الاثنين، 27 يونيو 2016

( رحلة في الذاكرة ) - ( القراءة) :




نشر موفع ( النور ) مقالتي ( رحلة في الذاكرة ) - ( القراءة) :
http://www.alnoor.se/article.asp?id=254640
رحلة في الذاكرة
" القراءة"
داود سلمان الشويلي
((يــــــروى أن المأمـــون العباسي قال لعمه عبدالله بن الحسن وقد تقدمتْ به السن : ما بقيَ من لذائـــــذك يا أبا علي ؟ فأجـــــــــــــــابه : إثنان ، الأولى اللعـــب مع الحفـــــدة والأسباط ، والثانية الحديث مع الصم البكم العمي !! فقال المأمون : عرفنا الأولى فماذا عن الثانية ؟ فأجــــــــــــابه : قــــــراءة الكتب فهي لا تـزعجـــــــــــك بصوت ، ولا تتـــجسس عليك بسمع ، ولا تتطلع عليك ببصـــــــــــر !!)).
- من منقولاتي -
))ليس من سفينةٍ مثل الكتاب تأخذنا إلى أراضٍ بعيدة))
- إيميلي ديكنسون -
(( بعد قراءات عديدة في الكتب والصحف والمجلات عرفت ان اي شيء مكتوب ، ومنه النص ، والنص الادبي ، لا يمكن ان يكون له اي معنى الا بعد القراءة ، وفي هذه الحالة تكون القراءة شرطا اساسيا في الوصول الى المعنى.)).
- الشويلي -
تروي كتب التاريخ ان :((الصاحب بن عباد (326 -385 هـ) كان اذا انتقل من مكان الى مكان ينقل معه كتبه التي تحمل على ثلاثين بعيرا ليقرأها اثناء سفره .)).
هذا معناه انه كان " نهما " جدا في القراءة والاطلاع ، ولا يصبر على ترك كتبه.
فيما يقول الروائي كالفينو: ((القراءة تعني الاقتراب من شيء هو قيد الصيرورة)).
اما عن المكتبة فيقول فارلام شالموف : ((الكتب هي أفضل ما نملك في الحياة، إنها خلودنا.أشعر بندم عميق لأني لا أملك مكتبة خاصة بي.)).
ويقول الروائي البرتو مورافيا :
(( الكتاب الذي يقرأ بشكل صحيح ، يجب ان يكون مكتوبا قبل اي شيء بشكل صحيح )).
وهذا معناه ان هناك قوانين واشتراطات تحكم الكتابة الصحيحة لكي تقرأ بصورة صحيحة ، فهل كل كتاب صحيح في كتابته ، ويحمل قوانين واشتراطات الصحة؟
القراءة هي عملية تواصلية بين القارئ والنص, وتفاعل ايضا.
القارئ في هذا التفاعل يشارك بمجموعة من العمليات الذهنية ، فيما يقدم النص مجموعة أدلة وإشارات تمكن هذا القارئ من فهم النص الذي يقراه ومن ثم يأوله للوصول إلى المعنى النهائي للنص .
الكتاب الورقي ، و الكتاب الافتراضي المحفوظ في الحاسوب ، يقرأ مرة واحدة في العادة ، وفي بعض الاحيان يقرأ مرتين في حالة بقاء الحاجة الى ذلك قائمة ، كأن يكون كتابا مهما ، او لا يعطي نفسه للفهم المباشر بالقراءة الاولى ، او( مكتوب بصورة صحيحة ) كما يقول مورافيا، او لاي سبب اخر .
كثيرا ما نعيد قراءة كتاب ما مرة ثانية، ان كانت هاتين القراءتين في وقت واحد ، اي بعد ان ننهي قراءته الاولى نعود لنقرأه ثانية ، وربما ثالثة ، او في اوقات مختلفة تصل الى ان تكون عقودا من الزمن.
والكتب التي وجدت نفسي اعيد قراءتها لاسباب متنوعة وعديدة ، كثيرة ومتنوعة،فكانت القراءة الثانية ،او الثالثة لكتاب ما ، تبقى في حالة تنازع بينها وبين القراءة الاولى او الثانية ،لتصل الى المعنى الخاص له ( قصد المؤلف )، حيث عند قراءتها للمرة الثانية او الثالثة ، يبدأ المعنى الخاص ( قصد المؤلف ) يتنازع والمعنى العام له، ومن ثم يستأثر بدلالاته المكنونة التي توصل اليها ، وهذا ليس معناه ان اي كتاب يحتاج الى مثل هذه القراءات العديدة ، فقد يكون كتاب ما يعطي دلالاته من القراءة الاولى ، ومنها كتب لا تسلمك دلالاتها الا بعد القراءة الثانية او الثالثة ،ويبقى الكتاب على الرغم من كل القراءات من شخص واحد له دلالات اخرى مخفية لا تفض نفسها الا عندما يقرأه شخصا اخر ، والسبب هو الذائقة الشخصية للمتلقي / القارئ ، لان كل قاريء يخزن مجموعة من المحددات والاشتراطات في ذائقته القرائية ، وهذه المحددات والاشتراطات تعمل عملها عند القراءة الاولى والثانية اوالثالثة اوغيرها من القراءات ، فتترك ما ترى انه قابل للترك ، وتقبل ما ترى انه قابل للقبول ، وتصحح ما تراه قابلا للتصحيح ، وفي ذلك كانت هذه الذائقة القرائية قد اشتغلت بصورة صحيحة ودقيقة على ما قرأته.
لقد تحولت عندي القراءة الى ان تكون قراءة انتقائية، ومن ثم اصبحت عندي تحليلية ، و بعد فترة من قراءاتي الموجهة ( اختيار الكتب التي اقرأها ) وجدتني اضع مجموعة من الاشتراطات على ذائقتي القرائية ، منها :
- لا اخشى مما اقرأه ، وفي الوقت نفسه احترم هذا الذي اقرأه ، لانه مهما يحمل من افكار ، فهو قابل للحوار والنقاش ، لهذا علينا ان نحترمه.
- القراءة فهم وادراك واعيان ، وحوار متواصل، ومناقشة ما اقراه ، فكل الذي اقرأه هو جهد لانسان مثلي يمكن محاورته ومناقشته.
- عند القراءة ، اذا كنت اصدق كل ما اقراه وكأنه وحي منزل ، عليّ التوقف فورا عن القراءة تلك ، لكي لا اكون حشويا ، اداة استلام فقط ،لان ما اقرأه هو صحيح قابل لان يكون خطأ ، وخط قابل لان يكون صحيحا.
- الذي اقراه لا يعني انه سيمنحني دلالاته الاولية، والمعنى المختبئ خلفها من اول قراءة ، لان ما اقرأه هو نتاج عقل غير معروف ، مجهول ، والمعنى الذي ابحث عنه سيتكشف حين الانتهاء الكلي من قراءتي ، وحسب قوانين واشتراطات فكري ووعيي وادراكي ، لان هناك بين الفكرة التي يعبر عنها اي كاتب ،و الكلمات والجمل التي يصوغها فيها مسافة تطول او تقصر ،وعلى القاريء ان يقطع تلك المساحة بوعي تام متسلح بذاكرة قوية وخيال خصب وذهن متمرس.
- حتى التفكيكية التي راحت تفكك النص، ظلت عاجزة امام قوانين واشتراطات الفكر،والوعي، والادراك،الخاصين بكل قارئ ، اذ ليس هناك قراءة بريئة.
- القراءة هي التي تمنح شرعية لما نقرأ ، وليس الموضوع، او الكاتب .
وهي فوق كل ذلك تنتج اللذة عندما تصل الى قصد المؤلف بحسب رأي القاريء.
ان الانسان بطبغه متسائل ، يطرح الاسئلة دائما ، وتواق لاكتشاف المجهول ، والقراءة تعطيك المعرفة بالاشياء لانها الوسيلة المهمة لاكتسابها ، وكلما اتسعت تلك المعرفة ازدادت عندك مساحة المجهول ، وبهذا تبقى تقرأ ،وتقرأ، وتقرأ لتلتق بذلك المجهول.
احتفظ البومي للصور على صور عديدة تروي حالة القراءة التي اقوم بها: هناك صورة لي وانا اقرأ الشعر في السبعينيات ، واخرى وانا اقرأ كلمة في الحفل التابيني للمرحوم الشاعر رشيد مجيد ،وبين الاولى والثانية زمن يمتد على اكثر من خمس وعشرين عاما .
و هناك صورة لي اقف قرب مكتبتي الخاصة التي تضم الكتب التي قرأتها.

ليست هناك تعليقات: