ، ليبين عملية تساقط الدموع من العين قطرة قطرة :
* (( قررتُ
أن أكتبَ الكلماتْ
وحين بدأتُ
تهاوتْ على خديَ
ا
ل
د
م
ع
ا
تْ )).
***
وفي نظام التنقيط العمودي ، يجمع الشاعر بين هذا نظام السطر نقطة ،ونظام تفتيت حروف الكلمة عموديا ،كما في قصيدة ( هو ) :
* ((من زمان
يبدو كدمع
ي
سـ
ي
لُ
.
.
فهو تلٌ
من الهموم
ثـقيلُ)).
حيث يضع الشاعر نقطة في كل سطر دلالة عن كيفية نزول الدمع.
***
وفي نظام الجمع بين نثر حروف الكلمة على السطر و التنقيط، نجد الشاعر قد فتت كلمة ( يطول ) الى حروفها الاولية ، ووضع مع كل حرف مجموعة من النقاط التي عبر فيها عن معادلة الفعل الحادث مع عملية التفتيت والتنقيط ، كذلك فهو يمثل جريان النهر من الاراضي العالية الى المنخفضة ، لان النهر دائما يجري هكذا :
* ((وقصيرٌ طريقنا
مثل نهر
نحو بحر
يـسـيرُ
مهما
ي ...........
...ط..........
....... و......
...............لُ)).
***
هذه الانظمة التي اتبعها الشاعر في قصيدتيه اراد من ورائها توصيل الحالة النفسية التي يعيشها اثناء كتابة القصيدتين ، لتوليد المعاني والدلالات التي يحملها النص عند المتلقي ، لان هذه الانظمة لم تكن عناصر محايدة في بناء القصيدة مهما كان السبب من توظيف الفضاء الكتابي / الطباعي ، والتوزيع الهندسي فيه.
والتوزيع الهندسي هذا الذي تحدثنا عنه من خلال الانظمة الكتابية جعلت الايقاع البصري يتضافر والايقاع التركيبي لينتجا ايقاع القصيدة الام ، ويتماثل في القصيدتين التوزيع الهندسي على مستوى الكتابة والمستوى الدلالي.
ان الاحساس من قبل المتلقي لهذا الايقاع او ذاك ، مرده تظافر الوحدات الصوتية ، والوحدات النحوية ، والوحدات الدلالية ، وعندما يعجز التحليل النقدي في بيان هذا الاحساس، فان السبب ليس في النص الشعري، وانما في ادوات التحليل المستخدمة، خاصة للنصوص الشعرية العالية الجودة، كنصوص الدراسة هذه.
ان تحديد هذه الانظمة في هذه الدراسة لا يعني انها الوحيدة التي استخدمها الشعراء – والشاعر فاضل ضمنيا – وانما هناك انظمة كثيرة لا يسع هذه الدراسة تقديمها كلها.

ليست هناك تعليقات: