الثلاثاء، 28 يونيو 2016

يقع الشعراء الكبار على اشكالهم




نشرت جريدة ( العراقية ) الصادرة في استراليا مقالي عن شاعرين احدهما يكتب في الفصيح والاخر يكتب في اللهجة العامية ، اتفقوا في المعنى والصورة الشعرية بعنوان )   :   يقع الشعراء الكبار على اشكالهم (   شكرا للدكتور موفق ساوا .
يقع الشعراء الكبار على اشكالهم 
داود سلمان الشويلي
يقول المثل الشائر بين الناس ( الطيور على اشكالها تقع ) ، من هذا المثل استعرت عنوان مقالي هذا ، حيث نجد ان الشعراء الكبار والبعيدين زمنيا ، والمختلفين في اداة التوصيل ، بين اللغة الفصحى واللهجة العامية لها، يأخذون المعنى الواحد ويصيغون عليها ابياتا شعرية فيها ابداع ، وفن عالي ،وصور جميلة ، لا كما يقول بعض الدارسين ( الحافر على الحافر ) بل تبقى الصياغة مختلفة ، او كما يقول الجاحظ (المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي،والبدوي والقروي ،وانما الشان في اقامة الوزن،وتمييز اللفظ وسهولته ، وسهولة المخرج ،وفي صحة الطبع ، وجودة السبك ،فانما الشعر صناعة وضرب من الصيغ ، وجنس من التصوير.).
وهكذا نجد بعض الشعراء يأخذون المعنى الجميل ويصيغون عليه حلية جميلة من الشعر ، مع العلم ان الشعراء هؤلاء لم يطلعوا على شعر من سبقهم ، بل هي من بنات افكارهم ، طالما الفكرة الرئيسية مبذولة ومتكررة في الواقع الحياتي على الرغم من تباعد الازمان والامكنة .
يذكر أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان صاحب كتاب " وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان " في كتابه هذا ان الشاعر ( أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن سكرة الهاشمي البغدادي الشاعر المشهور، وهو من ولد علي بن المهدي بن أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي - ? - 385 هـ / ? -) هو كما قال الثعالبي في ترجمته: هو شاعر متسع الباع في أنواع الإبداع، فائق في قول الطرف والملح على الفحول والأفراد، جار في ميدان المجون والسخف ما أراد، وكان يقال ببغداد: إن زمانا جاد بمثل ابن سكرة وابن حجاج لسخي جدا، وما شبها إلا بجرير والفرزدق في عصرهما. ويقال إن ديوان ابن سكرة يربي على خمسين ألف بيت، فمن بديع تشبيهه ما قاله في غلام رآه وفي يده غصن وعليه زهر، وهو:
غصن بان بدا وفي اليد منه ... غصن فيه لؤلؤ منظـوم
فتحيرت بين غصنين في ذا... قمر طالع وفي ذا نجـوم
وابن سكره ابن عصره المهتم بالخمرة والغلمان .
ياتي شاعر يكتب بالهجة العامية بعد الف عام تقريبا عن وفاة الشاعر ابن سكرة ليكتب موال يتحدث في المعنى ذاته ، وهو الشاعر العامي العراقي الحاج زاير بن علي بن جبر الدويج، المولود في النجف سنة 1277 هـ ، ومات فيها سنة 1329 هـ ، عن عمر ناهز الـ " 52 " ، والذي يعد من فحول الشعراء العاميين القدامى ، يصف غلاما جميلا كأن وجهه كالوردة جميلا وقد حمل وردة بيده .
يقول الشاعر :
تميت احومي اعله شوفك بس اروحن ورد
ابغـــي وصالك واروم مـن المـراشف ورد
محتوم ذكرك علينه بكـــــــــل فريضه ورد
من حيث بسمك تتـــــــــــم افروضنه ودعه
ورضوان حســـــن الحواري بوجنتك ودعه
الورد قــــــــــــــــــــدم لوايح واشتكه ودعه
ويكول انت الورد جـــــــــــا ليش تشتم ورد
حيث كان الشاعران قد قدما صورة شعرية لغلامين احدهما كغصن البان جمالا ويحمل بيده غصن بان ، والشاعر العامي يصف الغلام الذي جماله كالورد ، و يحمل بيده الورود ، فهل كان ذلك توارد اشعار ام ماذا ؟
الشعراء الكبار مثل الطيور على اشكالهم يقعون.


ليست هناك تعليقات: