الاثنين، 27 يونيو 2016

النص بين منشئه وقارئه".





شرت صفحة ( بصمة مثقف ) في صحيفة ( العراق اليوم ) دراستي عنه قصيدة للشاعرة سجال الركابي بعنوان (تمرين في القراءة "النص بين منشئه وقارئه"... محاولة لكتابة نص القارئ... قصيدة الشاعرة سجال الركابي انموذجا) شكرا لمحرر الصفحة الشاعر تحسين عباس :
تمرين في القراءة
"النص بين منشئه وقارئه"
محاولة لكتابة نص القارئ... قصيدة الشاعرة سجال الركابي انموذجا
قراءة : داود سلمان الشويلي
*(( ما للسماءِ تنبذُ النجوم !
وإن تهاويتٓ نجمةً ...
سَطعْتَ في ضمائرنا قَمَرْ ( هكذا )
أمّا التراب فإلى ترابٍ ...
هكذا جَزَمَ القَدَر .)).
بعد ان كتب عثمان بن عفان القران في سبع نسخ من المصاحف ،ارسل قسم منها للامصار الاسلامية ، وارسل مع كل مصحف قارئا ، فتعلم اناس منهم تلاوة القران حسب اللهجة التي كان يقرأ فيها او تعلمها من زمن النبي ، وبمرور الزمن كثر الحفاظ والقراء ، وتنوعت وتعددت القراءات ، فدون احد القراء وهو ابو عبيدة القاسم بن سلام كتابا في ذلك ، ثم تتالت الكتب المؤلفة عن القراءات ، فكانت هناك سبع قراءات، زادت الى العشرة ، ومن ضمنها القراءات الشاذة .
ومن خلال تلك القراءات كانت احداهن تختلف في قراءة المخاطب ، او ان الاختلاف كان يقع في قصد المتكلم الذي يختلف بين ان يكون ناقلاللخبر ، او انه يخاطب شخصا بعينه .
وكمثال على ذلك، يذكرالسجستاني في كتابه المصاحف في الجزء الاول تحت الفقرة 224 (( ... ويقراون ( دَارَسْت ) ،وانماهي ( دَرَسْت )... )) . ص331
وجاء في كتاب ( الاتقان ) في التنبيه الرابع :
(( 1105باختلاف القراءات يظهرالاختلاف في الأحكام ولهذابنى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءة في لمستم ولامستم)). ص209
من هذه الامثلة وفي غيرها الكثير ، نستنتج ان تغييرا طفيفا في اللفظة تقود الى معنى مغاير ، وتنثال معان ودلالات كثيرة على مخيال القاريء ، والمتلقي سماعا .
هذا جانب ، وجانب اخر هو ان هناك بعض الامورالتي تطرحها بعض النصوص الشعرية،وهي قضية الالتفاف التي تصيب الكلام فيه والذي معناه : انتقال مفاجئ أثناء الكلام إلى مخاطبة شخص أوشيء حاضرأوغائب،اوالعدول عن كلام إلى غيره،أوهوالخروج عن كلام منتظم إلى غيره ،وهذا ما دعته الدراسات الاسلوبية الحديثة انحرافاعن الاسلوب المعياري،وهذامايمتازبه هذاالنص القصير.
***
ان عنوان هذه الدراسة هو عنوان مكرر ، لانه ورد في دراسة سابقة لي نشرت في مجلة الاقلام في عدد ايلول - تشرين الاول 2000 ، تحدثت فيه عن النص الذي يبدعه الكاتب ليخرج في النهاية من قلمه وهو غريب عنه ، قابل للحديث عنه بعيدا عن منتجة ، قريبا من قارئه ،وللقارئ الحق ان يبنيه مرة اخرى حسب ما يراه ، او ما يقراه ، وقد انشأت تلك الدراسة نصا اخر يوازي نص الشاعر المدروس " رشيد مجيد" وقصيدته ( ليلة ممطرة ) التي يقول فيها :
*((الليلة ممطرة،
والبرد احدّ من السكين
وصوت الريح،وحشرجة المطرالمتدفق 000
والشارع اقفر،إلامن اصداء خطاها،
لاشيءسوى هذا،
وسوى اصداء خطاهاوسواها،
وحقيبتها المبتلة،والشعرالمتثائب في ملل،
فوق الكتفين 00 وانملها،
وهي تدق الباب ليفتح 00
منسيكون الليلة ضيفي 00؟
ومن الطارق 000؟
هذاوقع حذاءامرأة ستشاركني اليوم فراشي،
فسأدخلها 000 اوسأراها،
وانصاع الباب لها،وامتدت قامتها 000
امرأةتعبىت تأملني،
لم يتركهاالليل،وهذاالمطرالمتحدركالسيل،000
ان تختارمكاناغيرمكاني هذا،)).
اذ يتحدث النص عن امراة وصلت للتو الى مدينة غريبة في جو ممطر ، تطرق باب دار صاحبها رجل اعزب ، فيفتح لها الباب وتكون المواجهة ، واترك للقاري جمالية قراءة النص كاملا في مجلة الاقلام العراقية ، وفي كتابي ( رشيد مجيد ... انسانا وشاعرا ) المنشور في اغلب مواقع الانترنيت الادبية .
ثلاث مقدمات قصيرة اوردتها لتكون مرجعا لنا في هذه الدراسة ، وموجها رئيسيا اثناء قراءتها.
***
في هذه الدراسة سنقدم قراءة ثانية لنص شعري قصير للشاعرة سجال الركابي ، وتاتي هذه القراءة الثانية للنص استنادا للافاق العديدة والواسعة للغة العربية ، والتي تصنعها اعتمادا على تبدل وتغير الضمير الذي يحدد الشخص المخاطب ، او ما يسمى بضمير المخاطب ، وهو من الضمائر المتصلة ، وفي نصنا هناك يوجد ضمير ( تاء المخاطب ) الذي من خلاله يمكن ان نغير ما في سياق الجملة ، وكذلك من خلال تغيرصيغة الكلام.
القراءة الثانية التي تقترح هذه الدراسة ان تقرأ فيها هذه القصيدة ، وهي قراءة تابعة للمتلقي الذي هو انا وحسب ذائقتي في تلقي الشعر – و لا اصادر حق الاخرين في قراءة القصيدة ذاتها - من خلال صرف اللغة ونحوها ،وبالمعنى الذي تقصده ،او بالمعنى الذي ظهر لي وانا اقراها، او اللغة التي وضعتها فيها ، وهي القراءة الافضل بالنسبة لي انا المتلقي للشعر قراءة ، هي :
* (( ماللسماءِتنبذُالنجوم !
وإن تهاوت نجمةً ...
سَطع في ضمائرنا قَمَر
أمّاالتراب فإلى ترابٍ ...
هكذاجَزَمَ القَدَر .)).
ان الخطاب في القصيدة يتحدث عن النجوم (ماللسماءِتنبذُالنجوم !) فيجب ان تكمل القصيدة خطابها الذي تتكلم عنه .
وفي اللغة العربية فسحة في السماح للخطاب ان يبدل وجهته بين حين واخر ، كما قلنا عن الالتفات ، الا ان الاجود في الصياغة هو استمراره في توجهه الاصلي ، فتكمل القصيدة اخبارنا (وإن تهاوت ٓنجمةً .../ سَطع في ضمائرنا قَمَر)الخطاب موجه الى الغائب البعيد الذي يسطع في ضمائرنا بعد ان تتهاوى نجمة في السماء.
ان قصر النص لا يتحمل مثل هذه الامور الخاصة باللغة (وإن تهاويت ٓنجمةً ...سَطعْتَ في ضمائرنا قَمَر).
اذا كان الخطاب موجها لشخص بعينه فهو تحديد لا لزوم له ، على الخطاب ان يكون موجها للمجهول الذي يفسح المجال للتأويلات المنتجة والمثمرة، وانفتاح للمخيال كي تنثال صور ذاك المجهول امام الاعين .
ان القراءة اعلاه هي قراءة خاصة بي ولا الزم اي متلقي بها ليفهم النص الشعري القصير ودلالاته.
النص هو نص مفتوح امام التاويلات والاحتملات ، وليس نصا منغلقا ، لهذا استميح العذر من شاعرته لاني قرات النص وفهمت واولت معناه واستنطقت دلالاته حسبما تستدعي ذائقتي في الفهم والتلقي .

ليست هناك تعليقات: